باتت قضية سد النهضة على قمة المشكلات التي تهدد أمن واستقرار الحصة المائية لمصر والسودان، من جانب دولة المصب إثيوبيا.

محاولات حل الأزمة التي فشل فيها الاتحاد الأفريقي. دفعت القاهرة والخرطوم إلى اللجوء إلى مجلس الأمن. كمحطة تبدو أخيرة في سلسلة محاولات فاشلة لفض الاشتباك بين دولتي المصب ودولة المنبع. وهي محاولة لم نعرف حتى هذه اللحظة نتائجها، في وقت تواصل مصر السعي الدبلوماسي أملا في تجنب مسارات أخرى راديكالية لا مفر منها، دفاعا عن حقوقها المائبة.

أسئلة عديدة تدور في ذهن المواطن المصري: هل مصر باتت مهددة بالوصول لحد العطش حال استمرت إثيوبيا في تعنتها؟ هل انتهى الحل العسكري مع إقدام أثوبيا على الملء الثاني؟ وما الأخطار التي تواجهها مصر والسودان حال انهيار سد النهضة لأي سبب كان؟

تنبيهات خطرة ينذر بها خبير الموارد المائية الدكتور عباس شراقي في مقابلة مع “مصر 360” من الاستكمال في تعلية سد النهضة وتخزين كميات من المياه تصل إلى 74 مليار متر مكعب بدلا من 11 مليار طبقا لتصميم مكتب الاستصلاح الأمريكي.

عباس شراقي

في البداية، ما أهمية سد النهضة بالنسبة للجانب الإثيوبي؟

الأهداف المعلنة من الجانب الإثيوبي لبناء سد النهضة مبالغ فيها وتعتبر أكاذيب. سد النهضة هو أحد المشروعات التي تم التخطيط لها عن طريق مكتب الاستصلاح الأمريكي عام 1958 وقت وقوع خلافات بين مصر وأمريكا كان السد العالي عنوانها. ومصر صممت على تنفيذه. في ذلك الوقت أمريكا طرحت على إثيوبيا تنفيذ مشروعات لتمنع مياه النيل بحيث يكون السد العالي الذي يبنى رغم أنف أمريكا بلا جدوى. وتم في السنوات الأخيرة بناء 4 مشاريع بينهم سد النهضة من بين 33 مشروعا في حوض النيل الأزرق.

شرعت المواصفات الأمريكية أن يكون السد بسعة تخزينيه حوالي 11 مليار متر مكعب ليولد كهرباء حوالي 1400 ميجا تنفيذا لهدفه الرئيسي. نظرا لفقر إثيوبيا والدول المجاورة للكهرباء وكذلك الاقتصاد، أي يعد المشروع تنمويا.

مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا الراحل
مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا الراحل

ولكن ماحدث إن رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي حوله المشروع التنموي إلى مجرى سياسي. بأن ينشأ أكبر سد في إثيوبيا في الألفية الجديدة. لذلك كان يطلق على لقب “سد الألفية”. ولم يلتزم بالمواصفات الأمريكية، وزاد معدل تخزينه من 11 مليار إلى 74 مليار متر مكعب لرغبته بأن يكون مشروعه للمتاجرة في الحملات السياسية وحشد الشعب. وتم تغيير الاسم 4 مرات للهدف السياسي غير المعلن. لرغبته في زعامة أفريقيا حتى وفاته 2012.

ما حقيقة الأهداف المعلنة للسد؟

بالغ زيناوي في مواصفات السد وادعى أنه سد للتنمية لتوليد الكهرباء. لينير 80 مليون من المنازل المظلمة. واستثمار زراعي على الرغم من أن الأراضي التي تحاوطه هي جبال غير قابلة للري. ومقارنة بالسد العالي. فقد استطعنا زراعة 2 مليون فدان بالمياه التي وفرتها. بجانب عدم استخدام مياه السد للشرب نظرا لبناؤه على مستوى منخفض من إثيوبيا. وبالتالي النتيجة إنه لا يوجد مياه شرب ولا زراعة ولا كهرباء لعدم وجود شبكة داخلية وبالتالي الكهرباء سيتم تصديرها للخارج.

فهذا مشروع سياسي وليس للتنمية. والإثيوبيون سيعلمون ذلك عند انتهاء السد وسيصدمون بنتائج هذا المشروع.

 

سد النهضة
سد النهضة

تحدثت عن عيوب في التصميم الهندسي للسد تنذر بكارثة، ما تلك العيوب وما الأخطار التي تنذر بها؟

ذكرت مرارا أن المنطقة التي يقام عليها السد أو الهضبة الإثيوبية بالكامل بها مشاكل جيولوجية ضخمة. وبها فوالق ضخمة والفوالق تحدث زلازل وبراكين.

والمكان الذي أنشئ عليه السد به فوالق بالفعل، ووجود سد وخزان مائي ضخم يحتوى على 74 مليار متر مكعبق يؤثر بوزن كبير على المنطقة المليئة بالتشققات وأكبر فالق على سطح الأرض وهي الأخدود الأفريقي الأعظم، فهذا الفالق يجعل إثيوبيا غير مستقرة من ناحية النشاط الزلزالي، ويقسمها إلى نصفين.

كما أن الفالق ممتد للبحر الأحمر وخليجي السويس والعقبة وصولا للبحر الميت حتى تركيا، ولذلك الزلازل التي تحدث لدينا من البحر الأحمر وخليج السويس تأتي تأثرا بالأخدود الأفريقي.

يقسم الأخدود الإفريقي أثيوبيا إلى نصفين وخرجت منه البراكين. وبالتالي أصبح لديهم نظام مطري غير موجود عند الدول المجاورة وفيضانات ضخمة سنشاهدها الأيام القادمة حيث تتساقط المياه على قمم الجبال وتنزل أنهار ضخمة وفيضانات رهيبة من ارتفاع 4 ألاف و600 متر فوق سطح البحر.

سبق وتحدثت عن مخاطر انهيار السد، فما نسبة انهياره بسبب العوامل البيئية؟
50% وهذا رقم ضخم. فبعد زيادة معدل التخزين في السد من 11 مليار لـ 74 مليار متر مكعب وهي زيادة تمثل 7 أضعاف في تلك البيئة الصعبة تضاعفت الخطورة. وتلك المعلومات تم التأكد منها من الحوادث السابقة. في سد تكيزي على نهر عطبرة حدث به انزلاق صخري قبل افتتاحه بعامين وتوفى 47 من العاملين فيه. ومشروع آخر على نهر أومو حدث به انهيار مرتين وقت إنشاؤه وهذا نفق طوله 26 كيلومتر. وبعد افتتاحه بـ 10 أيام في يناير 2010 شهد انهيار مرة أخرى. والشركة المنفذه للنفق هي ذات الشركة التي تنفذ سد النهضة حاليا. والعيب ليس في الشركة ولكن في البيئة التي بني عليها السد.

ماذا إذا انهار سد النهضة؟
سنكون أمام كارثة وطوفان على السودان بالتحديد، فكيف يتم بناء سد على الحدود. وأثيوبيا في منطقة أعلى من السودان.

كيف تؤمن السودان نفسها من تلك المخاطر؟

الصيف الماضي، شهد السودان انهيار لسد “بوط” وهو سد صغير داخل السودان. يخزن 5 مليون متر مكعب. ما أسفر عن هدم 600 منزلا. وتشرد آلاف السودانين. وهو السد الذي جعل السودان تفيق وتعترض على سد النهضة خوفا من انهياره بعد رؤية الخطر من 5 مليون متر فقط. ففي حالتي التخزين أو الصرف السودان في مهب الريح.

https://www.youtube.com/watch?v=An2U8LEAOi4

ما تأثير انهيار السد فجأة على السودان ومصر من الناحية الجيولوجية؟

السودان ستشهد طوفان يقتلع السدود في السودان. التي ستنضم ميائها لسد النهضة ويتضاعف الخطر. ولكن هذا الخطر يقل مع اتساع المسافة، فعلي الصعيد المصري من الممكن أن يتسبب انهيار السد في خطر. إن كان السد العالي ممتلئ بالفعل وهذا أسوأ سيناريو. ولكن إن كان السد العالي ممتلئ نصفه معناه أنه سيملئ مرة أخرى سريعا وإن كان قليل الملء ونحن حاليا نحاول تطوير توشكي بحيث إن حدثت مشكلة نستطيع أن نحتفظ بأكبر كمية من المياه.

مصر إلى حد كبير في مأمن، ولكن من حقنا نقلق، ونعود مرة أخرى لإنشاء السد بمواصفات معقولة وفي حالة الانهيار الضرر على السودان ومصر وليس على أثيوبيا.

هل تم الإشارة لتلك المخاطر في مجلس الأمن؟

كنت أتمنى في مجلس الأمن أن يشيروا إلى تلك النقطة إنك تنشئ سدا ضخما وخطرا على الدول الأخرى وليس إثيوبيا، فمن يضمن من الدول العظمى عدم غرق السودان وحتى إن وافقوا على الملء والتشغيل، ولكن مع ارتفاع السعة التخزينية لن يقبل أحد، فالسودان لا تنشئ سدا يمثلها لها خطرا، لابد من التفاوض بأن السعة التخزينية تعود إلى المواصفات الأمريكية أو حتى ضعفها ولكن لا تكون سبع أضعاف، فالسودان أصبحت تحت رحمة أثيوبيا.

هل من الممكن أن تصل مصر إلى حد العطش بسبب السد؟

لن نصل إلى حد العطش، وهذا يرجع لوجود لسد العالي الذي يحتوي على احتياطي ضخم ولكن ليس ذلك بأن نترك الأمر لإثيوبيا بأن تلعب بنا ونتركها تخزن كما ترغب، والكمية التي تخزنها نعوضها من السد العالي هذا لا يجوز.

فاحتياطي السد العالي مثل احتياطي البنك المركزي، حين الأخذ منه يتم ذلك طبقا على نسب أقل القليل، وللظروف الطارئة، ولكن ليس إن إثيوبيا خزنت 10 مليار فمصر تلجأ بالتعويض من السد العالي، فهذا استنزاف للاحتياطي الاستراتيجي المفترض إنه متوفر في حالة قدوم سنوات جفاف.

المواطن لن يتأثر بشئ، سواء في وجود اتفاق أو عدمه بخصوص السد، فلا يقلق المواطن في حالة تشغيل السد بأنه لن يجد مياه بالحنفيات، أو المزراعين لن يجدوا مياه للري، ففي وجود السد العالي المواطن لن يشعر بمشكلة.

ولكننا كدولة يتم التعامل مع سد النهضة كنموذج بحزم، نظرا لأنه سيكون هناك سدود أخرى سيتم بناؤها فلابد من تقنين الوضع الآن ليتم إتباعه في السدود القادمة، تجنبا لحالة فرض الأمر الواقع.

ذكرت بأن المخطط يتضمن  33 سدا من بينهم 4 سدود كبرى.. فماهي تلك السدود؟

بجانب سد النهضة وهو الأكبر. تأتي سدود كارادوبي، وماندايا، وبيكو أبو. وأثيوبيا من الممكن أن تشرع في إنشاء واحد منهم قريبا. وهدفهم توليد كهرباء من الدرجة الأولى ولكن أهداف الري ضعفية. لأن المياه قادمة من انحدارات شديدة ومندفعة وبقوة على التوريبنات لتولد الكهرباء. ونحن نتحدث عن دولة تتمتع بطاقة مائية ومقومات عمل محطات لتوليد الكهرباء ومن الممكن أن تنشئ مئات السدود ولكن ليس بالحجم الذي يمثل خطورة وأضرار على الدول الأخرى.

هل الخطط البديلة لمصر مثل تبطين الترع وتحلية المياه ممكن أن تقلل من أضرار السد؟

بالفعل نحن نعمل على تلك الخطط، لتوافق حصتنا التي تبلغ 55 مليار ثابتة من آلاف السنوات. رغم وصول تعدانا إلى 104 مليون نسمة. فحصتنا المحدودة وكان علينا التعاطي مع المشكلة بإنشاء صوب زراعية وتبطين الترع وحفر الأبار. وهذه جهود الدولة بعيدا عن سد النهضة.

هل يمكن أن تشارك مصر في إدارة وتشغيل السد؟

إثيوبيا لا يمكن أن تسمح بذلك. ولكن من المفترض أن يكون هناك تعاون وتنسيق. كما في أوغندا في سد “أوين” على بحيرة فيكتوريا لدينا 3 مهندسين مصريين مقيمين هناك حاليا للتنسيق دون المساس بالسيادة الأوغندية.

مدى قدرة إثيوبيا على حماية السد في مرحلة التشغيل في ظل الانفلات الأمنى لديها ؟
أى بلد تستطيع الحفاظ على مشروعاتها الحيوية. مثل الدفع بكتائب جيش حول المشروع.

وصل السد إلى مرحلة الملء الثاني، فهل من الممكن إيقاف ذلك الأمر؟ وإلى أين وصل التخزين في السد حتى الآن؟

التخزين الثاني بدأ منذ 10 أيام وتم تخزين ما يقرب من مليار متر مكعب، بجانب 5 مليار من العام الماضي، وستزيد تلك النسبة إلى 8 مليار بعد 10 أيام من المفترض أن تفيض من أعلى السد وتحدث شلال.

التخزين الثاني بدأ منذ 10 أيام وتم تخزين ما يقرب من مليار متر مكعب، بجانب 5 مليار من العام الماضي، وستزيد تلك النسبة إلى 8 مليار بعد 10 أيام من المفترض أن تفيض من أعلى السد وتحدث شلال.

التخزين حاليا يتم إلى ما انتهوا عليه من الناحية الهندسية وليس لما اتفقوا عليه مع مصر والسودان، حتى أن إثيوبيا من باب التباهي بالتخزين يستخدموا أسلوب المنسوب، فما يعلن من جانبهم بانهم قاموا بالتخزين للمنسوب 573 أى 3 مليار، بعدما كان من المفرض أن يخزن 13 مليار ونصف، وذلك حتى لا يحبط الشعب الأثيوبي.

كيف يجري الأمر بعد التخزين في حالة اللجوء إلى الحل العسكري؟

الأسهل لو استخدام عسكري في ظل كمية تخزين أقل. هذا لا يعنى أن الحل العسكري تم إلغاؤه، فلكل وضع خطة مناسبة، وحسب الحجم ويتم التنسيق مع السودان في طريقة الضرب، لكن بصفة عامة العمل العسكري قائم حتى إن ارتفعت نسبة التخزين.

ترى الولايات المتحدة أنه لا يمكن حل أزمة السد عسكريا بعد تدخلها لتقديم المساعدة السياسية والفنية بجانب الاتحاد الأفريقي.. لماذا؟

نحن أنفسنا لا نتمنى أن نصل للحل العسكري. ولذلك ذهبنا إلى مجلس الأمن وكان أول مطلب في مشروع القرار العربي استئناف المفاوضات ولكن في وجود أطراف دولية فعالة بالإضافة إلى الطلبات الأخرى. الحل العسكري لا أحد يتمناه ولكن إن فرض علينا سنضطر إليه.