استدعت الأزمة المتفاقمة بين مصر وإثيوبيا بسبب قواعد ملء وتشغيل سد النهضة العديد من الخيارات، تجلت مؤخرا في تحركات وزارة الخارجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للدفاع عن الحقوق المصرية في مياه النيل أمام المجتمع الدولي. وبالتوازي مع التحرك الرسمي عادت الأحزاب لتنشيط الدبلوماسية الشعبية في ملف سد النهضة، من خلال زيارة أجرتها الجبهة الشعبية للدفاع عن مياه نهر النيل اليوم لمقر الاتحاد الأفريقي بالقاهرة.

الجبهة الشعبية للدفاع عن مياه نهر النيل أرسلت خطابا موجها للاتحاد الأفريقي، يطالبون فيه الاتحاد وكل الهيئات المرتبطة به بوساطة فعالة وشفافة ما بين مصر والسودان وأثيوبيا تضمن التوصل لاتفاق ملزم ونهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل ” سد النهضة الإثيوبي الكبير”. 

وأوضحت الجبهة في رسالتها أن الرسالة أتت من منطلق حق الشعوب في التنمية والسلام وبالنظر لدور الاتحاد الافريقي في تعزيز مواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن والتنمية ومساندة للديمقراطية وحقوق الإنسان. 

وفشل الاتحاد الأفريقي في الوصول إلى اتفاق بين دولة المنبع ودولتي المصب طول الأشهر الماضية، لكن خرجت التوصيات من مجلس الأمن في جلسته الأخيرة لمنافشة هذا الملف بضرورة استمرار التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.

تعنت إثيوبي

وأشارت الجبهة أنه برغم اعتراف مصر بحق أثيوبيا في التنمية إلا أن تعنت حكومة إثيوبيا و مزاعمها الباطلة أفشل المفاوضات حول قواعد ملء السد وتشغيله، جولة بعد الأخرى، وأخرها جولة مفاوضات كينشاسا، وهو ما يعتبر تهديدًا للحقوق المصرية والسودانية في نهر النيل ويمثل خطر وشيك على الشعبين الواقعين بالفعل تحت خط الفقر المائي ويعرقل فرص التعاون المشترك ما بين البلدان الثلاثة، مؤكدة على ضرورة احترام إثيوبيا لحصة مصر المائية التي أقرتها الاتفاقيات التي وقعت أعوام 1891″ ، 1902، 1906، 1929، 1934، 1959، 1991، 1993″ مع الأخذ في الاعتبار الوفرة المائية التي تنعم بها إثيوبيا. 

وعتبرت أن ما يحدث يمثل عدوانا على الشعب المصري والسوداني و تأسيس الفرقة والنزاع إقليمي ممتد بين الشعوب الأفريقية.وهو ما يفتح احتمالات اندلاع حرب المياه بين دول حوض النيل ويهدد السلم والأمن.

وفد الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل

وأشارت الجبهة إلى أن التعنت الإثيوبي ربما تقف خلفه أيدي خبيثة لها مصلحة في تأجيج الصراع بين شعوب القارة، وبالتالي نعتقد أنه على الاتحاد الافريقي ومن واجبه أن يلزم حكومة أثيوبيا بالتوقف الفوري عن الملء بإرادة منفردة أو استكمال الأعمال الإنشائية تعلية السد واحترام الاتفاقات والقوانين، والتوصل لاتفاق ملزم يضمن الإدارة المشتركة لمياه نهر النيل وتحقيق التنمية المستدامة لدول المنبع والمصب على السواء.

هذه الجلسة شارك فيها: إلهام عيداروس عن حزب العيش والحرية – تحت التأسيس، محمد عبد الغني، عن حزب الكرامة، طه طنطاوي ومحمود هاشم عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أميرة صابر وفريد زهران وفريدي البياضي -عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي- مصطفى الحجري -عن حزب الدستور- كريمة الحفناوي -عن الحزب الاشتراكي المصري – تحت التأسيس. 

ما هي الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل؟

الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل تأسست في يونيو الماضي مع تأزم الموقف واستمرار إثيوبيا في مساعيها بالتخزين والإصرار على الملء الثاني، وينضوي تحتها عدد من الأحزاب والقوى الوطنية وهم الحزب الاشتراكي المصري، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الشيوعي المصري، وحزب العيش والحرية، حزب الكرامة، حزب المحافظين، الحزب العربي الناصري، إلى جانب عدد لافت من الشخصيات العامة.

شددت الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل في بيانها التأسيسي ضرورة التمسك بعدد من الحقوق والمطالب التي لا ينبغي المساس بها وهي
توقيع أثيوبيا على كافة التعهدات الخاصة بالالتزام بالقانون الدولي والاتفاقيات التاريخية الخاصة بنهر النيل وعدم إقامة أي مشروعات مستقبلية على نهر النيل إلا بعد موافقة دولتي المصب مصر والسودان، والاتفاق على وقف أي تعلية أو زيادة -الآن ومستقبلًا- في سعة سد النهضة (غير الشرعي) عن ١٤ مليار متر مكعب، وتوقيع اتفاق ملزم بين مصر والسودان وأثيوبيا على شروط ملء السد والإدارة المشتركة له بعد أن تكتفى بسعة تخزينية لا تتجاوز ١٤ مليار متر مكعب.

كما تطالب بالوقف الفوري لأي إجراءات ملء حالية تقوم بها أثيوبيا، خصوصًا أن أي اتفاقات بعد الملء الثاني للسد بسعته المخططة حاليًا وهي ٧٤ مليار متر مكعب ستكون عديمة الجدوى وسيصبح السد حينها محصنًا ضد أي مساس، ما سيخل بالتوازن الاستراتيجي التاريخي بين دول المنبع والمصب ويضيع حقوق مصر وإرادتها وسيادتها، ورفض أي اتفاقيات مؤقتة والعمل على الوصول لاتفاق دولي ملزم يتضمن كافة الأمور الفنية المتعلقة بسلامة السد بعد الإطلاع على كافة التصميمات وعملية التنفيذ.

وتطالب كذلك بتجريم بيع المياه وتحويلها إلى سلعة كما تخطط أثيوبيا، والالتزام التام من قبل الدول الثلاث بعدم توصيل مياه نهر النيل مطلقًا وفي أي وقت ولا بأية كمية خارج حدود دول الحوض، وعلى وجه التحديد لإسرائيل.

إلهام عيداروس، العضو المؤسس ـ حزب العيش والحرية تحت التأسيس، كشفت عن تفاصيل زيارة الوفد للاتحاد الأفريقي وفحوى الرسالة الخاصة بالموقف الأخير لمفاوضات السد، مؤكدة أن الهدف هو تدخل كل المؤسسات الدولية لمنع إثيوبيا من أخذ الإجراءات الأحادية مثل الملئ الثاني دون الوصول إلى اتفاق مُلزم، خاصة أن قضية سد النهضة الآن هي أولوية  بالنسبة للشعب المصري بكل طوائفه واتجاهاته.

وأضافت: “نحن قوة شعبية تعي دورها الحقوقي والشعبي للوصول للعالم كله”، لافتة أن اللقاء كان مرحبا به وهناك تفهم واضح للموقف والمخاوف خاصة أن مصر تتفاوض منذ سنوات، لكن الخطوات القادمة لا يعرفها إلا صانع القرار الرسمي.

وأكدت على استكمال الجبهة في زيارتها بالتوجه لكافة المؤسسات الدولية والإقليمية الرسمية والشعبية للتدخل في هذا الأمر، لأنه ليس لمصلحة أحد اندلاع حرب على المياه.

الدبلوماسية الشعبية.. تجربة قديمة يلاحقها التشكيك

تعيد زيارة الجبهة الشعبية الأذهان إلى وفد “الدبلوماسية الشعبية المصرية” الذي زار  إثيوبيا وأوغندا عقب أشهر من اندلاع ثورة 25 يناير، لبحث مدى تأثير السد على حصص مصر من المياه.

وضم الوفد حينها عددا من السياسيين الذين شاركوا في ثورة يناير، من بينهم حمدين صباحي، وجورج إسحاق، والنائب مصطفى الجندى، صاحب الدور الكبير فى سفر الوفد الشعبي المصري.

وفد الدبلوماسية الشعبية

أسفرت رحلة إثيوبيا عن النجاح فى تكوين اللجنة الرباعية الدولية الفنية من مصر وإثيوبيا والسودان ومكتب استشارى فرنسى لبحث الضرر المتوقع على دولتى المصب مصر والسودان، وتعهد رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ميليس زيناوى حينها أمام وسائل الإعلام الدولية بأن يكون رأي اللجنة ملزما.

إلا أن هذا الوفد واجه انتقادات مؤخرا من قبل بعض الأصوات الإعلامية باعتباره المسؤول عن بناء السد، وأنه لولاه لما بدأت أديس أبابا في بناء سد كبير على النيل الأزرق، رغم نجاحه في تأجيل التصديق على اتفاقية “عنتيبى” لإعادة توزيع حصص مياه النيل، بطلب من الحكومة الإثيوبية وبمباركة من السلطات المصرية الموجودة فى هذا الوقت.

يستند أصحاب نظرية فشل الوفد الشعبي إلى موافقتهم على بناء السد، لكن ما صدر عن الوفد لا يختلف عن الرواية الرسمية التي تتبناها الدولة وهي حق إثيوبيا في التنمية ما دام لم تؤثر على حصص مصر المائية.

وسبق أن تحدث النائب السابق مصطفى الجندي، المنسق العام لوفد الدبلوماسية الشعبية، عن موافقة الحكومة المصرية آنذاك للوفد بزيارة إثيوبيا لتخفيف حدة التوتر بين الحكومات،