“ماي ماي” واحدة من الحركات التي أعلت من وتيرة العنف غير المبرر في التعامل مع مخالفيها. مستخدمة أشدها وطأة مع النساء.
وقررت الحركة المسلحة التي اتخذت من شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية مقرا لها. أن تترك العنان للممارسات غير المشروعة خاصة العنف الجنسي.
واستمرت الحركة المسلحة في مسيرتها العنيفة على مدار عقدين من الزمن حتى اليوم. فتسببت في نزوح جماعي للمواطنين هرباً من الموت والعنف. بفعل الهجمات المتكررة لهذه المجموعة التي جعلت من فرض السيطرة ونشر حالة الخوف قانوناً لها في معاملة مخالفيها.
نظرة جنود “ماي ماي” للمرأة
نظرة الحركات المسلحة للمرأة عادة ما يسيطر عليها جانب كبير من الدونية والتحقير. والكثير منهم يعتبرونها عنصر ثانوي بل وهدف شائع في هجماتهم المسلحة على المخالفين لهم. والنساء بالنسبة لهم غنائم مباحة على كل المستويات.
وارتبطت حركة “ماي ماي” لدى الكثيرين بأعمال العنف الجنسي. وقد حاول بعض جنودها التخلص من تلك الوصمة بوصفهم لما يشاع عنهم بالدعاية المضادة. وأكدوا أن دورهم يكمن في حماية السكان المحليين. وأن أعمال الاغتصاب بشكل عام لا تلقى استحسان من القادة. بينما يرى فريق آخر أن تلك الأفعال طبيعية ووارد حدوثها رغم عدم إقرارهم بها كجريمة تستدعي العدول عنها أو محاسبة مرتكبيها.
وبحسب دراسة بعنوان “الجماعات المسلحة والعنف الجنسي”، لـ إليزابيث جيه وود: يعتنق جنود الحركة أكثر المفاهيم رجعية تجاه النساء. ويحصرون دورهم في الطهي والتنظيف وتربية الأطفال. أو الزراعة وتولي أنشطة تجارية بسيطة لإعالة الأسرة. رغم اعتراف الجماعة بأهمية دعم النساء لهم حيث اعترف بعض جنودها بقيام العديد من النساء بزراعة المحاصيل في حقولهن في مناطق سيطرة الحكومة ودعم الجماعة بالطعام.
وعلى غرار عدد كبير من الجماعات المسلحة. فإن للقائد الحق المطلق في اختيار فتاته من بين النساء. بل ويحق له فيما بعد إهدائها لجنوده المقربين أو الأكفاء ممن يحيطون به. ولا يوجد مجال هنا للحديث عن الإرادة فإما الموت أو الانصياع الكامل من الضحية والامتناع عن المقاومة بكل أشكالها.
وتورطت ماي ماي في الكثير من أعمال الاغتصاب والاختطاف وأعمال السلب وغيرها. ما تسبب في نزوح جماعي متكرر للمدنيين. ويشتهر فصيلين من ميليشياتها وهما “شيكيتو وكيفوافوا” بارتكابهم أشد الانتهاكات وحشية ودموية بحق النساء والمعارضين لهم.
تكوين حركة “ماي ماي”
تأسست حركة “ماي ماي” عام 2011. وبلغ عدد مقاتليها خلال ذروة عملياتها المسلحة في عام 2013 ما يزيد على 3000 مقاتل. وتهدف إلى تحقيق انفصال إقليم كاتانجا عن الكونغو الديمقراطية.
وتتبني ميليشيات “ماي ماي” مجموعة من الأهداف في مقدمتها التخلص من حكم جمهورية الكونغو. باعتبارها عائقاً يحول دون تقدم السكان الأصليين في البلاد.
و”ماي ماي” جماعة عرقية عملت بالأساس على مواجهة الدخلاء والأجانب الذين حالوا دون تقدم السكان الأصليين. واستنزفوا ثروات البلاد ويصفون أنفسهم بـ “الحماة” أي أن مهمتهم “حماية السكان الأصليين.
ويعتمد مجندي الحركة على السلاح الأبيض بشكل أساسي في هجماتهم ضد من أسموهم “الدخلاء”. وتحالفوا مع “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب”. وهي حركة تمرد أخرى خاضت صراعا طويلا مع الحكومة الكونغولية انتهت بتوقيع معاهدة سلام بينهما. وتحولت الحركة إلى حزب سياسي عام 2009 تحت اسم “23 مارس”.
ونجحت حركة 23 مارس في الانقلاب على الحكومة. والسيطرة على أجزاء كبيرة من الكونغو الديمقراطية عام 2012. ما أطلق يد حركة “ماي ماي” في العمليات المسلحة بدعم من الحكومة في أغلب الأحيان. قبل أن يسقط حليفها كابيلا من الحكم. وتعود الحكومة الجديدة للقتال والسعي لاستئصال تلك الحركة المسلحة الدموية والتي تشكل تحدياً كبيرا للحكومة الديمقراطية الحالية.
الطبيعة الخاصة للكونغو
تأسست جمهورية الكونغو عام 1908. ونالت الاستقلال عام 1960. وتحول الاسم إلى “زئير” بعد الانقلاب العسكري بقيادة “جوزيف موبوتو” عام 1965. الذي حكم البلاد حكم شمولي مطلق 32 عاماً، وشهدت حربا أهلية ونزاعات عرقية مسلحة مزقتها وتسببت في حالات نزوح جماعي كبيرة. حتى سقوط حكمه على يد الثوار بقيادة “لوران كابيلا” عام 1997. ليعيد تسمية البلاد باسم “الكونغو الديمقراطية”.
وسعي كابيلا إلى دمج الجماعات المتمردة في الجيش والحياة السياسية ما أسفر عن التوصل في 2003 إلى توقيع اتفاق شامل للسلام في البلاد وبدأ حياة سياسية ديمقراطية. وتولي كابيلا رئاسة الحكومة الانتقالية الأولى، قبل أن ينتخب رئيسا للبلاد في أول انتخابات حرة عام 2006.
أزمة سياسية
ولكن البلاد ظلت تعاني من أزمة سياسية طويلة بسبب تشبث “كابيلا بالسلطة بعد انتهاء ولايته بحسب الدستور. معلنا عن بقائه في الحكم لفترة ثالثة بالمخالفة لدستور البلاد. وعمت البلاد حركة شعبية معارضة تسببت في إجبار كابيلا على التخلي عن الحكم عام 2018. مفسحا الطريق لإجراء انتخابات حرة أسفرت عن تولي ” فيليكس تشيسيكيدى” رئاسة البلاد.
وعانت الكونغو من ضعف حكوماتها المتوالية. ما ساهم في جعلها مقرا وهدفاً للعديد من الجماعات المسلحة التي نشأت وتأسست على أراضيها وتقدر بنحو 40 حركة مسلحة نشطة. ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 90 مليون نسمة. ما يجعلها إحدى أكبر الدول الأفريقية في تعداد السكان عاصمتها كنشاسا.
والطبيعة الخاصة للدولة وضعف سيطرتها على المناطق المحيطة. زادت من حدة العنف السياسي والطائفي بها، خاصة في ظل انتشار واسع للاحتجاجات على أداء الحكومة خلال عام 2016، عندما قرر عدد من المتمردين مطالبة رئيس البلاد جوزيف كابيلا بالتنحي بعد قراره تعليق الانتخابات والاستمرار في موقعه، وهو ما أنعش الجماعات المسلحة مرة أخرى وشكل عدد من التكتلات في مواجهة الحكومة المركزية، بل استهدف البعض مرافق الحكومة وموظفيها.
وساهم الفساد المستشري في الكونغو الديمقراطية وانعدام الثقة بين الحكومة والمواطنين في نشأة الجماعات المسلحة المدعومة بقبول محلي من المواطنين إلى حد كبير، في رغبة من الجميع للتخلص من حالة الضعف والفساد التي سيطرت على جميع أنحاء البلاد.