منذ طفولتنا كلما طلبنا شيئًا من والدينا– عدا كتب الدراسة ومصروفات المواصلات- يخبروننا كفتيات: “لما تكبري وتتجوزي اعملي اللي انتي عاوزاه براحتك مع جوزك”، ويخبرون كذلك الصبيان: “أنت راجل وحر.. لما تكبر اختار اللي تحبها وترتاح لها” في الحالتين: الأهل كذابون، لا الفتيات تحقق أحلامهن من خلال الزواج، ولا الصبيان يقدرون على الاستقلال عن الأهل. نصبح محاصرين بهم تمامًا، صغارًا كنا أو كبارًا  على مشارف الأربعين من عمرنا أو دخلناها بالفعل، والنتيجة تدخُّل سخيف وأوامر بدافع: “أنا أمّك بافكر في مصلحتك..” ابتزاز عاطفي دائم نتعرض له جميعا إلا من رحم الله، واستطاع الهروب من هذه الدائرة ولا يخضع للابتزاز العاطفي؛ فيصبح في نظر الأهل ابنًا عاقًا، ابتزاز يلتهم حياتنا الزوجية ويحولها لجحيم أو خراب أو طلاق أو محاضر تعدٍ في الأقسام، وربما جرائم قتل.

 19 يوليو 2021

مدير أمن القليوبية تلقى بلاغاً بوقوع جريمة قتل في قرية “طنط الجزيرة” التابعة لمدينة طوخ، حيث قتلت امرأة تُدعى ريهام سعيد زوجها أحمد طعناً بالسكين.

قبل 19 يوليو 2021

زوجان يعيشان في بيت عائلة الزوج، الزوج ميسور الحال، كل عائلته.. زوجات أعمامه وخالاته بل والجيران يعرفون أنه اشترى لها “تكييفًا وستائر بالريموت كنترول وكريم للبشرة بـ300 جنيه”، الجميع يعرف أخبارهم، الأمّ تتابع حياتهما وتنقل الأخبار في صيغة تباهي بابنها أو غِيرة لا أحد يعرف، لكن من الواضح أنَّ الخالات والعمات والجيران من خلال الفيديو المنتشر لهم وهم يتحدثون عن ريهام وأحمد- أنهم يحقدون ويستكثرون عليها هذه الراحة، أمّا الأم فقد سمعت صوت صراخ الزوجة والضرب والمشاجرة وهي تسكن في شقة أسفلهم؛ لأنه كان يجب أن يؤدبها فهو رجل ويحق له ضرب زوجته، تركته يضرب، وبينما يحاول خنقها قامت بتهويشه بسكين من المطبخ فأصابته الضربة وسارعت الزوجة لحماتها بالزوج، حتى تسعفه ولكنه مات في الطريق للمستشفى.

الشاب يجد نفسه إمّا يحب أمه لدرجة أنه فعليًا لا يستطيع الابتعاد عنها أو لا يعصى لها أمرًا أو يخشى غضبة أبيه فيستمع لنصائحه التي بشكل كبير لا تلائم حياتهما الزوجية، أو يجد نفسه يريد أن يبتعد عن سلطة والديه، ولكنه لا يستطيع ويحاول التمرد فيفشل

لن أتكلم عن أنَّ الطعنة كانت واحدة فقط ما يمكن ترجمته لعدم نية الزوجة في القتل فعلاً، ولكنني سأتحدث عن الزواج في بيوت العائلة: لماذا؟ أحيانًا يكون الزواج فيها توفيرًا لثمن شقة أخرى أو لإيجار مكان آخر، لكن في أغلب الحالات، خاصة في الأرياف؛ فالأهل يعتبرون الولد ملكية خاصة لهم، لا يجب أن يبتعد عنهم بالزواج: “هي هتاخده مننا يعني؟”. عدم تصديق لأن هذا الصبي كبر، ومن حقه الانفصال عن أسرته، فيتزوج في بيت العائلة وتبدأ المشاكل بتدخل الأم والأب في حياة الزوج بدءًا من أن تنتقل حياة الزوجين لتصبح طوال اليوم في شقة الأب والأم ومع أخوته والصعود للنوم فقط، وحتى سؤاله دائمًا عما ينفق وماذا اشترى لزوجته؟ وكيف يدلعها وينفق عليها ويأتيها بما تطلبه؟ وحتى تشجعيه على ضربها في أوقات الخلاف ليثبت أنه رجل البيت لها ولأمه أيضًا، الشاب يجد نفسه إمّا يحب أمه لدرجة أنه فعليًا لا يستطيع الابتعاد عنها أو لا يعصى لها أمرًا أو يخشى غضبة أبيه فيستمع لنصائحه التي بشكل كبير لا تلائم حياتهما الزوجية، أو يجد نفسه يريد أن يبتعد عن سلطة والديه، ولكنه لا يستطيع ويحاول التمرد فيفشل.

 (1)

أعرف رجالاً كثيرين حاولوا الخروج من بيت العائلة والانفصال بزوجاتهم وأبنائهم عن بيت العائلة، فتم تهديدهم بالقطيعة: “لا أنت ابني ولا أعرفك.. وما تخشش البيت ده تاني”، وكذلك التهديد بالحرمان من الورث في الأرض والبيت، أعرف كثيرات مثل ريهام، يتم شحن أزواجهن فيتعرضنَّ للضرب، زوجها المُحب يتحول في لحظة لأكثر شخص مؤذي.. تتناسى وتتجاوز وتحاول أن تعيش مثلما تخبرها أمها، ولكن النتيجة جريمة قتل أو على الأقل الطلاق والمحاكم والخلع، بينما كان من الممكن أن تصفو لهما الحياة معاً لو ابتعدا عن أهله وبيت أهله، ولم يتدخل بينهما أحد، ولا يعرف عنهما أحد شيئًا، كما هو الحال دائمًا في الريف.. دول كانوا عارفين كريم البشرة بكام؟

22 يوليو 2021

مدير أمن الدقهلية تلقى إخطارًا من مدير مباحث المديرية، بورود بلاغ من مستشفى المنصورة الدولي بوصول طبيبة أسنان 26 سنة جثة هامدة؛ نتيجة طعنات متعددة، وحين انتقل ضباط مباحث المركز إلى مكان البلاغ تبين مقتل دكتورة 26 سنة نتيجة تلقي 11 طعنة نافذة على يد زوجها.

ما قبل 22 يوليو 2021

زوجان طبيبان، الزوج طبيب أسنان ويعيشان أيضًا في بيت عائلة، لا يبدو من كلام الأقارب أن السبب هو تدخل أهله بل تخاذل أهلها.. من كلام الجيران للصحافة: أنه كان دائمًا يضربها، حتى إنه أصابها في مرة من المرات فوق عينها ففتح حاجبها، فقام بخياطة الجرح في عيادته “ولا من شاف ولا من دري.. ولا نروح مستشفى ويسألوها مين ضربك يا بنتي؟ العملية في بيتها.. يضرب يجرح يخيط وخلصنا”، أما أهلها فتقول أمها إنه في اليوم السابق كلمتها ابنتها في التليفون تستغيث بها فقالت لها الأم: “عدي الليلة ونيجي لك الصبح” للأسف لم تمر الليلة بسلام كما تمنت الأم.. معاينة المباحث أفادت بأن موبايل الضحية تم تكسيره حتى لا تستغيث بأحد.

أنا الآن أم لزوجة مقيمة في بيت عائلة مع زوج دائمًا ما يضربها وتشتكي منه.. تكلمني ابنتي ليلاً تصرخ وتستنجد بي لألحقها من ضرب زوجها فأقول لها “عدي الليلة” واستكمل حياتي عادي وأذهب للنوم، وربما أكون قد حاولت الاتصال بها فوجدت تليفونها مغلقًا؛ لأن الزوج كسره، فادخل – عادي- لسريري وأنام.. هذه النوعية من الأمهات منتشرة جدًا جدًا.. سواء بالتدخل في حياة الزوجين أو شحن الزوج لضرب زوجته في حالة أنه ابني، أو حتى بالتغاضي عن ضرب ابنتي في حالة أنها الزوجة المُعنفة.. بل وأخبرها دائمًا: “استحملي عشان العيال.. مشي أمورك.. مش بيصرف عليكِ ومكفي البيت؟ يبقى خلاص” وكأنَّ هذا يكفي وكأنَّ الضرب شيء عادي وحق شرعي، ومن الدين تأديب الزوج لزوجته و”أننا كلنا اضربنا من اجوازنا، انتِ أحسن مننا يعني؟” ثم أخيرًا: “عدي الليلة” وبعدها حياة تنتهي لابنة طبيبة وأم لثلاثة أطفال شهدوا الواقعة بأعينهم، لأنها لم تجد الدعم ولم تستطع أن تقف أمامه ولو كانت وقفت وقاومت لصارت مثل ريهام التي حاولت الدفاع عن نفسها فقتلت زوجها.

(2)

في يوليو 2019 أعلن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن نتائج بحث عن أسباب الطلاق، فجاءت النتائج تقول إن تدخل الأهل هو السبب الرئيسى فى الانهيار المبكر للأسر، يليه الأسباب الاقتصادية، ثم المشكلات الجنسية وتأخر الإنجاب.

أعلى معدل لاستمرار الحياة الزوجية فى حالات الدراسة بلغ بين أربع إلى خمس سنوات لعدد 28% من الحالات، فى حين أن عدد الحالات التى استمر زواجها عاماً واحداً بلغ 20% من الحالات، وعدد الحالات التى استمر زواجها عامين بلغ أيضاً 20% من حالات البحث

واتضح من خلال النتائج أن أعلى معدل لاستمرار الحياة الزوجية فى حالات الدراسة بلغ بين أربع إلى خمس سنوات لعدد 28% من الحالات، فى حين أن عدد الحالات التى استمر زواجها عاماً واحداً بلغ 20% من الحالات، وعدد الحالات التى استمر زواجها عامين بلغ أيضاً 20% من حالات البحث، كما تبين أن هناك 18% من الحالات استمر زواجها لمدة ثلاث سنوات. واحتل تدخل الأهل المرتبة الأولى فى الانهيار المبكر للأسر، حيث أظهرت النتائج أن السبب الأول للطلاق تمثل فى تدخل أهل الزوج والزوجة فى شئون الأسرة، واتضح من خلال النتائج أن الأسرة المنتهية بالطلاق تعيش قريبة من منزل العائلة أو أسرة التوجيه بواقع 38% من الحالات، فى حين أن هناك 22% من الحالات يعيشون فى منزل العائلة.

 (3)

منذ خمسة أيام، تم تداول مقطع فيديو لفتاة مكبلة الساقين بسلسلة حديدية في منزل أسرتها، وبالبحث تم الكشف أن والد الفتاة الجامعية هو من قام بتكبيلها بهذه الطريقة حتى لا تتواصل مع شاب تحبه وتقدم لخطبتها ورفضته الأسرة، وعند سؤال الفتاة اعترفت بما فعله والدها، ولكنها رفضت توجيه التهمة له أو توقيع الكشف الطبي عليها.. السؤال هو: هل هذا حب أب لابنته؟ هل هذا خوف على مستقبلها؟ أم هو شخص مريض مجرم يفعل ما يفعله بمنطق كل الآباء: “أنا خايف عليكِ وعلى مصلحتك”.

(4)

آباء وأمهات يفسدون حياة بناتهم وأبنائهم بدعوى الحب والحرص، وأنهم عارفين أكتر منهم. حسنًا، أنتم بالفعل تعرفون أكثر منا، ولكن آخر حدودكم هو تقديم النصيحة لا التحريض على العنف، لا التواطؤ مع الأذى، لا التدخل في طريقة الحياة بين الزوجين وفي اختيار الفتاة لشريك حياتها.

الحل الوحيد هو اشتراط توقيع كشف طبي نفسي على المقبلين على الزواج يقيس مدى قوة الطرفين العقلية والنفسية، الأبوة والأمومة ليست فقط حيوانات منوية ورحم مستعد وحمل لتسعة أشهر ومصروفات البامبرز والمدرسة والطعام واللبن، هي مسئولية وقوة تحمل وتأهيل يجب أن تتأكد الدولة من صلاحية الطرفين ليكونا أبًا وأمَّا جيدين لأبنائهم، وإلا لن تنتهي هذه الدائرة من الأطفال والشباب المشوه نفسيًا المفتقر للحب والاحتواء والحرية.