تتكرر يوميا أخبار ضبط الجهات الرقابية لسلع مغشوشة من أطعمة منتهية الصلاحية وعلامات تجارية مقلدة أدوات منزلية تسبب السرطان إلى أغذية فاسدة وأدوات طبية مغشوشة.. أساليب مبتكرة للغش وخداع المستهلكين أتاحتها بقوة التجارة الإلكترونية التي تحولت لوسيلة لترويج كل ما هو مجهول المصدر.
ومن أشهر طرق تسريب المنتجات الرديئة والمغشوشة حسب خبراء الصناعة هو تقليد السلعة ووضع الإسم أو العلامة التجارية للشركة الأصليةباللجوء لحيل عادة في شكل كتابة الحروف أو تغيير حرف وحيد من الاسم، ما يجعل من الصعب على المستهلك كشفها، حيث تباع على أنها أصلية في عبوة مقلدة وتزوير البيانات التجارية وإخفاء بلد المنشأ.
أخبار عبور العديد من السلع الرديئة إلى الأسواق المصرية تتصدر الصحف كل يوم، الأمر الذي تظهر تدعياته على المنتج المحلي الذي يعاني من ارتفاع تكلفة إنتاجه ويصعب دخوله في منافسة سعرية مع المستورد الرديء المقلد.
التجارة غير الرسمية تتصدر المشهد حسب تصريحات التجار، الذين أكدوا غياب الرقابة على المنافذ ما يزيد من عمليات التهريب، ويكشف التقرير التالي طرق تسريب السلع الرديئة، وأبرز القطاعات التي تعاني من هذه الأزمة.
المواصفات القياسية للسلع عبر المنافذ الرسمية
جولة سريعة على موقع الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة على موقع الهيئة فقط ستجد 481 اشتراط لقياس جودة السلع بدءا من السجائر مرورا بالأغذية والمواد الهندسية وصناعة البناء واسطوانات الغاز وأنظمة التبريد وانتهاء بالمناديل المبللة، وجميعها في سياق التجارة الرسمية.
وقد صدر عن الهيئة حتى سبتمبر 2015 حوالى 10 آلاف مواصفة قياسية مصرية تغطي قطاعات الصناعة المختلفة إلى جانب حوالي ألف مشروع مواصفة في مراحل الإعداد المختلفة لمعظم المنتجات.
والهيئة التي أنشئت عام 1957 تحت اسم الهيئة المصرية للتوحيد القياسي وانضمت لمنظمة الأيزو العالمية في نفس العام لم تكن البداية لوجود مواصفات قياسية مصرية بل كانت لإسناد مسؤولية إصدار المواصفات القياسية لجهة واحدة.
وتعرف الهيئة المواصفات المصرية بأنها “الحد الأدنى من المتطلبات الفنية المعتمدة الذي تتفق جميع الأطراف المعنية على تطبيقها دون إخلال بما تتضمنه من حيادية وشفافية”.
وتهدف المواصفات القياسية المصرية إلى تحقيق زيادة القدرة الإنتاجية والسلامة والصحة وحماية الحياة والبيئة وحماية المستهلك والمنتج وتخفيض التكاليف والتوفير الشامل في الجهد الإنساني والمواد والطاقة، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق المحلية والدولية.
كيف تدخل السلع الرديئة للسوق المصرية؟
وقال بركات صفا، نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال، إن مصر تتعامل بنظام الفحص وفق المواصفات الأوروبية وهناك حسم في هذا الأمر أقرب للتقييد بطلب العديد من شهادات الجودة، ووصل الأمر إلى أنه في حال وجود صنف واحد ردئ يتم رفض “رسالة البضائع” كاملة.
وأكد صفا في تصريحات لـ”مصر 360″ أن هذه المنظومة ليست وليدة اللحظة، لكنها موجودة منذ عام 2010 بالفحص المسبق، وصدرت مجموعة قرارات عام 2017 وهناك مكتب خاص بهيئة الرقابة الإدارية داخل الرقابة على الصادرات بهدف تشديد القبضة على الواردات بشكل عام.
واعتبر نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال، أن هناك تشديدا صارما على منافذ دخول السلع في مصر، لمنع التجارة غير الرسمية، وأن التهريب هو أهم وسيلة لتسريب السلع الرديئة في السوق المصري.
وأكد رئيس مصلحة الجمارك المصرية، الشحات غتوري، أن شهر مايو الماضي فقط شهد إحباط نحو 1069 عملية تهريب لبضائع تبلغ القيمة الجمركية عليها 195 مليون و535 جنية.
ويتم تهريب البضائع عن طريق التهريب عبر الحدود وهو النوع الشائع خاصة للبلدان التي لها حدود صحراوية او جبلية وعرة السواحل ممتدة مثل مصر، أو التهريب عبر الموانئ والمطارات من خلال تقديم مستندات مزورة للتحايل والتهرب من سداد الرسوم الجمركية والضرائب أو جزء منها.
أبرز القطاعات التي تشهد تسريب للسلع الرديئة
تعد قطع غيار السيارات أحد أخطر القطاعات التي تتسرب إليها القطع المغشوشة، ما تسبب في حوادث الطرق لردائة تيل الفرامل والكاوتش غير المطابق للمواصفات وديسك الفرامل المسؤول عن إيقاف السيارة في حالات الطوارئ، وخراطيم نقل السوائل الرديئة التي لا تتحمل الحرارة وظروف التشغيل في مصر، والتي تتسبب في تقليل معدلات الأمان وفقدان التحكم في السيارة، تنتشر على نطاق واسع في السوق المصري تحت مسمي نسخ جيدة الصنع.
عدد من أعضاء مجلس النواب تقدموا بطلب إحاطة بشأن وجود من 20 إلى 30% من قطع الغيار المغشوشة في السوق المصري بحسب بيان النواب، مطالبين الحكومة بتشديد الرقابة على المستورد منها ورفع مستوى المواصفات القياسية المصرية في هذا المجال، لتضييق الخناق على التجارة غير الرسمية.
وأكد اللواء عفت عبد العاطي، رئيس شعبة موزعي ووكلاء السيارات بالغرفة التجارية، أن السلع الرديئة في قطاع السيارات ليست كبيرة لدرجة الوضوح فبعض التجار يسربون قطع غيار صغيرة والأمر لا يرقى للمستوى الذي قد يسئ للسوق المحلي.
وأضاف عبد العاطي في تصريح لمصر 360 أن الجهات الرقابية ليست وحدها التي تعمل في المجال ولكن الأمر يرتبط بالمستهلك نفسه فالسلع وقطع الغيار التالية أو الرديئة سرعان ما يتم إهمالها والامتناع عن شرائها والتعامل بها مؤقتا وبالفعل غير مؤثر ولا يلقى رواج كما هو الحال في باقي القطاعات.
وتابع أن قطاع الأجهزة الإلكترونية أيضاً يعد أحد مناطق تركز السلع الرديئة، حيث يمتلئ السوق بمنتجات جذابة ورائعة تحوي ميزات قوية من حيث نظم التشغيل والتحكم والتكنولوجيا المتقدمة، لكن تفتقر إلى الجودة، وهو ما يجعلها عرضة للتلف السريع والتعطل وتهدر الكثير من أموال المشترين.
البيع الإلكتروني ساهم في انتشار المنتجات الرديئة
البيع أونلاين (التجارة الإلكترونية) أيضا تسبب في انتشار السلع الرديئة وغير المطابقة للمواصفات إلى السوق المصري، مثل قطاع الملابس والأحذية والاكسسوارات الشخصية، ويشتهر في هذا المجال موقع “Shine” الصيني الذي تميز في بداياته عام 2008 بتقديم منتجات جيدة الصنع ومتميزة شملت أيضاً مستحضرات التجميل، محققاً انتشاراً كبيراً وسمعة جيدة في هذا المجال، ومؤخرا أصبح أحد المواقع التي تحظى بسخط المستهلكين بسبب تراجع جودة منتجاته، واستخدام خامات مغشوشة في صنعها، والتي تصدأ او تتحطم بمجرد استخدامها لفترات قصيرة.
وأكدت سماح هيكل، عضو مجلس إدارة شعبة الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية، أن منع دخول المنتجات الرديئة وتسريبها يساهم في تحسين جودة الإنتاج المحلي، مضيفة أنه سيعطى الفرصة للمصانع في إخراج أفضل ما لديها من قدرات وإمكانيات.
واعتبرت سماح أن الدولة في الوقت الحالي تعمل على تعزيز دور الإنتاج المحلي وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك مع تذليل جميع العقبات التي تواجه المصنعين المحليين، لافتة إلى أن قطاع الملابس بدأ يعتمد على الداخل أكثر في الفترة الأخيرة خوفاً من الطوارئ التي قد تؤخر وصول البضائع، لذلك بدأ الكثير من التجار في الفترة الأخيرة في التعاقد مع المصانع المحلية للتحكم في عامل الوقت والتأكد من جودة المنتج نفسه.
دور الدولة في ضبط السوق
لمواجهة ظاهرة الغش والسلع الرديئة في السوق المصري يبدو أن تعديل قانون الغش التجاري قد أصبح واجباً للتصدي ومعاقبة المتسببين في انتشار المنتجات المغشوشة في السوق، ووضع الضوابط الكفيلة بتحسين الجودة ورفع معايير المواصفات المصرية.
ويعاقب القانون رقم 281 لسنة 1994 المسمى بقانون “الغش التجاري” بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد على 20 ألف ولا تقل عن 5 آلاف جنيه، أو بقيمة السلعة المغشوشة أيهما أكبر، كل من غش أو شرع في غش المستهلك بأي طريقة، أما في حال استعمال موازين أو دمغات مزيفة أو باستعمال مستندات مزورة من شأنها التأثير على عملية وزن أو فحص السلعة موضوع التعاقد، فتصل العقوبة إلى الحبس سنة إلي خمس سنوات، وغرامة من 10 آلاف إلى 30 ألف جنيه.
ويرى الخبير الاقتصادي، دكتور شريف الدمرداش، أن حل أزمة دخول السلع الرديئة في لمصر يبدأ بتشديد العقوبة على الغش التجاري، خاصة في حالة السلع التي قد تنهي حياة الغير أو تؤثر على الصحة العامة.
وأضاف الدمرداش في تصريحه لـ”مصر 360″ أن الدولة عليها أيضا دور كبير في تقنين وضع السوق الموازي (التجارة غير الرسمية) الذي لا يخضع لضوابطها والمورد الرئيسي للسلع الرديئة والذي يمكن استغلاله في دعم المنتج المحلي وتحجيم انتشار التهريب وتسريب المنتجات الرديئة له.
حماية المستهلك
ويعاقب قانون “حماية المستهلك” رقم 181 لسنة 2018، بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه وتصل إلي 2 مليون جنيه، كل من يتسبب في الإضرار بصحة المواطنين.
أما القانون رقم 181 لسنة 2018 بشأن «حماية المستهلك»، يعاقب بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 2 مليون جنيه فى حالة الإضرار بصحة المواطن، كما تمنح المادة 17 من القانون المستهلك الحق في إعادة السلعة أو استبدالها خلال 14 عشر يوماً دون إبداء أي أسباب، فيما يحق له الاستبدال او الارجاع خلال 30 يوماً في حالة العيوب أو عدم مطابقة المواصفات أو الغرض الذي تم شرائها لتحقيقه.
كما أطلقت الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات خدمة تتبع لجودة المنتجات المستوردة، عبر نموذج على موقعها الإلكتروني يسمح للمستهلكين بالشكوى عبر تسجيل بيانات الصنف المغشوش والعلامة التجارية له وتاريخ الشراء والدولة المستورد منها وتاريخ الشراء، وبيانات الموزع والمستورد إن وجدت علي المنتج، ويمكن أيضا تسجيل الشكوى عبر الخط الساخن 19591.