نشرت مجموعة الأزمات الدولية. دراسة تحت عنوان “انتفاضة تشرين في العراق: من المتاريس إلى صناديق الاقتراع“. تناولت فيها. أصداء المظاهرات الحاشدة التي هزت مدناً عراقية قبل عامين في ظل عدم معالجة المظالم الرئيسية التي دفعت إليها حتى الأن.
لم تستبعد الدراسة تجدد الاحتجاجات في أي وقت. وحذرت من مخاطر مواجهة الأمر مثل هذه الاحتجاجات برد قمعي مميت آخر.
ودعت الدراسة الحكومة أن تُخضع أولئك الذين ألحقوا الأذى بالمحتجين للمحاسبة وأن تعمل على ضمان إجراء انتخابات نزيهة في أكتوبر المقبل.
بدأت الدراسة، بتناول الاحتجاجات التي شهدتها العراق في الفترة بين أكتوبر وديسمبر 2019. وصنفت بأنها أكبر حركة احتجاجية في تاريخ العراق بعد عام 2003. وأطاحت بالحكومة. وأجبرت البرلمان على تبني قانون انتخابي جديد.
وبحسب الدراسة: خلال الانتفاضة، قتلت قوات الأمن والمجموعات شبه العسكرية الخاضعة بشكل غير مُحكم لسيطرة الدولة أكثر من 600 متظاهر وإصابة 20 ألف آخرين واستمرت في استهداف الناشطين منذ ذلك الحين.
أزمة شرعية
اعتبرت الدراسة، أن النظام السياسي في حقبة ما بعد عام 2003 في العراق يواجه أزمة عميقة في شرعيته. تمثلت في قمع المعارضة من قبل الحكومات المتعاقبة. وعلى نحو متزايد من قبل التنظيمات شبه العسكرية التابعة للأحزاب السياسية. ما أحبط محاولات الإصلاح ورفع مخاطر اندلاع صراع أهلي. خاصة في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية. وهي منطقة تعاني من الإهمال الاقتصادي الذي يفاقمه انخفاض أسعار النفط والجائحة.
دعت الدراسة. الحكومة للعمل لضمان الأمن خلال الانتخابات القادمة على أمل أن يلهم الإقبال الأكبر على الاقتراع تجدد الإيمان بإقامة دولة ديمقراطية في العراق. وأكدت على ضرورة أن تخضع قوات الأمن للمساءلة عن ارتكاب العنف ضد المتظاهرين السلميين. وأن تدرَّب شرطة مكافحة الشغب على السيطرة على الحشود وتوضيح سلاسل القيادة التي تشمل التنظيمات شبه المسلحة.
أسباب الاحتجاجات
استشراء الفساد، والبطالة وسوء الخدمات العامة. كانت الأسباب التي دفعت العراقيين للخروج في انتفاضة أكتوبر التي شكل الشباب القوة الدافعة لها –بحسب الدراسة-.
سياسية القمع استمرت بعد أن اجبرت الاضطرابات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة. ليحل رئيس المخابرات السابق مصطفى الكاظمي محله في مايو 2020. لكن رغم تسامح الكاظمي المعلن حيال الاحتجاجات السلمية. فقد تميزت فترة وجوده في السلطة باستمرار القمع، الذي تقوم به في كثير من الأحيان تنظيمات مرتبطة بالدولة، لكنها تعمل بشكل شبه مستقل عنها. ويمكن للعنف أن يتصاعد قبل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر 2021. ينبغي على حكومة الكاظمي أن تتخذ خطوات لضمان أن تكون الانتخابات آمنة ونزيهة. كما يتعين عليها السعي لإخضاع الجماعات المسلحة المرتبطة بالدولة للمحاسبة عن التسبب بالوفيات والإصابات خلال الاحتجاجات.
4 خصائص
تناولت الدراسة 4 خصائص رئيسية للاحتجاجات التي شهدتها العراق.
وبحسب الدراسة تمثلت الخصية الأولى. في أن الحكومات العراقية بعد عام 2003 استخدمت القوة لقمع الاضطرابات المناهضة للحكومة منذ عام 2011. إلا أن ردود فعلها لم تكن أبداً بالشدة التي كانت عليها في مواجهة انتفاضة أكتوبر.
وتحدثت الدارسة عن أن أزمة شرعية النظام السياسي الذي قام بعد عام 2003. تفاقمت عندما ضمت المؤسسات القسرية للدولة قواها إلى التنظيمات شبه العسكرية في أعقاب الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، التي انتهت في عام 2017.
وقالت الدراسة: منذ تلك اللحظة، بدأت التنظيمات شبه العسكرية المرتبطة بالحشد الشعبي بضم قواها – لكن جزئياً وحسب – إلى المؤسسات الأمنية للدولة. خاصة وزارة الداخلية. وفي الوقت نفسه انخرطت في ممارسة سلوك اقتصادي افتراسي.
واعتبرت الدراسة أن وجود هذه التنظيمات ساهم في تسريع الرد الوحشي على الاحتجاجات. وحمى المرتكبين من الخضوع للمحاسبة.
أما الخاصية الثانية التي تميزت بها الاحتجاجات –بحسب الدراسة- تمثلت في وجود انقسام غير عادي، رغم أنه ليس غير مسبوق، داخل الطائفة الشيعية.
ففي حين كانت أحداث العنف السابقة بعد عام 2003 في العراق تندلع بشكل أساسي بين السنة والشيعة، وبين العرب والأكراد أو بين الدولة والمتمردين. دفعت هذه المواجهات جهاز دولة بقيادة إسلامية شيعية ضد السكان ذوي الأغلبية الشيعية في بغداد والجنوب. كما انخرطت فيها أحزاب سياسية، وتنظيمات شبه عسكرية وجماعات مسلحة شيعية أخرى متعارضة منذ وقت طويل، خصوصاً أتباع مقتدى الصدر وجماعات أخرى تحت لواء الحشد، الذي يتمتع بعض عناصره بالدعم المادي الإيراني.
الأمر الثالث الذي تناولته الدراسة. تمثل في أن اللاعبين الخارجيين فاقموا المواجهة بين المتظاهرين وقوات الأمن. حيث اختارت إيران الوقوف إلى جانب الحكومة والحشد. ودعمت الولايات المتحدة لفظياً المتظاهرين، أو على الأقل حقهم في الاحتجاج السلمي.
لإيران مصلحة مزدوجة في بقاء النظام السياسي الذي يرغب المتظاهرون بتغييره وتدعم تنظيمات الحشد شبه العسكرية، بالنظر إلى أنها استثمرت كثيراً في كليهما. عبّر العديد من الناشطين عن مشاعر معادية لإيران غذّت الفكرة السائدة في أوساط الحكومة والحشد بأن الولايات المتحدة تقف خلف الاضطرابات.
الصفة الرابعة للاحتجاجات بحسب الدارسة، أنها نشأت وتطورت بوصفها حركة شعبية شبابية لا قيادة لها، انضم إليها الصدريون أحياناً وعارضوها أحياناً أخرى. ولم تتمكن السلطات من استمالة المتظاهرين أو التوصل إلى تسوية معهم.
قمع وتنازلات جزئية
تحذر الدراسة من استمرار أسباب انتفاضة أكتوبر 2019. وتؤكد أن القمع والتنازلات الجزئية، إضافة إلى القيود التي فرضت على التجمعات استجابة لجائحة كوفيد–19. كسر تصميم المتظاهرين، دون معالجة مظالمهم الرئيسية. ومنذ ذلك الحين. عادت النخب الحاكمة في العراق إلى ممارساتها المعتادة. ولم يتم الوفاء بوعود الحكومة بتوفير العدالة للمتظاهرين القتلى. بينما قاوم المشرعون الإصلاحات المقترحة، بما في ذلك ما يتعلق بجوانب رئيسية في التشريعات الانتخابية. وبشكل عام، فإن الحكومة، إضافة إلى امتداداتها شبه العسكرية، لم تفعل شيئاً يذكر لمعالجة العجز الكبير في الشرعية بعد عام 2003.
واعتبرت الدراسة، إلى أن النظام السياسي المهتز في العراق يواجه اختبار رئيسي في الانتخابات البرلمانية القادمة في أكتوبر المقبل التي يجب أن يعتبرها العراقيون حرة ونزيهة نسبياً ليكون هناك أي أمل في استعادة الثقة الشعبية في الدولة وفتح المجال السياسي لدرجة أوسع من المشاركة.
الجيش ووحدات وزارة الداخلية
ودعت الدراسة الحكومة للنظر في نشر قوات أمن تابعة للجيش، الذي يتمتع بدرجة أكبر من الثقة بين السكان مما تتمتع به وحدات وزارة الداخلية، في المحافظات الجنوبية، التي شهدت معظم أحداث العنف.
ورأت أن من شأن هذه الخطوة أن تساعد على الحد من التهديدات التي تتعرض لها حملات المرشحين وأن تشجع الإقبال على الاقتراع.
وكان مجلس الأمن الدولي تبنى قراراً مهماً يدعم وجود تفويض شامل لمراقبة دولية للانتخابات العراقية. ما اعتبرته الدراسة قرار يحتاج إلى ممارسة شركاء العراق الخارجيين الضغط على الحكومة لإخضاع مرتكبي الانتهاكات المرتبطين بالدولة خلال الاحتجاجات للعدالة.
واختتمت الدراسة، بضرورة صياغة الحكومة والبرلمان اللذان سيُنتخبان خطة إصلاحية شاملة تستجيب للمطالب الرئيسية للحركة الاحتجاجية، ومنح الأولوية لإصلاح القطاع الأمني، بما في ذلك تدريب شرطة مكافحة الشغب وتوحيد سلسلة القيادة والتحكم داخل وزارة الداخلية والحشد وفيما بينهما. هذه التدابير ستقلص مخاطر حدوث عملية قمع عنيفة إذا اندلعت الاضطرابات من جديد، وهو أمر مرجح جداً طالما ظلت المظالم الأساسية دون معالجة