تبدو الأراضي الأفغانية مسرحًا محتملاً لصراع نفوذ دولي بعد انسحاب قوات الناتو، في ظل أوضاع أمنية مضطربة استغلتها حركة طالبان لصالحها. وتفيد المؤشرات بأنّ تركيا مستعدة لقيادة مسرح العمليات بعد الانسحاب الأمريكي. فيما كشفت إيران عن رغبتها في مناكفة أيّ من الأطراف الدولية التي يبدو أن مهمتها حراسة المصالح الغربية في البلد المجاور.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خطة الانسحاب من أفغانستان، مطلع شهر مايو الماضي، تتردد سيناريوهات حول مآلات ذلك الأمر، سياسياً وميدانياً. وتأثيراته المحلية والإقليمية، خاصة ما يتصل بمحادثات السلام الأفغانية، وطبيعة القوى المرشحة لملء الفراغ الذي سيخلفه خروج قوات الناتو.
تركيا تظهر في المشهد بتفهمات أمريكية، ظاهرها تأمين مطار كابول. وإيران تستضيف ممثلين عن الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فيما تحاول القيام بدور الوسيط في محادثات السلام. والصين هي الأخرى تُظهرًا قدرًا من الاهتمام بالساحة الأفغانية، فمن يملأ فراغ الناتو في أفغانستان ما بعد الانسحاب؟
عودة بارزة لطالبان
مطلع الشهر الجاري، أعلنت طالبان سيطرتها على 85% من مساحة الأراضي الأفغانية. وهو الأمر الذي يترافق وتنامي وتيرة العنف إلى أعلى مستوياتها، منذ نحو عقدين، بحسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة. والذي يرجِّح حدوث حرب أهلية، وسقوط حكومة أشرف غني المدعومة من الولايات المتحدة.
ووثق التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، حوادث عنف متفاوتة، تزامنا مع انسحاب قوات التحالف من أفغانستان. وارتفعت العمليات الإرهابية إلى أكثر من 60%، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وذكر التقرير أن طالبان “مسؤولة عن الغالبية العظمى من الاغتيالات التى أصبحت سمة العنف في أفغانستان. والتى يبدو أنها تتم بهدف إضعاف قدرة الحكومة وترهيب المجتمع المدني. وتؤكد أن قسماً من قيادة طالبان ليس له مصلحة فى عملية السلام”.
وبحسب الأمم المتحدة، فإنَّ “الوضع الأمني في أفغانستان، لا يزال متوتراً وصعباً”. لا سيما أن طالبان “تشجعت على مواصلة الهجمات لفترات أطول مع ممارسة حرية أكبر فى التنقل. وقد سمح ذلك للحركة بحشد القوات حول عواصم المقاطعات الرئيسية ومراكز المقاطعات، مما مكنهم من البقاء على استعداد لشن هجمات.
الحضور التركي
وفي ظل هذا المشهد المنفلت والملغم، تتزايد عمليات التنسيق بين واشنطن وأنقرة، لتولي الأخيرة تأمين مطار العاصمة. وتلعب دوراً أمنياً في مقابل الحركة الإسلامية الراديكالية، لا سيما أن الرئيس الأمريكي حدد نهاية الشهر القادم موعد انسحاب قواته من أفغانستان.
وتشير القيادة المركزية الأمريكية، مطلع الشهر الحالي، إلى الانتهاء من عملية الانسحاب بنسبة أكثر من 90%. وذكر بيان صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية، أنَّه جرى سحب “ما يعادل 984 حمولة من المواد من طراز C-17″، و”ما يقرب من 17074 قطعة من المعدات” إلى وزارة الدفاع الأفغانية.
ولفتت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية إلى أن عملية الانسحاب الأمريكية متواصلة في أعقاب “إخلاء القوات الأمريكية قاعدة (باجرام) الجوية. وتضيف: “الولايات المتحدة سلمت رسمياً 7 منشآت عسكرية لوزارة الدفاع الأفغانية”.
وأوضخت المجلة الأمريكية أنه “رغم إتمام البنتاجون معظم عملية الانسحاب بعد شهرين فقط من إعلان بايدن. أكد البيت الأبيض، الجمعة الماضية، أن الانسحاب لن يكتمل حتى نهاية الشهر المقبل”.
إلى ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنّه “يمكن لتركيا أن تتحمل مزيداً من المسؤولية في أفغانستان بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب”. وتابع: “الانحياز للتنظيمات الإرهابية بدلاً من الوقوف مع الدولة الحليفة المستهدفة من تلك التنظيمات يعد خطأ تاريخياً”.
https://twitter.com/MAlFateh111/status/1414840861725179905?s=20
لكن حركة طالبان شددت على ضرورة سحب أنقرة قواتها. وقال الناطق باسم الحركة في الدوحة، سهيل شاهين: “تركيا كانت جزءًا من قوات حلف شمال الأطلسي في الأعوام العشرين الماضية”.
نقل مسلحين
المرصد السوري لحقوق الإنسان، كشف نهاية الأسبوع الماضي، عن نية تركيا توسيع نطاق نشاطها في أفغانستان، من خلال “إرسال تجنيد العناصر المسلحة، تحديداً من الفصائل السورية”.
وأردف: “هذه المرة، الأمر مختلف عن الدفعات التي نقلت إلى ناجورني قره باغ وليبيا، حيث سيتم تجنيد العناصر ضمن شركات أمنية تركية عمادها من هؤلاء المرتزقة السوريين”.
كما سيتم إرسال العناصر في شهر (سبتمر) القادم مع القوات التركية لحماية مطار كابول والمنشآت والمقرات الحكومية.
ويقول المرصد إن الاتفاق جرى بين قادة الفصائل السورية والمخابرات التركية على ألا تتم العملية إلا بعد تسجيل العناصر في شركات أمنية تركية وعقود رسمية لعدم إحراج أنقرة أمام المجتمع الدولي. والمخابرات التركية ستشرف على انتقاء وانتساب هؤلاء العناصر إلى الشركة الأمنية”.
صفقة بين تركيا وحلفاء غربيين
وذكرت “ميدل إيست آي” البريطانية، أنه من المرجح الاتفاق بين واشنطن وأنقرة على قيام الأخيرة بتنفيذ بعض المهام الأمنية والعسكرية. حيث تقوم تركيا بـ”الإبقاء على جانب من قواتها التي كانت جزءاً من لواء المشاة الـ66 عالية الجاهزية التابعة لحلف الناتو. وذلك بهدف تأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي والدولي من أفغانستان.
في مقابل، تحمل الولايات المتحدة وحلف الناتو الكلفة المالية للقوات التركية في أفغانستان وتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لها. وفق التقرير.
ويضيف التقرير: “يحق لتركيا المطالبة بمساعدة عسكرية أمريكية وأوروبية إضافية. أو من أي شركاء أجانب تريدهم إذا لزم الأمر. وسيسمح لها أيضاً بنشر مستشارين أمنيين محليين للحكومة الأفغانية”.
وفي منتصف يونيو الماضي، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده ستكون “البلد الوحيد الموثوق به” الذي يحتفظ بقوات في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي والأطلسي.
إزاء ذلك، تتعدد التحركات الإقليمية التي تتحرى التنافس والتأثير والضغط في أفغانستان. حيث استقبلت طهران- قبل أيام- ممثلين عن حكومة كابول، وعناصر من طالبان، وفقاً لتقديراتها التي تشير إلى احتمالات قوع حرب أهلية.
جاء الاهتمام الإيراني مصحوبًا بتصريحات رسمية، تفيد بنيّة للانخراط في الداخل الأفغاني. وقال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، إنه “يدعم الشعب الأفغاني، ويثق في قدرة هذا الشعب بكل طوائفه السياسية على تدشين مستقبل سلمي”.
طموحات إيران
وترى إيران في الفراغ الذي يتركه الأمريكيون فرصة وتحد في آن، لذلك فإنها تحاول لحجز مساحة لها هناك؛ حتى لا تتحول البلاد إلى مصدر تهديد لها. وهذا السيناريو يمكن أن يقود إلى تصادم مع الأتراك.
وتشير صحيفة “eurasiantimes” الهندية، إلى أن “المصلحة الإيرانية في أفغانستان تتمثل في استبدال الوجود الأمريكي المقلق بموطئ نفود لها هناك”.
ويشير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن الاتفاق المحتمل بين أنقرة وواشنطن “تزامن مع نشر تقارير، الأسبوع الأول من يوليو الجاري، عن قيام تركيا بالتحضير لنقل عناصر تابعة لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية في إدلب السورية إلى أفغانستان”.
ويردف في دراسة بعنوان “إدلب جديدة: الدور التركي في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي”: “هذا التحرك- إن ثبتت صحته- يثير تساؤلات حول علاقة الاتفاق المحتمل بين واشنطن وأنقرة، ونقل الأخيرة عناصر مسلحة من إدلب إلى أفغانستان. على نحو سيفرض تداعيات مباشرة سواء على توازنات القوى داخل سوريا. أو على مستقبل الوضع في إدلب التي يطلق عليها “خزان الإرهابيين”. أو مستقبل الأوضاع في أفغانستان نفسها التي تعاني من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية مثل “طالبان” و”القاعدة” و”داعش”.
ويذهب إلى أن “انتهاء انسحاب الولايات المتحدة والناتو من أفغانستان، يعزز تنامي الدور الصيني والإيراني. وهو ما ظهر عبر استضافة طهران اجتماعاً بين حركة طالبان وحكومة كابول، في 7 يوليو الجاري. في محاولة لممارسة دور أكبر في الداخل الأفغاني. تتوازى مع سعي الصين للاستحواذ على عمليات استخراج النفط الأفغاني”.
وهو ما يجعل من النفوذ الصيني والإيراني مهدداً لواشنطن والدول الأوروبية، وفقاً لمركز الأهرام، على نحو يتطلب سيناريوهات لمنع التمدد الإيراني في الداخل الأفغاني. لذلك يعتقد أن مواجهة ذلك سيكون عبر “تعزيز النفوذ التركي بالإضافة للدور الذي يمكن أن يمارسه نقل المسلحين من سوريا إلى الحدود مع إيران والصين”. خاصة أن الكثير من العناصر المسلحة في سوريا تابعين للأقلية المسلمة في الصين “الإيجور”. وأن “وجود مسلحين متطرفين من السنة على الحدود مع إيران يمكن أن يشكل تعزيزاً للعناصر المسلحة من “البلوش” في الداخل الإيراني”.