منظومة جديدة للتعليم لا يفهمها الكثير من الأهالي ويدافع عنها وزير التعليم طارق شوقي باستماتة باعتبارها محل طمع دول العالم. فيما يعتبر خبراء أنها مجرد تحسين لشكل لم يلمس المضمون وأنها جزء من سياسات تستهدف تعليم من يمتلك القدرة المادية على الإنفاق على بند بات يلتهم ميزانية الأسرة المصرية. ما عبر عنه الوزير نفسه في تصريحات قال فيها: اللي معهوش ميلزموش”.

ملامح الفوضى ترسم لوحة التعليم

 

بين حين وآخر تتردد عبارة فشل المنظومة التعليمية. في حين يرى النقابي في نقابة المعلمين محب عبود أن الأمر لا يتعلق بالنجاح أو الإخفاق، بل اختلاف الأهداف والاحتياجات المرجوة.

ويقول محب: من الهام هنا القول إن مشروع التعليم الذى يجرى تنفيذه على قدم وساق ليس المشروع الذى يتمناه غالبية المواطنين أو ما يتناسب مع احتياجاتهم.

المشروع الذى يجرى تنفيذه حاليا، يعبر بحسب “عبود” عن السياسات النيوليبرالية للدولة. قائلا: “جميعا نتذكر مقولة “يكفي تعليم فئة قليلة “لجر” المجتمع وراءها” لاستيعاب تلك السياسات.

أبناء الأغنياء

إذن هو تعليم يستهدف أبناء الأغنياء، كما يؤكد عبود. وهؤلاء مكانهم ليس فى المدارس الحكومية ولكنهم يتواجدون فى المدارس الخاصة، وليس كل المدارس الخاصة، بل المدارس الدولية وأشباهها. هذا هو الحقل التعليمى الذى يعمل الوزير ومساعديه على حرثه وريه وبذر بذور التعليم فيه ثم رعايته حتى ينمو.

ويؤكد عبود أن تلك السياسات أيضا تظهر في أحاديث الوزير عن عدد المدارس الدولية وما يحدث داخل أسوارها وفي بعض الأحيان عن المدارس اليابانية او الفرنسية.

وبحسب المركز القومي للتعبئة والإحصاء. فإن عدد من يلتحقون بالمدارس الحكومية حتى عام 2017 هي 18 مليونا و608 ملايين تلميذ. ومليونان و32 ألف تلميذ في المدارس الخاصة. بينما بلغ إجمالى عدد الفصول بالمدارس الحكومية والخاصة 419 ألفا و900 فصل بمدارس الحكومة و62 ألفا و700 فصل بالمدارس الخاصة.

إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم عام 2016. كشفت عن أن عدد المدارس الخاصة العربية 3648 مدرسة. تتراوح مصروفاتها من 2000 إلى 7 آلاف جنيه. وأن عدد المدارس الخاصة لغات 2181 مدرسة. تتراوح مصروفاتها من 2000 إلى 20 ألف جنيه. أما المدارس الدولية فهم 270 مدرسة. تتراوح مصروفاتها من 30 إلى 120 ألفاً وأكثر، وغالباً ما تفرض بعض المدارس تحصيل المصروفات بالدولار.

إحصائية عدد الفصول لعام 2016
إحصائية عدد الفصول لعام 2016

تكشف إحصائيات المركز القومي للتعبئة والإحصاء. أيضا أن متوسط انفاق الأسر على التعليم يصل إلى 4% من الدخل الذي ينفق أغلبه على المأكل والمشرب بالأساس في الشرائح المتوسطة.

ورغم أن النسبة ليست بالكبيرة، إلا إن تلك الأرقام لا تعبر عن الحقيقة الصادمة، حيث إن هذه الإحصائيات تمت فيما قبل جائحة كورونا، كما تعنى بأصحاب الدخول المتوسطة، والذين يمثلون 22% فقط من عدد السكان، بينما تواجه الشريحة الدنيا التسرب من التعليم، حيث إن دخولهم بالكاد تكفي الطعام، والشراب، وهم الأغلبية.

كما يرى يرى النقابي محب عبود أن المدارس الحكومية التى لا تقدم تعليماً فعلياً، أسقطت ورقة التوت التى كانت تغلفها والمعروفة بمجانية التعليم. بعد أن صدر فى سبتمبر الماضي القرار الوزاري رقم 155 بشأن تحديد الرسوم والاشتراكات والغرامات، مقابل الخدمات الإضافية التي تحصل من طلاب وطالبات المدارس بمختلف مراحل التعليم العام والفنى. وتتراوح المصروفات المباشرة فيها بين 200 الى 500 جنيه هذا غير أوجه الإنفاق الأخرى.

لماذا التعليم؟

لا يمكن تصور نشاط إنساني متطور مفيد دون أن يكون هذا النشاط تراكمى. ولا يمكن الوصول لهذا التراكم بدون تعليم. ومن هنا تظهر ضرورته للوجود الإنسانى، وبحسب خبير التعليم دكتور كمال مغيث. فإن الشعوب استقرت على وضع هدفين مهمين للوصول بهذه العملية لنتائج مرضية.

الهدف الأول مهني وهو الكوادر البشرية التي تناسب متطلبات العمل. والثاني ثقافي وهو الهدف الي رسخ له المفكر طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة الصادر عام 1937. الذي من خلاله يتم العمل على بناء مواطن مصري يشعر بالانتماء لبلاده، قبل جماعته، أو حتى عقيدته.

ويؤكد مغيث أن التعليم عملية حسابية منطقية. نستقبل مخرجاتها، بناء على ما وضعناه من مدخلات.

وبمزيد من التبسيط يشرح مغيث معادلته بالتطبيق على العملية التعليمية التي تقضي بأن المدخلات التي تتنوع بين الإنشاءات، والمعلم، والمناهج، يشوبها جميعا الخلل.

الأكثر فقرا

قال مغيث: “نبدأ بالمعلم الذي لا أجد مثالا على وضعه. سوى تلك المداخلة في حلقة مقدم البرامج وائل الإبراشي الذي نزلت ضيفا على برنامجه. حين اتصل أحد وكلاء المدارس الصناعية في أحد الأقاليم ويدعى محمد ابراهيم. يبلغ راتبه 1800 جنيه. فيضطر للعمل كجرسون في أحد المقاهي ليلا. ومع ذلك يحاول مراعاة ضميره وملاحقة الطلبة سيئ السلوك، ومعاقبتهم. فيعمد هؤلاء إلى زيارته في مكان عمله ليلا، ومضايقته، وإجباره على تقديم الشيشة لهم، واعدينه “ببقشيش حلو”.

مغيث يتعجب من المقارنات الظالمة التي تقع على هؤلاء المدرسين الذين اعتبرهم الأفقر في العالم، ونظرائهم من الماضي. حيث كان المعلم من قبل ذي هيبة يرتدي الملابس الأنيقة، قائلا: “لا أحد يراعي فرق الدخل المادي الذي يدفع المعلم للجري وراء الدروس الخصوصية أو الخدمة في المقاهي”.

في ذلك الزمن الذي يحكي عنه مغيث كان المعلم يتقاضى مرتب قدره 18 جنيه. وذلك حين كان سعر جرام الذهب 80 قرشا. أي مايوازي 18 ألف جنيه حاليا. وفي حين تعاني المنظومة من نقص في المعلمين إلى حد 320ألف بحسب تصريح الوزير، يمنع منعا باتا تعيين المدرسين إلا بعقود مؤقتة. انصياعا لشروط البنك الدولي الذي يرفض التعيينات الحكومية، في مقابل مزيد من الديون.

وفي غضون ذلك تطالعنا اقتراحات على شاكلة إلحاق المجندين بالتدريس، أو أولياء الأمور بدعوى الخدمة العامة. من غير المدربين أو حتى المتعلمين بشكل ملاءم، معقبا:” كيف نأمن على أطفالنا مع شخص لا نعلم عن خلفيته شيئا وغير مؤهل” واصفا الأمر بالجريمة.

الحفظ والتلقين 

أما مناهجنا فبحسب مغيث. فجميعها تعتمد على الحفظ والتلقين، كما يشوبها التطرف، والرجعية، ومع وصول الوزير طارق شوقي لمنصبه، أصبح الوضع أكثر تخبطا، وتشويشا.

وفي ظل ميزانية هي أقل من المنصوص عليه في الدستور يتعاقد شوقي على شراء أجهزة تابلت بتسعة مليار جنيه. لم يتم استخدامها خلال امتحانات الثانوي الأخيرة، بعد فضيحة الامتحانات التجريبية، ووقوع السيستم.

امتحانات الثانوية العامة
امتحانات الثانوية العامة

ومع ذلك يطالعنا شوقي بتصريحات تتعلق بأن منظومته الجديدة محل طمع دول العالم. في حين أن العالم لم يستغن عن الكتاب المدرسي بعد. كما أن تلك المنظومة غير مرئية على الإطلاق، بحسب مغيث، الذي قال: “سبق وأن طالبت الوزير بعرض بنود تلك المنظومة غير المرئية. ولم يتم الاستجابة لطلبي، وجرى إحالتي إلى التحقيق الإداري بديلا عن ذلك.

أما محب عبود فيقول: “تجاهلت الحكومة تماماً تحسين مستوى المدارس القائمة بالفعل. وبالتالى ازدادت نسب كثافة الفصول عام بعد عام. وفى أحسن الأحوال لم تتحسن. وباتت المدارس الحكومية التى تضم 88% من التلاميذ بيئة غير آمنة. تتسم بالعنف، بينما انشغلت بإهدار الأموال العامة فى صفقات تجارية تفوح منها روائح الفساد، وإلا ما التفسير لأزمة التابلت وامتحان الثانوية العامة الاخير، التى انتهت الى تحول اجهزة التابلت التى دُفِع فيها الأموال الطائلة الى مجرد كشوف للتوقيعات للطلاب.

منظومة “اللي معهوش ميلزموش”

ويبدو أن عبارة “اللي معهوش مايلزموش” التي أطلقها الوزير لم تكن صدفة. بل هي شعار المرحلة. ففي المدارس الفنية مثلا تحدد الوزارة ميزانية ضئيلة جدا للمواد الخام. لا تصلح لتعليم حرفي حقيقي. فيضطر الطلبة الفقراء بالأساس للعمل في أي ورشة، ودفع مبالغ مالية للمدارس للحصول على الشهادة بحسب الدكتور كمال مغيث.

وعلى هذا، تكون النتيجة مخرجات سيئة على كل الأصعدة. لا تتناسب مع سوق العمل، وتخلق طابورا من العاطلين، والفقراء في ذات الوقت، بشكل يضعنا في دائرة مفرغة، ونشعر معه بحس التعمد بحسب مغيث.

ونعود للمخرجات الماقبل جامعية والتي تصفها أستاذة الإعلام عزة هيكل بضعف المستوى. وتقول: عاما بعد عام تستقبل الجامعات طلبة ذو مستوى أقل من المطلوب، ولكن للأمر جذور أعمق من ذلك، وأسباب لايتم علاجها.

تعتقد هيكل أن تفاقم المشكلة التعليمية تزامن مع غياب تأهيل المعلمين. وضمان استقرارهم المادي، وكذلك مناهج عقيمة تعتمد التلقين كأداة وحيدة، وغياب أي نظام حقيقي للرقابة والتقييم.

عزة أيضا اتهمت طريقة التعليم عن بعد بالفشل التام، كما أن المناهج حاليا يتم وضعها عبر دور نشر وشركات أجنبية، دون مراعاة للبعد اللغوي، والثقافي، فتكون النتيجة فشل واغتراب، او كما يحلو للبعض تسميته بزمن “الجيل الضائع”.

وحول أسلوب التقييم الذي يعتمد على الصح والخطأ اعتبرت هيكل أن هذا النوع من الاختبارات، يقتل روح الابداع، والتفكير، كما انه غير متبع مع معظم دول العالم في تلك المراحل السنية.

واعتبرت هيكل أن الحديث حول الوضع الاقتصادي وقلة المصادر المالية، مجرد حجج واهية، فالأساس هو غياب الإرادة، إرادة التعليم، والعمل على تطويره.

انتقد هيكل أداء الوزير وقرارته المنفردة، التي يتخلى فيها عن الاستعانة بالخبراء، والمتخصصين، والنتيجة طلاب جامعيون غير قادرين على التحصيل، ولا يتقنون القراءة والكتابة كأبسط المؤهلات.