مدى شرعية القرارات، وهل تنزلق تونس إلى العنف، وما الضمانة لعدم انفراد أي قوى سياسية بالسلطة في ظل المخاوف من الانقلاب على المسار الديموقراطي. 3 أسئلة أثارت مخاوف القوى التونسية الرافضة لقرارات الرئيس قيس سعيد. فيما حاول مؤيدو القرارت تقديم إجابات عليها.
وفي أعقاب مظاهرات عمت المدن التونسية. شهدت هجوما على مقرات حركة النهضة. خرج الرئيس التونسي ليعلن تجميد عمل البرلمان لمدة 3 أشهر وإقالة رئيس الحكومة وتعيين حكومة جديدة على أن يتولى بنفسه مسؤولية السلطة التنفيذية.
لم تمر ساعات على إقالة رئيس الحكومة حتى أعلن قيس سعيد إقالة وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان.
وفي محاولة لطمأنة الشارع التونسي. عقد قيس السعيد عدة اجتماعات برئيس مجلس الأعلى للقضاء التونسي وعدد من أعضاء المجلس. مؤكدا خلال اللقاء احترامه للدستور.
دستورية القرارات
ما يحدث ليس انقلابا، من انقلب على الثورة وتنكر لدماء الشهداء هي حركة النهضة. قال أسامة عويدات المتحدث باسم حركة الشعب التونسية (قومية – يسارية) – ممثلة بـ 15 نائبا في البرلمان- في إطار دفاعه عن قرارات الرئيس التونسي.
وأضاف عويدات لـ “مصر 360”. في الوقت الذي تعيش فيه البلاد على وقع أزمة صحيّة خطيرة. وتحاول كل مؤسساتها الصحية والمدنية و العسكرية القيام بما لديها للتصدي للوباء وحماية أرواح أبناء شعبنا التي تتساقط كل يوم بالعشرات وتتطلع إلى مساعدة الأشقاء و الأصدقاء لتقديم الدعم الضروري والسريع حتى لا تنهار المنظومة الصحية في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. سعت حركة النهضة لصرف تعويضات لمريديها.
وبحسب عويدات: استغلت النهضة ضعف الدولة من أجل تفعيل صندوق الكرامة و صرف تعويضات تقدر بملايين الدولارات لمريديها و أتباعها تحت عنوان حقهم في التعويض عن التعذيب و القهر و الاعتقال من طرف النظام السابق
وكان رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني توجّه برسالة إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي يطالبه فيها بضرورة التسريع في تفعيل “صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد”، محددا يوم 25 يوليو/ تموز 2021 كموعد نهائي لصرف التعويضات.
واعتبر الهاروني أنه لا يوجد أي سبب يبرر مواصلة تعطيل العمل بهذا الصندوق وتسويف الضحايا، واصفا عدم تفعيله بالجريمة التي لن يسمح بإعادة ارتكابها، وفقا لقوله.
وأثار هذا التصريح موجة غضب واسعة في الأوساط السياسية والشعبية التي استنكرت مطالبة النهضة بدفع تعويضات باهظة سيتم توجيه جزء مهم منها لفائدة 2950 من أنصارها. بينما تفتقر المؤسسات الصحية للتجهيزات الطبية ويفتك فيروس كورونا بالعشرات من المواطنين يوميا من مختلف الفئات العمرية.
يذكر أن المجلس التأسيسي التونسي (البرلمان حاليا)، صادق سنة 2013 على قانون العدالة الانتقالية الذي تم بمقتضاه إحداث “صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد” ورصد اعتمادات مالية بقيمة 10 ملايين دولار لتمويله، لم تفعل إلى اليوم.
المسار الديمقراطي في تونس
لم يخف عويدات مخاوفه من انفراد الرئيس بالسلطة مستخدما تعبير “إلى الآن” وهو يتحدث عن قرارات الرئيس.
وقال عويدات: إلى الآن لم ينفرد الرئيس بالسلطة. وقراراته جاءت ضمن استخدام حقوقه الدستورية في الفصل 180 من الدستور. التي تمنحه صلاحيات لحماية البلاد من الانهيار.
وتنص المادة ٨٠ من الدستور التونسي: يجوز لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية.
ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لايجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.
جملة من الضمانات
الاتحاد التونسي العام للشغل –المنظمة النقابية ذات النفوذ السياسي – لفت في بيان إلى مخاوفه من التدابير الاستئثنائية.
موقف الاتحاد التونسي للشغل عادة ما يساهم في ترجيح كفة أي من الأطراف السياسية المتصارعة أو على الأقل إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات.
وأكد الاتحاد على وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتّخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية.وفي مقدّمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسّع والاجتهاد والمركزة المفرطة. وتحديد مدّة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتّى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة في الآجال إلى السير العادي وإلى مؤسّسات الدولة.
وطالب الاتحاد بضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون تجزئة مع الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية والتشاركية في أيّ تغيير سياسي في إطار خارطة طريق تشاركية واضحة تسطّر الأهداف والوسائل والرزنامة وتطمئن الشعب وتبدّد المخاوف.
وتابع الاتحاد في بيانه: الأزمة التي تردّت فيها البلاد سبق أن نبّه إليها الاتحاد عديد المرّات. وثبّت تقييمه لها في ديباجة المبادرة الوطنية. ويسجّل أنّها قد بلغت اليوم أقصاها ووصلت إلى حدّ تعطّل دواليب الدولة وتفكك أواصرها وأجهزتها. وتردّي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي. وتعمّق معاناة الشعب وتزايد الفوارق بين الفئات والجهات وتفشي الفساد ونهب المال العام واستشراء مظاهر المروق على القانون وخرقه بالغلبة طورا وبتطويع التشريعات والأجهزة. ومنها القضاء طورا آخر لصالح لوبيات متنفّذة وأطراف استباحت الحقوق والبلاد ورهنتها في سياسة تداينيّة خطيرة فرّطت في السيادة الوطنية، وقد حان الوقت لتحميل المسؤوليات وإنهاء هذه الحقبة التي وضعت تونس على صفيح من نار.
وأدان الاتحاد الأسلوب القمعي الذي انتهجته الحكومات ضد التحركات الجماهيرية وأفضت إلى انتهاك الحرّيات واعتقال العديد من النشطاء وكادت تعود بالبلاد إلى مربّع الاستبداد.
التمسك بالشرعية الدستورية
وشدد على ضرورة الحرص على التمسّك بالشرعية الدستورية. في أيّ إجراء يتخذ في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد. حتّى نؤمّن إلى النهاية احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي ونعيد للبلاد استقرارها ونسترجع طاقتها في البناء والتقدّم.
وحى الاتحاد المؤسّسة العسكرية. ودعا كلّ الأطراف إلى وجوب النأي بها عن التجاذبات السياسية. إيمانًا منه بعراقة هذه المؤسّسة ووطنيّتها وتمسّكها غير المشروط بحماية أمن البلاد والعباد. كما يشدّد على مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليّته.
المخاوف من الانزلاق في دوامة العنف. دعت الاتحاد إلى إعلان رفضه لجوء أيّ طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف. وعبر في نفس الوقت عن رفضه القطعي لسياسة التشفّي أو تصفية الحسابات. مؤكدا على ضرورة ضمان خروج سلمي من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة.
عويدات توقع أن تلجأ حركة النهضة إلى العنف لإجبار الرئيس التونسي على التراجع عن قراراته. لافتا إلى توجه نواب من الحركة إلى مقر البرلمان بصحبة أنصارهم في محاولة إظهار الأمر كأنه أنصار وأنصار مضادة.
الرئيس التونسي نفسه ألمح إلى توقعاته بردود عنيفة على قراراته. +++قائلا: إنه على الجيش الرد بوابل من الرصاص على من يطلق رصاصة واحدة. في المقابل دعا زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي الشعب للخروج إلى الشارع لحماية الشرعية الدستورية.
الأزمة الاقتصادية في تونس
الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس. أرجعها عويدات، إلى رغبة الحكومة ومن خلفها حركة النهضة القوى الرئيسية في الائتلاف الحاكم في تونس إلى عدم إكمال المسار الاجتماعي للثورة التونسية.
وأضاف: لم تقم الثورة على شعارات الحرية والديموقراطية فقط. وكانت الشعارات الاجتماعية كالعدل الاجتماعي جزءا رئيسيا من شعارات الثورة. والخيارات الاقتصادية التي تبناها الإخوان لم تسمح بوضع هذه الشعارات موضع التطبيق.
وتعاني تونس بشدة من أزمات اقتصادية متلاحقة. انتهت بفشل كبير للمنظومة الصحية وتردي الوضع الطبي مع انتشار فيروس كورونا خلال الأيام الماضية.
ويقول صندوق النقد في تقرير حديث له عن تونس إن جائحة كورونا ألحقت ضررًا بالغًا بها وأدت إلى هبوط اقتصادي غير مسبوق.
وتشير التقديرات إلى أن اقتصاد تونس انكمش بنسبة قدرها 8.2% في عام 2020. وهو أكبر هبوط اقتصادي شهدته تونس منذ استقلالها.
وسجل الاقتصاد انكماشا بنسبة 3% في الربع الأول من عام 2021. وفقا لإحصاءات للمعهد الوطني للإحصاء في تونس. وقفز معدل البطالة إلى 17.8% في الربع الأول من العام الجاري
وسجل عجز الموازنة نسبة قياسية بلغت 11% في العام الماضي. كما انخفض عجز الحساب الجاري إلى 6.8% من إجمالي الناتج المحلي، مدفوعا بانخفاض الطلب على الواردات واستمرار تدفق تحويلات المغتربين، رغم الصدمة القوية التي أصابت الصادرات وانهيار عائدات السياحة.
تواجه تونس تحديات ليس فقط في الحفاظ على المكتسبات الديموقراطية. بل حول مستقبل البلد بعد انتهاء مدة الـ 30يوما التي تضمنتها الإجراءات الاستثنائية. حيث تنص المادة الـ 180 من الدستور: بعد مضي 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه.
ما يعني أن تونس أمام خيارين لا ثالث لهما. إما العودة بعد مدة الـ 30 يوما لنقطة ما قبل قرارات قيس سعيد. أو مزيدا من الإجراءات الاستثنائية..