رغيف الخبز يعتبر أحد أهم مكاسب الفقراء، بل هو الأصل الذي يدور حوله كل الفروع. وفشلت كل محاولات تحريك سعره سابقاً لما يستلزمه الأمر من جرأة وقدرة على مواجهة ما يقرب من 86 مليون مواطن يستفيدون منه بشكل مباشر أو غير مباشر.
جاءت تصريحات عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، عن رفع أسعار الخبز المدعوم كضربة لأحد مكتسبات فقراء هذا البلد. إلا أن الرئيس استند في حديثه إلى تدني سعر رغيف الخبر قائلا: “20 رغيف بسعر سيجارة واحدة”. الحديث عن منطقة محظورة وقضية حياة للغالبية العظمى من الشعب المصري. ما يدفعنا لتتبع رحلة رغيف العيش والمسيطرين على منظومة تصنيعه والآثار المترتبة على الزيادات المحتملة.
منظومة الخبز في مصر
رئيس شعبة المخابز في غرفة القاهرة التجارية، عطية حماد، قال إن القمح يتم استيراده أو توفيره. ثم يخزن في الصوامع ومنها يتم نقله للمطاحن بحسب الكمية المقررة وبعد الطحن يتم توزيعه على المخابز لتبدأ تصنيعه وفق المواصفات المطلوبة.
واعتبر حماد أن قرار رئيس الجمهورية الجديد يحتاج إلى حماية كافية ورقابة مشددة على جميع أفراد المنظومة. التي تتكون من “مواطن وصاحب مخبز ومفتشي تموين والمطاحن”، مضيفاً أن منظومة الخبز تشهد في الآونة الأخيرة تغييرات جذرية هامة تزيد من ضبطها ومنع حدوث أي خلل أو تسريب أو تحايل فيه.
وأشادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” في تقرير مشترك لها مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. بكفاءة عمليات الفحص الصحي للحبوب وإدارة هذا القطاع في عمليات النقل والتخزين ومراقبة الجودة. مؤكدة على أهمية رغيف الخبز كمكون رئيسي ضمن النظام الغذائي للمصريين. مقدرة احتياجات مصر المستقبلية من القمح بنحو 15 مليون طن بحلول عام 2028.
عطية حماد: قرار رئيس الجمهورية الجديد يحتاج إلى حماية كافية ورقابة مشددة على جميع أفراد المنظومة. التي تتكون من مواطن وصاحب مخبز ومفتشي تموين والمطاحن
وخلال موسم 2018-2019 أنتجت مصر ما يقارب 9 ملايين طن من القمح بما يزيد عن مليون طن عن الموسم السابق. ويبلغ استهلاك مصر السنوي ما يقارب 22 مليون طن.
استهلاك متزايد
وأكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن مصر تتصدر دول العالم في استيراد القمح بـ 13 مليون طن خلال عام 2019. وتؤمن وزارة التموين احتياجات المواطنين من خلال توريدات القمح المحلي من المزارعين والتي تقدر في المتوسط بـ 3.5 مليون طن.
ويتم استيراد نحو 7 ملايين طن سنويًا، لإنتاج ما يقارب 270 مليون رغيف سنويا. تصرف على بطاقات التموين ويستفيد منها 71 مليون مواطن. ويأمن القطاع الخاص احتياج السوق لباقي أنواع الخبز والمكرونة باستيراد نحو 6 مليون طن بحسب احصائيات عام 2019.
ويقدر دعم السلع التموينية خلال العام المالي 2021/2022 بنحو 87 مليارا و222 مليون جنيه مقابل 84 مليارا و487 مليون جنيه. خلال العام المالي الجاري 2021/2020، وفق ما أعلنه نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية أحمد يوسف. منها 50 مليار و622 مليون جنيه لدعم الخبز، مقابل نحو 48 مليار جنيه بالعام الجاري. و36.6 مليار جنيه لسلع التموين مقابل 36.5 مليار جنيه بموازنة العام الجاري.
وأكد يوسف أثناء مناقشة مشروع موازنة الهيئة العامة للسلع التموينية للسنة المالية 2021/2022 في مايو الماضي. أن عدد المستفيدين من دعم الخبز يبلغ نحو 72 مليون مواطن، بينما يستفيد من دعم السلع التموينية نحو 64 مليون مواطن.
ضرورة تحريك سعر الرغيف
أكد عطية حماد، رئيس شعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية، أن قرار تحريك سعر رغيف الخبز تأخر لـ 30 عاما. كاشفاً أنه يمنع إهدار المال العام، معتبراً أن ثبات السعر “يفتح المجال أمام “سبوبة نهب المال العام”.
وقال حماد في تصريح خاص لـ مصر 360 إن: “مفيش عملة اسمها شلن ولا بريزة وهناك ضرورة المواءمة والملاءمة عند وضع الأسعار”. مؤكداً أنه كممثل عن أصحاب المخابز مع قرار تحريك السعر لما له من عائد خاصة أن تكلفة رغيف الخبز على الدولة تتراوح من 60 لـ 65 قرش. وبيع الرغيف بـ 5 قروش يشكل عبء حقيقي ويؤثر على منظومة الدعم كاملة.
رئيس سعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية: مفيش عملة اسمها شلن ولا بريزة وهناك ضرورة المواءمة والملاءمة عند وضع الأسعار
وسبق وأعدت الإدارة العامة للدراسات وبحوث التكاليف بوزارة التموين والتجارة الداخلية. تقرير بدراسة عن استهلاك الخبز المدعم وتوصلت إلى أن هذا الاستهلاك يتراوح ما بين 2.5 إلى 3.8 رغيف/ يوم، لكل مواطن. من واقع البيانات الرقمية الصادرة عن شركات تشغيل الكروت الذكية. التي يستخدمها 81 مليون مواطن في صرف حصتهم من الخبز المدعم آنذاك.
سيناريوهات الزيادة
توقع رئيس شعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية، عطية حماد، أن يرتفع سعر رغيف الخبز لنحو 10 قروش. مؤكداً أن الوصول به لـ 25 قرش أمر يكان يكون مستحيلاً، ومضاعفة السعر هو الأقرب إلى الصواب خلال الوقت الراهن.
بينما يرى الخبير الاقتصادي، دكتور وائل النحاس أن المساس بسعر الرغيف صعب للغاية في ظل الأوضاع الاقتصادية للأسر المصرية في الوقت الحالي. متوقعاً أن يتم تخفيض عنن الأرغفة التي يحصل كل فرد اعتماداً على الرقم المعلن الخاص بفارق نقاط الخبز والمقدر بنحو 5.6 مليار جنيه، مع عدم الاقتراب لـ “القيمة السعرية للرغيف”.
جدير بالذكر أن الرئيس في معرض حديثه عن رفع سعر رغيف الخبز قال: “جاء الوقت ان رغيف العيش أبو 5 قروش يزيد ثمنه، مش معقول 20 رغيف بثمن سيجارة، هذا الأمر لابد أن يتغير، فهو يباع بعملة مش معروفة لولادنا”. مؤكداً أن السعر لن يرتفع كثيراً لدرجة التكلفة التي تقدر بنحو 60 لـ 65 قرش ولكنه تحرك بسيط.
التأثير الاقتصادي لرفع سعر رغيف الخبز
يقول الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن هناك أرقام هامة يجب الوقوف عليها عند الحديث عن التأثير الاقتصادي لرفع سعر رغيف الخبز على الأسر المصرية. أهمها أن هناك نحو 60% من المواطنين وفق الإحصائيات الرسمية تحت خط الفقر. وهناك ما يقرب من 50% يعيشون على البطاقات الائتمانية.
وأضاف النحاس في تصريح خاص لمصر 360 أن رغيف الخبز عند المصريين له طبيعة خاصة. فالأسرة تشتري الرغيف ثم تفكر ماذا ستأكل معه أي أنه أساس الوجبة المصرية وسبق وتم استخدمه لعلاج الأنيميا عند الأطفال. ولم يتبق من دعم الدولة للمواطن إلا قيمة هذا الرغيف والاقتراب منه به قدر كبير من المخاطرة. في ظل حالة التضخم المحلية والعالمية وربما لا يستطيع المواطن بالفعل تحمل تبعاتها. خاصة أن هذا ليس وضع مستحدث فهناك الكثير من الدول لم تغير سعر الرغيف لنحو 30 و40 سنة مضت بما يمثله من أهمية قومية وأمنية واقتصادية للمواطنين.
واعتبر النحاس أن توفير وجبة للأطفال لا يقارن بأهمية رغيف الخبز الاقتصادية للأسرة المصرية. مضيفاً أن لتحريك سعر الرغيف أو تقليل عدده نفس النتيجة الخاصة بزيادة أعباء الأسرة المصرية الاقتصادية. وما يترتب على هذا الأمر من زيادة في أسعار مدخلاته فضلا عن احتمالية تحريك سعر الخبز الحر أيضاً بالتبعية.
جدير بالذكر أن الزراعة تم اكتشافها قبل 10 آلاف عام والقمح هو عماد الحضارة المصرية. تم اكتشافه في المقابر الفرعونية قبل 3آلاف سنة، وبسببه أطلق على مصر في العصر الروماني “سلة غلال الإمبراطورية”.
وتستورد مصر احتياجاتها من القمح من كبار المنتجين العالميين وهم روسيا وأوكرانيا ورومانيا. حيث بلغ حجم الوارد في عام 2019 من القمح الروسي لنحو 49% من جملة الاستيراد. بينما ساهمت أوكرانيا بنسبة 26% من واردات مصر. بالإضافة إلى 10% من القمح من رومانيا، و7% من الولايات المتحدة الأمريكية، و6% من فرنسا.