احذر فربما تكون أنت ضحية جديدة للاتجار بالبشر دون أن تعلم، حيث تزداد أشكال استغلال البشر بفعل التكنولوجيا والفقر وغيرها من العوامل، ويقع آلاف الرجال والنساء والأطفال حتى يومنا هذا فريسة لمرتكبي جرائم الاتجار بالبشر بأشكال مختلفة وجديدة سواء في بلدك أو خارجها.

ويعاني الكثير منا الجهل بأشكال الاتجار بالبشر على اعتبار أنه تاريخيا اقترن بـ”الاسترقاق أو العبودية” إلا أن القصة الآن تأخذ أشكالا واسعة تعتمد في الأساس على الاستغلال فأصبح البشر يفترسون بشرا آخرين بكل الطرق الممكنة من أجل المال.

ما هو الاتجار بالبشر؟

ويعرف حقوقيون “الاتجار بالأشخاص” على أنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم تحت التهديد بالقوة أو باستعمال القوة أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو عن طريق إغرائهم بالمال إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.

وتتمثل أوجه الاتجار في الاستغلال بأعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، وفي المواد الإباحية، والسخرة، والخدمة قسراً، والاسترقاق، والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد، والتسول، واستئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها.

لاجئ يظهر أثار جرح يبدو أنه تعرض لبيع أعضاء بشرية
لاجئ يظهر أثار جرح يبدو أنه تعرض لبيع أعضاء بشرية

وفيما يبدو أن التجار أكثر ابتكارا كالعادة لذا لجأوا لأشكال جديدة لاستغلال البشر وتحقيق مكاسب مالية من خلف هذه التجارة.

ويحتفل العالم بأسره في كل عام باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر في 30 يوليو كتذكير بالدور الحاسم الذي يجب أن نواصل القيام به في زيادة الوعي بهذه الجريمة وأشكالها ودعم ضحايا الاتجار بالبشر، وملاحقة الجناة وتقديمهم إلى العدالة.

أشكال جديدة للاتجار بالبشر

ظاهرة جديدة طفت على السطح مؤخرا بفعل التكنولوجيا تنضم لجرائم الاتجار، وهي ظاهرة “التيك توك” واستخدام مواقع الانترنت لدفع فتيات في الغالب “قاصرات” للظهور بهدف الاستعراض الجنسي لتحقيق منفعة مالية لقائد المجموعة الذي يعمل على إغرائهن بالمال والحصول على راتب جيد جراء ذلك.

الرق الحديث

“الرق الحديث” هو مفهوم جديد يندرج ضمن أخطر جرائم الاتجار بالبشر، ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم ضحايا للرق الحديث، وعلى الرغم من أن الاسترقاق الحديث غير معرف في القانون، فإنه يستخدم كمصطلح شامل يشمل ممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، وهي تشير أساسا إلى حالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع أو إساءة استعمال السلطة.

العبودية المنزلية

تعتبر جريمة لأن العامل المنزلي ليس لديه الحرية إذا أراد مغادرة وظيفته ويتم إساءة استغلاله واعطاؤه أجورا أقل، ولا يحصل العديد من العاملين في المنازل على يوم عطلة في أغلب الأحيان، فيما يواجه الكثير منهم وخاصة النساء، أشكالا مختلفة من الإساءة والمضايقة والاستغلال، بما في ذلك العنف الجنسي.

عبودية الديون

ويعتبر الدين شكل جديد من أشكال الإكراه الذي يستخدمه تجار البشر سواء في تجارة الجنس أو في العمل القسري، والأكثر بشاعة أن بعض العمال يرثون ديون آبائهم، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك ملايين من ضحايا الاتجار بالبشر في جنوب آسيا يعملون على سداد ديون أسلافهم.

ويمكن أن يساهم تجار البشر وأصحاب العمل في كل من بلد المنشأ وبلد المقصد في استعباد المدين من خلال فرض رسوم توظيف على العمال وأسعار فائدة باهظة ما يجعل من الصعب إن لم يكن مستحيلا سداد الدين.

أحد ضحايا الاتجار بالبشر
أحد ضحايا الاتجار بالبشر

 

الاتجار بالبشر في مصر

يبدو أن الإتجار بالبشر في مصر يأخذ أشكالا مختلفة وتحت مسميات عدة، أكثرها شيوعا هي “الزيجات الموسمية” أو “الزواج السياحي” بالإضافة إلى ظاهرة أطفال الشوارع التي تؤدي إلى استغلال آلاف الأطفال في الدعارة والخدمات الجنسية، وغيرها من أشكال الاستغلال كالعمالة القسرية في المنازل، بجانب التنظيمات الإجرامية الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية التي نشطت في مصر في السنوات الأخيرة، حيث ضبطت مباحث القاهرة في عام 2016 فقط نحو 12 قضية تجارة أعضاء بشرية في العاصمة وحدها.

وعن حالات الإتجار الصريح بالنساء، يوضح الخبير الحقوقي محمود عبد الفتاح، أنها تتمثل في زواج الصفقة، والزواج المبكر في حالة المنفعة، والزوجة الخادمة، والإجبار على الأعمال غير المشمولة بالحماية القانونية (عاملات المنازل، عاملات الزراعة، الاستيلاء على الدخل للزوجة أو الأبنة، تشغيل النساء بأجر أقل من أجر السوق.

وأشار عبد الفتاح إلى أيضا إلى الجنس التجاري، واستغلال اللاجئين، والتسول، والحرمان من الميراث، واختطاف النساء للحصول على فدية، واستغلال أصواتهن الانتخابية، واستخدام النساء كدروع بشرية، والتهديد باستخدام صور وفيديوهات إباحية ونشرها للحصول على منفعة، وتوفير فرص عمل وهمية للنساء خارج البلاد، سجينات الفقر (الغارمات، دين مالي، التقسيط، الإيصال على البياض، الضمانة)، كانت تلك الحالات من خبرة عمل مركز قضايا المرأة المصرية ويمكن طرحها للنقاش أما انها ضحية أو معرضة ومحتمله للاتجار.

متى تكون الضحية أو الجاني؟

ولإيضاح أركان جريمة الاتجار بالبشر، يقول المحامي والخبير الحقوقي محمود عبد الفتاح، يعد الشخص مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر في حال توافر الركن المادي للجريمة، وفي الغالب يكون الركن المادي هو البيع، أو العرض للبيع، أو الشراء، أو الوعد بهما، أو الاستخدام، أو النقل، أو التسليم، أو الإيواء، أو الاستقبال، أو التسلم، وفقا للمادة الثانية من القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر.

وأشار عبد الفتاح إلى الوسائل التي قد يتحقق بها تلك الغاية متمثلة في استعمال القوة والعنف أو التهديد بهما، أو الاختطاف والاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة الضعف أو الحاجة والوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ ماليه، أو توفر مزايا مقابل الحصول على موافقة شخصية على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه.

ضحايا اتجار بالبشر
ضحايا اتجار بالبشر

أما فيما يتعلق بالغاية التي يقصدها الجاني من التعامل في الأشخاص فقد تكون غايته “الاستغلال” بكل صوره دون حصر، والاسترقاق، والتسول، واستئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، والممارسات الشبيهة الرق أو الاستعباد، الاسترقاق، والمواد الإباحية، وأعمال الدعارة (سائد أشكال الاستغلال الجنسي)، واستغلال الأطفال، والإباحية، والسخرة، والخدمة قسرا.

ويعد اكتشاف هذا النوع من الجرائم والتعرف على ضحاياها أحد التحديات الصعبة في مجال مكافحته، نظرا لما يحيطه من سرية وكتمان حتى من جانب الضحايا أنفسهم خوفا من التهديدات التي قد يواجهونها من قبل الجناة، أو خشية توقيع العقوبات عليهم من قبل السلطات في حال اكتشاف هذه الجريمة.

إثبات جريمة الاتجار

وعن إثبات جريمة الإتجار بالبشر أوضح عبد الفتاح لا يتحقق الإثبات إلا بتوافر العناصر الثلاثة سالفة الذكر “مجتمعة” مما يعني أنه في حال غياب أي من تلك العناصر لا يمكن اعتبار الفعل المجرم اتجار بالبشر بل يمكن اعتباره جريمة تخضع لأحكام واردة بقوانين جنائية أخرى.

وأشار عبد الفتاح إلى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاستظهار عناصر قيام هذه الجريمة والظروف المشددة للعقوبة وأركان الجرائم الأخرى المرتبطة بها.

إصدار تشريعات

دفع المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده المختلفة لمحاولة التصدي لتلك النوعية من الجرائم عن طريق عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات، وكذلك حث كافة الدول على إصدار تشريعات وطنية تهدف إلى الحد من جريمة الإتجار بالبشر، وجبر ضرر ضحاياها وإعادة تأهيلهم.

حرص المشرع المصري عند صياغة قانون مكافحة الاتجار البشر رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠ ألا تتعامل أحكامه مع الجريمة من المنظور الجنائي فقط، ولكن أن تراعي أبعاد حقوق الإنسان فيما یتعلق بحماية الضحايا والشهود.

وبالإشارة إلى قضايا “التيك توك” يجيب الخبير الحقوقي محمود عبد الفتاح قائلا “نحتاج لمعرفة هل توافرت كافة العناصر، وهنا تتوفر الإجابة الدقيقة لدى المحقق الذي يتوفر له الأقوال والتحريات والتحقيقات مع المتهمات ومع من تم الاتجار بهن”.

ضحايا تهريب البشر
ضحايا تهريب البشر

جهود مكافحة الاتجار بالبشر

وتعتبر مصر إحدى تلك الدول التي تبنت إصدار قانون خاص يجرم الإتجار بالبشر بكافة أشكاله وهو القانون رقم 64 لسنة 2010، الذي جاء وفاء للالتزامات الدولية التي سبق وتم التصديق عليها، في الوقت نفسه يأتي هذا القانون في ظل غياب أي وعي مجتمعي بتلك الظاهرة أو المشكلات الناتجة عنها والذي يجعل الكثيرين ينفون انتشار تلك الظاهرة في المجتمع المصري.

وعلى أثر ذلك تأسست اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر رسميا بموجب القانون رقم 82 لسنة 2016 الصادر في 7 نوفمبر 2016 وتم تشكيلها في 23 يناير 2017 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 192 لسنة 2017 لتضم في عضويتها 27 وزارة وهيئة ومركز قومي.

حيث تم تأسيس اللجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار في الأفراد في عام 2007 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1584 لسنة 2007، ثم تم تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية في 9 مارس 2014 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 380 لسنة 2014. وأخيراً في 7 نوفمبر 2016 تم دمج اللجنتين بصدور القانون رقم 82 لسنة 2016 الخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية.

الفقر سبب رئيسي لاتجار بالبشر

غالبا ما يقترن نشاط تلك الظاهرة بالأزمات الناشئة عن النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، وكذلك في المجتمعات التي تعاني من الفقر والتدهور الحاد في الخدمات الضرورية، وهو ما يؤدي بالضرورة لوقوع أعداد كبيرة من البشر تحت خطر الاستغلال.

بحسب التقديرات العالمية لمؤسسة لنمشِ أحرارًا Walk Free Foundation ومنظمة العمل الدولية، كان 25 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم يخضعون للعمل القسري والاستغلال الجنسي خلال العام 2016.

من جهته، يُظهر التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة للعام 2016 PDF حول الضحايا الذين حُدّدت هويتهم أن 51% من الضحايا هم نساء، و21% رجال، و20% فتيات، و8% فتيان. ومن بين هؤلاء الضحايا، بلغت نسبة الذين تم الاتجار بهم للاستغلال الجنسي 45%، وللعمل القسري 38%. وخلال السنوات القليلة الماضية، ازدادت حركة الاتجار بالبشر أيضا في أوساط الشعوب التي تعيش في حالات النزاعات أو تلك التي تفر منها.

محمود عبد الفتاح: مرتكب جريمة الاتجار بالبشر في حال توافر الركن المادي للجريمة، وفي الغالب يكون الركن المادي هو البيع، أو العرض للبيع، أو الشراء، أو الوعد بهما، أو الاستخدام، أو النقل، أو التسليم، أو الإيواء، أو الاستقبال، أو التسلم، وفقا للمادة الثانية من القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر.

جائحة كورونا ترفع نسب الفقر

يأتي الفقر من بين أسباب خضوع الشخص الطبيعي الذي وقع عليه ضرر مادي أو معنوي لأشكال الاستغلال السابق ذكرها، حيث قال الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن نسبة من يعيش دون خط الفقر في مصر انخفضت إلى 28.5%..

وبنظرة متشائمة وضع معهد التخطيط القومي، التابع للحكومة المصرية، سيناريوهات تتوقع انعكاسات سلبية متأثرة بالتداعيات المحتملة لأزمة كورونا، قد ترفع عدد الفقراء في مصر إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2021.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض أكثر من 150 مليون طفل لعمل الأطفال، وهو ما يمثل قرابة واحد من كل عشرة أطفال في جميع أنحاء العال، فيما، واعتمدت منظمة العمل الدولية بروتوكولاً جديداً ملزماً قانوناً يهدف إلى تعزيز الجهود العالمية للقضاء على العمل الجبري، التي دخلت حيز النفاذ في نوفمبر 2016.

عقوبات مشددة

يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر.

كما يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه في أي من الحالات الآتية، إذا كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضمًا إليها، أو كانت الجريمة ذات طابع عبر وطني.

ويعاقب بذات العقوبة في حالات أخرى إذا ارتكب الفعل بطريق التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو التعذيب البدني أو النفسي أو ارتكب الفعل شخص يحمل سلاحا، وإذا كان الجاني زوجا للمجنى عليه أو من أحد أصوله أو فروعه أو ممن له الولاية أو الوصاية عليه أو كان مسئولاً عن ملاحظته أو تربيته أو ممن له سلطة عليه، أو إذا كان الجاني موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة وارتكب جريمته باستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة، أو إذا نتج عن الجريمة وفاة المجنى عليه، أو إصابته بعاهة مستديمة، أو بمرض لا يُرجى الشفاء منه ، أو إذا كان المجنى عليه طفلا أو من عديمى الأهلية أو من ذوى الإعاقة ، أو إذا ارتكبت الجريمة بواسطة جماعة إجرامية منظمة.