شهدت الدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي، الذي استؤنفت أنشطته بعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا، حضورا مميزا للسينما المصرية، بحصولها على الجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد الرسمية التي ذهبت لفيلم” ريش” للمخرج عمر الزهيري.
“ريش” من إنتاج مصري فرنسي هولندي يوناني مشترك، وساهم في العمل من الجانب المصري المنتج المعروف محمد حفظي.
تدور أحداث الفيلم في إطار السينما الواقعية الحديثة، ممزوجة بالخيال والفنتازيا، حيث يسلط الضوء على عائل لأسرة فقيرة قرر إقامة حفل عيد ميلاد نجله صاحب الخمس سنوات.
وجلب الأب ساحرا من أجل تقديم فقرة ترفيهية، ومن ضمن فقرات الساحر أن يدخل الأب في صندوق خشبي ويخرج بعد فترة وجيزة دجاجة، إلا أن المفاجأة أن الأب لم يعد إلى طبيعته، وتحول إلى دجاجة.
وخلال أحداث الفيلم يتعرض إلى مشاكل عدة وقضايا تنغص المجتمع المصري والعربي ككل، إذ إنه بعد تحول الأب إلى دجاجة تستطيع الأم الحصول على حريتها والتخلص من خنوعها للسلطة الذكورية.
فرد المخرج مساحة أكبر للصورة عن الكلام، ليترك للكاميرا المساحة الأكبر للتعبير عن معنى ومضمون الفيلم.
وسلط الفيلم الضوء على الصعوبات التي واجهت الأم، خاصة أنها كانت منسحقة أمام رغبات زوجها، حيث اضطرت إلى خوض غمار الحياة بمفردها بصحبة الدجاجة بل زاد الأمر بأنها تهتم بزوجها وتحاول إعادته إلى حياته الطبيعي.
فرصة لعودة صناعة السينما
يقول الناقد السينمائي خالد شاهين إن فيلم ريش بمثابة نقطة انطلاق جديدة لعالم ناعة السينما المصرية، خاصة أنه خلال الفترة الماضية كان الاهتمام الأكبر بالأفلام التجارية التي تحقق الأرباح للمنتجين وشركات الإنتاج، في ظل تراجع كبير للأفلام القادرة على حصد الجوائز والمشاركة في المهرجانات الدولية وتسليط الضوء على مواهب وأفكار وقضايا اجتماعية مختلفة.
واضاف شاهين أن فيلم ريش يفتح الباب أمام صناع السينما للدخول إلى عالم المهرجانات وفي الوقت ذاته يحرج صناعة السينما الثقافية في المصر التي تقلصت مساحتها لمنح السينما التجارية المساحة الأكبر، لافتا إلى أن قصور الثقافة وغيرها من الهيئات الحكومية أهملت بعمد أو بدون صناعة هذا النوع من الأفلام، إلا أن هذه الأعمال من الممكن أن يكون سببه عدم قدرة الافلام المصرية على المنافسة في المحافل الدولية لذا يعد “ريش” نقطة انطلاق جديدة وقوة تضاف إلى صناعة السينما المصرية بكونها قادرة على تقديم كافة أشكال السينما.
حضور مصري شرفي
منذ انطلاق مهرجان كان السينمائي 1946، ومنذ انطلاقه شارك العديد من صناع السينما في المهرجان بشكل ثابت، حيث سجلت أول مشاركة من خلال فيلم “دنيا” عام 1946من إخراج محمد كريم وبطولة راقية إبراهيم، أحمد سالم، سليمان نجيب، دولت أبيض، فاتن حمامة.
ولم تحظ صناعة السينما المصرية رغم كثرتها بحضور قوي وواضح، ولعل المخرج يوسف شاهين صاحب الحضور الأكبر من ضمن المخرجين المصريين، حيث شارك في عام 1952 بفيلم ابن النيل، بطولة شكرى سرحان، فاتن حمامة، يحيى شاهين، فردوس محمد، محمود المليجى، عمر الحريرى، وعاد الكرة بمشاركته بفيلم الأرض عن رواية الكاتب المصرى عبد الرحمن الشرقاوى، ويعتبر أحد أهم أفلام السينما المصرية.
وتكررت مساهمات شاهين في مهرجان كان من خلال العديد من الأفلام وهم “إسكندرية ـ نيويورك عام 2004، فيلم الآخر عام 1999، وفيلم المصير عام 1997، بالإضافة إلى فيلم إسكندرية كمان وكمان عام 1990”.
لم يكن شاهين وحده من المخرجين الذيان شاركوا في المهرجانات الدولية، إذ شهدت دورات المهرجان العديد من المشاركات من قبل مخرجين كبار على شاكلة كريم الشيخ ومحمد بدرخان وغيرهم.
ريش.. أول فيلم مصري يحصد جائزة كبرى
يقول الناقد الفني، خالد شاهين، رغم المشاركات العديدة من خلال أفلام مميزة، إلا أنه لم ينجح في حصد أية جوائز، لكن تم منحه جائزة اليوبيل الذهبي في عام 1997، وتم تكريمه عن مجمل أعماله.
ويوضح شاهين أنه خلال السنوات الماضية ظهرت مجموعات شبابية استطاعت أن تعيد اسم مصر من جديد إلى مسارح المهرجانات الدولية المعنية بالسينما، على شاكلة فيلم بعد الموقعة 2012، والذي شارك فى فاعليات الدورة 65 بعد غياب للسينما المصرية لمدة 15 عاما، وكذلك فيلم اشتباك 2016 الذي تم اختياره رسميا لافتتاح مسابقة “نظرة ما” فى مهرجان كان السينمائى 2016.
هذا بالاضافة إلى فيلم يوم الدين 2018، الذي سلط الضوء على مُستعمرة للمصابين بالجُذام، وهو من تأليف وإخراج أبو بكر شوقى.
يستطرد شاهين: “يجب على صناع السينما أن يوازنوا ما بين السينما التجارية والسينما العتدلة التي تقوم على مضمون يحمل رسالة وقيمة فنية في المقام الأول، وأن تتجه الجهات الحكومية المعنية بصناعة السينما إلى دفع وتطور الصناعة وتقديم أفكار خلاقة وجديدة لإعادة اكتشاف السينما المصرية من جديد، إلا أن ذلك كله لن يحدث إلا بغرادة حقيقة من صناع السينما.
ولفت شاهين إلى أن المنتج محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي يعد من رواد الاهتمام بصناعة الأفلام التي تصلح للمشاركة في المهرجانات الدولية ويستمع إلى الأفكار ويناقش أصحابها، إلا أنه بمفرده لن يستطيع تقديم مجموعة من الأفلام ذات القيمة دون دعم حكومي من الجهات الثقافية.
يأمل أن يكون فيلم “ريش” بارقة أمل للمخرجين الشباب بعدم الانصهار في الأفلام التجارية وعمل موازنة بينها وبين الأفلام الهادفة التي تناقش قضايا مجتمعية بشئ من التعمق أكثر، وعلى الدولة دعم صناعة السينما وفسح المجال للأفلام ذات التناول الجديد والأفكار الابداعية.