قبل أيام، تلقى علاء عزام، صاحب مشتل زراعي بمنطقة المعادي، اتصالا هاتفيا من رقم مجهول، يبلغه بضرورة إخلاء محله الواقع بشارع 250 بالقرب من ميدان الجزائر.
قيل له إن الإخلاء لا مفر منه، لبناء جسر جديد امتدادا بالطريق الدائري مكان مشتله، ولا ينتظر من الحكومة تعويضا أو مكانا بديلا.
استقبل عزام المكالمة بحزن عميق استدعى به ذكرياته مع الورود وسكان المعادي، لكنه لم يكن متعجبا ممن سمعه فهو يعلم بخطة “محور الجزائر” التي أعلن عنها وزير النقل والمواصلات كامل الوزير قبل شهر من الآن.
وكان الوزير أعلن الاتفاق على إنشاء 3 محاور لربطهم بالتجمعات العمرانية على جانبي الطريق. واحد من المحاور الثلاثة التي يقصدها هو “الجزائر” الذي تقول الوزارة إنه سيخدم سكان المعادي والبساتين، بينما يرى معماريون ونشطاء أصدقاء للبيئة إن المحور سيقلب حياة سكانها إلى جحيم وضوضاء وأخطار عديدة ويقضي على طابعها المعماري.
لذا، لم يعد أمام عزام وغيره فرصة كبيرة للتصرف في نباتاتهم، تنفيذ القرار بات مسألة وقت، ليعلن البعض نيتهم بيع إنتاج مشاتلهم بنصف الثمن.
مشاتل المعادي بنصف الثمن
“مشاتل المعادي بتبيع حاجتها بنصف الثمن”، تداولت تلك العبارة بمختلف الطرق بكتابتها لمساعدة أصحاب المشاتل المتواجدين بشارع 250 بمنطقة المعادي والمقرر إزالتها لشراء ما يعرضونه من نباتات.
As received, pls circulate
صباح الخير
صديقه لي عندها مشتل شيك قوي في المعادي فيه انواع زراعات زينه متعدده و احواض زرع و اكسسوارات
للاسف جالها قرار ازاله مستعجل من الدوله خلال ٤٨ ساعه لعمل طريق
هي بتصفي المشتل و عارضه كل المحتويات بنص تمنها.#محور_الجزائر— Hala (@hala_helal) July 12, 2021
علاء عزام واحد من أصحاب تلك المحلات التي يتعارض وجودها مع منطقة مرور الجسر الجديد. لا يرغب الرجل بالطبع في المغادرة من مكان حيوي كهذا، فميدان الجزائر واحد من الميادين النابضة بحي المعادي الراقي ويمر به آلاف المركبات بشكل يومي.
قبل 6 سنوات من الآن، قرر عزام استئجار 200 مترا لإنشاء مكان يستطيع خلاله التجمع مع سكان المعادي، ويتبع ذلك المكان الهيئة العامة للسكك الحديدية مقابل رسوم مالية وشركة OTM التي تدير مشروعات السكة الحديد، وهو المكان الذي كان يحوطه القمامة من كافة النواحي بمبلغ يتراوح بـ 33 ألف جنيه.
يقول عزام: “قمت بتنظيف المكان بسواعد ولادي وبعض الجيران والأصدقاء وأولادهم، وتشغيله بعشرات الآلاف من الجنيهات في البداية وتعدت إلى المئات بعد ذلك، وأصبح المكان من معالم حي المعادي ومن المراكز التي تخدم المجتمع المحلي فيها”.
مر مشروع عزام بعدة اضطرابات، فقد سبق قرارا التهديد بالإزالة حاليا قرار آخر في 2018، وتحديدا في 25 نوفمبر برغبة من جهات حكومية للسيطرة على تلك الأماكن، قام مستأجرو الأماكن بعدة محاولات لعدم التخلي عن أماكنهم، ليتم في 2020 تجديد العقود مرة أخرى بينهم وبين شركة السكك الحديد.
“دفعنا فلوس عن سنة 2018 حتى 2021 بغرامات وتم رفع الأيجار 100 جنيه عن كل متر” يضيف صاحب المشتل.
حاول عزام التخلي عن مشروعه، ولكنه لا يتحمل خسارة جهود أبنائه والذين شاركوه في نظافة المكان بجانب مجهوده: “ارتبطت بالمكان وصرفت واستلفت عشان ينضف، والشركة منزلوش جنيه واحد في أزمة الكورونا وفدعت 100 الف جنيه وبالعكس دفعونا غرامة”.
“بيكرهوا الزرع”
ومن المقرر أن يكون خط سير “محور الجزائر” داخل الكتلة السكنية بالبساتين والمعادي ودار السلام، على أن يفصل حي البساتين الشرقي والغربي وصولا للمعادي، وسيتم تنفيذ المحور الجديد من تحت الطريق الدائري الى محور الحضارات مع نقل كافة الورش المحيطة بالدائري.
لا يملك عزام تفسيرا للإسراع بإزالة المشاتل رغم أن المحور الجديد سيمر بالمنازل قبل الوصول إليهم. يعود ويعلق: “إما بيكرهوا الزرع أما يرغبون في الحصول على المنطقة لتأجيرها مرة أخرى بمبالغ أكبر عما سبق نظرا لوجود شارع 306 التجاري”.
لا يوجد تعويضات بأمر العقود
“الدولة مبترميش أولادها ولا تدمر الصناعة، بتلك العبارة صرح وزير النقل كامل الوزير تعليقا منه على نقل أصحاب الورش إلى مناطق أخرى بديلة عن أماكنهم بشارع الجزائر.
وهو الأمر الذي دفع عزام بالبحث عن بدائل التعويضية عن مكانه الذي يبلغ عمره 6 سنوات، ولكنه فوجئ بأنه ليس من ضمن من سيتم تعويضهم: “للأسف العقد الذي أبرم مع السكة الحديد والحي يتضمن عدم وجود تعويض، حين يحتاجون للمكان سيحصلون عليه”.
تفاعل “عزام” مع القرار محاولا الحفاظ على ما يمتلكه من نباتات، ولكنه لا يستطيع الحفاظ على المكتسبات التي حققها في خدمة المجتمع المحلي بمنطقة المعادي من تعليم الأطفال الزراعة والأعمال اليدوية ومساعدة الأسر المنتجة لعرض منتجاتهم، انتهاء بالتجهيزات التي تجاوزت 200 ألف جنيه.
عمار حسن، صاحب مشتل ومتجر لبيع الورد، يعيش هو الآخر في حالة مزاجية سيئة، فبين عشية وضحاها بات مطالبا بإخلاء مشتل عمره حوالي 40 عاما. تسبب هذا القرار في ارتباك ودهشة حسن، لاسيما أنه ليس من المخالفين ومن دافعي الضرائب ويؤمن على جميع العاملين بالمشتل.
ما البديل؟
لا يعرف عمار مصير مشروعه القديم، وتغيب عن ذهن صاحب القرار البدائل، حيث إنه حاول البحث عن معلومة بحي المعادي، لكنه لم يعثر على إجابة محددة، فما أبلغ به بأنه ليس هناك معلومة رسمية أو مخاطبات كتابية يستطيع الحي مواجهته بأصحاب المشاتل.
يقف عمار البالغ من العمر 49 عاما والذي لا يجيد سوى العمل في زينة النباتات والتشجير وإنشاء شبكات الري، مفكرا في بدائل إن تمت الإزالة “ماذا سيعمل.. كيف سيصرف على 7 عمال و3 أسر ملزمين منه”، ليستقر على قرار بأنه لن يقوم بترحيل بضاعته إلى مكان آخر حتى وصوله إلى خبر يقين.
جمعية محبي الأشجار.. إنقذوا المعادي
الشهر الماضي، جمعية “محبي الأشجار”، خرجت عن صمتها لمساندة أصحاب المشاتل، وللمطالبة بمراجعة مسار المحور والتوصل إلى حلول بديلة تغني عن إفساد النسيج العمراني للحي والبعد التاريخي والثقافي، حيث يوجد في المنطقة التي من المقرر أن يمر بها “المحور” عدد من المباني الهامة تاريخيا، ولتجنب الضاحية المزيد من التلوث السميع والبصري، واصفين ذلك بأنه يتعارض مع معايير الاستدامة العالمية لتصميم عمران المناطق السكانية القائمة.
وقالت الجمعية إن منطقة المعادي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1904، وهي منطقة متفردة بسمات عمرانية واجتماعية وطبيعية تجعلها واحدة من أكثر أحياء القاهرة تميزا، واصفة إياها بنموذج مثالي للعلاقة المتناسقة بين المسكن، والمساحات الخضراء، والمناطق التجارية باشتراطات بنائية خاصة، تجعلها نموذجا مصغرا لـ«المدينة الخضراء».
وجاء في البيان أن الحي نشأ وتشكل على رؤية واضحة من مؤسسيها وساكنيها، لتنمو وتتطور بيد أجيال متعاقبة، من أبنائها الذين يجمعهم حب ضاحية المعادي والانتماء إليها مما جعلها ضاحية متميزة بلا أسوار، وأثمر هذا المجهود في اعتبارها واحدة من أهم المناطق ذات القيمة المتميزة والمحمية بالقانون رقم 119 لسنة 2008 للحفاظ على القيمة المعمارية والعمرانية والتاريخية والعلمية والبيئية والإنسانية”.
ولفتت الجمعية إلى أن عمران ضاحية المعادي أثر في سلوكيات كل فئات المجتمع من مقيمين وعاملين وزائرين، وارتقى بجودة الحياة، وجعل من شوارعها مسارات مفتوحة للسير، والركض، والتنزه بالدراجات، وعدم استخدام أبواق السيارات، بل والاعتماد على الحركة بلا سيارة في كثير من الأحيان.
وأشارت إلى أن “الحي الهادئ” يواجه تحولا عنيفا يهدد إلى غير رجعة، طبيعة المكان وهويته لوجود توجه مروري بإقامة محور الجزائر، هذا الشريان المروري السريع الذي سيخترق قلب حي المعادي، ويمزق النسيج العمراني له، ويتلف الطبيعة الخضراء الهادئة به، بل ويدمر ثروته الشجرية المعمرة التي قاومت الكثير من التحديات حتى أصبحت قوية وقادرة على العطاء، وتعد موردا اقتصاديا وبيئيا هاما لا يجوز إهداره، ويمثل جزءًا هاماً من ذاكرة الأمة، وهويتها، وتنوعها الحيوي
توقيعات إليكترونية لوقف محور الجزائر
وفي محاولة وصفها سكان المعادي بـ “المستميته” للحفاظ على رونق وطابع المعادي المميز بكافة الطرق منعا لتديمره وتحويل قوالب أسمنتيه باهتة، دشن عدد من سكان الحي تحت اسم “وقف محور الجزائر” حملة توقيعات إليكترونية لوقف خطة تنفيذ محور الجزائر، حفاظا على طبيعة الحي الراقي.
ووصلت الوثيقة التي تهدف لجمع 7500 توقيع إلى 6624 حتى كتابة هذه السطور، لتقديمها إلى وزير النقل، حيث يرى سكان المعادي بأن المحور”يقلب حياة سكانها إلى جحيم وضوضاء وأخطار عديدة ويقضي على الطابع المعماري الجميل لحي المعادي”.
الشروع في التدمير
وعقب انتشار خبر الإخلاء وإقامة الكوبري، انتشرت وسوم “لا لمحور المعادي”، “المعادي ترفض المحور”، مع نشر صور تحمل القيم المميزة للحي الأخضر والنباتات والأشجار الفريدة.
وأشارت صفحة “ديوان المعمارين”، وهي صفحة من أجل الحفاظ على المهنة والأصول الفنية والعلمية والأعراف الدولية، إلى أن منطقة المعادي تم تخطيطها عام 1907 لتكون ضاحية هادئة، وتم تسجيلها ضمن المناطق ذات القيمة المتميزة طبقا للقانون 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية ومن المفترض أن ذلك يكفل حماية المنطقة من استقطاع أي مساحات خضراء لأي غرض وعدم إقامة الكباري والطرق العلوية للسيارات.
وأكدت الصفحة أنه رغم تلك الحماية التي كفلها القانون، يتم اتخاذ قرار بإنشاء محور مروري (الجزائر) يخترق ضاحية المعادي ويدمر نسيجها العمراني ويقتلع اشجارها المعمرة والنادرة. مشيرة إلى أن السيولة المرورية يمكن تحقيقها بأساليب عديدة ليس من بينها اختراق الطرق السريعة للأحياء السكنية.
بدائل المحور
لا يكتفي سكان المعادي بالاعتراض العمراني على محور الجزائر، بل قدموا بديلا لعدم اختراق محور الجزائر قلب المعادي وشقها إلى نصفين، مقدمين بديلا آخر لمرور المحور عبر حدود المعادي.
وبرأي الكاتب الصحفي والناقد الرياضي، حسن المستكاوي، أحد سكان المعادي، فإن محور الجزائر سيتسبب في نقل حركة السيارات إلى وسط المعادي بينما هناك مناطق صحراوية في الزهراء يمكن دراسة تخطيط محاور عرضية وطولية وكبارى عابرة للنيل تنقل الحركة إلى الجيزة وحلوان و٦ أكتوبر والمهندسين والطريق الصحراوى وترتبط بالدائرى والدائري الأوسطي والإقليمي فيما بعد خاصة بعد التطوير الكبير الذي جرى علي مخارج ومداخل القاهرة الكبرى.