تتسارع وتيرة الأحداث، السياسية والميدانية، في العراق، على خلفية احتدام الصراع بين الميلشيات المسلحة المدعومة من إيران وقوات التحالف بقيادة أمريكا، مع اقتراب الانتخابات العراقية، المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل. هذا التصعيد الحاصل على الأراضي العراقية تراه قوى سياسية عديدة يهدد الاستحقاق الانتخابي، ولا يوفر بيئة مواتية له. ومن ثم، يخشى حوالي ثلاثة آلاف مرشح من تعطيل الانتخابات.
نهاية الأسبوع الماضي، شهد إعلان مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري بالعراق، عدم مشاركته في الانتخابات العراقية، وكذ عدم دعمه لأي حزب. وقال إنه “سحب يده من المشاركين في الحكومة حفاظاً على ما تبقى من الوطن وإنقاذاً للوطن الذي أحرقه الفاسدون ولا زالوا يحرقونه”.
وتابع: “أعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات، وأعلن عن سحب يدي من كل المنتمين من هذه الحكومة الحالية واللاحقة.. الجميع إما قاصر أو مقصر والكل تحت طائلة الحساب”.
وتعد كتلة الصدر ذات وزن سياسي، مهم ومؤثر. ولدى الصدر حاضنة اجتماعية في البيئة الشيعية. ويملك ميلشيا شبه عسكرية. وفي العام 2018 حصلت كتلته “سائرون” على 54 مقعداً في الانتخابات.
الخوف من مصير سوريا أو أفغانستان
وبلهجة تحذيرية، قال، الصدر، إنه يخشى على العراق من “مصير سوريا أو أفغانستان أو غيرها من الدول التي وقعت ضحية السياسات الداخلية والإقليمية والدولية”، موضحاً أن متوالية الأحداث التي تقع تحت وطأتها العراق سببها “مخطط شيطاني دولي لإذلال الشعب وتركيعه وإحراقه خوفاً من وصول عشاق الإصلاح الذين سيزيلون الفساد حباً في الوطن ولكننا لسنا ممن يركع لمثله”.
وأردف: “نتمنى لهذه الانتخابات النجاح ووصول كل الصالحين وأن تبعد الفاسدين ولكن هيهات”.
حسن الكعبي، نائب رئيس البرلمان العراقي، اصطف في خندق الصدر، وأعلن انسحابه هو الآخر من الانتخابات البرلمانية.
وغرد الكعبي على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “طاعة لما ورد في خطاب السيد مقتدى الصدر.. أعلن انسحابي من الترشح للانتخابات النيابية المقبلة”.
وفي ظل استهداف المجموعات الولائية للمصالح الأمريكية في بغداد وأربيل، تواترت عدة أنباء عن زيارة مباغتة لقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، إلى العراق، حيث التقى بزعماء وقيادات الميلشيات، في مطار بغداد. وشدد قاآني على ضرورة خفض الصراع، وتهدئة المواجهات المسلحة مع الولايات المتحدة.
غير أن ثمة تململ أو بالأحرى عدم انصياع وتمرد حدث للقرار الإيراني. وذلك من قادة اثنين من الميلشيات، وهما: كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
غياب البيئة الآمنة للانتخابات.. نفوذ الميلشيات
بحسب ظافر العاني النائب عن تحالف “تقدم”، فإن “انتشار السلاح المنفلت وتزايد نفوذ الميلشيات لا يتيحان بيئة آمنة لانتخابات نزيهة وعادلة. ويهدد السلاح الجديد عبر الطائرات المسيرة التي استخدمتها الفصائل في حربها ضد الوجود الأمريكي في العراق بوضع الانتخابات رهن تلك المواجهة”.
كما أن “ضعف إجراءات الحكومة في وضع حد لهذه الممارسات ربما يساعد في تدني نسب المشاركة الجماهيرية. وبقاء القوات الأمريكية أو خروجها قرار تتخذه الحكومة وفق حاجتها الفعلية للمساعدة الدولية في مكافحة الإرهاب. أما استهدافها من قبل الميليشيات، فإنه يغرق العراق في مشكلات أمنية كما يضعف الدولة العراقية”، وفقاً للنائب العراقي.
ويردف: “هذه الأعمال العدائية لا تلبي مصالح وطنية، وإنما تعكس الرغبات الإيرانية التي ترتبط بها هذه الميليشيات، لاستخدامها ورقة في مفاوضاتها مع واشنطن حول الملف النووي”.
اللافت أن لقاء قائد فيلق القدس جاء في أعقاب استهداف قاعدة “عين الأسد” الجوية. وبحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، فإن “زعيمَي تحالف فتح وعصائب أهل الحق أيدا قرار التهدئة، خلال اجتماعهما الأخير بممثلي الحرس الثوري”، لكن كاظم الفرطوسي، الناطق بلسان “كتائب سيد الشهداء”، أكد على أن “المقاومة الإسلامية العراقية رفضت بشدّة أيّة وساطات بما يخصّ إيقاف العمليات العسكرية ضدّ القوات الأمريكية”.
وشدد الناطق بلسان “كتائب سيد الشهداء” على أن “التصعيد العسكري ضد القوات الأمريكية جاء من أجل إخراج كامل للقوات الأمريكية القتالية من الأراضي العراقية كافة، وبخلاف ذلك لن تكون هناك أية تهدئة، ولن يتم إيقاف التصعيد مهما كانت الضغوطات على الفصائل”.
قوة الحشد الشعبي
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يوضح الدكتور محمد نعناع الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، أن الحشد الشعبي تحول إلى قوة على أرض الواقع. فهو قوة أيديولوجية بيد النظام في طهران، تواجه بها النفوذ الأمريكي بالعراق والمنطقة، كما أنه سياسية طائفية لصالح الطبقة السياسية التي توصف في بغداد بـ”الفساد والفشل”، حيث إنه يحدث توازناً داخل معادلة السلطة والمكونات المختلفة فيها، وبخاصة القوى الشيعية الراديكالية التي تتوافق مع الأطراف السنية والكردية الأخرى.
وبحسب نعناع، فلابد أن تبقى هذه القوى فعالة في هذين الاتجاهين الأيديولوجي والسياسي، لخدمة المصالح الإيرانية العقائدية التي تتخفى وراءها مصالحها الإقليمية والقومية. وبالتالي أي متغيرات على هذا الوضع سوف تؤثر على هذين النمطين السائدين، خاصة مع القوى الصاعدة في أعقاب الاحتجاجات، مثل قوى تشرين التي خرجت من قلب الاحتجاجات، والقوى المهنية والنقابية التي تهتم بالمسألة الاقتصادية والمعيشية.
ويرى قادة الحشد وأطراف الكتل المرتبطة بها أن القوى الأخيرة والجديدة سوف تزلزل الأرض من تحت أقدامهم وتأكل من شرعيتهم، ولذلك يسعون لتأجيل الانتخابات وإحداث الاضطرابات الأمنية والسياسية.
وإلى ذلك، تتعدد التحركات باتجاه وقف التصعيد ضد قوات التحالف، لا سيما وأن المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي، قال إن الوزارة “قلقة للغاية” بخصوص الهجمات المتكررة.
كما التقى رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت مكغورك والوفد المرافق له، الخميس الماضي، وناقش الطرفان “آليات انسحاب القوات المقاتلة من العراق والانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي الذي يطور العلاقة بين البلدين ويعزز أمن العراق وسيادته”.
ويضاف إلى ذلك، أن الرئيس الأمريكي يتعرض لضغوط جمة بهدف ردع الميلشيات الإيرانية، وبخاصة من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس.
وقال عضو لجنة القوات المسلحة السيناتور الجمهوري جيم إينهوف إنه “لا يمكن التسامح مع استمرار هجوم الميليشيات المدعومة من إيران على الأفراد الأمريكان في العراق. يجب على الرئيس بايدن أن يطرح استراتيجية حقيقية لردع هذه الهجمات وإنهائها، بدلاً من الاستمرار في نهجه المتسم بالحد الأدنى، والذي يفشل في ردع إيران أو ميليشياتها ويعرض حياة الأميركيين لخطر متزايد”.
ومن جانبه، صرح السيناتور الجمهوري تيد كروز أنه “سيقدم تعديلاً على إجراءات الإلغاء الأسبوع المقبل من شأنه أن يحافظ على قدرة الرئيس على مهاجمة إيران ووكلائها، حيث يعتبرها الجمهوريون أولوية قصوى لهم بما في ذلك النائب الجمهوري مايك روجرز أكبر جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الذي حث بايدن على “إظهار القوة في مواجهة هذه الهجمات”.
وأضاف روجرز: “يجب توضيح أنه إذا تعرضت قواتنا للهجوم في أي جزء من العالم، فلن نرد فقط، بل سنرد بسرعة وبقوة”.
“قاآني لديه أسلوب وقدرات مختلفة”
ويلفت مايكل نايتس، الزميل بمعهد واشنطن إلى أن “قاآني لديه أسلوب وقدرات مختلفة، حيث إن لديه إطار عمل أكثر مرونة، ويضع خطوطا حمراء عريضة على بعض المسائل، أما الأمور الأخرى فهي “لا تسأل، ولا تقول”.
كما رجح في حال “إذا استمر معدل تبادل الهجمات الحالي بين الميليشيات المرتبطة بإيران والقوات الأمريكية في العراق، فقد نتوقع شن الميليشيات ما يقرب من 50 هجوماً على القواعد الأمريكية، وسقوط عدد من القتلى الأمريكيين، وتنفيذ ست ضربات انتقامية أمريكية بحلول نهاية العام الحالي”.
وبحسب المعهد الأمريكي، فإنه في أعقاب الضربات الجوية الأمريكية، نهاية الشهر الماضي، التي استهدفت ثلاثة مواقع لميليشيات متحالفة مع إيران في سوريا والعراق، انهال قادة الميلشيات ووسائلها الدعائية التابعة لهم بوابل من التهديدات ضد القوات الأمريكية في العراق. وفي إطار لغتها التصعيدية، تحدثت الميليشيات عن “تغيير المعادلة” – أي مساعي الميليشيات لطرد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق بالقوة. وجاء الخطاب مدعوماً بالأفعال.
ويضيف: “ففي نهاية يونيو وبداية الشهر الحالي شنت الميليشيات هجمات على السفارة الأمريكية، على أربيل، وعلى “قاعدة عين الأسد الجوية” (مرتين) – رغم أن قسم العمليات الإعلامية الخاصة بالميليشيات بالغ في حجم الهجمات ووقعها في كل مرة. ولكن حتى مع هذا التصعيد من قبل الميليشيات، بدا أن قادة الميليشيات يمهدون لفك التصعيد مع الولايات المتحدة. ويبدو من المرجح أن جولة التصعيد الحالية ستهدأ حالما تتمكن الميليشيات من الإدعاء بأنها ردت بشكل متناسب على الضربات الأمريكية، مما سيسمح لقادتها بإرضاء قواعد دعمهم”.
أما محاولات قاآني بخصوص التهدئة التي دعا إليها الفصائل المسلحة بالعراق، يفسرها الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، بأنها مجرد “توجيه يقوم به القائد العسكري الإيراني لضبط إيقاع النشاط الميلشياوي الذي تؤدي تلك الجماعات لحسابه، ويتراوح بين العسكري والامني والاستخباري ومن ثم السياسي”.
وبالتالي، اللقاء الذي جرى في بغداد “لا يعدو كونه سوى محاولة لضبط الإيقاع حتى لا تخسر إيران أو وكلائها النفوذ السياسي، أو يحدث صداماً في أماكن تعد خطوطاً حمراء إثر مراهنة خاطئة. لذا فالتهدئة ضرورية ومهمة حتى لا تخسر إيران نفوذها في المنطقة أمام اندفاعات غير محسوبة”. يقول نعناع.