عاد اسم حركة الشباب الصومالية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلى محركات البحث من جديد بعد تلقيها ضربتين جويتين من الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة منذ قدوم جو بايدن رئيسا للبلاد.
الضربة الجوية نفذت بواسطة القيادة الأفريقية للقوات المسلحة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة الصومالية وطالت إقليم غالمودوغ وسط الصومال.
وسحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من الصومال في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس السابق، دونالد ترامب، ونقلتها إلى بلدان مجاورة، حيث تقدم المشورة والمساعدة عن بعد للقوات الصومالية في مواجهة حركة “الشباب”. هنا نلقي نظرة عن تكوين ونشاط هذه الحركة المتمردة، ومستقبلها.
شكلت “حركة الشباب”الصومالية منذ تأسيسها عام 2006 لمواجهة الغزو الإثيوبي، العنصر الحاسم والحاكم في الشأن الصومالي، وتمكنت في الكثير من الأحيان من السيطرة على أغلب مناطق البلاد.
سبب ظهور الحركة وأهدافها وولائها لتنظيم “القاعدة”
تأسست “حركة الشباب الصومالي” عام 2006 لمساندة “اتحاد المحاكم الإسلامية” الذي كان يسيطر على العاصمة مقديشيو، والجزء الأكبر من الصومال في ذلك الوقت، للعمل على فرض الشريعة الإسلامية في البلاد.
وجاء تشكيل الحركة لتكون ذراعاً عسكريا للمحاكم التي كانت تخوض صراعاً مع الحكومة الصومالية المدعومة من إثيوبيا المجاورة، ونجحت الحركة وقتها في إجبار القوات الإثيوبية على الانسحاب من الصومال في نهاية 2008، تاركة مواقعها لقوات الاتحاد الأفريقي التي أصبحت في المواقع الأمامية في الحرب على الجهاديين في الصومال.
وانفصلت الحركة عن “اتحاد المحاكم الإسلامية”، بعد أن تحالف الأخير مع المعارضة الصومالية في مؤتمر “أسمرا” المنعقد في 2007، متهمة الاتحاد بالتخلي عن الجهاد في سبيل الله و التحالف مع العلمانيين.
ومنذ نشأتها ارتبطت “حركة الشباب الصومالية” ذات التوجه الإسلامي السلفي، بتنظيم القاعدة الدولي، من خلال بعض قادته في شرق إفريقيا، قبل أن تعلن الولاء رسميا للقاعدة عام 2009.
مرحلة ما بعد أبو حسين الأنصاري
قتل أول زعيم للتنظيم “أبو حسين الأنصاري” في قصف أمريكي علي مدينة “طوسمريب” وسط الصومال عام 2008، بسبب اتهام أمريكا له بالمسؤولية عن تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام عام 1998.
عقب تصفية أبو حسين، تولى قيادة الحركة “أحمد عبدي غودان حتى مقتله عام 2014 أيضاً في غارة أمريكية علي مواقع التنظيم، لتعلن الحركة في الثامن من سبتمبر من نفس العام عن تولي “أحمد عمر أبو عبيدة القيادة، وجدد الزعيم الجديد الولاء لتنظيم القاعدة بقيادة “أيمن الظواهري” في نفس العام.
التوجه السلفي الجهادي للحركة
يعتبر قادة حركة الشباب الولايات المتحدة وحكومات الغرب الأخرى أعداء لهم، ويصفون مواطنيها على أنهم كفار، ويعد سرقتهم وقتلهم حلال ومشروع.
وقد ورد في وثائق التنظيم تفاصيل تعاملهم أو مبادئهم الرئيسية المرتبطة بالتعامل مع الأجانب بشكل عام ومنها: “يعامل الفرنسيون والإنجليز معاملة متساوية، ويكون حلالاً سفك دمائهم وسلب أموالهم، حيثما يتواجدون، ولا يجوز لأي مسلم في أي قطر كان، التعاون معهم بأي طريقة كانت، وإلا أصبحوا من الكفار والمرتدين عن الإسلام”.
وتحدثت الوثيقة المنشورة في دراسة بعنوان “استراتيجية مكافحة الإرهاب والتمرد في الصومال”، والصادرة عن مؤسسة راند لبحوث الدفاع الأمريكية، عن مواطني البلدان المجاورة للصومال، والتي شاركت في مواجهات مع حركة الشباب على النحو التالي: “يتلقى الإثيوبيون والكينيون و الاوغنديون والبورنديون المعاملة ذاتها التي يتلقاها الفرنسيون والإنجليز، لأنهم اجتاحوا دولة الصومال الإسلامية، وشنوا حرباً على الإسلام والمسلمين”.
ونجحت حركة الشباب، في الماضي، في استقطاب مواطني الغرب من المسلمين، بمن فيهم بعض المواطنين الأمريكيين، إلى الصومال لأغراض جهادية، كما قَدم غيرهم من الأجانب، بما فيهم الجاليات الصومالية في الخارج، الدعم المادي وغيره من أنواع الدعم إلى الشباب، وسعت حركة الشباب إلى تجنيد المسلمين في الغرب وأماكن أخرى من العالم.
وبحسب مقال نشرته مجلة “Gaidi Mtaani” التابعة لحركة الشباب، بعنوان “من الحي إلى الجنة الأبدية” تمت دعوة الأمريكيين لمغادرة شوارع المدن الأمريكية والهجرة في سبيل الله والمشاركة في الدفاع عن الإسلام وترسيخ كيانه”.
الحركة والصراع الإقليمي في شرق أفريقيا
منذ تأسيسها، كانت حركة الشباب مجموعة متمردة تهدف إلى توحيد منطقة الصومال الكبير، ويتطلب ذلك الهدف بسط السيطرة على الأراضي الصومالية وبعض المناطق في البلدان المجاورة، لاسيما في كينيا وإثيوبيا التي تأوي أجزاء من الشعب الصومالي.
وتحولت الحركة من مجموعة متمردة إلى تنظيم يفرض سيطرته باطراد على أجزاء من الأراضي وسكانها وهو ما وضعها في مواجهة مباشرة مع اللاعبين الإقليميين الذين لهم تشابكات حدودية مع الصومال.
واجتاحت اثيوبيا الصومال في ديسمبر 2006 للإطاحة باتحاد المحاكم الإسلامية وغزت العاصمة مقديشيو مما أثار حالة سخط في أوساط الشباب الصومالي استفادت منها الحركة في التجنيد وزيادة أعداد مقاتليها بشكل كبير.
ونجحت الحركة في السيطرة علي مقديشيو قبل نهاية 2008، لكن موازين القوى اختلت من جديد لصالح الإثيوبيون خلال عام 2011، ويرجع المحللون السبب إلي ثورات الربيع العربي التي دفعت المقاتلين الأجانب الذين اعتمدت عليهم الحركة على العودة لبلدانهم.
وبحلول نهاية 2011 بدا أن حركة الشباب تواجه ملامح النهاية بعد تراجع عائداتها المالية بسبب فقدانها للسيطرة على مقديشيو لصالح الإثيوبيين، ومشاركة القوات الكينية للمرة الأولي في المعارك علي الأراضي الصومالية.
وعدلت الحركة من تكتيكاتها لتشمل شن عمليات إرهابية علي مواقع كينية مدنية غير محصنة، مثل مراكز الشرطة والكنائس ومحطات الحافلات والجامعات ومخيمات اللاجئين، كما صعدت من هجماتها الإرهابية داخل الصومال نفسها علي مواقع مدنية ومراكز تجارية مما افقدها الكثير من التعاطف الشعبي والدعم الذي حظيت به لسنوات.
وقال فؤاد محمد خلف، أحد كبار قادة الحركة في بيان تحذيري من فقدان الدعم الشعبي: “إن السبب وراء إخفاق جنودنا الشرفاء في تحقيق النصر علي الكفار، يعزي بصورة أساسية إلي علاقة الحركة السيئة بالشعب .. وإن كنا أقوي من الشعب، يجب أن نتذكر أن الله أقوى منا .. علينا أن نعامل الشعب بإنصاف إذا أردنا الفوز”.
حركة الشباب إلى أين؟
نجحت الحركة في استعادة نفوذها وسيطرتها على أغلب الأراضي الصومالية بعد تراجع الدعم الدولي للحكومة وانسحاب الإثيوبيين والكينين رسميا من الأراضي الصومالية ومن المواجهة مع حركة الشباب، والاكتفاء بتواجد قوات الاتحاد الأفريقي.
وتسيطر حكومة الرئيس “محمد عبد الله فرماجو” على جزء كبير من العاصمة مقديشيو، لكنها محاصرة بداخلها حيث تسيطر حركة الشباب على باقي مناطق الصومال ومدنها الكبرى.
ويقدر معهد هيرال، المتخصص في الشؤون الأمنية، إنّ الحركة تجمع ما يزيد علي 15 مليون دولار شهرياً كضرائب من الصوماليين يأتي أكثر من نصفهم من العاصمة مقديشيو نفسها، حيث يضطر الشركات والتجار إلى دفع الأموال لكل من الحركة والحكومة.
ويؤكد التقرير أن: “الخوف والتهديد الحقيقي لحياتهم هو الدافع الوحيد الذي يجعل الناس يدفعون أموال لحركة الشباب”، وإن “جميع الشركات الكبرى في الصومال تقدم للجهاديين أموالاً، سواء على شكل مدفوعات شهرية أو زكاة سنوية بنسبة 2.5٪ من الأرباح السنوية”.
وتدير الحركة الشئون الصحية والتعليمية والتجارية لأغلب مناطق الصومال خارج العاصمة، كما تستفيد من قطاع الاتصالات والإعلام الذي فشلت الحكومة في السيطرة عليها بسبب ملكيتها للقطاع الخاص، الذي يتجنب مواجهة حركة الشباب عن طريق دفع الضرائب لها.
وعسكريا تنفذ الحركة ما يقارب 70 هجوماً سنوياً منذ انتخاب فرماجو عام 2017، كما تستهدف القصر الرئاسي ومطار مقديشو بقذائف الهاون، لكسر هيبة الدولة وتأكيد عجزها عن حماية مناطق سيطرتها في الصومال.
ويكتفي الأمريكيون والقوات الدولية الأخرى المنتشرة في المحيط الهندي بشن عمليات قصف بطائرات بدون طيار أو صواريخ من سفنها القريبة، من وقت لآخر للحفاظ على توازن القوى القائم ومنع سقوط العاصمة مقديشيو تحت سيطرة حركة الشباب.
ويبدو مستقبل الحركة في ازدهار وتمتلك وجودا قوياً يشبه الدولة في كل مجالات النفوذ وتشمل حركة التجارة والمال، والتأثير الاجتماعي والعسكري، وجهاز مخابرات يتفوق كثيراً علي ما تمتلكه الحكومة المحاصرة.
ويبدو سقوط العاصمة مقديشيو مسألة وقت فقط مرهونة بفقدان الأمريكيين والمجتمع الدولي الشغف والاهتمام بالشأن الصومالي، وتوقف الحركة عن عملياتها الإرهابية خارج الأراضي الصومالية.