“الذهب الأسود” التجارة الرابحة التي عرفها التاريخ في القرن السادس عشر والتي بدأت بدخول الدول الأوربية أفريقيا على يد البرتغال وإسبانيا في القرن السادس عشر من خلال شحن الرقيق في سفن إلى جزر الهند الشرقية، واستمرت هذه التجارة على مدار خمس قرون حتى انتهت في الربع الأول من القرن العشرين.

ورغم أن البرتغال هي أول من دخل أفريقيا إلا أن بريطانيا شاركت بقوة في تجارة البشر بعد أن صار الرق مصدر رخاء للتجار البريطانيين، وكان القرصان الإنجليزي سير جون هوكنز أول من أشار إلى جدوى هذه التجارة التي تحقق أرباحا تفوق تجارة الذهب أو العاج ومن هنا أطلق عليها تجارة “الذهب الأسود”.

وبدأ هوكنز أولى صفقاته عندما رسى في سيراليون لأول مرة في 8 مايو 1562 بعد أسر 400 أفريقي وبيعهم للأسبان مقابل 25 جنيها للأفريقي، وبعدها تبعه عدد من التجار الإنجليز، ولا ينسى العالم خطايا الانجليز في استرقاق الجنس البشري.

بداية التجارة 

كانت الشركات البريطانية تعمل في تجارة الذهب ثم تحولت إلى الرقيق وكانت أول دفعة من الرقيق تصل فرجينيا في عام 1620 وبلغ عددهم عشرين ألفا، ومنذ عام 1640 بدأ الانجليز يصدرون الرقيق إلى مستعمراتهم ومستعمرات الدول الأخرى في الأمريكتين.

حققت بريطانيا أرباحا طائلة من هذه التجارة، بممارسة عدد كبير من التجار الانجليز لهذه التجارة حتى وصل عدد الرقيق الذين حصلوا عليهم في عام 1700 إلى 15 ألف تم نقلهم عبر الأطلسي، وزاد العدد إلى 40 ألف في 1800، وبلغ عدد السفن البريطانية التي تعمل في تجارة الرقيق حوالي 192 سفينة وكانت سعة كل سفينة حوالي 5000 شخص.

 

خسرت أفريقيا أكثر من 100 مليون شخص جراء تجارة الرقيق
خسرت أفريقيا أكثر من 100 مليون شخص جراء تجارة الرقيق

كانت منطقة سيراليون أهم المصادر الرئيسية للرقيق في القارة الأفريقية، ووصلت الوحشية بتجار الرقيق إلى إقامة مخازن وحظائر لحفظ الرقيق المخطوفين وكانت تلك المخازن تقام داخل قلاع وصل عددها إلى 40 قلعة في عام 1791.

دخول الدول الجديدة مجال تجارة الرقيق كان وبالا على أفريقيا، حيث مارسوا الرق الجماعي وأخذت بريطانيا مكان الصدارة، ووصل عدد الذين أرسلوا لمستعمراتها بين 1680 و1786 إلى مليونين ومائة وثلاثين ألفا.

ممارسات وحشية

وأثناء رحلات نقل الرقيق كانت تمارس الوحشية بكل معانيها مما أدى إلى هلاك عدد كبير منهم فكان يتم تقييدهم بالسلاسل وهم عرايا ويتم شحنهم في مراكب في مساحة لا تتجاوز 18 بوصة وهناك وقائع تؤكد هذه الممارسات أهمها رحلة زونج التي أبحرت عام 1781 في رحلتها عبر الأطلنطي بكامل حمولتها، واكتشف ربان السفينة أن مياه الشرب لا تكفي هذا العدد، وخوفا من فقان الشحنة تم إلقاء 132 شخص والحصول على التعويض المادي من شركة التأمين، وقتها اعتبرت المحاكم الأمريكية أن العبيد ممتلكات خاصة ولولا التضحية بجزء منها لضاعت الشحنة بأكملها وبالتالي لا يوجد جريمة قتل.

وأقرت الحقائق التاريخية أن الأفارقة أنفسهم تحديدا القبائل التي عرفت بالقسوة والشجاعة لطخوا أيديهم بهذه الدماء واشتركوا في هذه التجارة فكانوا يسوقون بني جنسهم بالألوف إلى الشواطئ تحت لهيب السياط، إذ لم يكن يجرؤ التاجر الأوروبي على دخول أفريقيا دون مساندة.

حطمت تجارة الرقيق القرى والمراعي وهجر الناس مناطق استقرارهم
حطمت تجارة الرقيق القرى والمراعي وهجر الناس مناطق استقرارهم

وحطمت تجارة الرقيق القرى والمراعي وهجر الناس مناطق استقرارهم، وأدى هذا التشتت في القارة الأفريقية إلى ضعف القدرة الإنتاجية والدمار الاقتصادي، بعد أن تعرضت القارة إلى استنزاف بشري لم يسبق له.

خسائر بشرية ومادية

وخسرت أفريقيا أكثر من 100 مليون شخص جراء تجارة الرقيق معظمهم من الشباب ولم يبقى سوى العجزة والشيوخ ما أدى إلى خلل في التركيبة السكانية تعاني منه بعض الدول حتى الآن.

وأدرك الإنجليز أن التاريخ لن يغفر لهم ما اقترفوه في حق الجنس البشري بممارسة هذه التجارة، وبدأت تتكون جماعات إنسانية لمكافحة الرقيق، ومن أبرزهم توماس كلاركسون الذي استطاع جمع معلومات عن هذه التجارة وجلب معه نماذج من أدوات التعذيب من قيود وسلاسل وأدوات نزع الأظافر وفاتحات الفم، ولعبت كنيسة سانت ماري بلندن متمثلة في جون نيوتن تاجر الرقيق الذي أصبح قسا دورا ملحوظا في المطالبة بإلغاء تلك التجارة.

أول جمعية لإلغاء الرق

وأصدر الإمبراطور شارل الخامس قرار بمنع تجارة الرقيق عام 1542، وفي عام 1783 أسست جماعة الكويكرز أول جمعية لإلغاء الرق في بريطانيا، وهي الأولى من نوعها في العالم، وتحركت بعض الشخصيات البارزة في بريطانيا ومنهم جرانفيل شارب وقاد حملة لإقناع الشعب ببشاعة هذه التجارة، وفي يونيو 1772 قضت المحكمة بأن أي عبد تطأ قدمه بريطانيا يصبح حرا.

وافق البرلمان البريطاني في 1807 على منع تجارة الرقيق وتحولت سيراليون إلى قاعدة للأسطول البريطاني لمراقبة تجارة الرقيق عبر الأطلسي، ونجحت بريطانيا في القبض على مئات السفن وتحرير مئات الألوف من العبيد.

ووافق البرلمان البريطاني في 1807 على منع تلك التجارة وتحولت سيراليون إلى قاعدة للأسطول البريطاني لمراقبة تجارة الرقيق عبر الأطلسي، ونجحت بريطانيا في القبض على مئات السفن وتحرير مئات الألوف من العبيد.

وألغت الدنمارك تجارة الرقيق في 1802، والولايات المتحدة 1804، وفرنسا 1818، ولا يعني ذلك القضاء على هذه التجارة تماما، ويمكن القول بأن هذه التجارة انتهت في الربع الأول من القرن العشرين، لكن حتى يومنا هذا هناك عبيدا توارثهم الأبناء في بعض دول أفريقيا وأسيا.