في احتفاء كبير بين الأوساط المعنية بالسياسة الخارجية، أعلنت إسرائيل نجاحها في الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. وهو هدف سعى الإسرائيليون منذ نحو عقدين لتحقيقه، بعدما تحققت أسباب لعل أبرزها انخفاض التأثير العربي في القرار الأفريقي.
لم تكن إسرائيل الدولة الأولى من خارج القارة الأفريقية التي تحصل على صفة المراقب في الاتحاد الأفريقي. حيث سبق أن حصلت فلسطين وتركيا وكازاخستان على هذه العضوية؛ إذ تسمح قواعد لومي المنظمة للاتحاد الأفريقي بانضمام أي دولة تربطها علاقات جيدة وتكاملية مع دول أفريقية بالانضمام بصفة مراقب في الاتحاد.
وقدم السفير الإسرائيلي لدى أثيوبيا أليلي أدماسو أوراق اعتماده كمراقب في الاتحاد الأفريقي إلى رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي محمد في مقر المنظمة في أديس أبابا، وفق تصريحات للطرفين.
مدى أهمية عضوية إسرائيل كمراقب بالاتحاد الأفريقي؟
قد لا يتمتع العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي بحق التصويت على القرارات. لكن هذا لا يعني انعدام أو انخفاض تأثيره في القرارات الأفريقية الصادرة عن مفوضية الاتحاد الأفريقي. ويسمح ميثاق الاتحاد للعضو المراقب بحضور جلسات الاتحاد، ومنها الجلسة الافتتاحية للقمم الدورية والاجتماعات العليا على مستوى الوزراء.
إسرائيل تنضم من جديد إلى منظمة الاتحاد الأفريقي كدولة مراقبة لأول مرة منذ 2002. أشاد وزير الخارجية يائير لبيد بهذا الانجاز الدبلوماسي الذي حققته وزارة الخارجية: "مع إقامة هذه العلاقات سيتمكن الطرفان من التعاون في مكافحة كورونا ومنع انتشار الإرهاب المتطرف في جميع أنحاء القارة". pic.twitter.com/Bv3WscnFn7
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) July 22, 2021
ولا يقتصر الأمر على المشاركة في الجلسات فقط؛ إذ يحق للدولة المراقب أن تقدم المقترحات والتعديلات وتشارك في المناقشات المختلفة. فضلاً عن أحقيتها في طلب الانضمام للاتفاقيات العالمية التي يشارك الاتحاد الافريقي كطرف فيها. وهو بدوره يمكن إسرائيل من الاستفادة السياسية والاقتصادية بالنظر لأولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية في دعم مواقفها في النظام الإقليمي والدولي. فضلاً عن الطموحات الاقتصادية بالاستفادة من أسواق القارة الأفريقية.
ظروف مواتية مهدت لمنح إسرائيل العضوية
لم تذكر التقارير أيّ سبب مباشر لدى الاتحاد الأفريقي لم لقبول عضوية إسرائيل في الوقت الحالي بعد رفضها لعدة مرات. وكانت إسرائيل قد تقدمت بنفس الطلب خلال قمم أفريقية سابقة، لكنّ الحديث يدور حول أنّ الظروف أصبحت مواتية. وفي مقدمتها انخفاض التأثير العربي الرافض لانضمام إسرائيل خاصة بعد تطبيع المغرب والسودان علاقتهما مع إسرائيل.
انخفاض التأثير العربي في القرار الأفريقي في عدة مؤشرات، أبرزها تأخر انعقاد القمة العربية الأفريقية. وانخفاض مستوى المصالح بين العرب والأفارقة
كان الرفض العربي للتواجد الإسرائيلي في الاتحاد الأفريقي حائطًا مانعًا لأي مشاركات إسرائيلية داخل الاتحاد الأفريقي. وأبرز ملامح هذا الرفض ما شهده مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي في مالابو بغينيا الاستوائية في 2014. وقتها نجح المندوبون العرب في استصدار قرار بطرد الوفد الإسرائيلي المكون من 14 عضوًا. والذي جاء بدعوة من الدولة المستضيفة للقمة من أجل تقديم طلب للحصول على صفة مراقب في الاتحاد الافريقي. إذ هددت وفود عربية بإعادة النظر في علاقات بلادها مع غينيا، فيما إذا لم يتم إخراج الوفد الإسرائيلي من الاجتماعات، وهو ما اضطرة للانسحاب تحت الضغط.
يمكن رصد انخفاض التأثير العربي في القرار الأفريقي في عدة مؤشرات، أبرزها تأخر انعقاد القمة العربية الأفريقية. وانخفاض مستوى المصالح بين العرب والأفارقة، فضلاً عن عدم اهتمام القوى العربية الفاعلة في الخليج بالتطورات السياسية أو المؤسسية المتعلقة بعضوية إسرائيل. واقتصار العلاقات على خدمة مصالح الخليج في أفريقيا من خلال الشراكات الاقتصادية وحماية الاستثمارات.
إسرائيل وأفريقيا.. تاريخ من التناغم والانقلاب
وفقاً لمؤرخين ودبلوماسين إسرائيلين، فإن علاقات إسرائيل بالدول الأفريقية تدخل في إطار العمق الاستراتيجي والحزام الأمني الذي يطوّق العرب. وبذلك احتلت أفريقيا أهمية كبيرة باعتبارها جزءًا من المجال الحيوي الإسرائيلي، الذي يتسع ليشمل كل دولة تستطيع أن تشارك في عمليات هجومية أو معادية لإسرائيل. وهو ما كان حافزاً للسياسة الخارجية الإسرائيلية لتوطيد علاقتها بدول القارة وكسب صداقتها، من خلال الربط الأيديولوجي بين الصهيونية والزنوجة. وهنا جرى تسليط الضوء على ما تعرض له اليهود والزنوج من “تمييز عنصري واضطهاد تاريخي”.
مع محاولات التقارب الإسرائيلية مع أفريقيا لم يكن تاريخ العلاقات على وتيرة واحدة من التناغم، حيث مرت بعدة مراحل. بدأت في 1948 وكانت بمثابة تأسيس وازدهار في كافة مجالات التعاون الاقتصادية والعسكرية والفنية. وهو ما ظهر في المساندة الأفريقية لإسرائيل في الأمم المتحدة في مواجهة العرب عقب عدوان 1967.
لكن هذا التأييد بدأ يتلاشى بعد تراجع النشاط الإسرائيلي في القارة، قبيل اندلاع حرب أكتوبر 1973. وقتها قطعت 7 دول أفريقية علاقاتها بإسرائيل ووصلت إلى 42 دولة بعد انتصار مصر في الحرب. حتى عادت العلاقات الإسرائيلية مرة أخرى بعد توقيع مصر على اتفاق كامب ديفيد في 1978 ومعاهدة السلام في 1979.
في هذه الأثناء، برز تيار أفريقي يدعو لتوطيد العلاقات مع إسرائيل مع الإبقاء على موقف أفريقي موحد إزاء القضية الفلسطينية. تحت مظلة الاتحاد الأفريقي باعتبار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. حيث ارتبط تاريخ العلاقات الإسرائيلية بالقارة الأفريقية بمماراسات وسياسات إسرائيل تجاه العرب، وهو ظهر أيضاً في مواقف أفريقية رافضة لاستعادة العلاقات مع إسرائيل. وذلك بعد تعنتها في مفاوضات السلام على المسار السوري واللبناني.
يرى مراقبون للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية أنها تستهدف منذ تأسيسها إضعاف التأييد الأفريقي للقضايا العربية وكسب الرأي العام الأفريقي. خاصة في المنظمات الدولية، بالنظر إلى الثقل التصويتي لدول القارة في المنظمات الدولية لاسيما الأمم المتحدة. وهو ما ظهر في موقف الأغلبية الأفريقية الداعم لإسرائيل في عدوان 1967.
حالياً ترتبط إسرائيل بعلاقات دبلوماسية مع 41 دولة من بين الدول الـ 54 الأفريقية. كما أن لديها سفارات في 11 دولة من تلك الدول. فيما ترتبط بتحالفات خاصة مع دول مثل إثيوبيا وإريتريا ورواندا وبوروندى وكينيا.
تداعيات عضوية إسرائيل على المواقف الأفريقية إزاء القضية الفسلطينية
بشكل دوري اعتادت القمم الأفريقية على استصدار بيانات داعمة للموقف والقضية الفلسطينية ورفض سياسات الاستيطان والعدوان الإسرائيلي. والتي أصبحت بمثابة مواقف تقليدية مبدئية للاتحاد الأفريقي ضد الممارسات الإسرائيلية. حيث يطالب الاتحاد الأفريقي إسرائيل في كل قمة يعقدها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. إلا أن وجود إسرائيل داخل مفوضية الاتحاد كعضو مراقب قد يكون حائلاً لهذه المواقف، بعد أن تغيرت مواقف العديد من الدول الأفريقية وتراجعها عن اعتبار اسرائيل دولة احتلال وعنصرية.
مع تمتع إسرائيل بعضوية المراقب سيكون أمامها فرصة كبيرة لنقل صوتها خلال اجتماعات الاتحاد الأفريقي. ومن ثمّ خلق حالة من التوازن مع الخطابات التي يلقيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال اجتماعات الاتحاد. كما تتجه التوقعات إلى تقويض جهود الدول العربية وعلى رأسها مصر والتي طالما نجحت في استمالة مواقف الدول الأفريقية للتضامن مع القضية الفلسطينية.
مكاسب سياسة واقتصادية لإسرائيل
يعكس الاحتفاء الإسرائيلي بالحصول على عضوية المراقب في الاتحاد الإفريقي حجم المكاسب المنتظر أن تحققها جراء هذه العضوية. ومنها الاطلاع والتأثير على كافة المعلومات التى تخص المنظمات التابعة للاتحاد، مثل الجمعية العامة للاتحاد واللجان المتخصصة ومحكمة العدل الأفريقية. والاستفادة من الكتلة التصويتية الضخمة لأفريقيا في المحافل الدولية.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، أكد في إحدى زياراته الأفريقية أنه إذا ما نالت إسرائيل هذه المكانة. فإنّ هذا التطور سيقود إلى تغيير استراتيجي في مركز إسرائيل على الصعيد الدولي.
إلى جانب المكاسب السياسية والاستراتيجية تأتي المكاسب الاقتصادية كجزء أساسي من التوجهات الإسرائيلية في القارة. وفي أوقات التأرجح والتدهور في العلاقات السياسية كان التنسيق والتعاون الاقتصادي قائما بقوة، عبر افتتاح إسرائيل أسواقا لها في أفريقيا. وذلك بغرض الاستفادة من الموارد والطاقات الكامنة في القارة مقارنة بافتقادها للإمكانات والموارد الطبيعية وندرة الموارد الزراعية من الأراضي والمياه.
بالنظر إلى إمكانية الاستفادة من المؤسسات والمنظمات المنبثقة عن الاتحاد الأفريقي. فإن عضوية المراقب التي تتمتع بها إسرائيل ستسمح لها بالاستفادة من منطقة التجارة الحرة الأفريقية والتي دخلت حيز التنفيذ منذ 2020.
وبذلك يكون لإسرائيل الحق في المشاركة بالقنوات الاقتصادية الشرعية مثل السوق المشتركة لأفريقيا الشرقية والغربية، والمجتمع الاقتصادي لوسط أفريقيا. وتجمع دول الساحل والصحراء، وهو ما سيحقق مكاسب اقتصادية مباشرة لتل أبيب.
يد الغرب في القارة الأفريقية
تتجه بعض التقديرات إلى أن وجود إسرائيل داخل الاتحاد الأفريقي سيكون أداة مباشرة لتنفيذ السياسات الغربية في القارة الأفريقية. حيث ستكون حلقة اتصال ووسيط بين الدول الغربية وأفريقيا في إطار تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى بالنظام الأفريقي الجديد. وهو ما بدأ تنفيذه فعليًا منذ 2011 بانفصال جنوب السودان.
ولعل أبرز الأدوات التي ستُمكن إسرائيل لتفعيل سياساتها، هو المساعدات التي تقدمها للدول الأفريقية في مجالات التنمية المستدامة. من الزراعة والري والطاقة، حيث تقدم إسرائيل نفسها باعتبارها مصدرًا للمساعدات التقنية، وبذلك النفاذ إلى الأسواق الأفريقية بحجة التطوير والتنمية.
تقدم إسرائيل نفسها باعتبارها مصدرًا للمساعدات التقنية، وبذلك النفاذ إلى الأسواق الأفريقية بحجة التطوير والتنمية خاصة في مجالات التنمية المستدامة، من الزراعة والري والطاقة
مع صمت القاهرة رسمياً إزاء خطوة الانضمام الإسرائيلي للاتحاد الأفريقي. تدور عدة تكهنات عن ترقب مصري لمدى تأثير هذه الخطوة على المصالح المصرية المباشرة. خاصة في منطقة حوض النيل، مع ارتفاع وتيرة التوتر؛ بسبب سد النهضة والممارسات الإثيوبية المعادية لمصر في ملف مياه النيل.
لم تكن عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي جديدة على قوة التأثير الإسرائيلي على قرارات وتوجهات دول منابع النيل. وتحدثت عده أوراق بحثية عن ملامح وشواهد التأثير الإسرائيلي علي دول منابع النيل ضد المصالح المصرية منذ إفشال المفاوضات حول اتفاق الإطار القانوني والمؤسسي لدول حوض النيل المعروف إعلامياً باتفاق عينتيبي. حيث دعمت إسرائيل مواقف دول منابع النيل بالتوقيع المنفرد على الاتفاق الذي يرفض الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل. ويعطي لدول المنابع الحق في الاستخدام العادل والمنصف للمياه بما يحقق الأمن المائي لها دون اعتبار حجم الضرر على دول المصب.