قبل أيام قليلة، اعتذر أرمين لاشيت، المرشح الأول لخلافة المرأة الحديدية المستشارة أنجيلا ميركل، للجمهور الألماني، عن عدم ذكره للمصادر التي أخذ عنها في كتاب نشره عام 2009 عن الهجرة، متعهدا بمراجعة الكتاب لتحديد ما إذا كانت هناك أخطاء أخرى.
قدم لاشيت درسا يبدو مألوفا في المجتمعات الغربية، حيث يعلم جيدا أن بلاده تتعامل مع ما يمكن وصفه بالسرقة الأدبية وسوء السلوك الأكاديمي بشيء من الجدية، إذ لا تتسامح مع أي محاولات للتعدي على حقوق الآخرين الأدبية والفكرية. وبالفعل خلال السنوات الماضية دفع بعض الساسة لتقديم استقالتهم على خلفية تعديهم على حقوق آخرين أدبيا.
الرجل نفسه أبدى اعتذاره في وقت سابق من الشهر عن مشهد ظهر فيه ضاحكا وراء رئيس البلاد عندما كان يلقي بيانا عن الفيضانات الكارثية التي اجتاحت مناطق من ألمانيا خلال الأسابيع الماضية، بل قال إنه غضب من نفسه جراء هذا التصرف.
ويبدو أن هذا الأسبوع كان أسبوع الاعتذارات الألمانية بامتياز، إذ شهد أيضا اعتذار المدير الرياضي للاتحاد الألماني للدراجات، باتريك موستر، عن وصفه الجزائرين بـ”رعاة الإبل” في محاولة لتحفيز لاعبه خلال منافسات أولمبياد طوكيو.
ليس عاديا أن تجد مسؤولا يعتذر مرتين بهذه السرعة في وقت قصير، فالواقع العربي لا يقتنع بقيمة الاعتذار إذ يتضح بعيدا عن المناهج التعليمية التي تحث على الاعتذار إلا أنها غير قابلة للتطبيق اجتماعيا. وليس غريبا عندما يخطئ أحد الكوادر المجتمعية في تلك المجتمعات أن يخرج علنا للتراجع عن فعله أو تصريحه ويعتذر عنه على الفور، بل تسبق خطوته بالاعتذار المطالبات الشعبية بضرورة تقديم اعتذار لمن أخطأ في حقهم.
من هذه الأرضية، نبدو كعرب بعيدين، وينتظرنا تحديات كثيرة، فمن يتولون مناصب حكومية يرون في الاعتذار هزيمة وارتداد للخف، لذا قليلا ما نجد اعتذار مسؤول بشكل علني وواضح عن خطأ ارتكبها بنفسه أو ارتكب خلال توليه المسؤولية.
لا توجد ثمة إحصائيات عن عدد اعتذرارت المسؤولين في مجتمعنا العربي، لكن استثناءات قليلة سقطت من هذا التعميم، فرأينا في مصر مثلا خلال السنوات الماضية في بعض الحوادث التي تثير الرأي العام اعتذارات وقرارات ناجزة، من بينها اعتذار رئيس الجمهورية لأشخاص أو روابط، مثل الفتاة التي تعرضت لحادث تحرش جنسي في ميدان التحرير قبل بضع سنوات وانطلق بفضلها قطار تغليط العقوبات على المتحرشين. سجل أيضا اعتذاره للمحامين بعد واقعة ضرب أحد المحامين من جانب نائب مأمور قسم شرطة فارسكور بمحافظة دمياط. وقبل أيام قليلة دٌعي صاحب واقعة الاعتداء بقطار منوف لحضور مؤتمر مبادرة حياة كريمة الذي يشارك فيه الرئيس، كنوع من التقدير له.
هذا على المستوى الرسمي، لكن ثقافة الاعتذار مازالت غائبة عن وعي كثيرين، بما فيهم الجماعة الأدبية والعلمية.
تاريخ السرقات الأدبية في مصر
نعود إلى السرقات الأدبية في عالمنا العربي لها باع طويل، وبدأت في عصرنا الحديث. حيث اتهم عبد الرحمن شكري زميله إبراهيم المازني بسرقة معان شعرية من قصـائد الشعر الإنجليزي المنشـور في المجموعة المعروفة باسم (الذخيرة الذهبية)، وكذلك وقع الكاتب والأديب توفيق الحكيم في مرمى نيران السرقة الأدبية، حيث زعم الكاتب أحمد رشدي صالح، أن الحكيم اعتاد سرقة الأفكار الخاصة بأعماله الأدبية وخاصة المسرحيات من بعض الأعمال الأجنبية واستغل جهل وعدم علم البعض بتلك المسرحيات ليطرحها على المجتمع العربي بصفته مؤلفها الأول.
وتضم القائمة الطويلة أيضا “مذكرات بديع خيري” لمحمد رفعت، حيث تناولها المؤرخ والناقد شعبان يوسف بأنها ليست إلا سرقة في وضح النهار، زاعما أن إبراهيم حلمي، نفذ عملية سطو أدبي على المذكرات المنشورة سابقا في مجلة الكواكب عام 1963، وكانت مهداة من قبل بديع خيري نفسه إلى الصحفي محمد رفعت حيث كتب في افتتاحيتها: «لولا صداقة محمد رفعت، ولولا نفوذ وسلطان هذه الصداقة، ما كنت كتبت مذكراتي هذه أبدا».
كبرياء العرب
قال أحد الحكماء «اربأ بنفسك عن مواطن الاعتذار»، بدا واضحا خلال السنوات الماضية والحاضرة في الأذهان أن بعض الساسة ورجال الدولة يسيرون على قول الحكماء القدامي الذي يرون في الاعتذار اهتزاز لصورة الفرد أمام المجتمع، ووصفه بكونه عقاب قاس لا يتحمله صاحب الكبرياء”.
التاريخ يؤكد أن السرقة الأدبية متوغلة في الأدب العربي والمصري، ووصل الأمر إلى سرقة الأبحاث العلمية بالرغم من محاولات القانون محاصرة هؤلاء السارقين إلا أنهم يجدون دوما سبيلا للتملص من الاتهامات ونكرانه، فضلا عن عدم قدرتهم على تقديم اعتذار عما ارتكبوه.
هشام يتقاضى ولا يعتذر
وفي وقت قريب، نشبت أزمة قضائية بين الشاعر هشام الجخ والشاعر عبدالستار سليم، على خلفية اتهام الأخير بأن الجخ تعمد سرقة بعض الأبيات من ديوان الصادر عام 1995 تحت عنوان (واو.. عبدالستار سليم)، وكان هناك محاولات لتهدئة الأجواء بين الشاعرين وتدخلت أطراف عدة من أجل الوصول إلى صلح بينهما.
وفي ذلك الوقت خرجت بعض التسريبات التي تفيد بوصول اتفاق بين الشاعر هشام الجخ إلى عبدالستار سليم والظهور في عدد من البرامج والقنوات الفضائية من أجل وقف حالة العداء بين الطرفين وحل النزاع بشكل ودي وأن يكتفي الأخير بتقديم الجخ اعتذارا له، إلا أن عبدالستار رفض وفضل أن يتم حسم الأمر في ساحات القضاء.
واستمر السجال القانوني لسنوات حتى أعلن الجخ في وقت لاحق صدور حكم قضائي يفيد بعدم اتهامه في سرقة أعمال أدبية من الشاعر عبدالستار سليم.
الأبحاث العلمية لم تسلم من السرقة
فجر حلمي النمنم وزير الثقافة السابق مفاجأة عندما صرح بأن الجامعات المصرية هي الأولى عالميا في سرقة الأبحاث العلمية، وهو ما مثل صدمة للجميع.
وقال النمنم خلال حضوره جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة التعليم بمجلس النواب، لمناقشة تطوير التعليم بحضور وزير التعليم العالي وعدد من رؤساء الجامعات والخبراء: «لا يوجد إجراءات كافية للقضاء على هذه الظاهرة، بالرغم من جهود القضاء ولجان التأديب في الكشف عن تلك القضايا، مضيفًا الفاسد يضغط علينا علشان يبقي مستمر في فساده إن لم يتحسن راتبه».
التاريخ يؤكد أن السرقة الأدبية متوغلة في الأدب العربي والمصري، ووصل الأمر إلى سرقة الأبحاث العلمية بالرغم من محاولات القانون محاصرة هؤلاء السارقين إلا أنهم يجدون دوما سبيلا للتملص من الاتهامات ونكرانه، فضلا عن عدم قدرتهم على تقديم اعتذار عما ارتكبوه.