لم يكن من المفاجئ على الإطلاق قبول إسرائيل، وهي الدولة الآسيوية، كمراقب في منظمة الاتحاد الإفريقي؛ فهي من ناحية ألحَّت على ذلك الطلب لعقدين، وهي من ناحية ثانية قد خططت تاريخيًا لتكون علاقتها بقارتنا علاقة عضوية، تراكمت مؤسسيًا عبر عقود، ولم تشهد مراحل انقطاع، كالتي عانت منها مصر.

وربما تكون الأسئلة المطروحة حول هذا التطور هي لماذا الآن؟ وما أسباب عدم قبول الطلب الإسرائيلي لمدة عقدين؟ وأخيرًا ما المكاسب الإسرائيلية من وراء هذه الخطوة.

ربما يكون توقيت قبول عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي غير خالٍ من دلالات، في وقت تتعقد فيه المباحثات بشأن أزمة سد النهضة، ويصرّ النطاق الدولي أن مظلة الاتحاد الإفريقي هي الوحيدة الصالحة لاستمرار هذه المباحثات، وتطرح في القاهرة مقولات عن أهمية الدور الإسرائيلي في هذه المعضلة، من رجل معروف بقوميته العربية كالدكتور مصطفى الفقي، وهو الرجل المعروف قربه من أوساط صناعة القرار في الدولة المصرية.

صفة مراقب هي امتياز تمنحه بعض المنظمات لغير أعضائها، يترتب عليها منحهم القدرة على المشاركة في أنشطتها، ولكن دون قدرة على التصويت أو اقتراح القرارات، وذلك على المستوى الرسمي، بينما تكون كل الفرص مفتوحة بطبيعة الحال في الكواليس على المشاركة في صناعة القرارات

ولعله قبل الولوج في التفاصيل لابد من الإشارة إلى أنَّ صفة مراقب هي امتياز تمنحه بعض المنظمات لغير أعضائها، يترتب عليها منحهم القدرة على المشاركة في أنشطتها، ولكن دون قدرة على التصويت أو اقتراح القرارات، وذلك على المستوى الرسمي، بينما تكون كل الفرص مفتوحة بطبيعة الحال في الكواليس على المشاركة في صناعة القرارات، بل وهندستها طبقًا للمصالح الإسرائيلية، فغالبًا ما تُمنح صفة المراقب من جانب المنظمات الدولية والإقليمية للأطراف غير الأعضاء والمنظمات الدولية غير الحكومية التي لها مصلحة في أنشطة المنظمات الحكومية الدولية.

وفيما يخص تمتع إسرائيل بصفة مراقب على أيام منظمة الوحدة الإفريقية، فهي مسألة مشكوك فيها من جانبي؛ لعدة اعتبارات منها أن الإعلان عن ذلك جاء على لسان سفير إسرائيل في أديس أبابا الذي أعلن عن قبول إسرائيل كمراقب وتناقلته وكالات الأنباء دون عودة للاتحاد الأفريقي نفسه الذي تعذر على مكتب تمثيله بالجامعة العربية في القاهرة تأكيد أو نفي المعلومة. أما السبب الثاني فهو أن علاقات غالبية الدول الإفريقية بإسرائيل كانت مقطوعة كنتيجة لنجاح العرب في ضمان التأييد الإفريقي للموقف العربي في الصراع مع إسرائيل، خصوصًا في حربي 1967و1973، حيث تم تصنيف إسرائيل كنظام استيطاني عنصري مماثل لنظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، والذي نجح الزعيم نيلسون مانديلا في القضاء عليه عبر إسناد عربي خصوصًا من القاهرة.

ولم تنفك عزلة إسرائيل في الأوساط الإفريقية جزئيًا إلا بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، حيث تم إهمال مصري وعربي للعلاقات التاريخية بين العرب والأفارقة. واستمرت الممانعة الإفريقية لفترة طويلة؛ وذلك لدرجة فشل إسرائيل قبل ثلاثة أعوام في عقد قمة إسرائيلية إفريقية، حيث رفضت كل العواصم الإفريقية عقد هذه القمة، لتُلغي في نهاية الأمر بعد أن كانت توجو قد أعلنت عن استضافتها في موقف لم تقبله عاصمة إفريقية أخرى.

أهم أسباب نجاح إسرائيل في تمتعها بصفة مراقب بعد عقدين من المحاولات جاء كنتيجة لصفقات السلام الإبراهيمي، والتي دخل فيها السودان إلى جانب المغرب في علاقات سلام مع إسرائيل، وعدم ممانعة دولة كالجزائر في منح إسرائيل هذه الصفة

ويمكن القول إن أهم أسباب نجاح إسرائيل في تمتعها بصفة مراقب بعد عقدين من المحاولات جاء كنتيجة لصفقات السلام الإبراهيمي، والتي دخل فيها السودان إلى جانب المغرب في علاقات سلام مع إسرائيل، وعدم ممانعة دولة كالجزائر في منح إسرائيل هذه الصفة، رغم عدم امتلاكها علاقة مباشرة بإسرائيل حتي الآن، وطبيعة وجودها المميز في أجهزة الاتحاد الإفريقي، وهي إشارة قد تكون دالة على تفكير الجزائر في علاقات مع إسرائيل خلال المرحلة القادمة، وذلك في ضوء انخراط المغرب في علاقات مباشرة مع إسرائيل وبدء تسيير رحلات طيران بين البلدين، وهي مسألة محسوبة في توازنات القوى بين البلدين المتصارعين في قضية الصحراء الغربية.

ويُضاف إلى أسباب استعادة إسرائيل علاقاتها بغالبية الدول الإفريقية والتي تصل لـ46 دولة، أن تل أبيب قد نشطت في نسج العلاقات في كافة المجالات والقضايا على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف مع الدول الإفريقية، فعلي سبيل المثال لا الحصر، من مظاهر قوة العلاقات التوجولية / الإسرائيلية أن الرئيس التوجولي Faure Gnassingbé قام بزيارة إسرائيل ثلاث مرات، الأولى عام 2012 ثم قام بزيارته الثانية لها في الفترة من 7 إلى 11 أغسطس 2016، وكانت الثالثة بمناسبة مشاركته في جنازة رئيس إسرائيل الراحل Shimon Peres في سبتمبر 2016، لكن زيارته الثانية كانت الأهم فبشأنها صدر بيان عن “خارجية توجو” أشار إلى الإمكانات غير الاعتيادية للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الزراعة والصحة العامة والتعليم والتعليم العالي وعلوم التكنولوجيا والأمن وتنمية المجتمع والحماية الاجتماعية، ثم أشار البيان إلى أنهما اتفقا على عقد قمة إسرائيل – أفريقيا في العاصمة التوجولية لومي تحت عنوان “الأمن والتنمية”.

الزيارات المتعددة ورفيعة المستوى من قادة إسرائيل إلى دول القارة الإفريقية، منهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق، ومسؤولون بالمخابرات الإسرائيلية، كانت كثيفة

في هذا السياق، يمكن ملاحظة أن حجم الزيارات المتعددة ورفيعة المستوى من قادة إسرائيل إلى دول القارة الإفريقية، منهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق، ومسؤولون بالمخابرات الإسرائيلية، كانت كثيفة، إضافة إلى بعض رؤساء إدارات الشركات، ورجال المال والأعمال، وذلك العامان الماضيان، كان يشير إلى تطور كبير في العلاقات بين إسرائيل والدول الإفريقية، خاصة منطقة حوض النيل وما يجاورها.

أما على المستوى المتعدد الأطراف، فقد حضر بنيامين نتياهو  مثلاً قمة مصغرة بشأن مكافحة الإرهاب في مايو 2016 جمعت رؤساء كينيا وروندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا ومالاوي، وهي الزيارة التي قال عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو إنها الأولى من نوعها منذ عشرات السنين لدول من جنوب صحراء إفريقيا، حيث أحيي على الهامش ذكرى مقتل أخيه في عملية مطار عنتيبي بأوغندا، التي تمت في يوليو 1976، حيث قامت قوات خاصة إسرائيلية بالإفراج عن ركاب طائرة كانت تقوم برحلة بين تل أبيب وباريس، تم خطفها من قبل فلسطينيين وألمان إلى مطار عنتيبي.

سيتم تقليص قدرات ما تبقى من النظام العربي في الأوساط الإفريقية، كما سيتم التأثير على القدرات المصرية المستقلة في تحسين العلاقات الإفريقية الإفريقية من المنصة المصرية

أما المصالح الإسرائيلية المرتبطة بإفريقيا، والتي جعلت إسرائيل مصرة على الولوج إلى الاتحاد الإفريقي فهي متعددة، منها ما هو على المستوى الإستراتيجي، حيث سيتم تقليص قدرات ما تبقى من النظام العربي في الأوساط الإفريقية، كما سيتم التأثير على القدرات المصرية المستقلة في تحسين العلاقات الإفريقية الإفريقية من المنصة المصرية، كما ستنقلب التوازنات لصالح إسرائيل، وهي الدولة التي عانت من عزلة طويلة في إفريقيا.

وطبقًا للتفاعلات المشهودة، فإن تنسيقًا إسرائيليًا خليجيًا في إفريقيا غير بعيد، وسيكون على حساب المصالح المصرية سواء المائية أو غيرها.

كما أن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بدول شرق إفريقيا تضمن المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، وهي مصالح حيوية لإسرائيل لاعتبارات متعلقة باعتماد ثلث الاقتصاد الإسرائيلي تقريبًا على الموارد الإفريقية خصوصا من الماس والمعادن من دولة مثل الكونغو مثلاً.

سيكون من المؤكد ممارسة إسرائيل إسنادًا استراتيجيًا لإثيوبيا دأبت على فعله وسوف تستمر، وسيكون نطاق عمله القادم هو وجود إثيوبي في البحر الأحمر بدأت خطواته اللوجستية بالفعل بتكوين إسطول عسكري بحري

يضاف إلى رغبة إسرائيل في الانضمام إلى مجلس البحر الأحمر الذي تم بلورته مؤخرًا ليكون مقره الرياض، وهو المجلس الذي لم يشهد تجاذبات حتى اللحظة الراهنة بشأن طبيعة وزن وأدوار الأطراف، وعلاقة الأفارقة بهذا المجلس.

في هذا السياق، سيكون من المؤكد ممارسة إسرائيل إسنادًا استراتيجيًا لإثيوبيا دأبت على فعله وسوف تستمر، وسيكون نطاق عمله القادم هو وجود إثيوبي في البحر الأحمر بدأت خطواته اللوجستية بالفعل بتكوين إسطول عسكري بحري. وفضلاً عن القوة الصلبة الإسرائيلية العاملة في إفريقيا، فإنّ قوتها الناعمة غير غائبة عبر آليات المجتمع المدني كافة سواء في التدريب أو الإغاثات الإنسانية، أو التعاون مع الجامعات، ومراكز التفكير الإفريقية عبر منصات متنوعة.