أمام ماكينة الصراف الآلي، تقف السيدة هانم محمد. شهريًا مفتشة في الوجوه عمن يساعدها على صرف معاشها. ولا تعتد بنصائح شاشة الآلة النقدية عن ضرورة عدم طلب مساعدة الغرباء. فتلك النصائح لن توفر لها راتبًا. لا تعرف هذه السيدة شيئًا عن الشمول المالي.
كتبت السيدة العجوز، التي كانت موظفة في المحليات، كلمة السر بخط عريض على بطاقة الائتمان الخاصة بها. فضعف الذاكرة قد يعرضها لنسيانها. ما يجعلها صيدًا ثمينًا لمن يرغب في نهب أموالها. ما يظهر استمرار انخفاض الوعى المالى والرقمى للعملاء من ذوى الدخل المنخفض والمهمشين.
تلقت السيدة صدمة حينما عرفت أن معاشها من الممكن تحويله عبر الهاتف المحمول. بعد توقيع شركات الهواتف. بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي. بهدف إتاحة وتيسير صرف المعاشات لمستحقيها من خلال محفظة الهاتف المحمول.
يهدف استخدام عبر محافظ المحمول إلى تيسير عملية صرف المعاشات لمستحقيها من خلال توفير وإتاحة وسيلة سهلة للمستحقين لصرف المعاشات، ومن المقرر إتاحة صرف المعاش إلكترونيًا بدايةً من شهر أغسطس المقبل، للمستحقين من خلال محفظة “فودافون كاش”.
من المفترض أن يتوجه صاحب المعاش إلى أقرب فرع لشركة الهاتف التابع لها. لفتح محفظة إلكترونية والتوقيع على طلب صرف المعاش عليها. على أن تستكمل باقي الإجراءات بين الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي والشركة. لتيسير الإجراءات على المستحقين. لكن فئة كبيرة من الجمهور لا تقتنع حتى الأن بكيفية تلقي معاشهم عبر المحمول.
توسع مستمر
تمثل تلك التغيرات في طريقة تلقي المعاشات. أحد أركان خطة تقليل الاعتماد على النقد في المجتمع الاقتصادي. التي تحمل فوائد الطبقات الأضعف اجتماعيًا عبر الاهتمام بالفقراء والمهمشين. ويتوافق مع توجهات الدولة ورؤية 2030. لكن الإشكالية في عدم استمرارية التدفق الترويجي له الذى يشهد فتورًا منذ عدة شهور. رغم أنه خطة متوسطة المدى مستمرة لتسع أعوام قادمة
لكن قطاع عريض من أصحاب المعاشات- خصوصًا في الريف المصري – يحتفظون بهواتف تقليدية غير قادرة على الارتباط بشبكة الإنترنت. ولديهم تحفظات على التعامل مع عالمها. لاسيما حال تعلق الأمر برواتبهم.
ويعني الشمول المالي. أن يكون لكل مواطن حساب بنكي وتقديم خدمات مالية تشمل جميع فئات المجتمع بأسعار مناسبة. بالإضافة إلى إتاحتها بجميع المناطق الجغرافية. بجودة عالية وضمان حق المستهلك. لكنه يحتاج إلى جهود مستمرة من أجل تعميمه في ظل نسبة الأمية بالمجتمع، وضعف الثقافة المالية.
بلغ عدد الأميين في مصر 18.4 مليون نسمة بمعدل 25.8% في تعداد 2017. وكانت النسبة تراجعت من 39.4% عام 1996 إلى 29.7% عام 2006، طبقاً لبيانات الهيئة العامة لتعليم الكبار.
وأعلنت عدة بنوك عزمها إتاحة فتح الحسابات المصرفية (التوفير أو الجارية). مجانًا ودون حد أدنى للعملاء الجدد على مدار شهر أغسطس القادم المقبل. بمناسبة مشاركتهم في يوم الشباب العالمي تنفيذًا لمبادرة البنك المركزي. وبهدف تحفيز البنوك على فتح حسابات توفير للعملاء الجدد مجانًا دون مصاريف إدارية.
تتوسع البنوك في استحداث الفروع الإلكترونية باستمرار وإرساء مفهوم الخدمات الذاتية. حيث يقوم مسئولى خدمة العملاء فى الفروع الإلكترونية بمساعدتهم على كيفية استخدامها وتحفيزهم على تنفيذ معاملاتهم المصرفية بنفسهم. لأن الفروع الالكترونية بمثابة مراكز تدريب للعملاء ونشر الثقافة الرقمية. لكن حملاتها الإعلانية تركز على فكرة تقديمها تلك الخدمة دون توضيح كيفية استخدامها.
غياب التنوع
وتكشف بيانات وحدة الشمول المالى في البنك المركزى. أن 28٪ ممن يتعاملون مع البنوك يستغلون خدمة أو خدمتين فقط من الخدمات البنكية. بينما 36% يستخدمون الحسابات لإتمام عمليات المدفوعات الأساسية مثل الكهرباء. و2% فقط هم من يستخدمون كل الخدمات البنكية.
لا يزال القطاع المصري يتضمن عدد غير قليل من الحسابات المصرفية الراكدة التي تحتاج حلول. ما يظهر غياب الوعي بأهمية تلك المنتجات المالية. بجانب تعدد الحسابات في البنوك. وعدم وجود منتج محدد لتلبية احتياجاته المالية. وتحقيق القيمة المضافة المطلوبة.
تحمل خطة الدولة للشمول المالي عائدًا اقتصاديًا ضخمًا. فالدراسات تؤكد أنه حال وصول وسائل الدفع غير النقدية إلى 100% يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنحو 150 مليار جنيه.
ألزمت الجهات الحكومية والقطاع الخاص بسداد مقابل هذه الخدمات بإحدى وسائل الدفع الإلكتروني. إذا تجاوز قيمته الحد المقرر للدفع النقدي 500 جنيه للمصروفات الدراسية بالجامعات. ومعاهد التعليم العالي والمدارس الخاصة. واشتراكات مترو الأنفاق الشهرية والفصلية والسنوية، وأقساط القروض وأقساط وثائق التأمين.
يتضمن الدفع الإلكتروني أيضًا حال تجاوز المبلغ ألف جنيه فواتير المحمول والإنترنت، ووقود السيارات. و3 آلاف جنيه مقابل فاتورة استهلاك الغاز الطبيعي. و5 آلاف جنيه مقابل استهلاك الكهرباء ومياه الشرب شهريًا. وإيجار الأراضي أو العقارات أو مركبات النقل السريع بواسطة سلطات وأجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية.
مكسب كبير
ووفقًا لمحمد جميل، رئيس القنوات البديلة بالبنك الأهلي المصري. فإن الشمول المالي يساعد الشركات التي تعمل في الاقتصاد غير الرسمي في الاندماج في الاقتصاد الرسمي. ما يساعد على تخفيض حجم البطالة.
وقال جميل، في تصريحات على هامش توقيع البنك اتفاقية تعاون مع إحدى منصات التسويق الإلكتروني الضخمة قبل ساعات. إنه كلما زادت وسائل الدفع غير النقدية بنسبة 10% يزيد الناتج المحلي الإجمالي بـ 1.5 مليار جنيه. وتساعد في توفير 200 ألف فرصة عمل بالمجتمع.
لا تزال المنطقة العربية تسجل أدنى المستويات في العالم فيما يخصّ الشمول المالي. حيث إن 18% فقط من السكان بالمنطقة امتلكوا حسابات مع مؤسسات مالية عام 2014. مقارنة مع 43% بالبلدان النامية. و24% بدول إفريقيا جنوب الصحراء. وفق دراسة أعدّتها الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية، حول واقع الشمول المالي في المنطقة العربية.
يؤكد البنك الدولي، أن عدد من يمتلكون حسابات من البالغين في مصر نحو 33% من إجمالي السكان حتي عام ٢٠١٨. لكن البنك المركزي المصري وجه قبل عامين البنوك لتطبيق الإجراءات المبسطة لفتح الحسابات. التي يتمكن بموجبها المواطن البسيط من فتح الحسابات الجارية أو الادخارية عبر البنوك بسهولة ويسر.
شوط طويل
يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي. إن المؤسستين المالية والنقدية قطعتا شوطا طويلا في الشمول المالي. عبر إلغاء الشيكات الحكومية وقصر التعامل علي الحسابات البنكية. وصرف الرواتب والمعاشات، وتقديم الكثير من الخدمات المتعلقة بإصدار الرخص والتصاريح إلكترونيًا.
ووفقًا لدراسات مصرفية. فإن المؤسسات المالية تحتاج حلول لكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للترويج للمنتجات المالية، وفرص الاستثمار داخلها، وتوضيح العائد الذي ينعكس على الجمهور من الاستثمار فيها، بجانب توفير الثقافة المالية في مراحل التعليم كمقررات دراسية لتشكل وعيهم مبكرًا.
يضيف جاب الله أن هناك الكثير من العقبات التي تواجه التحول الرقمي، فمقدمتها عملية التغيير والتخوف التي تواجه كل جديد من قبل المواطنين، وغياب الوعي، وعدم رضا البعض عن تكلفة الخدمات المقدمة الكترونيًا خاصة أنه لم يتم حسم مسالة دفع قيمتها بالنسبو للمستهلك أو مقدم الخدمة.
يوضح أن عمليات التحول الرقمي توجه إشكالية في قلة عدد شركات العاملة في التحول الرقمي التي لا تزيد علي 500 شركة، وحجم السوق المصري الكبير يحتاج لأضعاف ذلك الرقمي، مضيفا أن جائحة كورونا أثبتت توافر البنية التحتية الخاصة بالشمول المالي والتحول الرقمي.
وأكد أن هناك تطورات مستمرة في ذلك المجال خاصة مع وضع وزارة الاتصالات ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي، مضيفًا أن التحول الرقي مسألة لا تنتهي. فالتطور التكنولوجي للخدمات يظل قائمًا ولا يتنهي بزمن معين، وأدواره تتعاظم باستمرار في ظل دخول التقنية في جميع المجالات.