كشفت منظمة القسط لحقوق الإنسان عن دراسة استقصائية مفصلة تتعلق بزيادة معدل الانتهاكات داخل السجون السعودية. بالتزامن مع صعود الملك سلمان بن عبدالعزيز وبلوغ نجله محمد بن سلمان ولاية العهد.
تطرقت الدراسة التي ترصد الأحوال داخل سجون المملكة خاصة منذ عام 2017. إلى الظروف الصحية الرديئة في السجون. والحرمان الطبي الذي يتعرض له المساجين، فضلا عن تزايد استخدام منشآت الاحتجاز السرية بغاية ممارسة التعذيب والتعتيم عليه.
تحت أستار الكتمان
تقرير القسط المعنون “تحت أستار الكتمان: السجون ومراكز الاحتجاز في السعودية”. يستند إلى عمل المنظمة لمدة سبع سنوات في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. ويقوم على دراسة استقصائية فريدة استجوبت سجناء حاليين وسابقين وذويهم.
وبحسب المنظمة. فإن أغلب السجناء الذين اشتملتهم الدراسة – ذكورًا وإناثًا– احتُجِزوا بغير حق. وثلثيهم احتجزوا دون تهم أو أفرج عنهم بعد مدة من انقضاء محكوميتهم. كما أن نصفهم أصبح لديهم مشاكل صحية نتيجة ظروف احتجازهم. وكلهم تقريبًا أفادوا بتعرضهم للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة. بما فيها التهديد والضرب والحجز الانفرادي والحرمان من الطعام والحرمان من التواصل الأسري.
وعلق نائب مدير القسط جوشوا كوبر: لم تشرع السلطات السعودية أبدًا في معالجة هذه القضايا معالجةً لائقة. وما يزيد من قلقنا هو التدخل المتزايد من أمن الدولة والديوان الملكي في النظام القضائي والقانوني منذ 2017. باعتقال الآلاف على خلفية دعاوى زائفة.
غياب الشفافية والمراقبة
وبحسب الدراسة يفتقد نظام السجون السعودي، من حيث هيكله وإدارته، إلى الشفافية والمراقبة المستقلة. ما يزيد من احتمال ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق السجناء. بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز غير القانونيَين، والحبس الاحتياطي المطوَّل، والاستخدام المنهجي للتعذيب أثناء الاستجواب، وسوء الممارسة الطبية والإهمال الطبي المتعمد، وعدم مراعاة ضمانات الإجراءات القانونية السليمة.
تقوم الدراسة على شهود عيان، وحالات بارزة من الانتهاكات. على الرغم من التعتيم المفروض على المعلومات من المؤسسات المعنية في السعودية بالإضافة إلى ذلك، فقد قام باحثو منظمة القسط بإجراء دراسة مسحية فريدة مع السجناء الحاليين أو السُجناء الذين أُفرج عنهم منذ عهد قريب أو الأشخاص المقربين منهم.
جمال خاشقي
وبيَّنت الدراسة أنَّ تبوّؤ ولي العهد محمد بن سلمان السلطة تلاهُ اتجاهٌ باعثٌ على القلق نحو تفاقم انتهاكات حقوق السجناء، ويتفق هذا مع ما أشارت إليه التقارير السابقة التي نشرتها العديد من المنظمات ووثقتها مصار عدة.
وفي حين يحاول بن سلمان تبييض صفحته خاصة بعد وصول ادارة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض. ووعد بايدن الانتخابي من وضع حدود لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، حيث استهل عهده بالكشف عن تقرير يفيد بمسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بأنقرة.
وخلال الفترة الأخيرة. تم الإفراج عن عدد من النشطاء المعروفين بدأ من لجين الهذلول، ومرورا بنسيمة السادة، وسمر بدوي، ونوف عبدالعزيز في حين أيدت الحكم بالسجن لست سنوات على الطبيب السعودي وليد فتيحي. إلى جانب حظر سفر لمدة ست سنوات، بحسب أسرته ومصدرين مطلعين على القضية.
لينا الشريف
ومؤخرا تم اعتقال لينا الشريف، وهي طبيبة سعودية ذات 33 عامًا. حرمت من التواصل معها لعدة أسابيع حيث احتجزت في ظروف إخفاء قسري، ما يبعث بمخاوف بأنها قد لا تزال محتجزةً في هذه الظروف.
ويبدو اعتقال الشريف متعلقًا بنشاطها على شبكات التواصل الاجتماعي. حيث مارست حقها في التعبير عن الرأي سلميًّا.
الانتهاكات في عهد بن سلمان
يبيِّن التقرير الإطار القانوني للمعايير الدولية والإقليمية التي يعمل ضمنها نظام السجون السعودي. والتشريعات واللوائح المحلية ذات الصلة بالسجن والاحتجاز. من منطلق اعتبار المملكة دولةً عضوًا في الأمم المتحدة. إذ إنها مُلزمةٌ بمراعاة بعض المبادئ القانونية، التي تُلمح قَبَساتٌ ضعيفةٌ منها في القوانين المحلية، ولكن تنفيذها رديءٌ أو منعدم، كما أن بعضُ الفئات يستهدفها تهديدٌ أكبر، مثل سجناء الرأي، بمن فيهم النساء، فضلًا عن المقيمين، والمقيمين بدون أوراق إقامة نافذة.
وعليه فإن لاتفاقية مناهضة التعذيب أهمية خاصة وصلة وثيقة بهذا التقرير المعني بالسجون ومراكز الاحتجاز في السعودية. ويشير التقرير إلى اختلافات بين متطلبات اتفاقية مناهضة التعذيب وتفسير السلطات السعودية لأحكام الاتفاقية.
وتكمن أكثر الانتهاكات وأكثرها استدامة في كون أن النظام القانوني السعودي، مع كونه لا يتضمَّن نظامَ عقوباتٍ مكتوبًا. هو المسؤول الرئيس عن التضخُّم في معدلات الاحتجاز والسجن وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة، إذ يتكرر تجاوز القوانين بشكل تعسفي بموجب المراسيم الملكية والأوامر الوزارية.
نظام السجن والتوقيف
ويتناول التقرير بدقة نظام السجن والتوقيف الصادر عام 1978 ونظام الإجراءات الجزائية الصادر عام 2001، ويظهر ما فيهما من أوجه القصور، والكيفية التي تنتهك السلطات أحكامهما باعتمادها الممنهج للاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على نطاق واسع.
ولا يُسمح في السعودية بإجراء أي رصد مستقل لأحوال السجون وليس ذلك ممكنًا، فيما ان هيئتا حقوق الإنسان التي ترعاهما السلطات السعودية، وهي هيئة حقوق الإنسان السعودية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إنّما تعملان بشكل أساسي كواجهة مُضلِّلة تخدم السلطات، غير أنَّهما عمدتا مع ذلك إلى إصدار جملة تقارير تدين الأوضاع في السجون السعودية، وما كان من السلطات إلا أن تجاهلت تلك التقارير على وجه الإجمال.
الانتهاكات في أماكن الاحتجاز غير الرسمية
لدى السلطات مواقع احتجازٍ غير رسمية. تحدث فيها بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان وسط سرّيةٍ وكتمانٍ أشد.
وتبذل مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام المحلية الموالية جهودًا منسَّقة لتبييض صورة السجون السياسية على وجه الخصوص. بحسب الدراسة حتى إن أحد الصحفيين استهل تقريره المسرف في التفاؤل عن زيارة إلى أحد سجون جهاز المباحث بالإشارة دون مواربة إلى التصور واسع الانتشار عن مثل تلك السجون على أنها أماكن تسودها الممارسات القمعية في مواضع نائية وسرية. بها زنازين تحت الأرض يتعرض فيها السجناء إلى صنوف التعذيب وسوء المعاملة.
وتحذر الدراسة من ورود تقارير باعثة للقلق حول أوضاع دور الرعاية للأولاد والبنات، على شبكات التواصل الاجتماعي بل وحتى وسائل الإعلام السعودية، منها عدد من حالات الانتحار أو محاولة الانتحار.
دور رعاية الفتيات
وما يزيد الحال خطورةً هو أنّ خروج الفتيات والنساء من دور رعاية الفتيات أو من سجون النساء مشروطٌ بأن يعهد بهن إلى أحد أقاربهن الذكور؛ وفي حال تبرأت عائلة المحتجَزَة منها ورفضت استلامها، فقد تجبر على البقاء في مرافق الاحتجاز إلى أجل غير مسمى.
ومن الأمثلة الأقرب عهدًا على استخدام أماكن احتجازٍ غير رسمية لإخفاء التعذيب، أو استخدام أساليب استجواب قُصوى ترقى إلى أن تُعدَّ تعذيبًا، قيام السلطات باحتجاز أفراد أثرياء، من بينهم رجال أعمال ومسؤولون كبار، في فندق الريتز كارلتون بالرياض في نوفمبر 2017. وتعذيب مجموعة من المدافِعات عن حقوق الإنسان في منشأة سرية تعرف باسم “الفُندق” جنوب سجن ذهبان في جدة في عام 2018؛ والتعذيب البدني الوحشي الذي أُخضع إليه الداعية سليمان الدويش في أحد أقبية قصرٍ ملكي عام 2016.
الظروف السيئة والتعذيب الممنهج
يلقي التقرير الضوء على الأوضاع السيئة في السجون ومراكز الاحتجاز ومراكز الترحيل السعودية. التي تتسم بالاكتظاظ وتدني النظافة وتردي المرافق الصحية والإهمال الطبي والإداري.
كما أن المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته منظمة القسط، ذكروا تفاصيل مروعة من التجارب التي عايشوها. بينما أدى الإهمال الطبي إلى وفاة الناشط الحقوقي البارز عبد الله الحامد أثناء احتجازه، عن عمر يناهز 69 عامًا في أبريل 2020. كما كان ثمة إهمال في التعامل مع الأمراض المعدية، بما في ذلك تفشي وباء كوفيد-19.
يشير التقرير إلى أن الاستخدام الممنهج للتعذيب لأغراض سياسية إحدى السمات المميزة لعهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان. ورغم أن منظمة القسط لم توثق أي تقارير حديثة العهد عن التعذيب البدني خلال عام 2020. إلا أن معلومات جديدة تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة ما فتئت تظهر مؤخرًا. وغالبًا ما تتصل بوقائع التعذيب خارج نظام السجون وفي مرافق خاصة غير رسمية.
ومع انتشار ممارسة الاختفاء القسري والاحتجاز الانفرادي. فإنَّ من المرجح أن تكون حالات تعذيب أخرى قد ارتُكبت سرًا، وفقا للدراسة ولا يستبعد غياب تقاريرَ جديدةٍ عن التعذيب قد يكون مؤشرًا مُقلقًا، لا مُطمئنًا.
ساعد على ذلك رفض المحاكم السعودية الادعاءات المتعلقة بوقائع التعذيب، كما في حالة المدافعة عن حقوق الإنسان لُجين الهذلول، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المتورطين من العقوبة.
قدَّم المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته منظمة القسط تفاصيل عن التعذيب البدني والنفسي وكذلك الحبس الانفرادي وممارسة صنوف أخرى من سوء المعاملة والمضايقات بوجه عام، ولا سيما القسوة في حرمان السجناء من التواصل والزيارات الأسرية، الأمر الذي يعيق الإبلاغ عن التعذيب وسوء المعاملة، ناهيك عن التسبب في معاناة كل من النزلاء وذويهم.
ويشير التقرير إلى وقوع عدد من الوفيات المريبة أثناء الاحتجاز، رفضت السلطات إجراء تحقيق في ظروفها، واضطرار الكثير من السجناء السعوديين، ولا سيما الناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى الإضراب عن الطعام، إنَّما يؤكد نأي سلطات السجون عن التجاوب، وتجاهل الدولة لحقوق المحتجزين في السجون ومراكز الاعتقال السعودية.
توصيات الدراسة
وضعت الدراسة مجموعة من التوصيات المفصَّلة الموجهة إلى كل من المجتمع الدولي والسلطات السعودية. إذ يحث التقرير السلطات السعودية على إنفاذ الإجراءات المحلية الموصى بها. وتشمل إجراء إصلاحات أساسية للنظام القانوني، بُغية مواءمة القوانين والممارسات مع المعايير الدولية؛ كذلك تمكين السجناء والمعتقلين من معرفة حقوقهم ومن ممارستها.
ويطالب التقرير بتوفير المراقبة المنتظمة والمستقلة للسجون ومرافق الاحتجاز. وضمان الوصول غير المقيد للمراقبين الدوليين إلى تلك المرافق، لضمان سلامة السجناء ورفاههم؛ فضلا عن التعجيل بصيانة مرافق السجون وتجديدها. إضافة إلى الحد من اكتظاظ السجون. من خلال إيجاد بدائل لعقوبة السجن وإطلاق سراح السجناء السياسيين والمجرمين من الأحداث والسجناء الذين تقدَّمت بهم السن، أو أولئك الذين يعانون من داءٍ عُضال.
إلى جانب مراعاة الحد الأدنى من المعايير الصحية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. بما في ذلك تقديم الرعاية الصحية الملائمة دون إبطاء، وبخاصة للنساء والسجناء من ذوي الإعاقة؛ فضلا عن إجراء تحقيق كامل في كل حالة وفاة وقعت أثناء الاحتجاز. ووضع حد لممارسة التعذيب، الذي يجب تجريمه بما يتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب، مع ضمان المساءلة، وكذا إنصاف الضحايا وإعادة تأهيلهم.
وهذا ليس هو التقرير الأول من نوعه. فخلال السنوات الأخيرة صدرت العديد من التقارير التي تتهم المملكة بانتهاكات حقوق الانسان. وزادت حدة الانتقادات ومع ذلك لم تتخذ إجراءات جدية تجاه المملكة، كما أن ادارة بايدن لم تلغ صفقات الاسلحة المقررة للمملكة بشكل نهائي، ولكنها قامت بتجميدها بشكل مؤقت.