بعد سنوات من مطالبة الكنائس المصرية بقانون للأحوال الشخصية للمسيحيين. ليكون بديلا عن لائحة 1938 المعمول بها في المحاكم المصرية. توصلت الكنائس والحكومة لمشروع قانون الأسرة للمسيحيين في مصر بعد أشهر من الاجتماعات بين جهات حكومية وممثلي الكنائس المصرية في إدارة التشريع بوزارة العدل لمشروع قانون من المقرر رفعه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب لإقراره في دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الحالي. طبقا لنص المادة الثالثة من الدستور التي تعطي المسيحيين حق الاحتكام لشرائعهم في أحوالهم الشخصية.
284 مادة
تبلغ عدد مواد مشروع قانون الأسرة للمسيحيين 284 مادة. ويقسم المشروع لعدة أبواب تشمل الزواج. وما يتعلق به من خطبة وأركان الزواج وشروطه، وموانع الزواج وإجراءات الخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما. والنفقات، وفيما يجب على الولد لوالديه.. وما يجب له عليهما من ثبوت النسب، وانحلال الزواج -الطلاق- حيث تم التوسع في أسبابه لتشمل الزنا الحكمي والانحلال المدني للزواج بالفرقة.
مشروع القانون كان محور ويبينار عقدته مؤسسة قضايا المرأة المصرية قبل أيام بعنوان “قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين وتجارب الدول العربية”.
المستشار منصف نجيب سليمان، عضو مجلس النواب وممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في إعداد مشروع القانون. قال إن كافة الطوائف المسيحية شاركت في إعداد مشروع القانون.
وأضاف: بدأ الإعداد له منذ العام الماضي، ثم عرض بنوده على كافة الكنائس المصرية وهي “الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الطائفة الإنجيلية، الروم الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس”، للتوقيع عليه.
توافق وتوقيع
وتابع أنه تم التوافق على مواد القانون والتوقيع عليها. ثم رفعها من قبل لجنة التشريع إلى وزير العدل الذي سيحيله إلى مجلس الوزراء بصورته النهائية لإقراره خلال اجتماع لمجلس الوزراء ورفعه من الحكومة إلى مجلس النواب عملا بنصوص الدستور.
تعديلات محورية في قضايا الطلاق
الطلاق هو القضية المحورية التي يقوم عليها مشروع قانون الأحوال الشخصية. نظرا لوجود آلاف القضايا التي تتعلق بأزواج مسيحيين أمام المحاكم.
سليمان أوضح أن مشروع القانون الجديد يضم باب تسوية المنازعات. وهي عبارة عن لجنة يشكلها وزير العدل. وتكون إرشادية للمحكمة. مشيرا إلى أن أبرز مواده من وجهة نظره، الاحتكام لشريعة العقد في الطلاق. التي ستحد من ظاهرة “تغيير الملة” المنتشرة في الفترة الأخيرة.
وأوضح أن مشروع القانون وضع 10 نصوص في بطلان الزواج. تمثلت في “السماح بالتطليق إذا ترك الزوج المسيحية إلى الإلحاد. والسماح بالطلاق المدني بسبب (الفرقة) مع استحالة الحياة الزوجية، إعطاء الحق للكنيسة فى الزواج الثانى من عدمه، توسيع مفهوم الزنا الحكمى وعدم قصرها فى العلاقة الجنسية فقط حيث شمل الزنا الحكمي (المكالمات الهاتفية والمكاتبات الإلكترونية والتحريض على الدعارة وتبادل الزوجات والشذوذ)، عدم جواز الطعن على قرارات المجلس الإكليريكى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أمام القضاء”.
وكانت التعديلات التي أجراها بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابق، شنودة الثالث، على لائحة الأحوال الشخصية المعروفة باللائحة 38. اختصرت أسباب الطلاق لدى المسيحيين المصريين من 9 أسباب إلى سببين فقط. هما الزنا أو تغيير الملة. وهذه التعديلات كانت كفيلة بتكدّس آلاف الدعاوى القضائية الخاصة بالمسيحيين أمام القضاء. إما للحصول على الطلاق أو الحصول على حكم بالزواج الثاني.
مشروع القانون الجديد تطرق أيضا للطلاق المدني، وهو منح الطلاق في المحاكم للزوجين إذ ثبتت استحالة العشرة واستحالة الحياة الزوجية بين الطرفين بشرط مرور 3 سنوات متصلة بدون أطفال و5 سنوات في حالة وجود أطفال، فتحكم المحكمة بالتطليق المدني أي الانحلال المدني للزواج، ولا يجوز للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تصرح أو لا تصرح للطرفين أو كليهما وفقَا لأحكام الشريعة المسيحية بالزواج مرة أخرى.
قانون موحد
لكن السطور السابقة، تأتي مع وجة نظر مخالفة للمؤسسات والمبادرات التي تعمل وتسعى لقانون موحد للجميع.
وتقول عزة سليمان مديرة مؤسسة قضايا المرأة:”نعمل من أجل المطالبة بقانون موحد يطبق على كافة المواطنات والمواطنين قائم على مبادئ العدالة والإنصاف والمواطنة، ونحن فى مؤسسة قضايا المرأة المصرية منذ بداية عملنا عام 199، ونحن نعمل على قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين، كما قامت المؤسسة على مدار كل هذه السنوات بإجراء موائد حوارية مع الكنيسة لدعم حق المصريين المسيحيين فى قانون أحوال شخصية أكثر عدالة، وقمنا بحملات حول سن الحضانة خاصة وانه كان يختلف بين الأم المسيحية والأم المسلمة سن حضانة الأطفال وكانت هذه الحملة بعنوان” الأمومة لا دين لها” لدعم حق الأم المسيحية فى نفس سن الحضانة للأطفال كما للأم المسلمة.
وأضافت سليمان: عملت المؤسسة منذ عام ٢٠٠٣ على الخروج بمقترح قانون أحوال شخصية أكثر عدالة لجميع أفراد الأسرة. وكان هناك بعض الندوات والجلسات الحوارية التى أجرتها المؤسسة على مدار سنوات طويلة مع الطوائف المسيحية الثلاث من أجل الوصول إلى مقترح لمشروع قانون موحد للأحوال الشخصية.
وتابعت: هناك ضرورة لإنشاء مفوضية منع التمييز التي نص الدستور على انشائها منذ عام 2014 و لكن لم يتم انشائها حتى الآن.
تجارب الدول العربية
وبالنظر لتجارب العدد من الدول العربية مع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين. فتوضح عائده نصرالله رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، التى شاركت فى استحداث قانون مدني لبناني موحد للأحوال الشخصية. أنه كانت هناك إشكالية بين قوانين الأحوال الشخصية في لبنان، وموقف الدستور اللبناني من قوانين الأحوال الشخصية للطوائف وخاصة المسيحية منها.
ومن بين هذه الإشكاليات بحسب نصر الله: سن الزواج عند الطوائف الكاثوليكية هو 16 سنة و عند الطائفة الأرثوذكسية 18، وبالنسبة للطلاق فهو أمر غير جائز لدى الطوائف الكاثوليكية، و يتم إجازته فى بعض الحالات فى طوائف أخرى.
وأضافت: يمكن القول أن الوضع في لبنان عكس عدم التوافق بين مطالب المواطنين بشكل عام والنساء بشكل خاص بين الواقع و قوانين الأحوال الشخصية.
وحول تجربة السودان، تحدثت نعمات كوكو باحثة دكتوراه في سياسات واستراتيجيات المساواة النوعية في السودان.
كوكو قالت: الظروف الحالية لوضع قانون مدني للأحوال الشخصية ليغطي التنوع الديني والعرقي والثقافي في السودان فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة، فتكون المرجعية فى القوانيين والتشريعات ليست دينية و لكنها مرجعية قانونية مدنية، وأيضا المرجعية للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية السيداو.
وفي عام 2019، شرعت الكنائس في الأردن بإجراء تعديلات جذرية على القانون، لتحديثها ومعالجة الثغرات التي تتعارض مع مصلحة الأسرة. لتشمل تلك التعديلات، قضايا الإرث والحضانة والمشاهدة والنفقة وسن الزواج، ليتجه العمل نحو المساواة بالإرث بين الرجل والمرأة المسيحيين، واقتصار الإرث بالبنات والزوجة في حالة عدم وجود الولد.
يذكر أن أول اقتراح لإصدار قانون باسم الحريات الشخصية للمسيحيين في مصر كان عام 1978، واستمرت الدعوات والمطالبات بسنّ هذا القانون حتى عام 2010. عندما غضبت الكنيسة المصرية من قرار صادر من المحكمة الإداريّة العليا يفرض عليها السماح بزواج الحاصلين على طلاق مدني من المحاكم. واستمر العمل سنوات على صياغة قانون موحّد تتوافق عليه الطوائف الثلاثة.