كان برومثيوس أحد آلهة العمالقة (التيتان) الذين حاربوا في صف زيوس (وأخوته) في مواجهة أبيه (كورانوس) والعمالقة الآخرين، ولأنه بعيد النظر (هكذا كان يعني اسمه) اختار صف زيوس وأخوته (آلهة الأوليمب). وتحقق الانتصار، بعد أن أبلى “برومثيوس” في الحرب بلاء حسنا. وعقب نهاية الحرب الكبيرة، وبعد أن شكلت الآلهة الرجال والمخلوقات الحية الأخرى بمزيج من الطين والنار، تم استدعاء الأخوين: بروميثيوس، وإبيميثيوس، لإكمال المهمة، وتوزيع جميع أنواع الصفات الطبيعية على المخلوقات المولودة حديثا، عهد “زيوس” – الذي صار كبير الآلهة – وبعد أن نصب أخوته على ممالكهم- إلى “بروميثيوس” وأخيه “إبيمثيوس” تشكيل الحيوانات، والبشر.

قام “إبيمثيوس” بمهمته سريعا، وأنهى تشكيل الحيوانات سريعا، بينما استغرق “بروميثيوس” كثيرا من الوقت، لرغبته إتقان تشكيلهم، إلا أن بطئه الشديد جعل أخيه يستهلك كل المواهب والموارد المتاحة في تشكيل الحيوانات: السرعة في العدو، الرؤية عن بعد، السمع عن مسافات بعيدة، كما أعطاهم رداء من الفراء ليدفئهم من البرد، ومختلف الأسلحة للدفاع عن نفسها مثل: القرون، والأنياب، وهكذا لم يبق شئ للبشر، وأشفق “بروميثيوس” عليهم كثيرا، فلجأ إلى كبير الآلهة (زيوس) طالباً مساعدته، فقد هام “بروميثوس” حبا بصنيعته، أكثر مما توقع “زيوس” -الذي لم يشاركه هذا الحب- بل  أرادهم ضعفاء خائفين كى لا يمتلكون القوة التي تمكنهم من تحديه يوما ما.

 بينما كان زيوس يرى أن المعرفة، والمهارات، والمواهب، لن تجلب إلا الشقاء للبشر الفانين، ارتأى “بروميثيوس” رأيا مغايرا، وفضل البشر على كبير الآلهة، ذو السلطة والعظمة، وحصل بروميثيوس بالمكر والدهاء على عديد من الهبات التي سرقها من آلهة الأوليمب: هيفاستوس (إله الحدادة والصناعة)، وأثينا (إلهة الحكمة والذكاء)، وغيرهما من الآلهة، ومنحهم للبشر، أعطاهم فنون العمارة والبناء، النجارة، استخراج المعادن، علم الفلك، الأرقام والحروف الهجائية، كما علمهم كيفية استئناس حيوانات “ابيمثيوس” وركوبها، وصناعة السفن، والإبحار بها، كما أعطاهم موهبة التداوى والشفاء.

  غضب زيوس من بروميثيوس غضبا شديدا، ورأي أنه بالغ في إعلاء شأن البشر، ولكنه لم يعاقبه، واكتفى بتحذيره فحسب، إلا أن “برمثيوس” لم يكتف بتشكيل البشر بكل تلك الهبات، التي جعلت الإنسان (شبيها بالآلهة)، بل قام بسرقة النار من جبل الأوليمب، ومنحهم “قبسا” منها، فقد حزن برومثيوس لرؤية البشر في برد الشتاء محرومون من الدفء، والأمن، فقرر أن يحضر لهم النار، التي تدفئهم، وتؤنسهم بنورها، ذهب بروميثيوس إلى هيفاستوس في جبل الأوليمب سرا -كي لا يفتضح أمره لزيوس- وأخذ يبحث بين الكهوف، والمغارات، عن مقر هيفاستوس، وفجأة شق الظلام شرارة من النار، ووجد بروميثيوس نفسه أمام البوابة الضخمة لمقر إله الحدادة هيفايستوس (المكلف بصناعة الأسلحة والدروع للآلهة، وفوق ذلك صنع صواعق زيوس)، وبينما كان هيفاستوس منشغلا بعمله، استطاع بروميثيوس أن يسرق أحد صواعق زيوس، وأخفاها داخل عصا مجوفة، صنعها من النباتات، ثم اعطي قبسا منها للبشر، تعلم البشر كيف يقتلوا الحيوانات، ويطهون لحومها، وتصاعدت رائحة الشواء إلى الأوليمب، وعلم زيوس بما فعله بروميثيوس، وسرقته للنار، ورأي أن البشر لن يدينوا له بالولاء المناسب، إذا غرقوا في النعم، إلا أن بروميثيوس قدم له عرضا عظيما، ودليلا على الولاء، وعرض عليه أن يقاسم البشر لحومهم الشهية، مقابل أن يسمح لهم بالاحتفاظ بالنار.

تمثال لزيوس

  قام بروميثيوس – المشهور بالدهاء، والمكر، وبعد النظر- بتقديم قربانبن إلى زيوس وآلهة الأوليمب، كان أحدهم قطعا من اللحم الطازج، وهي كل ما يؤكل في الثور، مخبأة داخل الأمعاء (وهو تمثيل لشئ طاهر زكي مغلف بصورة قبيحة)، أما القربان الآخر، فكان عظام ثور ملفوفة في دهن وشحم براق (وهو تمثيل لشئ قبيح في صورة ألقة)، وانخدع زيوس بالفعل، واختار القربان الثاني للآلهة، وبذلك استطاع البشر الاحتفاظ باللحم لأنفسهم، و اعتادوا حرق العظام بعد كسيها بالدهن بوصفها قربانا للآلهة في المستقبل.

 مع ظهور النار، بدأ يظهر التقدم البشري، وبدأت الاختراعات في الظهور، وفي وقت ليس بالطويل، كان الفن، والحضارة، والثقافة، تضفي تألقها على أرض اليونان، المحيطة بجبل الأوليمب، ومع هذا التغير الظاهر للعيان، اختلفت نظرة آلهة الأوليمب إلى البشر الفانين، وزاد إعجابهم بهم، فقد وضح أنهم ليسوا مجرد حيوانات همجية -كما كانوا يظنون- بل كائنات عاقلة، تمتلك القدرة على الإبداع، والابتكار، وأغضب هذا زيوس غضبا عظيما، اهتز له جبل الأوليمب، وقرر على الفور أن يعاقب صاحب هذا الفضل (بروميثيوس) على هذا الإثم الذي ارتكبه في حق سادة الأوليمب، فاستدعى زيوس هيفاستوس.

وطلب منه أن يصنع سلاسل قوية، حتى يقيد بها بروميثيوس، وعلى صخرة في جبال القوقاز نفذ عقابه، فكان في كل صباح يأتيه نسر عملاق يدعى “آثون” ينهش كبده، الذي يعود لينمو من جديد في المساء، ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدي الذي صنعه له كبير الآلهة.

  كان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكا، سعيدا، لأن البشر (صنيعته) يعيشون حياة سعيدة، ورغم ذلك، لم يخفف هذا العقاب من غضب زيوس، بل وقرر عقاب البشر جميعا، وبدهاء معروف عنه، قرر أن يعطي البشر ما يبدو هبة أخرى، ولكن من شأنها تغيير مصيرهم، وكانت هذه الهبة هي المرأة، إذ أمر زيوس هيفاستوس أن يشكل امرأة جميلة من نيران مرجله، أعطاها هيفاستوس جسدها الناري، وصوتها العذب، وأعطتها أثينا قوة التحمل، والقدرة على الإبداع، وأعطتها أفروديت إلهة الحب والجمال سحرا وجاذابية، أما هيرميس فمنحها عقلا صغيرا، وسطحية في التفكير (كان اليونان يرون في هذا التوقيت أن المرأة مخلوقا أدنى) وأطلق زيوس على هذه المخلوقة الحسناء اسم: “ثيوجوني”  (المرأة الأولى)، وهي عذراء صنعت من الأرض والماء بواسطة “هيفاستوس”، وتسمى صراحة “باندورا”، أي (التي منحت كل شئ)، وأرسلها إلى “إبيمثيوس” شقيق “بروميثيوس”، وفي يدها صندوق مغلق مكتوب عليه: ” لا تفتحه”.

 كان “إبيمثيوس” حكيما، ولم يكن ليقبل هدية من آلهة الأوليمب، وخاصة من صاحب الصاعقة “زيوس”، ولكن ما إن رأى “باندورا” حتى خلبت لبه، وصار عاجزا أمام فتنتها، ولم يملك قدرة على مقاومة سحرها، وتقبلها طائعا، راضيا، وتزوجها، لكن “إبيمثيوس” رفض أن يفتح “صندوق باندورا”، إلا أن زوجته الحسناء أخذت تلح عليه أن يفعل، من يدرى أية كنوز تختفي في داخله! وصارت حياة “باندورا”  جحيما، وهي تجلس طوال الليل بجانب الصندوق تتخيل ما فيه، لقد كان الفضول يقتلها.

وفي النهاية، انتهزت باندورا فرصة غياب زوجها، وفتحت الصندوق، وفجأه أظلم العالم، وخرجت منه الأرواح الشريرة، (الفقر، النفاق، المرض، والجوع، والأذى)، وراحت المسكينة تدور حول نفسها في ذعر، ساعية لإغلاق الصندوق، فلم تستطع، وفي النهاية أغلقته، ولكن بعد فوات الأوان، لقد ملأت الشرور العالم، وتحولت جنة الأرض إلى جحيم للبشر، ولم يبق من هذه الأرواح حبيسا إلا ضوء ساطع، يقال إنه الأمل، لذلك كان الأمل في قلوب البشر، يخفف عنهم الشرور التي تحيط بهم.

  بعد ثلاثة عشر جيلا، وبينما بروميثيوس معلقا في قيوده على صخور جبل القوقاز، أتى البطل “هيراكليس” ابن زيوس متسلقا الجبل (وكان في رحلة خلاص أسطورية أخرى) فيقتل النسر، ويحرر بروميثيوس من قيوده، ويسأله (هيراكليس) عن الوسيلة التي يمكن أن يسترد بها حريته، فيخبره بروميثيوس أنه يجب أن يحل محله خالدا آخرا غيره من “التيتان”، وهو ما يعني أنه يجب على أحد الخالدين أن يتنازل عن خلوده، ويضحي بحياته من أجله، وكان شيرون (القنطور الحكيم) أحد أبناء كرونوس (أخ غير شقيق لزيوس) ولهذا كان خالدا، و كان مصابا بجرح لا شفاء منه، للدرجة التي تمنى معه الموت، وعندما عرض عليه “هيراكليس” الأمر، وافق على الفور أن يحل محل بروميثيوس، ويتنازل عن خلوده، خلاصا من عذابه الأبدى، وردا لذلك الفعل النبيل، أصبح “شيرون” من أبراج السماء الرئيسية (برج القوس).

هيراكليس

  لقد أراد زيوس القضاء على البشر، لكن “بروميثيوس” استطاع أن يمنعه بطريقة ما، إذ انزعج زيوس لرؤية بروميثيوس يفلت من عقاب تلو الآخر، فقرر إغراق البشر جميعا، وإهلاكهم بطوفان عظيم، ولكن بروميثيوس الحكيم (بعيد النظر) تنبأ بالطوفان، وحذر أحد البشر الطاهرين، وهو “ديوكاليون” وزوجته “بيرها” ابنة أخيه “إبيمثيوس” و”باندورا”، وعقب انتهاء الطوفان، ونجاة “ديوكاليون” و”بيرها” زوجته على جبل برناسوس، أحسا بالوحشة والوحدة، فذهبا إلى العرافة “ثيميس”، وبناء على مشورتها، قام “ديوكاليون”  و”بيرها” بإلقاء الحجارة وراء ظهورهم، ومن الحجارة التي رماها “ديوكاليون” تولد الرجال، ومن الحجارة التي رمتها “بيريا” تولدت النساء، وأنجب “ديوكاليون” و”بيرها” ولدا اسمياه “هيلين” وهو من ينسب إليه اليونان (الهيلنيين)، وفي هذه اللحظة نزلت البشرية من الشراكة مع الآلهة إلى الحياة المضطربة الحالية، وفي النهاية وافق زيوس أن يمنح بروميثيوس حريته، ولكنه أراد أن يحمل بروميثيوس دائماً ذكرى عقابه، فأمره أن يصنع خاتما حديديا من السلاسل التي كان مقيدا بها، ومن ذلك اليوم والبشر يصنعون الخواتم، محبة واحتفاء  بـ”بروميثيوس” وتقديرا لصنيعه.