بعد 16 شهراً من التشغيل الجزئي بطاقة قد لا تغطي تكلفة فواتير الكهرباء. عادت الضجة لدور العرض السينمائية في مصر بصدور 3 أفلام ضخمة جديدة على التوالي في موسم يوليو الحار. لتتحمس ماكينات عد النقود في شبابيك التذاكر التي استعادت ذكرياتها القديمة مع الإيرادات المليونية خلال عطلة عيد الأضحى. لكن هذا النجاح لم يكن ليتحقق إلا بعد قبول خسارات حتمية ومؤجلة منذ بداية العام.

3 أسابيع 

خلال 3 أسابيع فقط بداية من 23 يونيو الماضي. تراصت الأفلام الضخمة في دور العرض: الأول كان الكوميديا الفانتازيا الغنائية “مش أنا” للنجم تامر حسني. ثم كوميديا رومانسية في “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” لكريم عبد العزيز. ثم الأكشن والجاسوسية في “العارف: عودة يونس” لأحمد عز. الهدف كان وضع نظام يقلل الاحتكاك بين هذا الأفلام خلال فترة العيد.

خلال عطلة العيد التي امتدت إلى 9 أيام (من الجمعة إلى السبت) حققت كل الأفلام مجتمعة 54.2 مليون جنيه. أقل بقدر بسيط من نصف إجمالي إيرادات موسم عيد الأضحى في 2019. وهو العام الذي شهد أعلى إيرادات للسينما في مصر. تخطت المليار جنيه لأول مرة في تاريخها، وفيه وصلت إيرادات عيد الأضحى خلال نفس المدة إلى 121 مليون جنيه من خلال 5 أفلام. كان منهما “الفيل الأزرق 2″ و”ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض”. اللذين واصلا مراكمة الإيرادات حتى نهاية العام ليتخطى كل منهما حاجز المائة مليون جنيه. وأصبح “الفيل” صاحب على إيرادات في تاريخ السينما المصرية بدون معادلة التضخم.

إيرادات الأفلام في عيد الأضحى 2021 (9 أيام)
الفيلم الإيرادات
العارف: عودة يونس 28.3 مليون
البعض لا يذهب للمأذون مرتين 14.8 مليون
مش أنا 10.7 مليون

 

إيرادات الأفلام في عيد الأضحى 2019 (9 أيام)
الفيلم الإيرادات
ولاد رزق 2 57.8 مليون
الفيل الأزرق 2 32.3 مليون
خيال مآته 24.3 مليون (6 أيام فقط)

 

أرقام أسطورية

لم يحلم أحد في صناعة السينما بالاقتراب من أرقام 2019 الأسطورية. إيرادات الأضحى في 2021 لا تُقارن بنفس الموسم الجاف في 2020 الذي انكمشت إيراداته إلى 9.3 ملايين فقط، من خلال فيلم واحد جديد هو “الغسالة” الذي حقق إيرادات افتتاح 6.5 ملايين جنيه، بدون منافسة تذكر مع 20 فيلم أجنبي سُمح بتواجدهم استثنائياً في العيد، إضافة إلى 4 أفلام مصرية من فترة ما قبل كورونا.

لكن هذه الأرقام الضئيلة كانت تشير أيضاً إلى وجود طلب مستمر على الأفلام المصرية حتى مع تهديدات كورونا ونسب التشغيل المحددة من الحكومة. فخلال عيد الفطر 2021 حققت 3 أفلام متوسطة الإنتاج (أحمد نوتردام، ديدو، ثانية واحدة) مجتمعة 15.6 مليون جنيه خلال عطلة قصيرة لمدة 4 أيام فقط (من الخميس إلى الأحد). بنسبة تشغيل 50% وبدون أهم فترتي عرض بعد 9 مساءً.

قبل هذا، جمع فيلم الكوميديا الرومانسية “وقفة رجالة”. 25.8 مليون جنيه خلال 20 أسبوع. خارج كل مواسم الإيرادات. وبميزانية إنتاج متوسطة وبدون نجوم صف أول. وسجل الفيلم إنجازاً شرفياً مؤقتاً كأعلى فيلم مصري في الإيرادات العالمية. بعد إضافة 17 مليون دولار من السعودية والإمارات. كما اشترت منصة “شاهد” حقوق بثه حصرياً في عيد الأضحى.

مخزون أفلام 

يؤكد هذا إمكانية تحقيق الأفلام المصرية إيرادات من وقت مبكر في بداية 2021. الذي شهد عطلات دراسية طويلة قبل رمضان. مخزون الأفلام المصرية المتراكمة منذ 2019 كان يكفي لملء قاعات السينما خلال تلك الفترة. معظم هذه الأفلام كانت ذات ميزانية إنتاج ضخمة. ولهذا تردد المنتجون في القرار الصعب بإطلاقها مع التضحية بجزء من إيراداتها المستهدفة. أو الانتظار حتى نهاية الجائحة مع المخاطرة لكونها أفلام تم إنتاجها منذ عامين كاملين.

رغم النجاح الذي حققته أفلام عيد الأضحى الثلاثة. إلا أن هذا النجاح أتى بقرار تضحية بأجزاء ضخمة من الإيرادات المستهدفة خلال مرحلة الإنتاج (70-100 مليون لكل فيلم). ثم المخاطرة في موسم صيف مع جمهور تضاءلت قدراته المالية بسبب كورونا وبدون سياحة عربية كبيرة. كل فيلم من الثلاثة كانت له تضحياته ووسائله لمعالجة هذه المخاطرة كما سنرى.

 

مش أنا: يد إلهية

ماذا بينك وبين جمهورك يا تامر لكي تتفجر قضية حلا شيحة قبل أيام قليلة من العيد؟ النجمة الشريكة في الفيلم كانت قد انسحبت مبكراً من مشروع الفيلم ولم تستكمل دورها في حملته الدعائية وطلبت إزالة وتعديل بعض مشاهدها. وبعد 3 أسابيع من إطلاق الفيلم بدور العرض، وقبل أسبوع من العيد. أطلق تامر أغنية دعائية مستمدة من مشاهد الفيلم، وهي طريقة يلجأ لها بمعظم أفلامه لدعم إيراداتها.

اعتراض حلا شيحة على وجودها بلقطات الأغنية الرومانسية. فتح جدل ديني جديد قديم ومعتاد. لكنه أيضاً أعاد الفيلم إلى دوائر اهتمام الجمهور بعد انخفاض إيراداته في أسبوعه الثالث مع دخول فيلم كريم عبد العزيز لمنافسته.

الأغنية والجدل لم يكونا كافيين لزيادة إيراداته في الأسبوع الرابع. لكنهما وضعاه كأحد أفلام العيد رغم أنه صدر قبل 23 يوم من بداية عطلة الأضحى. ورغم أن إيراداته كانت بالمركز الثالث خلال عطلة العيد (10 ملايين فقط). إلا أنه وصل إلى إجمالي 30 مليون جنيه خلال 29 يوماً بدور العرض. ووصل إلى 37.2 مليون جنيه بعد 5 أسابيع.

فيلم تامر يدور حول شاب يفقد التحكم في يده اليسرى التي تورطه في مشكلات عديدة، والفكرة مستوحاة من الفيلم الأميركي Idle Hands (1999)، وكان مستهدفاً له عند إنتاجه مستوى إيرادات يتراوح بين 60 و80 مليون جنيه قياساً على نجاحه الأكبر في 2018 بفيلم “البدلة” الذي جمع 67 مليون (أو ما يعادل الآن 78 مليون جنيه)، فيلمه التالي “الفلوس” حقق نجاحاً أقل في نهاية 2019 وجاءت كورونا لتوقف مسيرته عند 47.8 مليون جنيه فقط.

أرنب التحفيز 

لهذا كان فيلم تامر هو الأكثر اندفاعاً بالمنافسة. أو بالأصح كان هو أرنب التحفيز بالسباق أمام الفيلمين الآخرين. وتلقى الجانب الأكبر من مخاطرة إطلاق فيلم ضخم مع سقف إشغال رسمي بنسبة 50% في السينمات. ولهذا اعتمد في توزيعه على شركة سينرجي فيلمز في أول محاولاتها لتوزيع فيلم ضخم، وهي الشركة التي أسسها تامر مرسي رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة المتحدة المسيطرة على سوق الإنتاج والعرض التليفزيوني والمواقع الإخبارية والجرائد غير الحكومية.

رغم كل هذا لا تمتلك سينرجي أي دور عرض. لكنها تعتمد على علاقتها بتحالف قديم أسسته في 2019 مع شركتي أفلام مصر العالمية ونيوسنشري-دولار فيلم. وهو التحالف المركزي بالسوق حتى الآن. واستفادت سينرجي من دور العرض التي تمتلكها الشركتان، إضافة لعلاقة خاصة مع نيوسنشري التي انتقل منها المنتج أحمد بدوي ليصبح المدير العام في سينرجي فيلمز.

 

البعض لا يذهب للمأذون مرتين: مطاردة الفرصة الأخيرة

فيلم النجم كريم عبد العزيز كان يحمل مخاطرة من نوع آخر. تتمثل في أن إنتاجه تم خلال 2019 وتأجل عرضه في بداية 2020 لينجو من الذبح على يد كورونا. بالتوازي مع هذا قام كريم ببطولة فيلم “كيرة والجن” الذي كان مخططاً عرضه في 2021 لكن مخرجه مروان حامد استغل فترة كورونا في التمهل بتجهيز الفيلم الذي سيكون أضخم إنتاج سينمائي مصري حتى الآن. وخلال رمضان 2021 قدم كريم مسلسل “الاختيار 2”.

يعني هذا أن خيار المزيد من الانتظار لم يكن متاحاً أمام شركة أوسكار الموزعة والمنتجة للفيلم. لم يكن إطلاق الفيلم في عيد الفطر متاحاً بسبب تداخله مع عرض المسلسل. ولا يوجد أمام الفيلم موسم آخر مقترح غير عيد الأضحى. وتمتلك أوسكار عدد غير كبير من دور العرض لكنه يتيح لها المناورة خلال أيام العيد الساخنة.

بعد 3 أسابيع عرض كاملة وصلت إيرادات الفيلم إلى 29.3 مليون جنيه. منهم 13.5 خلال عطلة العيد وحدها. وسيحتاج الفيلم إلى يومين إضافيين لكي يصل إلى 30 مليون، وهذا يجعله متفوقاً على تامر. لكنه سيواجه صعوبة هو الآخر للوصول إلى الخمسين مليون.

بصعوبة تخلت أوسكار عن هدف تحقيق إيرادات مماثلة لفيلم كريم السابق “نادي الرجال السري”. الذي جمع 59.7 مليون جنيه بهدوء خارج مواسم الأعياد في 2019. وهو ما كان ليوازي الآن 68.4 مليون بعد معالجة التضخم، مضافاً إليه نمو نجومية كريم خلال هذه الفترة، ولهذا لم تكن إيراداته المستهدفة لتقل عن 70 مليون جنيه.

 

العارف: من تخدمه كل الظروف

يحمل فيلم أحمد عز كل مخاطرات وتضحيات الفيلمين السابقين. فالنجم أحمد عز قدم في رمضان 2021 مسلسل هجمة مرتدة الذي لم يكن ضمن المسلسلات الأكثر متابعة في رمضان. ويشكل موضوع المسلسل الاستخباراتي حاجزاً آخر أمام “العارف” الذي يدور هو الآخر حول الحروب الإلكترونية بين القراصنة والمنظمات الإرهابية.

عز مشارك أيضاً في “كيرة والجن”، وفيلمه السابق “ولاد رزق 2” جمع 104 ملايين جنيه في 2019 (109.4 مليون الآن بمعادلة التضخم). ما يجعل من الصعب التنازل عن إيرادات تقل عن 60 مليون جنيه لفيلم “العارف”.

تم إنتاج وتوزيع “العارف” من خلال شركة سينرجي فيلمز التي أطلقت أيضاً “مش أنا” قبله بثلاثة أسابيع. ما أتاح لها فرصة مناورة بعدد الشاشات المتاحة لكل فيلم. وبعد أن وصل فيلم تامر إلى أقصى عدد دور عرض في أسبوعه الثالث. خسر أكثر من ثلث شاشاته في الأسبوع التالي الذي صدر به “العارف”. ما أتاح أمام “العارف” المزيد من شاشات العرض التي وصلت لمستوى مشابه لما أتيح لـ”رزق” في 2019.

نسبة الإشغال 

المزيد من الظروف لعبت لمصلحة “العارف”. فبعد إطلاقه بيومين فقط قرر مجلس الوزراء رفع سقف نسبة الإشغال إلى 70% بدور العرض. وتمكنت السينمات من إقامة عروض بعد التاسعة مساء (التي مُنعت في مايو 2021 قبل عيد الفطر). بناءً على قرار المجلس بعودة العمل للملاه الليلية. كما منحت الرقابة تقييم “جمهور عام” للفيلم رغم احتوائه على مشاهد أكشن وقتل تؤدي عادة لتخفيض هذا التقييم. وفي صباح يوم العيد طبقت معظم دور العرض زيادات في الأسعار بنسبة 20% بالمتوسط خلال أيام العيد.

كان “العارف” هو فيلم الأكشن الوحيد ضمن أفلام العيد. وخلال 12 يوماً فقط تخطى الفيلم حاجز الثلاثين مليون. منهم 9 أيام خلال عطلة العيد، ووصلت إيراداته إلى 32.6 مليون جنيه بعد أسبوعي عرض. ولن يواجه منافسة في مجال الأكشن لمدة أسبوعين آخرين مع صدور فيلم الخيال العلمي “موسى” في 11 أغسطس. وهو الفيلم الذي تشارك سينرجي في إنتاجه أيضاً مع أفلام مصر العالمية ونيوسنشري.

 

* مصادر الإيرادات الأولية من إفصاحات الموزع محمد الدفراوي التي تصدر بشكل يومي وإحصاءات موقع السينما.كوم التي تصدر أسبوعياً، هامش الاختلاف بين المصدرين لم يتجاوز 0.6% خلال فترة عيد الأضحى 2021.