برزت فى الآونة الأخيرة وبشكل متكرر، ظاهرة الإفصاح عن بيانات بعض المرضى حال تعرضهم لمضاعفات أثناء تلقي العلاج أو الخضوع لإجراء عملية ما، كان أبرزها ما حدث مع حالة الفنانة ياسمين عبد العزيز والتي أفصح عن حالتها الطبية الكاملة، بدرجة وصلت حد تفاصيل الحياة الشخصية للمريضة. بعيدًا عن كونها شخصية عامة فيضاف إليها الاهتمام البالغ من الجمهور والمتابعين ما أضفى على الأمر المزيد من الإفشاء.
هذه القضية تفتح الحديث عن “وثيقة حقوق المريض” التي من المفترض أن تنص صراحة على مناقشة البرنامج العلاجي للمريض سواءً معه أو الوصي القانوني عليه بسرية، والحفاظ على ستر عورة المريض وسرية المعلومات والتشخيص والتحاليل والعلاج والسجلات الطبية، وموافقة الوصي القانوني عليه ومنع سوء استخدامها – فيما عدا ما تطلبه الجهات القضائية. وهو ما تم العصف بها تمامًا في حالة ياسمين عبد العزيز وحالات أخرى مشابهة.
بحسب الدكتور رشوان شعبان، الأمين العام المساعد بالنقابة العامة للأطباء، هناك وثيقة لحقوق المريض معلقة و معممة في كل المستشفيات العامة والخاصة، التابعة لوزارة الصحة وتنص صراحة على بنود متعلقة بحفظ خصوصية المريض وحقه في المعلومات التي يُفضل أن يعرفها أحد أقاربه أو لا، وبالتالي على الطبيب إلا يفشى أسرار المريض تحت أي مسمى، سواء عن حالتها أو مرضها.
وشدد في تصريحات لـ مصر 360″ على أن الطبيب يحق له في حالة التشهير بالمريض أو تحويل الأمر للتحقيق سواء للنقابة أو النيابة أو المحكمة أن يفصح عن الحالة وتفاصيلها فقط أمام الجهة المنوطة بالتحقيق، وبالتالي الإفشاء عن طريق السوشيال ميديا أو برامج التوك شو هو أمر مرفوض لأن لكل مريض ملف خاص به لا يتم الإعلان عنه إلا في تحقيق رسمي”.
84 مخالفة في شهرين
في هذا السياق، تقدم الدكتور كريم مصباح عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، بشكوى لطلب التحقيق مع الدكتور “ج.ش”، على خلفية نشر الأخير معلومات خاصة بالحالة الصحية للفنانة ياسمين عبد العزيز من خلال صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك”، باللغة الإنجليزية والعربية، معتمدا على معلومات سمعية من أطباء آخرين.
وأشار مصباح إلى أنه تم رصد أكثر من 84 مخالفة في هذا الجانب خلال شهرين، وأورد في شكواه: “ما زاد الأمر سوء محاولة متابعة منصات التواصل الاجتماعي المختلفة والتي تسعى للانتشار والمنافسة، مما أدى لتحويل الطب إلى سلعة وسوقا تحكمه معايير العرض والطلب وساق الأطباء لهذا المستنقع الذي تسمو عنه المهنة ورسالتها”.
وثيقة مجتمعية لحماية المرضى
صدرت فكرة مشروع الكتابة المجتمعية لـ«وثيقة حقوق المريض» عام 2013 انطلاقًا من مبدأ أن حقوق المريض أو متلقي الخدمات الصحية مصونة في جميع أنحاء العالم بقوانين أو مواثيق مُلزِمة، وهو الأمر المفتقر تمامًا في مصر حيث لا يوجد أي تحديد لحقوق المريض كوثيقة يكتبها الشعب بدعوة مفتوحة للمشاركة، يحددون فيها ــ عبر مشاركتهم الواسعةــ الحقوق الأساسية، التي يجب على مقدمي الخدمات الصحية أن يضْمنُوها للجميع، ثم العمل على تحويل المحصلة النهائية إلى وثيقة قانونية مٌلزمة تحدد حقوق المريض.
قانون المسؤولية الطبية
على الجانب الآخر، ترى الدكتورة منى مينا وكيلة نقابة الأطباء السابقة، أنه تم تقديم مشروع قانون المسؤولية الطبية المقدم منذ 4 سنوات، والذي يحفظ جيدًا الحقوق والواجبات خاصة أنه يعمل على التفرقة بين المضاعفات الطبية الواردة الحدوث والخطأ الطبي والإهمال الطبي، ويضع ضمانات قوية لحماية حق كل من الطبيب والمريض.
القانون يمنع حبس الأطباء في القضايا المهنية التي لا تتضمن الإهمال الطبي المتعمد، والذي إذا تم تطبيقه يعد نقطة فاصلة في منع هجرة الأطباء، وعدم إقبالهم على التخصصات التي تحمل مخاطر في ممارستها.
بينما يقول الباحث في ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدكتور أحمد عزب، إنه كان تم العمل من قبل على وثيقة لحفظ حقوق المريض من قبل المبادرة في عام 2013 للفصل في مثل هذه الأمور، وبالتالي جزء مما حدث من أخطاء يعتمد على عدم وجود قانون للمساءلة الطبية بشكل عام يوضح في حالة حدوث خلل ما طبي أو أيّ شئ خارج المهنة يتم الفصل فيه بعيدًا عن جهات الفصل الثلاثة وهم “النيابة الإدارية لو مستشفى حكومي، والنيابة العامة، أو نقابة الأطباء”.
ويتابع: القانون الفاصل في هذه الحالة ويوضح الفرق بين الخطأ الطبي والإهمال الطبي وبالتالي سيكون في صالح الطرفين الأطباء والمرضى، لافتًا إلى أن الطبيب الذي يُفصح عن حالة وبيانات شخصية المريضة يخالف أخلاقيات المهن والقسم حتى لو تم التشهير به، عليه أن يلجأ للقانون وهو ما يُعيدنا إلى ضرورة وجود قانون للمساءلة الطبية.
حتى في حالة إعلان أحد أقارب المريض –بحسب عزب- تفاصيل الحالة على السوشيال ميديا أو التوك شو لا يُعطي الطبيب الحق في الحديث عن حالة مريضه، لكن مع وجود القانون سيكون حماية للطبيب في هذه الحالة خاصة في عمليات الأورام والتجميل والتي لها نسب معروفة من المضاعفات من حق المريض أن يكون على علم بها قبل إجراء أي تدخل جراحي وبالتالي يمنح كل ذي حق حقه.
اقرأ أيضا:
أزمات تحاصر البالطو الأبيض.. “كورونا” يكشف محنة الأطباء المصريين
ضعف ثقافة الحقوق
في هذا الصدد، يعلق الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، قائلا: “لدينا عدد من المستشفيات تقوم بتعليق لافتات لحقوق المريض وواجباته ولكن انتشار هذه الثقافة محدود للغاية، وبالتالي من المفترض أن يوافق المريض في الأساس على أي إجراء أو علاج فيه اقتحام للجسم بداية من الحقنة وحتى العمليات الجراحية”.
ويؤكد أن هذه الأمور تحدث بشكل روتيني لكن الموافقة المبنية على المعرفة تعي شرح الحالة للمريض ونسبة الخطورة، موضحا أن هذا لا يحدث بسبب انشغال الأطباء بكثرة الحالات أو خوف المرضى بعد التعرف على المضاعفات المحتملة.
ويشير خليل إلى أن الإفصاح في العلن عن حالة المرضى إذا تحولت لقضية رأي عام معلنة وكتب كلا الطرفين ولم تأمر النيابة بالسرية، ولكن ليس من المفترض كقاعدة أن يتم الإفصاح عن اسم الطبيب والتشهير به أو اسم المريض خاصة في التوك شو والسوشيال ميديا.
ولفت إلى أن الوضع الاجتماعي في مصر غير ناضج في هذا الأمر وليس لدينا ضوابط خاصة بأحقية التصريح في هذه القضايا في حالى الشخص العام أو أن القضية تحولت لقضية رأي عام، مع مراعاة حدود الخصوصية.
ويوضح منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة أن القانون الخاص بالمسؤولية الطبية الذي تم تقديمه من قبل نقابة الأطباء كمحاولة جيدة للتفرقة بين المضاعفات والإهمال- والإهمال الجسيم وهي أمور غير مميزة في القانون المصري، ولكن للأسف ما حدث عكس ذلك.