تحول الأئمة لأشبه بمندوبي مبيعات لصكوك الأضاحي. أثار غضبا واسعا في صفوفهم. بعد أن حددت وزارة الأوقاف ما يشبه “التارجت” المطلوب تحقيقه من كل مديرية. وبالتالي بات على كل إمام بالتبعية تحقيق نسبة معينة من الصكوك من خلال إقناع المواطنين بالمشاركة في المشروع.
وزارة الأوقاف إحدى الجهات الرسمية التي دخلت كشريك قوي في المنافسة على بيع صكوك الأضاحي منذ عام 2015. وحققت فيه نجاحا كبيرا. بعد أن اقتصر الأمر لسنوات على الجمعيات الأهلية.
وصكوك الأضاحي عملية يقوم فيه المسلم بإنابة جهة ما بالذبح بديلا عنه وتوزيع اللحوم على الفقراء والمحتاجين.
و يدفع المساهم قيمة الصك بشكل رسمي لحساب الأوقاف من خلال الإدارات ومديريات والحسابات البنكية في البنك الأهلي والزراعي وبنك مصر والبريد ويحصل المتبرع علي إيصال رسمي بقيمة مساهمته لضمن عدم التلاعب أو الاستحواذ على أموال المساهمين بالمشروع.
تعاون بين الوزارات
وتتعاون وزارة التموين مع الأوقاف في دعم هذا المشروع من خلال استيراد رؤوس الأضاحي الحية من السودان. وتجهيزها لخروجها بشكل ملائم.
كما تتعاون مع الأوقاف أيضا وزارة التضامن الاجتماعي التي تمدها بإعداد المحتاجين وعدد الأسر الأولي بالرعاية في المحافظات.
من جانبها، تشرف وزارة الأوقاف على عملية الذبح بشكل كامل خلال أيام التشريق الأربعة -المدة الشرعية للذبح حسب الشريعة الإسلامية- في مجزر أبو سمبل في محافظة أسوان بعد اكتمال مدة الحجر الصحي للحيوان 15 يوما. لأن المشروع يعتمد على الرؤوس المستوردة من دولة السودان. ثم تأتي خطوة النقل والتوزيع إلى باقي مناطق الجمهورية عبر مبردات وسيارات معدة لذلك.
تعالت شكاوي الأئمة بالإدارات التابعة لوزرة الأوقاف. تلك الإدارات التي تستخدم موظفيها من الخطباء والدعاة والعمال للعمل في جمع وتحصيل هذه الصكوك لتحسين صورتها أمام الوزارة، ما يدفع الكثير من الخطباء والعمال لتسديد هذه الصكوك من مرتباتهم وجيوبهم الشخصية حسب تعبير البعض. أو اشتراك أكثر من فرد في صك لتفادي عقاب المديرين على ما تعتبره تقصيرا في توزيع الصكوك ومجازاتهم بالنقل إلى مناطق نائية أو خصم من مرتباتهم.
عقبات في طريق المشروع
أحد الأئمة في مركز دكرنس في محافظة الدقهلية – رفض ذكر اسمه- كشف عن إدارته واحدة من أكبر الإدارات في جمع الصكوك التابعة لوزارة الأوقاف.
يقول: “كثير من العاملين يرفضون فرض تحصيل الصكوك عليهم. ما يضطرهم إلى تسديدها من رواتبهم الضئيلة. خاصة أن معظم الأئمة يعملون بنظام المكافأة ورواتبهم لا تتجاوز الـ 2000 جنيه. يجبرون على دفع الصك تفاديا لعقاب مدير الإدارة”.
“فرض التحصيل عليهم نوع من الجباية لتحسين وجه الوزارة حتي على مصلحة العاملين. ليست من وظائف الأمام جمع وتحصيل الأموال من الناس لأنها طريقة مهينة لنا”. يقول أحد الأئمة التابع لمديرية أوقاف دكرنس.
مناطق التوزيع
الشيخ سليمان محروس إمام وخطيب مسجد السيدة سكينة قطاع جنوب القاهرة يقول إن المشروع منذ بدايته في سنة 2015 حقق نجاحا ملموسا. حيث تخطى مبلغ 60 مليون جنيه في العام الماضي بفضل توزيعه في كل الإدارات والوصول لأكبر عدد من الأسر الأكثر احتياجا.
وأوضح سليمان أن عملية الذبح تتم في مجزر مدينة أبو سمبل في أسوان. حيث يتم تأجير عنبر خاص بذبائح وزارة الأوقاف. بعد إجراء الفحص الصحي والبيطري عليها ويتم نقالها في مبردات خاصة. جاهزة على التوزيع ونقلها إلى القاهرة والمديريات الأخرى. كل محافظة حسب أعداد المحتاجين المسجلة بالكشوف في المديريات. حيث يتم توزيعها في المساجد الكبري مثل مسجد الرفاعي في القلعة ومسجد الشريف في منطقة المنيل في مصر القديمة في حضور مندوب التفتيش العام ومدير الإدارة ومفتش المنطقة بواقع كيلو لكل أسرة مكونة من أربع أفراد و 2 كيلو للأسرة اكبر من 6 أفراد.
باب للمخالفات
يروي أمام وخطيب مسجد ومفتش بإحدى إدارات الأوقاف في محافظة الجيزة أن العاملين بالقطاع الديني يعيشون حالة رعب شديدة من مركزية اتخاذ القرار حيث يعاني المختلفون من حالة تعسف تصل إلى الاضطهاد بالنقل والإقصاء أو التلويح لهم بتهمة التطرف والإرهاب لإبعاده من منصبه لذلك لا يجرؤ أحد على عدم التنفيذ للأوامر بالإدارات.
وأكد مفتش الأوقاف أن هناك تشديدات من جانب الوزارة في جمع وتحصيل صكوك الأضاحي بأي طريقة ما يضطرهم إلي مشاركة العاملين من الأئمة والعمال في شراء الصكوك كل على قدر استطاعته لدرء الشر عنهم. مؤكدا أنه استلم دفترين من صكوك الأضاحي هذا العام عهده عليه لتحصيلهم يضم كل دفتر 20 صك قيمة الواحد 2000 جنيه من المفترض أن يقوم بتوزيعهم جميعا وتحصيل المبالغ للمديرية الأوقاف بالجيزة بقيمة 80 ألف جنيه.
ووصف مفتش الإدارة عملية جمع وتحصيل الصكوك بأنه باب كبير للمخالفة في جمع الأموال وغير قانوني من وجهة نظره. حيث يلجأ إمام المسجد لتحصيل ما فرض عليه بإشراك أكثر من فرد في صك واحد بنفس الوصل. حسب المبالغ المجمعة ولا يسجل باقي الأسماء المشتركة.
وتابع: لا تعرف قيمة الأنصبة الحقيقية. حيث تتم عملية توزيع اللحوم بدون مراقبة في المساجد وحسب الكمية التي تقررها الإدارة والمديرية إلي هذه المنطقة وليس حسب عدد الصكوك ولكميات المستحقة عليها.
ويوضح الشيخ أيمن حسن إمام وخطيب مسجد الأشراف بإدارة وسط القاهرة أن العملية جمع الصكوك ليست فرضا على الأئمة لأن الشرع جعل الأضحية اختيارا فكيف يفرض جمعها من الناس إنما هو نوع من التعاون بين الأئمة ومديري الإدارات لتحقيق اكبر منفعة لتوصيل اللحوم لكل محتاج. مؤكدا عدم وجود ضغوط عليهم إنما يوجد ما مديرية بدافع الحماسة حاولوا دفع الخطباء المتكاسلين للإعلان عن الصكوك خلال الخطب في الجمع ودروس الوعظ.
صكوك الأوقاف الأرخص
ويشير أيمن إلى أن صك الأضحية في الأوقاف أقل سعرا من نظيره في المؤسسات الأخرى. التي تعمل في هذا المجال فقيمة السهم 2000 جنيه فقط. بينما يباع في أماكن أخري بسعر 3500 جنيه. حيث تقوم الوزارة بشراء الأضاحي من دولة السودان بسعر 14 ألف جنيه للبقر والجاموس يشترك فيها سبعة أفراد.
وذكر أن عملية جمع الصكوك وتوزيع اللحوم في الإدارات يقوم بها الأئمة والعمال وهم المسؤولون عن توزيعها على الفقراء ومن يرغب في الحصول على اللحوم عليه التوجه إلى المساجد المعلن عنها لاستلامها ولا يوجد توصيل للمستحقين محل إقامتهم وأن ذلك يتم تصويره وتوثيقه وإرساله إلي الوزارة للمراجعة ويذهب جزء من هذه الأضاحي للتضامن الاجتماعي والتعليم والصحة والقائمين عليها من العمال.
وقال أحد الأئمة علي الدرجة الأولي بإدارة 6 أكتوبر، إن كل مدير إدارة يتسلم 4 أو 5 دفاتر من الصكوك يقوم بتوزيعها على أئمة المساجد الكبري. لافتا إلى أن الأئمة والمفتشين يقعون تحت “ضرس” مدير الإدارة وعليهم الانصياع للأوامر وجمع أكبر عدد من الصكوك. ومن لا يحقق رقم معقول من بيع الصكوك يعاقب بالنقل إلى مكان آخر بعيد عن محل سكنه.
وكشف أن مدير إدارة تم استبعاده من منصبه الأسبوع الماضي لتلاعبه بمبلغ 30 ألف جنيه من فلوس الصكوك المشتركة التي يتم احتسابها رسميا بقيمة صك واحد.
أهداف تحصيل الصكوك
واعتبر الشيخ محمود القاضي إمام وخطيب احد المساجد في منطقة عين شمس أن عملية الضغط التي تمارس على الخطباء والعمال هو فهم خاطئ لدي بعض مديري الإدارات في تحصيل هذه الصكوك. لأنهم يريدون الظهور بأنهم باعوا جميع الصكوك لتحسين صورة الإدارة بأنهم حققوا أعلى دخل من الصكوك حتي عن طريق الإلحاح.
ونفى القاضي عملية مجازاة ومعاقبة الأئمة المتكاسلين في التحصيل. وقال إن إدارة عين شمس لم تحصل إلا 70 صكا فقط في 96 مسجد تابعة للأوقاف.
وأكد الشيخ صالح مصطفي على وكيل وزارة أوقاف محافظة الشرقية سابقا انه خرج على المعاش العام الماضي ولم يقوم أثناء خدمته بأي نوع من الضغط على الأئمة والعمال في عملية تحصيل الصكوك. لكنه لم يعلم إلى أي حال وصل الأمر حاليا مشيرا إلى أن يكون الوضع تغير أو يكون حدث ذلك في مديريات.
المشاركة في المشروع
الدكتور عاصم القبيصي وكيل وزارة الأوقاف في محافظ أسيوط أشار إلى أن عملية جمع الصكوك يشارك فيها أئمة المساجد ومديري الإدارات و المديريات بالمحافظات ومن يرغب في شراء الصك من المواطنين ولم يتمكن من الوصول إليهم يتم إرسال الصك إليه في محل سكنه.
وأضاف أنهم كوكلاء وزارة يذكرون الناس بالصكوك خلال الخطب لمن يرغب في المشاركة لعموم الفائدة لكنه ليس إجبارا على أحد بتحصيل أعداد معينة وأن مديرية أسيوط جمعت 700 صكا فقط ولم يتم مجازة أحد أو عقابه على تقصير.
لجان إشراف على التوزيع
وذكر القبيصي أن هناك لجان مشكلة تشرف على عملية توزيع لحوم الأضاحي الخاصة بالصكوك في أسيوط. مكونة من وكيل المديرية عبد الله خليفة ومدير الدعوة عبد اللطيف والمسؤول المباشر ناصر سيد ومدير المتابعة ومديري الإدارات. وكل ذلك تحت إشراف المحافظ اللواء عصام سعد وبالتنسيق مع الجهات الأمنية.
وأشار القبيصى إلى إعدد كشوف مسبقة بأعداد الأسر المستحقة والأولى بالرعاية. عن طريق حصر مسبق بالإدارات وبالتعاون مع بعض الجمعيات الأهلية التي تعمل في هذه المجال الأكثر التصاقا بهم. يتم توزيعها عن طريق رؤساء المدن والوحدات المحلية وأن المصاريف الإدارية لا تحتسب من قيمة الأضحية إنما تتحملها الوزارة.