دخلت الطائرات المسيرة معادلة الحروب خلال السنوات الأخيرة، كأحدث التطورات في ساحة النزاعات المسلحة، والذي بدوره أدى إلى تغيير استراتيجية الحرب في صراعات القرن 21، وتوسع استخدام الدرونز في مختلف دول العالم لاسيما صراعات الشرق الأوسط وعمليات مكافحة الإرهاب في الدول الأفريقية، مما ينبئ بتهديدات خطيرة على المجتمع الدولي بأكمله خاصة مع تعقد المشهد السياسي وطول أمد الصراعات، في ظل توافرها في أيدي لاعبين رسميين وغير رسميين اتجهوا إلى المناورة من خلال آلية الطائرات بدون طيار أو ما يسمى بالدرونز.

على الجانب الآخر، استخدمت بعض الدول الطائرات المسيرة في أغراض مدنية وإنسانية، على سبيل المثال: في رصد ومتابعة حركة النازحين، وإمداد المناطق متدهورة البنية التحتية والمعرضة للكوارث بالخدمات، ومؤخرا، ساعدت في تطبيق الإجراءات الاحترازية خلال أزمة كورونا.

الانتشار في أفريقيا

مع بداية القرن ال21، تطورت أدوات التهديد والردع وكذلك استراتيجيات إدارة الحرب أو النزاع بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وذلك مع ظهور فاعلين جدد على الساحة الدولية أصبحوا يشكلون خطرا كبيرا على مختلف الدول مثل الفاعلين من غير الدول كالجماعات الإرهابية.

وفي هذا السياق، ظهرت الطائرات بدون طيار كآلية جديدة لتنفيذ العمليات العسكرية، وعلى الصعيد الأفريقي، تزايد استخدام الطائرات العسكرية بدون طيار في جميع أنحاء القارة وفقًا لتقرير “ريموت هوريزنز” الصادر عن منظمة السلام PAX في فبراير 2021، والذي كشف التوسع في استخدام وانتشار الدرونز في أفريقيا، إذ أنه في السنوات الـ 14 الماضية، إذ شاركت دول أفريقية وأجنبية في عمليات طائرات بدون طيار في 20 دولة على الأقل في شمال أفريقيا والساحل ومنطقة القرن الأفريقي.

وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولى في إرساء آلية استخدام الدرونز في أفريقيا، فمنذ عام 2007، بدأت بمواجهة حركة الشباب في الصومال، ومن أجل ذلك وجهت عدد من الضربات المسلحة باستخدام الدرونز[1]، بحيث بلغ حجم الهجمات في باكستان والصومال واليمن ما بين عامي 2008 و2016 خلال فترتي ولاية الرئيس باراك أوباما 563 ضربة، ومع تولي الرئيس السابق “ترامب” ضاعفت واشنطن غاراتها بـاستخدام “الدرونز”، حيث أرسلت في عام 2011 في ليبيا طائرات بريداتور لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 الخاص بإنشاء منطقة حظر طيران فوق ليبيا لإنهاء العنف، وفي نهاية عام 2016، كانت الولايات المتحدة نفذت 495 غارة جوية في ليبيا، 60٪ منها باستخدام الدرونز.

استخدمت بعض الدول الطائرات المسيرة في أغراض مدنية وإنسانية
استخدمت بعض الدول الطائرات المسيرة في أغراض مدنية وإنسانية

كما توسعت في بناء قواعد الطائرات المسيرة، على سبيل المثال في جيبوتي، كانت تستخدم قاعدة كامب ليمونير ثم انتقلت إلى مطار “شابيلي” منذ عام 2013، وكذلك في النيجر، بجانب القاعدة الأمريكية للطائرات المسيرة في نيامي، أنشأت القوات الأمريكية قاعدة جديدة باسم القاعدة الجوية 201، في أغاديز، وهي ثاني أكبر مركز عسكري في المنطقة.

ونظرا للمصالح الفرنسية في أفريقيا، لم تفوت فرنسا فرصة المشاركة العسكرية في أفريقيا، حيث بدأت في تشاد باستخدام طائرات فرنسية بدون طيار بين عامي 2008 و2009، كما نشرت طائرات Harfang في ليبيا في عام 2011، وخلال عملية سيرفال في مالي لمحاربة الإرهابيين، استخدمت الدرونز مثل طائرات المسح الفرنسية المروحية وكاسيديان  DRACs، وطائرات Harfang في عام 2013، كما نفذت غارة بطائرة بدون طيار لأول مرة في وسط مالي في ديسمبر 2019، وخلال بعثة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى (مينوسكا) في عام 2017، تم استخدام 167 طائرة فرنسية بدون طيار لتحديد مواقع الجماعات المسلحة ومراقبة مساراتها، وفي فبراير 2020، صرحت فرنسا باستخدام درونز من فئة ريبر في عملية عسكرية نفذتها في بوركينا فاسو.

وتعتبر نيجيريا من أولى الدول الأفريقية التي اتجهت إلى استخدام الطائرات المسيرة، فمنذ عام 2006، استخدمت نيجيريا طائرات إيروستار الإسرائيلية لمواجهة تنظيم بوكو حرام، وفي عام 2013، بنى سلاح الجو النيجيري أول طائرات بدون طيار من طراز GULMA، كما اتفقت في عام 2015على صفقة شراء طائرات بدون طيار صينية مسلحة من طراز CH-3A، وفي عام 2020، كشفت القوات الجوية النيجيرية أنها تعاقدت على 8 طائرات درونز من الصين.

ولم يقتصر استخدام الطائرات المسيرة على الفاعلين الرسميين، ولكن اتجهت كذلك الجماعات الإرهابية المنتشرة في أفريقيا إلى التسلح بنفس الآلية، على سبيل المثال، استولى تنظيم داعش غرب أفريقيا ISWAP على طائرة بدون طيار خلال هجوم على الجيش الكاميروني في أكتوبر 2014، واستخدمها في أغراض المراقبة والاستطلاع، كما استخدم متطرفو بوكو حرام في نيجيريا طائرات بدون طيار من طراز COTS، وفي يونيو 2019، شنت جماعة بوكو حرام هجوم انتحاري على قرية كوندوغا، أودى بحياة 30 شخصا.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، استخدم المتمردون مؤخرًا أنظمة جوية بدون طيار لتحديد أهداف العمليات الهجومية، وفي مايو، قال وزير الداخلية الموزمبيقي “أمادي مويكيد” في مؤتمر صحفي إن المتمردين نشروا طائرات بدون طيار للاستهداف في مقاطعة كابو ديلجادو.

سوق صاعد

أصبحت طائرات الدرونز في الآونة الأخيرة مجال للتنافس التجاري بين الدول العظمى وكبار مصنعي الأسلحة، إذ تشير التقديرات أنه بحلول 2026، من المتوقع أن يصل السوق العالمي للطائرات بدون طيار التجارية إلى 58.4 مليار دولار أمريكي.

ووفقا للإحصائيات، فإنه بين الفترة بين عامي 2011-2019، كان هناك 18 دولة تمتلك نوعا من الطائرات المسيرة، وتعد الولايات المتحدة وإسرائيل والصين أكبر منتجي وبائعي الطائرات بدون طيار، واستحوذت إسرائيل على نسبة 41% من حجم مبيعات الطائرات المسيرة عالميا بين عامي 2001 و2011، وفقًا للبيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، لذلك فهي تعتبر أكبر مصدر للطائرات بدون طيار في العالم.

الهند والمملكة المتحدة أكبر مستوردي الدرونز في العالم، وعلى الصعيد الأفريقي مع توقع أن تصبح رواندا وغانا وجنوب إفريقيا وكينيا أكبر المستخدمين في إفريقيا

وتنافس الصين في سوق صناعة الأسلحة بقوة من خلال إرساء مزيد من السياسات التحررية فيما يخص تصدير الأسلحة المطورة، وتعمل على تطوير درونز أكثر تقدمًا، وعلى مدى العقد الماضي، سلمت الصين 220 طائرة بدون طيار إلى 16 دولة، إذ أنه في عام 2015، شنت باكستان والعراق ونيجيريا ضربات باستخدام طائرات مسيرة مسلحة صينية، وتحقق شركة AVIC الصينية مبيعات مرتفعة من المعدات العسكرية، في عام 2019، باعت معدات عسكرية بقيمة 22.5 مليار دولار.

بينما تعتبر الهند والمملكة المتحدة أكبر مستوردي الدرونز في العالم، وعلى الصعيد الأفريقي مع توقع أن تصبح رواندا وغانا وجنوب إفريقيا وكينيا أكبر المستخدمين في أفريقيا.

استخدامات متعددة

بجانب الاستخدامات العسكرية والاستخباراتية وجمع المعلومات للطائرات المسيرة، إلا أن لها أغراض نفعية، فهي تستخدم لرصد حركة النازحين، وتنفيذ مهام البحث والإنقاذ في المناطق المعرضة للكوارث، وتوصيل إمدادات الشحنات الطبية الطارئة إلى المجتمعات النائية، كما تستخدم في مجال الفضاء لجمع صور جوية للأقمار الصناعية، وكذلك رصد البيانات البيئية، وأيضا في جمع بيانات الانبعاثات والمعلومات الجغرافية، إذ تشير التقديرات أن أفريقيا في حاجة إلى حوالي 75 مليار دولار سنويا لأجل تطوير البنية التحتية، وبالتالي يمكن أن يساعد الاستثمار في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في تلبية احتياجات المنطقة بشكل أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.

وعلى سبيل المثال، في أكتوبر 2016، تم استخدام الدرونز في رواندا لتوصيل الدم والبلازما واللقاحات إلى المستشفيات في جميع أنحاء المناطق الريفية في غرب رواندا من أجل حل مشكلة ارتفاع معدلات وفيات الأمهات، وكذلك في ملاوي في 2017، أطلقت الحكومة ممرًا جويًا لاختبار الاستخدامات الإنسانية المحتملة للطائرات بدون طيار أثناء الأزمات الإنسانية مثل الفيضانات والزلازل، واستكشاف إمكانية قيام الطائرات بتقديم الإمدادات الطبية مثل اللقاحات[5].

طائرات تراقب التغييرات البيئية في الغابات
طائرات تراقب التغييرات البيئية في الغابات

وخلال أزمة فيروس كورونا، استطاعت الدول الأفريقية الاستفادة من الطائرات المسيرة، كما في رواندا، حيث استخدمتها الحكومة في نشر الوعي بالإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الفيروس، وكذلك في غانا، من خلال الطائرات بدون طيار، تم نقل عينات اختبار فيروس كورونا من أكثر من 1000 منشأة صحية إلى المختبرات في مدينتي أكرا وكوماسي، وتستخدم تونس وجنوب أفريقيا أيضًا طائرات بدون طيار لمراقبة حركة الأشخاص في المدن لضمان تطبيق لوائح الإغلاق.

فرص وتحديات

تساعد تقنية الطائرات المسيرة في حل العديد من المشكلات التي تقف عائقا في وجه مسيرة التنمية في الدول الأفريقية لاسيما في المناطق الريفية نظرا لأنها منخفضة التكاليف وغير معقدة، وتقلل من الخسائر البشرية إذ أنه يمكن التحكم فيها إما عبر موجات الراديو إذا كانت تطير لمسافات قريبة، أو الأقمار الصناعية، كما أنها أداة استباقية ووسيلة فعالة في القضاء على العناصر الإرهابية بأقل خسائر.

وعلى الجانب الآخر، يضع دخول الدول الأفريقية معترك الطائرات المسيرة تحت نفوذ القوى الكبرى المصنعة وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وإسرائيل بما يشمله من مشروطية سياسية في بعض الأحيان، أي أن أفريقيا أصبحت ساحة لسباق التسلح بين القوى الغربية، كما يتضمن اعتماد الدول الأفريقية على الغرب في الوصول إلى المعلومات الخاصة بالعناصر الإرهابية، وكذلك يعني انتهاك سيادة الدولة، إذ أن عمليات الهجوم بالطائرات المسيرة التي تقوم بها القوى الدولية في أفريقيا تتم في بعض الأحيان دون موافقة البرلمانات، وبالتالي انعدام المسئولية وعدم الشفافية في التقارير الواردة، وتعرض المدنيين للخطر.

من المتوقع أن تصبح الطائرات المسيرة أداة حسم النزاعات في الفترة القادمة دون الانجراف إلى مواجهات مباشرة، وبالتالي فإن الدول الأفريقية عليها أن تسرع في تأمين ترساناتها الجوية بالدرونز لتمشيط المنطقة من العناصر الإرهابية وملاحقتهم، وكذلك لاستخدامها في أغراض التنمية والتطوير.

ويكشف اتجاه الجماعات الإرهابية مؤخرا إلى استخدام الطائرات المسيرة التصعيد المتبادل في الدول الأفريقية، بما يزيد من حجم التهديدات المحتملة، خاصة وأن الدرونز قادرة على التخفي عن أجهزة الرادارات، ولا يمكن التعرف على مصدرها أغلب الأحيان، ما يتيح لمستخدميها فرصة التنصل من مسؤولية استخدامها، ويساعد على انتشارها بين الجماعات المسلحة، كما أنها يمكن أن تكون وسيلة ضغط لإحداث تغيير بمجريات السياسة، بسبب فعاليتها الرمزية.

ختاما: من المتوقع أن تصبح الطائرات المسيرة أداة حسم النزاعات في الفترة القادمة دون الانجراف إلى مواجهات مباشرة، وبالتالي فإن الدول الأفريقية عليها أن تسرع في تأمين ترساناتها الجوية بالدرونز لتمشيط المنطقة من العناصر الإرهابية وملاحقتهم، وكذلك لاستخدامها في أغراض التنمية والتطوير.