قبل سنوات هدأت وتيرة كتب الجدل العقيدي بين الأقباط والمسلمين. وانتقل الصخب إلى الفضائيات التي تبث من الخارج. وتقدم محتوى تبشري ودعوي. إلى أن أصدرت إحدى دار الكتب في المنصورة كتاب “نقد التقليد الكنسي .. الكنيسة المصرية نموذجا”. للباحث محمد هنداوي الذي يعمل مشرفا على الأكاديمية الإسلامية في النرويج ويعرف نفسه بالأزهري.
أنباء ترددت عن مصادرة الكتاب من معرض القاهرة الدولي للكتاب. بعد حالة الغضب التي انتابت الأقباط علي مواقع التواصل الاجتماعي. في وقت لم تعلن آي جهة بشكل رسمي عن مصادرة الكتاب.
الكتاب يقع في 432 صفحة ويضم فصولا تناقش عدد من الموروثات الشفاهية والكتابية الأساسية في الكنيسة المصرية التي تعرف بالتقليد.
3 مقدمات
يبدأ كتاب نقد التقليد الكنسي بثلاث مقدمات. كتب الأولى الدكتور عبد الرحمن جيرة وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة سابقًا. احتفت فيه بالباحث وما قدمه في بحث الماجستير متمنيًا أن يفتح كتابه الذي لقبه بالمتخصص آفاقا معرفية جديدة.
أما المقدمة الثانية فقد كتبها علي الريس الباحث في مقارنة الأديان: وجاء فيها: بعد الصلاة على النبي محمد إن الشريعة الإسلامية جاءت كاشفة عن أسباب انحراف الأمم السابقة لتحصين الأمة من السقوط فيما سقطوا فيه.
ويتابع الريس في تقديمه للكتاب: دراسة الموروث الآبائي للكنيسة هو مدخل لتصحيح الانحراف عن الصراط المستقيم.
مرقس الرسول
يبدأ الكتاب في نقد التقليد في الكنيسة من خلال تناول نسبة الكنيسة الأرثوذكسيّة المصرية في الأساس إلى مرقس الرسول وهو مبشر مصر بالمسيحية. ويعتبر أن هناك مراجع تنكر دخوله مصر أصلا، وأن مرقس ليس من كتاب الأناجيل الأربعة. بل إنه لم يكن من رسل المسيح السبعين وقد كان كاتبًا لبطرس الرسول وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية، وأن المسيحية كانت موجودة قبله بين بعض جماعات اليهود الذين تنصروا.
يتناول الكتاب بالنقد أيضا الليتورجيا أي الصلوات التعبدية كمصدر من مصادر التقليد ونقد المجامع على ضوء التقليد والقانون الكنسي.
الباحث فادي نبيل يقول إن منهج كتاب “نقد التقليد الكنسيّ” ومنهج فهمه للتقليد، هما منهج وفهم هرطوقيان؛ لذلك لم أتعجب من استنتاجه الذي تَنَمّق بالصوابية السياسية في آخر الكتاب، وقاله أحد مقدمي الكتاب صراحةً قائلًا:”ويبقى السؤال الجاد بعد قراءة كتابنا المبارك هذا: هل بقي للمتديّن بالانتماء إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة عذر بعد قراءة ما أتى على إيمانه بالنقض؟!”
وقال أيضًا: “الكتاب -باختصار- يناقش الكنيسة المصرية -بعمق- في صدق أرثوذكسيّتها، وينتهي إلى بيان أنّها بمعايير الأرثوذكسية، هي كنيسة هرطقية”.
منهج الهراطقة
وأضاف الباحث فادي نبيل أن منهج الشيخ في كتابه لا يختلف عن منهج الهراطقة، ويبرر ذلك بأن الكاتب لم يفهم خصوصية التقليد. قائلا: الكتاب لم يعط تعريفًا واحدًا صحيحًا منضبطًا عن “التقليد”. وهنا تعجبت حقًا. فكيف نتعرض لنقد مسألةٍ لا نُعرّفها تعريفًا صحيحًا واحدًا. وهنا نذكر تعريفكم عن التقليد الذي ذكرته في المقدمة بأسلوبٍ قَصْري: “وما التقليد إلا فهم الآباء للكتاب وترديد الجماعة المسيحية في صلواتها لهذا الفهم”.
وزاد الباحث: لعلك الآن تظنّ أنني لم أقرأ التعريف الذي أوردته عن الأنبا غريغوريوس، قد قرأته جيدًا ونترك الحديث عنه بشكل مفصل في وقتٍ لاحق، وهو تعريف قاصر جدًا، ولكن هنا من جملتك التعريفية عن التقليد في الافتتاحية، يتأكد اِعتقادنا بأنّك لم تفهم التقليد في خصوصيته.
وتابع: الكتاب ينتقد صحة التقليد بنهجٍ تاريخيّ، فيتسأل عن نسبة الكنيسة إلى مرقس الرسول تاريخيًا. ونسبة الإنجيل إليه تاريخيًا، وهنا السؤال الأهم هل التاريخ حقًا هو ما صَنَع التقليد؟ ويكون حُجة عليه؟ أم التقليد له مصدر أوليّ آخر غير تاريخيّ؟ فإن كنت تعرف إجابة السؤال ولم توردها في كتابك، فهذه سقطة كبيرة. وإن كنت لا تعرف فأعذرني، هذه من الكبائر في عالم البحث.
ماهية اللاهوت
يعتبر الباحث وجود خطأ آخر وقع فيه الكاتب تمثل في عدم إدراك ماهية اللاهوت الأثناسيّ نسبة للبابا اثناسيوس في خصوصيته. قائلا: للوهلة الأولى يظهر للقارئ غير المتمرس أو غير المسيحيّ. إنّ الصراع الأثناسيّ-الأريوسيّ، في جوهره، صراع حول النصوص وتفسيرها. ولكن في حقيقة الأمر كان صراعًا عن كيفية وجودنا في المسيح. ونجد القديس أثناسيوس يحتكم في نقاشه للخبرة الكنسيّة التي هي المصدر الأوليّ للتقليد المكتوب والشفاهيّ، فنجد أثناسيوس يستخدم الخبرة الكنسية للفصل في المسألة: فلو كان المسيح إلهًا مخلوقًا لما كنّا سنتألّه نحن، لو كان المسيح ليس ابنًا للآب بالطبيعة لما كنّا نحن أبناء فيه بالمعمودية. فلم يكن هذا الصراع هو صراع نصوص أو صراع تفاسير، بل صراع بين نمط وجود أرثوذكسيّ مقابل نمط وجود هرطوقيّ، وحَسَمَت هذا الصراع لاهوتيًا: الخبرة الكنسيّة.
وهاتان نقطتان مهمتان من أصل كثير جعلتني لا أفرّق بين منهج فضيلة الشيخ ومنهج الهراطقة، فعدم الفَهم قديمًا لمجال التقليد (skopos)، وقانون الحقّ الذي بُني عليه، جعل الهراطقة يُسقِطون أفكارهم على الله، السبب نفسه الآن يجعل فضيلته يُسقِط نظرته الشخصيّة -النابعة من إيمانه- على التقليد، فقد نقل مجال التقليد من خصوصيته إلى مجال الإسلام كما لو كان كلامًا متواترًا: نصًا وشفاهةً وأخذ يحاكمه وينقده على هذا الأساس.
الباحث جورج شكري علق على الكتاب قائلا. قبل أن يلج القارئ إلى صفحات الكتاب. التي ييلغ عددها قرابة ٤٥٠ صفحة. يجد نفسه أمام مجموعة من المقدمات التي كتبها المؤلف الأزهري. ومجموعة أخرى من رفاقه.
محنة ومراجعة
وأضاف شكري: يذكر الكتاب بوضوح أن أبناء الكنيسة الأرثوذكسية سيجدون أنفسهم أمام محنة تاريخية وعقائدية تستدعي المراجعة.
وتابع: يفترض الكتاب أنه لم يعد هناك آي عذر لآي منتمي للكنيسة الأرثوذكسية بعد ما تعرض إيمانه للنقد. وبعدما أثبت الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أنها كنيسة هرطوقيه. وهي تهمة قد تبدو غريبة علي من اباح واستباح واعتاد أن يُكفر. لكنه قرر أن يستعين بسلاح جديد. وهو أن يُهرطق. والوصم بالهرطقة، لا يصدر عادة إلا من مجمع مسكوني أو مجمع كنسي مكاني، لكن الشيخ الازهري ورفاقه قرروا ان يعقدوا محاكمة ومجمعا للكنيسة الأرثوذكسية في مصر.
وزاد: الغريب أن يصدر مثل هذا الكتاب. في وقت غاب فيه نوعا الصوت المتطرف في مصر. وسط إرادة سياسية واضحة. وإن كانت بطيئة. لتجديد الخطاب الديني. وفرض أجواء المواطنة والتعايش الديني.
وواصل شكري: رغم أن الكاتب يري ضمنا. في صفحة ( ٣٦٦ ). عدم وجود معيار أرثوذكسي. يمكن الاحتكام إليه في الفض في قضايا خلافية بين فرق متناحرة. إلا أنه قرر أن يضع من خلافات الكنائس أو عدم توافق الأباء في بعض القضايا. معيار أرثوذكسيا أزهريا. ليحكم في النهاية وفقا لمعياره بهرطقة الكنيسة.
واختتم شكري حديثه: يبقى أن نسأل الشيخ نفسه. هل يقبل أن ينقد قس مسيحي التراث الفقهي. وأن ينهي نقده بأنه لم يعد للمسلمين عذرا في البقاء على عهدهم.
نقد النقد
الراهب نوح أنبا بيشوي فكتب تحت عنوان “نقد النقد – مقدمة في تعليق لصاحب الكتاب” على الفيسبوك: لا أنفي عن الكتاب نقد الأرثوذكسية ولا المسيحية. التي استقرت واعتد بها. بل الكتاب يدلف من نقد التقليد إلى بيان بطلان أرثوذكسية المسيحية المستقرة لا الكنيسة فحسب. وما التقليد إلا وسيلة وسبيلا.
وأضاف: شيء جميل في عمل يُقال عنه أنه أكاديمي. أن تضع الهدف قبل البحث. ومن ثم تحاول الوصول بالنتيجة إلى ذلك الهدف المرجو. وهذا ينفي عن الكتاب صفة الأكاديمية من قبل أن تبدأ بقول: “الكتاب يدلف من نقد التقليد إلى بيان بطلان أرثوذكسية المسيحية المستقرة لا الكنيسة فحسب؛ وما التقليد إلا وسيلة وسبيلا”.
ويتابع: الكاتب خرج من مجال البحث الأكاديمي إلى مجال الهجوم غير المباشر.
الحق في النقد
وتناول الراهب عدة ملاحظات في الكتاب. تمثلت في أنه لا أحد يستطيع أن يسلب الكاتب حقه في إبداء الرأي أو الهجوم على الكنيسة وإثبات بطلانها. قائلا: هذا حق لك طالما لم يخرج عن نطاق الرأي والرأي الآخر. ومن ثم فالحق أصيل لنا أيضا في الرد وإثبات بطلان الأسس العلمية التي استندت عليها سواء لإثبات بطلان المسيحية أو الإسلام.
وقال الراهب: الحق ليس أحادي الاتجاه. ونرحب تماما بهذا الأسلوب الجديد في النقاش الفكري. بعيدا عن أسلوب القمع والتهديد الذي كان موجودا في العصور السابقة. والتلويح بسلاح التكفير وازدراء الأديان لإخراس الألسنة. هذا ما نادينا به منذ عقود عندما بدأ هجوم فضيلة الشيخ الشعراوي في أجهزة الإعلام الحكومية. وكنا نطالب فقط بحق الرد ولم يكن من مجيب.
وتابع: الطريقة الجديدة ومحاولة إصباغ الهجوم بصبغة علمية. هي دليل جديد على فشل الطرق القديمة. التي كانت تقوم على سلاح وحيد. هو التمسك بما قاله كتابكم الذي تقدسونه (القرآن)، في شرحه وتفسيره لعقيدة النصارى الذي يخالف العقيدة الحقيقية للمسيحيين. والتلويح بالسيف لكل من يعارض.
كتاب للرد
وعلي الرغم من الأنباء عن مصادرة الكتاب. أعلنت دار رسالتنا وهي دار مسيحية عن عزمها نشر كتاب بعنوان. دحض نقد التقليد الكنسي للقس مينا القمص اسحق وموريس وهيب. للرد على ما جاء في الكتاب.