“بمجرد علم مديري المباشر بحملي قرر إنهاء عقدي خوفا من تحمل نفقات إجازة الوضع” لخصت إيمان، 34 عامًا، بهذه الجملة التجربة السيئة التي تعيشها هي وأخريات بعد الزواج والحمل مع معظم الشركات والهيئات الخاصة في مصر.

اتجاه عام بدأ يسود في مصر منذ أعوام حتى صار عرفا بين الشركات والهيئات الخاصة، ليصبح من المتعارف عليه أن الحوامل ممنوعات عن التقديم لشغل وظائف أو الاستمرار في أي وظيفة.

تروي إيمان تفاصيل تجربتها مع الإدارة قائلة: “عملت لما يقرب من عشر سنوات في مجال المبيعات ولدي خبرة كبيرة في قطاع الأدوية والتجميل، ورغم تحقيقي إنجازات كبيرة في المبيعات، إلا أن مديري مارس كل الضغوط الممكنة لدفعي لترك العمل وبعد فشله ثم قرر إنهاء عقدي واعترف بأنه لن يتحمل إجازة الوضع”.

الأفضلية لغير المتزوجات

عدد من الفتيات اللاتي فقدن وظائفهن بعد الحمل أو تم رفضهن لمجرد الحمل تحدثن عن تجاربهن السيئة مع العمل ومن بينهن سارة 27 عامًا، التي تعمل مصورة ومتزوجة منذ ما يقرب عن العامين تقول: “تم رفضي في أكثر من وظيفة لأسباب مختلفة بمجرد معرفة أنني حديثة الزواج”.

وتضيف سارة “بعد محاولات كثيرة لإيجاد فرصة عمل أصبح يٌقال لي صراحة أن سبب الرفض هو الخوف من الحمل بعد التوظيف”.

وتؤكد “في الغالب إبلاغي بالرفض يتم بعد مروري بكل الاختبارات ورغم أني لم أكن حامل أو لدي نية في الحمل لكن القائمين على العمل رأوا أن الأفضل اختيار فتاة غير متزوجة حتى كضمانة لعدم وجود فرص حمل”.

وفي عام 2009 صدرت دراسة أجرتها إحدى وكالات التوظيف ونشرتها الصحف الأمريكية، تؤكد أن الغالبية العظمى من الشركات تفضل الالتفاف حول القانون بدلا من توظيف المرأة الحامل أو التي في سن الإنجاب.

وأوضح البحث الذي أعده الاتحاد الكونفدرالي للتوظيف أنه من بين 122 شركة أي ما يعادل 76.6 في المائة تلقوا أوامر من عملائهم تأمرهم بعدم توظيف الحوامل أو المقبلات في عمر الإنجاب.

الإجبار على الاستقالة

تختلف تجربة نورهان قليلًا عن سارة لكن النتيجة واحدة فتروي قائلة: “كنت أعمل بإحدى شركات الأدوية وكنت في ذلك الوقت مخطوبة وبعد مرور 7 أشهر من العمل تزوجت وحصلت على شهر إجازة زواج، ولم يكن هناك أي مؤشرات للرفض أو ما شابه، إلا أنه بعد عودتي من الإجازة فوجئت بهم يجبروني على الاستقالة.

توضح أن المعاملة اختلفت بعد إجازة الزواج وبدأت الإدارة توجه لها ملاحظات واهية، ثم تحول الحديث عن أن الشركة تخسر وتحاول أن تقلل العمالة وهكذا، لكن بعد عدم اقتناعي ورفضي الاستقالة أعلنوا صراحة أن السبب هو خوفهم من حدوث حمل ولذلك قدمت استقالتي بالفعل.

تعليمات غير معلنة

ميادة -اسم مستعار- أخصائية توظيف وشؤون عاملين في عدد من الشركات قالت: “هناك شروط ثابتة تعتمد عليها الإدارة في اختيار الموظف غير معلنة في الأساس ولكن تكون معروفة فيما بيننا جميعًا، حيث يتم إبلاغنا به من قبل المديرين على أولويات اختيار الموظفين وفي الأغلب تكون الأزمة في النساء”.

وأضافت أنه في الغالب يتم اختيار الموظف بهيئة محددة من وزن وسن وملبس، إذا كانت متزوجة أو غير ذلك وهل حديثة الزواج أو متزوجة منذ فترة طويلة حتى لا يكون لديها رغبة في الإنجاب وتلتزم بمواعيد العمل وما إلى ذلك وهو أمر شائع.

وأكدت أن معايير الشكل والوزن والطول لابد أن يتم مراعاتها في الاختيار ولكنها أسباب أيضا غير معلنة صراحة.

وأوضحت أخصائية التوظيف أنها تعلم أن الأمر يصل أحيانا إلى العنصرية لأن هناك وظائف لا تحتاج مثل هذه الشروط ويتم رفض المتقدمين على هذه الأسس وينسحب الأمر على الرجال أيضًا ولكن النساء الأكثر عرضة لذلك.

وقالت إن أغلب الشركات لا توافق على تعيين الحوامل أو المقبلات على الزواج أو حديثي الزواج لأن ذلك يضع احتمالات الحمل والإنجاب.

وأضافت أنها شخصيا تعرضت للرفض من إحدى الشركات بسبب وجود أطفال صغار لديها وأبلغوها أنهم يرغبون في سيدة متفرغة ليس لديها أولاد لضمان الالتزام في العمل.

انتهاك صريح للدستور

المحامية والناشطة الحقوقية، سوزان ندى، قالت إنه لا يوجد في القانون المصري أمر هذا على الإطلاق بل أن الدستور المصري نص على عدم التمييز على أساس النوع أو الجنس أو العرق أو اللون وبالتالي فرفض توظيف النساء المقبلات على الزواج أو الإنجاب أو إجبار النساء على الاستقالة إذا أصبحن حوامل هو انتهاك صريح للدستور والقانون.

وأضافت أن منع عمل المرأة في هذه الظروف يكون فقط في الأعمال التي تشكل خطورة عليها هي أو طفلها مثل أعمال البترول والمحاجر وما إلا ذلك، وعلى جهة العمل أن توفر لها العمل الملائم حتى تنتهي من فترة الوضع التي ينص عليها قانون العمل واللوائح.

وأوضحت أن أي سيدة إذا لهذا التعسف عليها أن تلجأ لمكاتب العمل وتقيم دعوى قضائية، وأشارت إلى ما قامت المحامية عزيزة الطويل بإقامة دعوى ضد إحدى المؤسسات لمنعها من العمل لأنها امرأة وحصلت على حكم بحقوقها.

وتنص المادة 92 من قانون العمل 12 لسنة 2003 على أن “يحظر على صاحب العمل فصل العاملة أثناء إجازة الوضع المبينة بالمادة السابقة، ولصاحب العمل حرمانها من التعويض عن أجرها الكامل عن مدة الإجازة أو استرداد ما تم أداؤه منه إذا ثبت اشتغالها خلال الإجازة لدى صاحب عمل آخر، وذلك مع عدم الإخلال بالمساءلة التأديبية”.

ولفتت ندى إلى أن الشركات والإدارات لا يهمها إلا المكسب وبالتالي ترى النساء المقبلات على الزواج أو المنجبات هن خسارة للشركة لأنهن سوف يحصلن على الإجازات ومواعيد الرضاعة والحقوق التي يتيحها القانون بالفعل رغم أنها تعمل وتؤدي عملها، لذلك يفضلون الرجال في التوظيف.