في ظل الصراع والتنافس الجيوسياسي المحتدم في سوريا بين عدة قوى وأطراف، محلية وإقليمية. يبدو أن خريطة التحالفات تتبدل أو بالأحرى تبرز داخلها تناقضات وانقسامات. إذ إن أكبر حليفين للنظام السوري في دمشق (روسيا وإيران) تتنامى بينهما الخلافات على خلفية التنافس الهائل حول الأهداف والمصالح من تواجدهما العسكري الميداني والسياسي.
مطلع العام 2019. نجحت روسيا التي تحظى شركاتها بعقود لاستخراج النفط. في استئجار ميناء طرطوس الاستراتيجي في مدينة اللاذقية، شمال غرب سوريا، لمدة تصل لنحو نصف قرن. الذي يتميز بقربه من مراكز الإنتاج ومصبات النفط. الأمر الذي جعل لموسكو قدماً في الساحل السوري وعلى شواطئ البحر المتوسط، مرة أخرى، منذ سبعينات القرن الماضي.
وقد تواجدت في المرفأ ذاته، العام 1970. حيث استخدمه الاتحاد السوفيتى، لجهة تزويد دمشق بالسلاح. فجرى تجهيز الميناء لاستقبال شحنات السلاح، وجعله نقطة حيوية لدعم الأسطول السوفيتي. الموجود فى البحر المتوسط، والقيام بأعمال الصيانه والتزود بالوقود. كما كانت ترسو فيه القطع البحريه السوفيتية والغواصات.
ثمن الدعم
ولذلك، عبر عدد من المسؤولين الإيرانيين عن امتعاضهم من تغول النفوذ الروسي على حساب إيران في سوريا. الذي يمتد في قطاعات متفاوتة، عقارية ونفطية وحتى في التعليم والثقافة. ومن ثم، طالب ممثلون عن النظام في طهران، من مواقع مختلفة، بضرورة “تعويض إيران” عن خسائرها في دمشق وكذا دعمها لـ”الأسد”.
ومن بين المسؤولين الإيرانيين الذين تبنوا هذا الموقف، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، والذي دعا إلى استعادة “20 إلى 30 مليار” دولار، هي كلفة الأموال التي تكبدتها طهران في سوريا.
وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: “عندما زرت سوريا، قال بعض الناس إنني كلفت الميزانية (نتيجة للزيارة)، ولكنني أكرر مرة أخرى، لقد منحنا سوريا 20 إلى 30 مليار دولار، وعلينا استعادتها، لأن هذه الأموال التي صرفت هناك تعود للشعب الإيراني”.
كما أن اللواء رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، طالب بالأمر ذاته. وشدد على ضرورة استعادة ما أنفقته إيران في سوريا.
وتابع: ستستغرق عملية إعادة إعمار سوريا عدة سنوات. وستتطلب ما لا يقل عن 300 إلى 400 مليار دولار.
وأضاف: يجب على إيران أيضا أن تعوض عن التكاليف التي تكبدتها في سوريا. والسوريون مستعدون لسداد ذلك من خلال مناجم النفط والغاز والفوسفات السورية.
ولفت صفوي إلى الاتفاق الذي وقع بين موسكو ودمشق. وبمقتضاه جرى استئجار مرفأ طرطوس، لمدة 49 عاماً. وقال: يمكن لإيران أيضاً أن تعقد اتفاقية سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع الحكومة السورية وأن تعيد النفقات التي تكبدتها.
نهاية الشهر الماضي. ذكرت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي. أنه من المرجح استمرار التنافس الروسي الإيراني لتأمين الفرص الاقتصادية والنفوذ طويل الأمد في سوريا.
طريق مسدود
وذكر تقرير للجنة الاستخبارية الأمريكية، أن النظام في سوريا وخصومه وصلوا بعد عشر سنوات من الحرب إلى طريق مسدود وغير مستقر. مرجحاً أن تظل الخطوط الأمامية ثابتة في الغالب خلال الأشهر الستة المقبلة. وأن النظام لن يستأنف هجوماً كبيراً على إدلب، من دون دعم سياسي وعسكري واضح من روسيا، انطلاقاً من تردده السابق في الاشتباك المباشر مع الجيش التركي.
وتابع التقرير: يكاد يكون من المؤكد أن المعارضة السورية لم تعد قادرة على تشكيل تهديد للنظام وتسعى بدلاً من ذلك إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها المتبقية في شمالي سوريا والحفاظ على الدعم التركي.
الباحث الروسي المتخصص في قضايا الشرق الأوسط دينيس كوركودينوف. أكد أن موسكو وواشنطن بينهما تنسيق داخل سوريا أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف لـ”مصر 360″: لا يوجد تقارب كبير بين الرئيسين السوري والروسي، الآن، إذ إن الكرملين ملزم بالتزاماته السياسية تجاه البيت الابيض. الذي يحرم فريق فلاديمير بوتين من إظهار الدعم الكبير للنظام في دمشق.
قانون قيصر
ويردف كوركودينوف: سوريا الآن مهتمة للغاية بالدعم الروسي. بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي بشكل سريع على خلفية العقوبات الأمريكية “قانون القيصر”. وتفشي فيروس كورونا. بالإضافة الى أن الصراع الأهلي المستمر يضع دمشق أمام ضرورة اختيار استراتيجية تنمية داخلية أخرى. بعد أن فقد النظام السوري السيطرة الكاملة تقريباً على ادلب ومواجهة مقاومة شديدة في المناطق الكردية. فقد فشل في مواصلة القتال لاستعادة أمنه واستقراره الإقليمي.
ولفت الباحث الروسي المتخصص في قضايا الشرق الأوسط. إلى أن هناك مجموعة من المتغيرات ساهمت بالضرورة في أن تبحث دمشق عن حلفاء استراتيجيين جدد. بينما لا يكاد النظام السوري يحصل على أي شيء من التحالف مع موسكو. حيث إن روسيا تريد الانفتاح في علاقتها مع الولايات المتحدة أكثر من الاهتمام بسوريا.
وتابع: روسيا والولايات المتحدة، التي كانت علاقاتهما متوترة بشان عدد من القضايا. دعت التصويت بالاجماع لـ 15 عضواً في مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بخصوص وصول المساعدات الإنسانية لسوريا. وهي لحظة مهمة في تاريخ العلاقات الدولية. وهذا يشير الى إن مواقف البلدين متشابهة للغاية.
غير أن طهران، وفقاً للجنة الأمريكية، لا تزال ملتزمة بتأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضمان استقرار النظام والحفاظ على الوصول إلى شركائها ووكلائها في بلاد الشام، ولا سيما “حزب الله” اللبناني”.
وبالعودة إلى لجنة الاستخبارات في تقريرها المدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBi) فقد اعتبرت أن “موسكو ستحافظ على وجود عسكري واقتصادي طويل الأمد في سوريا، مما يتيح لها الوصول إلى الموارد الطبيعية والاستمرار في استخدام وتوسيع وجودها العسكري”. وتابعت: “روسيا تسعى إلى تطبيع العلاقات بين المجتمع الدولي ودمشق بهدف تشجيع الاستثمار الخارجي وجهود إعادة الإعمار، مع التخفيف أيضاً من تأثير العقوبات الأميركية على نظام الأسد”.
أهداف حزب الله
كما أن المسؤولين الإيرانيين يسعون أيضاً لممارسة نفوذهم في سوريا ما بعد الصراع. لا سيما من خلال عقود إعادة الإعمار والوجود العسكري الدائم. بينما أهداف “حزب الله” الأساسية في سوريا هي الحفاظ على الأمن على طول الحدود اللبنانية – السورية، والتمهيد لصراع محتمل مع إسرائيل، والحفاظ على عقد إعادة الإمداد من إيران”.
في الأشهر الماضية. اتخذت القوات الإيرانية والروسية في شرق سوريا خطواتٍ تدل على التنافس بينهما، وذلك أكثر من أي رغبة في مواجهة القوات التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة، وفقاً لمعهد واشنطن: تشكلت منطقتا نفوذ في الجانب الغربي من نهر الفرات هما: الجزء الشمالي من محافظة دير الزور الذي تديره عناصر من جيش النظام “الفرقة الرابعة” و”الفيلق الخامس” الذي تسيطر عليه روسيا.
ويضيف معهد واشنطن: تهيمن القوات الإيرانية ووكلاؤها من الميليشيات الشيعية على المنطقتين الجنوبيتين، الميادين والبوكمال. وإذا سحبت الولايات المتحدة المزيد من جنودها من شرق سوريا، فقد يتحول هذا التنافس بين إيران وروسيا إلى مواجهات مسلحة وسباق لاحتكار “غنائم الحرب” في الجهة المقابلة من النهر. وذلك على الرغم من أنه من غير المرجح أن يؤثر ذلك على مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على نظام الأسد سليماً”.
ويشير إلى أنه في أعقاب الانهيار الإقليمي لتنظيم داعش الإرهابي، سارعت روسيا للسيطرة على بعض أقسام دير الزور غرب الفرات، بالإضافة إلى عدة قرى في شرق الفرات، حيث ينشط فيها “الحرس الثوري” والميليشيات الشيعية التابعة لإيران. وتمثلت أولويتها الأساسية في “تأمين مواقع استراتيجية مثل المطار العسكري، مما يكمل تواجدها في المطارات/ القواعد في أجزاء أخرى من سوريا، منها، حميميم، والقامشلي”.
حملة توسيع نفوذ
وفي مقابل الخدمات التي قدمتها روسيا كـ”منقذة” لنظام الأسد، تنتهج موسكو حملة طويلة الأمد لتوسيع نفوذها في سوريا، بحسب المعهد الأمريكي، ففي أبريل الماضي “سيرت روسيا دورية في الميادين، لترسل على ما يبدو إشارة إلى الميليشيات الإيرانية مفادها أنها تسعى إلى السيطرة على الموارد النفطية جنوب البلدة مثل حقل الورد. كما تسعى موسكو إلى احتواء نفوذ طهران في أقصى الجنوب في البوكمال، حيث يتواجد المقاتلون الوكلاء من “لواء فاطميون” و”كتائب حزب الله” بأعداد كبيرة”.
وترجح أن تتحول هذه التوترات إلى نزاع ناشط في المستقبل. وربما قد تحولت بالفعل. فوفقاً لبعض الناشطين المحلّيّين وزعماء العشائر. اتهمت إيران روسيا بقصف مقرها العسكري ومواقعها في البوكمال. وفي غضون ذلك. تعرّضت مواقع روسية وإيرانية في دير الزور لعدة هجمات لم يتبناها أحد. مما خلق حالة من عدم الثقة بين الجانبين. وبدأت شكوك موسكو بالظهور، منذ عام 2017. عندما تم استهداف جنرالات بارزين مدعومين من روسيا في الجيش السوري مثل عصام زهر الدين وسهيل “النمر” الحسن.