جلست إحداهن تحكي تفاصيل يومها، وتصف معاناة تعاملاتها مع وسائل المواصلات، بينما كانت أخرى تكتم ضحكاتها، وفي انتهاء الجلسة النسوية، إحدى المشاركات والتي رأت الضحك في عيون رفيقتها، مالت عليها وسألتها لماذا ضحكتي؟

قالت ببساطة إنها كذابة.

الكذب صفة إنسانية لكن لأن تفاصيل النساء كثيرة، والكذب فيها كثير، بات الكذب يأخذ سمتًا نسائيًا، ولعل أكثر الأكاذيب شهرة هي المرتبطة بالعمر، والأفلام مليئة بالمشاهد الكوميدية مثل فيلم صغيرة على الحب، حين كانت الأخت الكبرى تذكر الفارق بينها وبين أختها الصغيرة، وفيلم بنات حواء، ومديحة يسري تعلن ان رئاسة الجمعية لأكبر العضوات سنًا فلم تتقدم أي امرأة، وغير هذه المشاهد كثير.

 

لماذا تكذب النساء؟

تقع الكثير من النساء بين شقي الرحي، فهي بحاجة مفرطة للبوح حد الثرثرة، وهي أيضا أسيرة معتقدات عديدة أكبرها وأكثرها فاعلية هو الحسد، ومن ثم هي بحاجة لتقول كلام كثير وفى نفس الوقت بحاجة إلى الإخفاء، ولذا تشرع في تأليف القصص التي كثير منها غير صحيح، والأسوأ من عدم صحتها، أن بعض المستمعات قد تسخرن في أنفسهن لأنهن يكشفن كذبها.

منذ سنوات اختفت صديقة من مجموعتنا، وكانت تقول أنها مريضة وتعاني من آلام بالمعدة حتي أنها دائمة الترجيع ولا تستطيع الأكل، ورغم هذا المرض فلم تكن تُرحب بزيارة أحد منا، لكنها عندما ظهرت كانت متناسقة القوام بشكل مدهش، وهي التي قبل الاختفاء كانت تعاني السمنة، وحين سألت إحدانا عن نقصان الوزن أعادت علينا حكاية الترجيع وتعب المعدة، في هذه الفترة لم تكن عميات التنحيف وضبط شكل الجسم منتشرة، كانت العمليات الأكثر شهرة هي شفط الدهون، إحدى الرفيقات لم تترك الأمر، فالنساء مولعات بالتفاصيل، وكانت قد ظهرت تملك الحقيقة الكاملة حول توجه الصديقة لطبيب تجميل وإجرائها عملية تجميل، كانت دهشتي وأخريات لماذا تكذب النساء بشأن مثل تلك العمليات؟

فإذا اتخذت إحداهن قرارًا لتقوم بعملية تجميل لماذا تُنكر؟ هل عدم حديثها عن الأمر وإنكارها له سيجعل المحيطين بها لا يصدقون؟

إن حالة من السخرية تنبت مع مثل هذه الأكاذيب، ذلك أن النساء تعرفن التغيرات، وتكشفن بسهولة أي تغير يطرأ بنساء محيطها.

قد يكون الخوف من الحسد مبررًا لصك كثير من الأكاذيب الخاصة بالرزق والسعادة الزوجية، وعلاقات الحب، خاصة أن بعض الضرر يقع بالفعل للبعض، وليس فقط النساء، فهناك عشرات الأمثلة عن الأذى الذي يلحق بالبعض جراء الطاقة السلبية لأحدهم رجل او امرأة.

لكن قبل أن نخاف من الحسد يأتي السؤال لماذا علينا بالأساس مشاركة تفاصيل حياتنا؟

ثرثرة الفراغ

للأسف نمت في المجتمعات العربية أفكارًا هدامة مثل أن القراءة تلحس العقل، أي تحول صاحبها للجنون، وهو ما جعل القراءة فعل نخبوي، وإن كانت الأجيال الجديدة بها نسبة مبشرة في التوجه نحو القراءة، إلا أن الغالبية ثقافتهم شفاهية، كثير من النساء حين يثرثرن لا يجدن سوى تفاصيل الحياة الشخصية، تندر بينهن الموضوعات عن كتاب، عن فيلم أو مسرحية، تراجع حالة المنتجات الثقافية والفنية صنعت فراغًا كبيرًا، فأصبح المسرح والسينما طقوس احتفاءية مناسباتية جدًا، ومن ثم لا موضوعات حقيقية للحديث.

وعندم تلتقي بعض النساء أيا كان عمرهن سوف يتبادلن أحاديث تبدأ من العام الذي سرعان ما ينتهي ويتطرق للخاص وشديد الخصوصية أحيانًا، وبالطبع هذه التي ستقرر أن تجيب عن الأسئلة الخاصة بحياتها بإجابات محايدة سيتم وصفها بالخبيثة/ اللئيمة/ الإتمة وأية أوصاف تجعل استبعادها من اللقاءات مسألة وقت.

بعضهن يلجأن لتأليف قصص وهمية عن خلافات أو حزن او خذلان أحيانًا لجلب التعاطف، وأحيانًا لتكون محط الأنظار، لكن أسوأ القصص التي تعتمد أكاذيب واضحة، بينما التي تقوم بالكذب هي في كامل القناعة أن مبرراتها صحيحة وأن من حولها سيصدقونها.

كأن تقول إحداهن أنها وحيدة، بينما كل واحدة من المجموعة شاهدتها في مكان مختلف، مع مجموعة مختلفة، أو تقول إن زوجها بخيل، وهي تعيش في رفاهية لا تتوافق مع البخل المزعوم، أو تقوم بعملية تجميل، وكأن من حولها لن يلمحوا أن عيونها اتسعت أو شفاها كبرت أو أنفها صغر.

ربما تصمت المستمعات إلا أنه عقب انصراف المتحدثة أو في لقاءات ثنائية ستكون هي محط سخريتهن، وهن يهزأن بغبائها في تلفيق الأكاذيب.

المرأة التي تكذب في تفاصيلها وتجتهد في تلفيق الأكاذيب والحكايات هي حالة تدعو للشفقة، أول الأسباب الذي ينبغي على كل امرأة أن تعيه جيدًا أنها شخص حر، حريتها في أن تبوح أو تُخفي ما تُريد، طالما أن البوح أو الإخفاء لا يتسببان في الإضرار بآخرين، وحرية المرأة لا تشمل القول فقط ولكنها أيضًا الفعل، تحتاج الكثيرات أن يشعرن بالحرية في داخلهن، ويقتنعن بأنهن قادرات على اتخاذ القرارات التي تخص حياتهن، وتحمل تبعاتها، إذا أرادت إحداهن أن ترتدي أو تخلع الحجاب فهو قرارها الشخصي، وعليها أن تمتلك الشجاعة لفعله.

إن حالات التجريم الاجتماعي لبعض تصرفات النساء لن تختفي طالما اختفين خلف أسوار الكذب، وستظل البعض تُخفي عمرها خوفًا من التصنيف بانتمائها لفئة عمرية بما له من تبعات، وتُخفي أخريات قيامهن بعمليات تجميل، أو عمليات التخلص من السمنة، والأمثلة عديدة.

سيدتي أنت لست بحاجة إلى الكذب في أمر يخصك، فأنت لست مضطرة للبوح أو التبرير، فقط إذا وضعتي نفسك كمصدر لحكاية تذكري أن كثرة التفاصيل فاضحة، وأننا مجتمع ينشغل بتفاصيل الآخرين أكثر ما ينشغل بأحواله، وأهو على رأي المثل “كذب مساوي ولا صدق منعكش”