لا يمكن تصنيف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ضمن المشروعات اللوجيستية فقط. في ظل المخططات الرحبة للأنشطة الاقتصادية التي تضمها وتشمل 14 قطاعًا صناعيًا تجعلها أقرب للمدن المتخصصة في توطين الصناعات ونقل التكنولوجيا.
تعتمد مصر في السنوات الأخيرة على نقل التكنولوجيا وتوطينها عبر إنشاء المدن الصناعية الأجنبية في مصر. خاصة في المنطقة الاقتصادية التي تستقطب مدينتين صناعيتين أحدهما روسية وأخرى بولندية. وتتكامل مع مدن أخرى بصدد الإنشاء. كالمدينة الصينية في المنوفية والمدينة الصناعية الفرنسية فى الإسكندرية.
يمثل الهدف الرئيسي من المشروع: رفع إمکانيات منطقة قناة السويس اقتصاديًا والتي يمر بها 64% من تجارة الحاويات في العالم. التي لم تتجاوز قبل مشروع التوسعة تبلغ 5 , 2 مليار دولار سنويا لعام ۲۰۱٥ هو رقم قليل حال مقارنته بدبي التي تقدم خدمات لوجستية للنقل البحري. بعائد 18 مليار دولار. وسنغافورة التي تسجل 35 مليار دولار من نشاطها في الخدمات ذاتها.
4 مناطق
وتمتد المنطقة على مساحة 460 كيلو متر. وتبدأ من العين السخنة جنوب السويس ومنها إلى محافظتي السويس وجنوب سيناء ثم محافظة الإسماعيلية ومحافظة بورسعيد. وتنقسم إلى 4 مناطق، الأولى في العين السخنة، والثانية في شرق بورسعيد، وتم تجهيزهما وإعدادهما لتكونا مناطق متكاملة بميناء ومناطق لوجيستية وصناعية وسكنية لكل منها، بجانب منطقتين أخريين في القنطرة وشرق الإسماعيلية.
اعتمدت وزارة المالية للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. مبلغ 15 مليار جنيه و109 ملايين جنيه الموازنة العامة للعام المالي الحالي 2021 /2022 مقابل 9 مليارات و115 مليون جنيه في موازنة العام المالي الجاري بزيادة قدرها 5 مليارات و994 مليون جنيه .
واتسع نطاق المشروعات التي تستهدفها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتتضمن 14 قطاعًا صناعًيا تشمل الخدمات البحرية وتموين السفن، وصب المعادن، ومواد البناء والصناعات الهندسية، ومراكز البيانات، والتصنيع الزراعي، واللوحات الشمسية، وعربات السكك الحديدية، والمنسوجات.
يسمح مكان المشروع بالتوسع المستقبلي على عكس خطط التنمية السابقة في مصر التي تم تدشينها بجوار الأراضي الزراعية ما حال دون التوسع أو جار على مساحات والسعة منها، ولم يسمح بتقديم الخـدمات التوطينية الأخرى المواكبة للأنشطة الصناعية كخدمات الإسكان للعاملين بهـذه المشـروعات ومواقع التخزين وأدت إلى تداخل واختلاط ما بين الأنشطة الصناعية والزراعيـة والسكنية داخل الحيز العمراني المأهول.
نشاط اللوجستيات
على صعيد اللوجستيات. تضم المنطقة أكبر ميناء محوري على البحر الأحمر في العين السخنة. بأرصفة جديدة بطول 12 كيلومتر وعمق 18 متراً. وساحات تداول بمساحة تقترب من 6 ملايين متر مربع. ومناطق تجارية ولوجيستية بمساحة تزيد على 5 كيلومترات.
ومن المقرر أن يرتبط الميناء بشبكة من خطوط السكك الحديدية بطول 10 كيلومترات متصلة بالقطار الكهربائي السريع السخنة/ العلمين الجديدة. لتستخدم في نقل البضائع خاصة الحاويات. بالإضافة إلى الطريق الشرياني بطول 14 كيلو ليربط بين الأرصفة والميناء لملاقاة للتوسعات المستقبلية.
تراهن الحكومة على زيادة دور المنطقة الاقتصادية في مجال اللوجيستيات. بعد زيادة حركة المرور بقناة السويس بعد مشروع ازدواجها الذي جعلها تسمح بعبور 97 سفينة معيارية/ يوميًا مقارنة بنحو 77 سفينة معيارية/ يوميًا في السابق. وتحقيق العبور المباشر لنحو 45 سفينة بكلا الاتجاهين. مع تقليل زمن العبور ليكون 11 بدلاً من 18 ساعة لقافلة الشمال. بجانب السماح بعبور السفن حتى غاطس 66 قدمًا في كلا الاتجاهين. خاصة في ظل التزايد المستمر للسفن ذات الغاطس 45 قدم فأكثر .
ووفقًا لدراسة وضعها مركز البحوث الإيطالى SRM. فإن توسعة قناة السويس يخفض تكلفة التشغيل لأي شركة نقل بحري بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 10% في المتوسط من إجمالي تكاليف التشغيل. وتتيح الفرص لتطوير عدد كبير من المشروعات في القطاع اللوجستي والصناعي لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والدولية. التي من شأنها تعزيز فرص العمل والثروة. كما تنعكس على حركة الموانئ بالشواطئ المصرية المطلة على البحرين المتوسط والأحمر، على حد سواء.
صناعة البتروكيماويات
ومن المقرر أن تتضمن المدينة أكبر مجمع للبتروكيماويات في العين السخنة على مساحة 3.56 مليون متر. بتكلفة استثمارية 7.5 مليار دولار. وإنتاج منتجات بترولية كيماوية ذات القيمة المضافة كالبولي إيثلين والبولي بروبلين والبولي استر ووقود السفن وغيرها من المنتجات البترولية والكيماوية.
ويتولى المشروع شركة “التنمية الرئيسية”. وهي الذراع التنموية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ويهدف إلى سد احتياجات السوق المحلية بجانب توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تقدر بنحو 15 ألف فرصة عمل. كما يأتي ضمن المشروع القومي لتحويل مصر لمركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز.
والبتروكيماويات عبارة عن منتجات مصنعة من الزيت الخام والغاز الطبيعي. وهى تمثل القاعدة الأساسية للصناعات الكيماوية العضوية الثقيلة. وتمثل صناعة الكيماويات حوالي 3% من الناتج المحلي للدولة. و12% من إجمالي القطاع الصناعي.
ووضعت وزارة البترول، قبل عام. استراتيجية لتطوير صناعة البتروكيماويات لتنفيذها خلال الفترة بين عامي 2020 و 2035، تتضمن 11 مشروعاً جديداً للإنتاج بإجمالي تكلفة استثمارية يقدر بنحو 19 مليار دولار مع التركيز بصفة خاصة على المشروعات التي تحقق أعلى قيمة مضافة من الموارد الطبيعية،
قطاع النقل
من المزمع أن تضم المنطقة مشروعات لشركة “نيرك” لصناعة السكك الحديدية. باستثمارات قدرها 10 مليارات دولار على مرحلتين لإنتاج 300 عربة سكك حديدية سنويًا وتوفير 2000 فرصة عمل. وتوطين صناعة السكك الحديدية في مصر خاصة الوحدات المتحركة بالجر الكهربائي.
“نيرك” هي تحالف بين الصندوق السيادي والمنطقة الاقتصادية والقطاع الخاص الذي يضم “أوراسكوم للإنشاءات” و”حسن علام القابضة” و”كونيكت للتكنولوجيا والمعلومات” و”سامكريت للاستثمار”. ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات في هذه الشركة إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القادمة.
يضم مجمع “نيرك” مصنعاً لتأهيل الوحدات العاملة بالجر الكهربائي بطاقة إنتاجية مقدرة 125 وحدة سنويا. وآخر لتصنيع عربات المترو الجديدة. بطاقة إنتاجية مقدرة 150 وحدة سنويًا، بالإضافة إلى مصنع ثالث لتصنيع عربات القطار الكهربائي بطاقة إنتاجية مقدرة 150 وحدة سنويًا.
تبنت وزارة النقل خطة تطوير. تضمنت شراء جرارات وعربات جديدة بإجمالي 110 جرارات أمريكية الصنع وتطوير 81 جرارًا من الألمانية العاملة في المرفق. وشراء 1300 عربة روسية الصنع. بجانب تطوير 3 آلاف عربة قطار موجودة بالفعل.
سفن الدحرجة
كما تشمل المنطقة أيضًا محطة سفن الدحرجة “الرو رو” الموقع بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وتحالف من شركات بولوريه لوجيستيك الفرنسية، وتويوتا تسوشو اليابانية، ونيبون يوشن كايشا اليابانية. الذي يرتبط بدحرجة السيارات بالأرصفة الجديدة لميناء شرق بورسعيد على رصيف بطول 600 متر طولي وساحة 225 ألف متر مربع.
وتستخدم سفن الدحرجة “رو رو” لنقل البضائع ذات العجلات كالقطارات والسيارات بمختلف أنواعها. وغالبًا ما يتم تحميلها من الجزء الخلفي للسفينة حيث يتم فتح باب خلفي تدخل منه السيارات أو البضائع ذات العجلات. ووحدة قياس البضائع في سفن الدحرجة تختلف عن السفن التقليدية التي تستخدم الطن المتري. إذ تعتمد على ما يسمى بـ”الحارات المترية”.
سيضخ التحالف استثمارات للمشروع ستصل إلى 159 مليون دولار في المعدات والبنية التحتية للتعامل مع تداول نحو 800 ألف سيارة بالمحطة. لتوفير حوالي 400 فرصة عمل مباشرة وألف فرصة عمل غير مباشرة.
الاستثمار الأجنبي
وتعتبر المنطقة الصناعية الروسية. الممتدة على مساحة تبلغ 5.2 كم مربع. هي الأبرز في المنطقة باستثمارات 7 مليارات دولار. وتقام فى شرق بورسعيد للصناعات اللوجيستية. وتتضمن قطاعات صناعة السيارات والأدوية والمعدات والبترول والغاز والكابلات. بالإضافة إلى صناعة السكك الحديدية والصناعات التعدينية والطاقة النووية.
وتوفر المنطقة الصناعية الروسية. التي تم الانتهاء من حوالي 20٪ منها حتى الآن. ما يقرب من 35 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. بنسبة عمالة 90% مصرية ويستغرق تنفيذ المشروع 12 عاماً. تنفذ على 3 مراحل بنظام حق انتفاع لمدة 50 عاماً، ويأتي تمويل المشروع من مركز الصادرات الروسي، والبنك المركزي الروسي.
كما تم توقيع اتفاقية إطارية بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. لإنشاء منطقة صناعية بولندية بمساحة تتراوح بين 400 إلى مليون متر مربع تستهدف صناعات غذائية وصناعات إلكترونية وقطع غيار السيارات.
مجمعات صناعية
تشمل المدينة أيضاً. إنشاء مجمعات صناعية بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع، بجانب تنفيذ مشروعات مشتركة بإنشاء مصنع لإنتاج ألواح الاستالس ستيل بطاقة إنتاجية 250 ألف طن سنوياً. وإقامة مصنع لإنتاج إطارات السيارات على مساحة 600 ألف مربع بإجمالي استثمارات متوقعة 156 مليون دولار وتوفير 800 فرصة عمل.
ووضعت إستراتيجية جديدة حتى 2025 تتضمن خلق فرص استثمارية جديدة في قطاعات صناعية وبحرية، وتوطين الصناعات ذات الأولوية، واعتماد سياسة التجمعات الصناعية المتكاملة، وتعظيم دور المنطقة الاقتصادية كمركز لوجيستي عالمي ومحوري في سلاسل الإمداد العالمية، وتطوير نظام العمل بالموانئ لجذب الاستثمارات والخطوط الملاحية العالمية، ووضع منظومة فاعلة لتقديم الخدمات البحرية وخدمات تموين السفن، واستحداث منصات للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء مراكز مالية وتجارية وخدمية.
لماذا المنطقة الاقتصادية؟
تتسم المنطقة الاقتصادية بحوافز استثمارية غير مسبوقة فهي معفاة من الضريبة الجمركية وضريبة القيمة المضافة. بجانب حوافز استثمارية على ضريبة الدخل. بجانب حزمة حوافز غير ضريبية للمشروعات كثيفة العمالة أو التي تعمل على تعميق المكون المحلي في إنتاجها. أو التي تستثمر في مجالات النقل البري والبحري والسكك الحديدية والخدمات اللوجستية، أو في مجالات الطاقة المتجددة.
تتضمن بنية تحتية وشبكة مرافق حديثة. و7 محطات كهرباء فرعية. ومحطتين لتحلية مياه البحر. و6 وحدات لمعالجة مياه الصرف الصحي. وتأسيس 3 مراكز اتصالات مدعومة بشبكة كابلات ألياف ضوئية. ووحدة تخفيض ضغط للغاز الطبيعي. ومخرات للسيول لواجهة الطقس السيئ.
حققت الموانئ التابعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر. التي يبلغ عددها 6 موانئ، إيرادات خلال 5 سنوات بلغت نحو 9.4 مليار جنيه. فيما جذبت المنطقة استثمارات تجاوزت 17 مليار دولار.
منافسة الكبار
وتخطط الحكومة لجعل منطقة قناة السويس عام 2030 ضمن مصاف الكبار في مجالها. بمنافسة منطقة المثلث الصيني ”شنغهاي شينزن، هونج كونج، وسنغافورة” وجبل على في دبي بقارة آسيا، وهامبورج وروتردام في أوروبا، وبنما في الأمريكتين وهي المناطق المستهدف أن تكون مثلها.
توقع الفريق مهاب مميش، رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس السابق، أن تتضاعف عائدات قناة السويس الجديدة عام 2023. موضحًا أن وجود مشاريع بحرية أو صناعية ولوجستية في المنطقة سيزيد من قيمة موقع مصر لدى العالم كما أن الترويج للمشاريع المصرية بالخارج يساعد في جذب الاستثمارات.
كان النائب أبوالعينين، وكيل مجلس النواب. كشف في جلسة بمجلس النواب. أن قطاع الصناعة أمام تحديات كبيرة مع تطور العالم وسيكون هناك ثورة صناعية رابعة وخامسة. كذلك طالب بإعادة تقييم الأصول حتى نعرف الأهداف التي تم وضعها للمستقبل في 2030. كما أوضح أن الصناعة لها مثلث ذهبي وهو الإنتاج والاستيراد والتصدير، والاستثمار كثيف العمالة الذي يتضمن قيمة مضافة.
وكيل البرلمان، طالب بضرورة توطين الصناعات كثيفة العمالة في مصر ودراسة إمكانيات كل محافظة لتحقيق القيمة المضافة العالية. كذلك أكد أن مصر أمامها فرص تصديرية عالية في أوروبا وأفريقيا. لافتًا إلى أن هناك سوق أوروبية كانت تستورد بقيمة 100 مليار دولار من الصين، ولابد من دراسة متطلبات السوق.
تجربة سنغافورة
يقول خبراء. إن سنغافورة تمثل التجربة التي تسعى مصر لتكرارها بعدما وضعت خطة تطوير شبكة من العناقيد الصناعية التي تستند إلى المعرفة، في الصناعات الإليكترونية والصناعات الهندسية، وتنتج سنغافورة نحو ثلث إنتـاج العـالم مـن الأقراص الصلبة الخاصة بالحاسبات الآلية والصناعات الكيماوية بهـا، ويعد من أكثر العناقيد تركيزاً بالعالم بعد روتردام ، والساحل الأمريكي ، كما تتزعم سنغافورة صـناعة مراسي السـفن والموانئ.
تقول الدكتورة بسنت فهمي. إن المناطق الصناعية تحمل فائدة للمستثمر والأجنبي وللحكومة المصرية على حد سواء فالبنسبة للمستثمرين توفر عليهم تكلفة الهواء (الشحن والنقل والتأمين) التي تمثل جزء كبير من قيمة السلعة.
أضافت أن منطقة قناة السويس تتوسط الأسواق العالمية. ما بين إفريقيا وأوروبا وأسيا ما يجعلها مثالية للمنتجين الباحثين عن تقليل تكاليف المنتج ودخول أسواق جديدة كما تحقق عائد غير مباشر كبير للحكومة المصرية في توفير فرص العمل ونقل الخبرات وإنعاش السوق المحلية بالطلب على السلع الوسيطة، بجانب العائد من الضرائب وتوفير سلع تحتاجها السوق المحلية بتكلفة أقل بكثير من الاستيراد.