مسرح الشارع في مصر له إرهاصات عدة من ظواهر مسرحية أو فنية بشكل عام. تنوعت بين عربات المولد والحاوي والأراجوز وخيال الضل.
وشهدت مصر تجارب كثيرة منها ما تبنته المؤسسة الرسمية أو تبناه المجتمع المدني والفرق الحرة والمستقلة.
انفتاح وانحسار
وشهدت تجربة مسرح الشارع ازدهارا كبيرا بداية السبعينات على مستوى أهلي وتجارب تبنتها المؤسسة الرسمية بشكل فردي.
ثم عاد بعد عام 1977 للانحسار ليشهد في بداية الألفية الثانية انتعاشا لبعض التجارب التي قدمها محمد عبد الفتاح كالابالا. ومنها المادة 67. ثم انحسر قبل ثورة يناير.
وفتحت الثوةر أفقا جديدا لذلك النوع من الفنون التي تتخذ من الشارع والمكان المفتوح منصة تبث عبرها الإبداع لرجل الشارع. مع حاجة رجل الشارع لمشاهدة الفن حيا مثلما كانت ثورة يناير او الأحداث الجسام التي حدثت لتغير وجه مصر بين عشية وضحاها. ولم يكن هناك من وسائل اتصال أو معرفة غير النزول للشارع للتأكد من صدق المعلومة رؤى العين. وساعدت على انتشار الظاهرة وجود سيولة في كيان الدولة التي لم تكن تحكم قبضنها وهيمنتها الكاملة على الشارع وقتها.
ثم انحسرت وقوضت تلك التجارب رغم تبني المؤسسة الرسمية لعدة مهرجانات وتجارب فنية هامة. حتى على المستوى الأهلي. توقفت أنشطة كانت تتيح المجال للعروض في الفضاءات المفتوحة مثل الفن ميدان. ما يحيلنا لشرط أساسي للممارسة وهو حرية التعبير التي تتناسب طرديا مع انتشار وازدهار الفنون.
“المسرح التوعوي” تبنته قصور الثقافة وقدمت عروض في الساحات ومراكز الشباب وتوقف بلا سبب
المسرح التعبوي
قدمت هيئة قصور الثقافة مشروع المسرح التعبوي إبان رئاسة الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف. ونفذتها الإدارة العامة للمسرح، إبان إدارة دعاء منصور. الذي أفرز 48 عرض مسرحي بتكلفة 5 آلاف جنيه 2014 – 2015.
وتقول دعاء منصور مدير عام المسرح آنذاك: تبنت الإدارة العامة للمسرح وهيئة قصور الثقافة مشروع المسرح التوعوي. الذي يستهدف النزول بالمسرح للشارع للتوعية بالقضايا الآنية مثل “التصويت للدستور” الذي جمل عنوان “انزل وشارك”، وانفلونزا الخنازير، والثقافة في مواجهة الإرهاب، ومشروع قناة السويس الجديدة، وقبول الآخر.
وأضافت: كانت العروض تقدم في الساحات العامة ومراكز الشباب. وكان كل فرقة تقدم 10 عروض. إضافة لتقديم العروض بساحة الهناجر وبميزانية قليلة لا تتعدى خمسة آلاف جنيه. شاملة مصروف جيب المبدعين مدة عشرة عروض. وكان المبدعون يقومون بكل العمل من ملابس وموسيقى وخلافه.
وأوضحت دعاء منصور. أن المشروع توقف للأسف بعد تركها للإدارة العامة للمسرح دون سبب واضح. رغم نجاح العروض في الوصول للناس في مراكز الشباب والساحات وتوعيتهم بقضايا هامة ملحة تهم الشارع المصري. مشيرة إلى أن هذا العمل كان يستقطب الشباب من الفراغ.
استقطاب المبدعين
وتابعت: نحن كإدارة عامة للمسرح ندرك أهمية التوعية عن طريق استقطاب المبدعين من الشباب فى كل المحافظات. لرسم هويته وإبراز حبه للمسرح. وجرى تأهيل الشباب الذى شارك فى هذه التجربة للمشاركة فى الحركة المسرحية بالأفكار والمواهب القادرة على السير إلى أفاق مستقبلية جديدة.
واختتمت: هذا من أهم أدوارنا فى الثقافة الجماهيرية. ولا أعلم لماذا لم تستمر هذه الأفكار التى كانت تفرز كل موسم مجموعة مبدعين فى الكتابة والإخراج والتمثيل والديكور والإنتاج وكل العناصر الفنية. فالمسرح يعني عن المحاضرة والتلقين ويستطيع أن يوصل المعلومة بشكل أسرع في شكل جاذب للجمهور.
المخرج ناصر عبد المنعم: أسسنا جماعة مسرح الشارع في السبعينات والتوقف له علاقة بتراجع الحريات
المخرج الكبير ناصر عبد المنعم قال إنه أسس مع الفنان أحمد كمال والفنانة مها عفت ومجموعة من شباب كليات جامعة القاهرة عام 1976 جماعة مسرح الشارع. وتبنى المشروع حزب التجمع. بإشراف الكاتبة فريدة النقاش.
وأضاف: وفر الحزب وقتها أماكن عروض في عدة قرى. وانضم للمجموعة عدد كبير من المبدعين بينهم ناجي جورج. والفنان عبد العزيز مخيون والفنانة منحة البطراوية والمخرج محمد عبد الهادي.
فرق أهلية
وتابع عبد المنعم: صنفت فرقة مسرح الشارع وقتها كأول فرقة أهلية. حسبما كتب المسرحي العراقي دكتور بشار عليوي في كتابه عن مسرح الشارع. ومن قبلها كانت جزءا من رسالة دكتوراة للناقد عمرو دواره. وكذلك كتب عن التجربة ووثقها الباحث عيد عبد الحليم.
وأوضح عبد المنعم أنه سبق تكوين الفريق تجارب مثل تجربة ناجي جورج لمسرح القهوة مع الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة على مقهى ماتاتيا بالعتبة. والفنان عبد العزيز مخيون الذي قدم من قبلها تجارب في مسرح شارع في مركز أبو حمص. حيث قدم عرض “الصفقة” عن نص توفيق الحكيم. وقام الفلاحون أنفسهم بالتعديل على النص ليناسب التجربة. وتجربة دكتور هناء عبد الفتاح الذي قدم عرضا مسرحيا في أحد الأجران في قرية دنشواي. وتجربة المخرج أحمد إسماعيل في شبرا بخوم التي كانت تقدم عروضا بأهل القرية لأهل القرية.
ولفت عبد المنعم، إلى أن الذي سمح للتجربة بالتواجد الأجواء السياسية وقتها التي تبنت خلالها الدولة فكرة المنابر السياسية. لكن توقفت التجربة بعد مضايقات امنية بعد عام 1979.
مهرجان ألوان
وتناول عب المنعم في حديثه تجربة مهرجان ألوان لفنون الفرجة والفنون الأدائية التي تقدم في الشارع.
وقال: قدمنا التجربة رغبة في النزول للناس، بعد ثورة يناير. كنت قد توليت رئاسة المركز القومي للمسرح عام 2011. وتبنيت تنظيم المهرجان بالحديقة الثقافية بالسيدة زينب وحارة أبو الدهب، ولم يكلف المهرجان وزارة الثقافة مليما واحدا، بالتعاون مع مؤسسة ساويرس. وهي مرحلة استثنائية لسهولة الحصول على موافقات، لكن التجربة توقفت بعد انتقالي للبيت الفني للمسرح.ولم يكمله أحد او يتبناه باعتباره كأنه مشروعا شخصيا وليس مؤسسيا.
واختتم عبد المنعم حديثه: أهم شرط لازدهار المسرح والفنون عموما هو الحرية. ومسرح الشارع بالطبع يحتاج لحرية لأنه تفاعلي مع الناس. وتراجع الحرية يؤدي لتراجع الفنون، خاصة الفنون التي تتعلق بالشارع والنزول للجمهور.
عبير علي: مسرح الشارع تبنته الثقافة الجماهيرية وقتلته البيروقراطية
البيروقراطية تذبح مسرح الشارع
عندما كلفت بمشروع مسرح الشارع من قبل الكاتب أحمد عبد الرازق أبو العلا مدير الإدارة العامة للمسرح في هيئة قصور الثقافة أنذاك، كانت خطتي أولا تجهيز كوادر مدربة على هذا النوع من المسرح فقمت بتصميم برنامج تدريبي لحرفيات مسرح الشارع ( حكى / سيرك وكلاون / ارتجال وكوميديا شعبية /غناء/أراجوز). تقول عبير علي.
وأضافت: نفذنا معسكر تدريبي لمدة أسبوعين بالسويس لشباب المخرجين من أقاليم مصر. كان نتاج التدريب عرض مسرح شارع وتدشين نواة 10 فرق مسرح شارع في 10 أقاليم. كل فريق يقوده أحد المخرجين المتدربين. وبالفعل سافر كل مخرج الى بلده وأخرج عرضا مسرحيا. وأقيم أول مهرجان لمسرح الشارع في ميدان التحرير أمام مجمع التحرير في 2011. وكانت الفرق تعرض في أسواق قراها. وعلى النيل وفي الميادين. واستمرت التجربة عامان. وذبحت بفعل البيروقراطية وبعض القيادات غير المؤهلة لإدارة مشروعات ثقافية.
سلاح التوعية
واختتمت: مسرح الشارع هو أهم سلاح التوعية وايصال المتعة والخدمة الثقافية لعامة الناس الذين لايعرفون ويهابون ارتياد المسارح. مسرح الشارع يذهب إلى الجمهور وهو أيضا مناسب اقتصاديا لتقشف الميزانيات.
رشا عبد المنعم: حاولنا إنشاء رابطة لمسرحي الشارع لكن إغلاق المجال العام جعل المسرحيين يؤثروا السلامة
قالت الكاتبة رشا عبد المنعم: شاركت فى العديد من الفاعليات التى اعتنت بمسرح الشارع عقب ثورة 25 يناير فكنت أحد مؤسسى الفن ميدان، الفاعلية الفنية الأهم عقب الثورة فى تأثيرها على وعى وثقافة الجماهير. كما شاركت بمهرجان ألوان الذى أسسه المركز القومى للمسرح. وكنت مسئولة عن المحور الفكرى المصاحب الذى أتاح لى التعرف على تاريخ مسرح الشارع فى مصر وألوان وأطياف الفنون الحاضرة فى فرق مسرح الشارع.
وتابعت: فى 2014 تقدمت لجمعية النهضة العلمية والثقافية (الجيزويت) بمقترح إقامة ورشة عمل وحلقة نقاشية لفرق مسرح الشارع ومسرح المجتمع المحلى بعنوان(المسرح ذخيرة حية). على أن تعتمد الورشة صيغة الحوار والعصف الذهنى لمناقشة قضايا مسرح الشارع ومعضلاته التى كانت ظهرت على السطح حينها مع معضلة ظهور قانون التظاهر وممانعته لكافة أشكال التجمع دون التفرقة بين ما هو نشاط فنى وبين ما هو محض سياسى، وأقيمت بالفعل يومى 18-19 فبراير 2014 بمقر تابع للجيزويت بالمقطم.
كسر العزلة
وأوضحت، أن الإشكالية الرئيسية لحلقة النقاش تدور حول الدور المنوط بالعاملين بمسرح الشارع ومسرح المجتمع المحلى. لكسر العزلة الجبرية الممتدة التى عزلت المنتج الثقافى عن مستحقيه : وفرضت عليه على مدى عقود أن يظل حبيس مبانى، فى ظل عن التحول سياسى الحاصل حينها.
وأشارت، إلى أن نتائج النقاش كانت تطمح لإنشاء قاعدة بيانات لفرق مسرح الشارع وتأسيس رابطة لفنانى مسرح الشارع والعمل سويا على تنظيم مهرجان لفنون الشارع يقام بأسوان، لكن للأسف لم يتحقق الحلم : كانت المخاطر أسرع من خطواتنا فتفتت الفرق واستهلكت فى إصدار تصاريح لتقديم عروضهم بالشارع والتى كانت عادة ما ترفض. وذهب البعض للبحث عن فرص أخرى للعمل بعيدا عن مسرح الشارع بعد إغلاق المجال العام.. وبعد القبض على عدد من الفرق والفنانين تراجع معظم المشتغلين بمسرح الشارع وآثروا السلامة.
في النهاية يظل المسرح الذي يقترب من قضايا الناس بين مطارق عدة وسندان رقابة وإغلاق المجال العام، يحاول أن يطور من آلياته التي تتحايل عبر الصورة أحيانا والإسقاط ليجد طاقة يخرج منها لجمهوره، في علبة إيطالية.
أما مسرح الشارع والفعاليات الفنية في الأماكن العامة فهي تتوقف على تبني المؤسسة لها وآيا كانت تلك المؤسسة أو صاحب القرار بالأمر مرهون بتبنيه للفعاليه والفعالية نفسها مرهون استمرارها ببقاءه في منصبه. الفن والحرية يسيران جنبا الى جنب والحرية شرط ازدهار فنون التعبير.