عشر سنوات على الربيع العربي، تحولات هنا وهناك، ومشهد لم يكتمل بعد. مازالت بقايا النظم البائدة المخلوعة من على عرشها، تحاول استكمال فراغات السلطة، بعد أن فشلت الديمقراطية المقوضة. في إرساء قواعدها، أو إشباع حاجات جماهيرها في تحقيق التقدم والازدهار.
يعتبر الكاتب الصحفي هشام جعفر في كتابه “سردية الربيع العربي” أن الثورات أسست صياغة جديدة انتقلت معها الحاجات الخاصة للمواطن الانتفاضي إلى الشأن العام. فلم تعد الهوية الأيدلوجية أو أيدلوجية الهوية هي الأبرز كما الحال مع سرديات القرن العشرين. لتصبح الحياة الكريمة، أي خطاب المعاش هي المطلب الملح للثوري الفرد.
لذلك يذهب المؤلف إلى أن هذا ما يفسر تجاوز الجماهير للحركات السياسية المؤدلجة في أكثر من مرحلة. بعد أن صارت الأولوية للمطالب الاقتصادية والاجتماعية.
ومع “خلو العرش” وهو التعبير الأوقع في سردية هشام جعفر عن الربيع العربي.، ومن خلال تلك الحالة التي تأتي بعد عقد من تلك الثورات. ونهاية الصيغ القديمة، والوقوف عند فترة ما قبل التمأسس، يجد الجميع بما فيهم بقايا النظام البائد الهاربة مكانا، فكما يقول المثل لا فراغ في السياسة.
قبل أيام عاد سيف الإسلام القذافي للأضواء، بعد عقد من وفاة والده معمر على يد الثوار في ليبيا، وأجرى حوارا مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أعلن فيه بوضوح عن عودته إلى الساحة السياسية.
ثوار الأمس أصدقاء اليوم
وفي ظل مشهد متخبط، وبلد أصبح ساحة للصراعات الإقليمية، بعد اختلاف فرقاء الثورة. وجد نجل القذافي موضع قدم له، ولكل ما يمثله من قيم لزمن تحن إليه بعض الجماهير الليبية، التي أفسدت الخلافات أهدافها في تحقيق الرخاء والحرية.
نقل المراسل عن سيف الإسلام قوله، إنه “استغل غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه والمعروفة باسم الحركة الخضراء”.
أما الحنين إلى الماضي وهو سمة شعوب الربيع العربي في ظل عدم اكتمال مشهد الثورة، فقد جسدها نجل القذافي حين قال لمراسل الصحيفة الأمريكية “إن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل 10 سنوات تحرروا من وهم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم”.
ونقل مراسل “نيويورك تايمز” عن سيف الإسلام القذافي قوله إن «شعاره وحديثه إلى الليبيين هو أن السياسيين لم يقدّموا لهم شيئًا سوى المعاناة. وأنه حان وقت العودة إلى الماضي»، على حد وصفه.
وتابع المراسل أن القذافي الذي بدا “متكلفًا” كوالده ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يصف نفيه وتحوّله من أسير إلى أمير منتظر على حد قوله. وقال: “هل لك أن تتخيل.. الرجال الذين كانوا حراسي هم الآن أصدقائي”.
وقال المراسل إن القذافي رغم تحفظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشحه للرئاسة في ليبيا. إلا أنه يعتقد أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة على حد وصفه.
وبالرغم من ماضي أبيه الديكتاتور، لا يزال سيف يتحدث عن الديمقراطية ويقول إن ليبيا بحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة. وقال: “يمكن بسهولة تقسيم ليبيا إلى دويلات وإمارات بسبب جذورها القبلية، متنبئًا بحرب أهلية، وحدود مكسورة. وهجرة جماعية، وملاذ للجماعات الإرهابية” في ابتزاز واضح للمسؤولين عن الأوضاع السياسية الهشة بالأساس.
عائلة مبارك تبحث عن “رد الاعتبار”
في مصر تعيش عائلة مبارك على سجيتها، وصور النجلين مع الجمهور في كل مكان. وبعد أن كان الأبناء جمال وعلاء مبارك متهمين في قضايا فساد “مخلة بالشرف”. تبرأت ساحتهم تماما، إلى الدرجة التي أصبح معهم الحق في رفع قضايا مضادة لرد الاعتبار.
وخلال الشهر الماضي كشفت مصادر قضائية وقانونية مطلعة عدم وجود أي أحكام أو قرارات قضائية تعيق تمكين علاء وجمال مبارك. وأسرتهما من التصرف في أموالهما بالبنوك المحلية المختلفة. عقب قرار المستشار النائب العام بإنهاء أثر منع أسرة الرئيس الراحل من التصرف في أموالهم؛ وذلك في اتهامهم بقضية غسل أموال.
كما أنهما سبق وأن برأت ساحتهما في قضية التلاعب في البورصة، وغيرها. وكذلك الحال مع أغلب رموز النظام السابق التي وقفت الأوراق التي أجادوا ترتيبها في صالحهم إلى الدرجة التي لم تستطع معها مصر الحصول على أي أموال اتهموا بالحصول عليها سواء في الداخل، أو الخارج.
مشهد آخر للثورة لم يكتمل، إلى حد تقدم علاء وجمال مبارك نجلي الرئيس المخلوع ببلاغ لجهات التحقيق بالتعويض المدني قبل كافة المتهمين وعددهم 11 مسئولا كبيرا سابقا. في قضية “التلاعب بالبورصة”، حيث طالبا بـ 100 ألف جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت عن تلفيق وتدبير قضية البورصة على حد وصفهما.
وجاء في بلاغها المقدم إلى النائب العام ما حدث معهما في القضية يعد جرائم تزوير في مستندات وأوراق رسمية استعملت وشهادات زورت للزج بهما في القضية. بحسب اعتقادهما.
وكان جمال أثناء المحاكمة قال جملته المشهورة: ” أنا عايز أعرف أنا بتحاكم على إيه؟ أنا مش عارف أنا متهم في إيه بقالي 8 سنين؟. الاتهامات متواصلة علينا إلى هذا اليوم، أنا عايز اسمع اتهام واحد إذا كنا استغلينا مناصبنا أو صفة والدنا لخدمة أي شركة أو رجل أعمال”.
ومن حين لآخر يطالعنا الحفيد بصور طائرته الخاصة، وحياته المترفة. أو تغريدة يترحم بها على إنجازات جده المخلوع، وأيامه.
تونس بن علي.. حياة مترفة ووعد بالعودة
أما تونس، فمنذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، تفرق أفراد عائلته في عدد من الدول وعاشوا من الثروات التي جمعوها على مدى سنوات، بعيدا عن الأضواء.
وبحسب تقرير للبنك لدولي كانت عائلة المخلوع تضع يدها على 21% من اقتصاد البلاد. وبينما يلاحق القضاء بعضهم، فلم ينجح في تعويض أو استرداد أموال البلاد المنهوبة.
وبالرغم من الحكم على بن علي في عدد من القضايا غيابيا، إلا أنه حتى وفاته في السعودية حيث دُفن، لم يُحاسب على أي من جرائمه.. ولا تزال زوجته ليلى بن علي التي يطلق عليها غالبية التونسيين اسم “الحلاّقة”. تعيش في جدة مع ابنها محمد وابنتها نسرين.
ويعتبر شقيق ليلى بلحسن الطرابلسي أكثر رجال الأعمال ثراء، فبعد أن هرب في يخت في اتجاه إيطاليا، انتقل إلى كندا حيث سكن شقة في مبنى في مدينة مونتريال حتى 2016 حين رفضت السلطات منحه اللجوء، وغادر البلاد لاحقا.
قدم بلحسن إلى هيئة “الحقيقة والكرامة” التي شكلت للنظر في ملف العدالة الانتقالية في تونس. طلبا للمصالحة في مقابل إرجاعه مبلغا ماليا يقدر بمليار دينار (حوالي 350 مليون يورو). ولكن المصالحة لم تتم.
وكذلك الصهر المفضل صخر الماطري وهو طليق نسرين بن علي، هرب إلى قطر عام 2011، ثم إلى السيشيل نهاية 2012.
وترجح منظمة “أنا يقظ” المتخصصة في متابعة ملفات الفساد في تونس، أنه حصل على الجنسية السيشيلية.
خاض الماطري مفاوضات في عام 2017 مع هيئة “الحقيقة والكرامة” في محاولة للوصول الى اتفاق مصالحة يضمن له عودة آمنة إلى تونس. في مقابل تحويل 500 مليون دينار كتعويض للدولة.
وبسبب التطورات الأخيرة في تونس، أصبح من الصعب توقع مصير المصالحة مع بقايا النظام السابق، أو استفادتهم من قرارات استثنائية يصدرها الرئيس قيس بن سعيد.
اليمن الذي لم يعد سعيدا ونجل عبدالله صالح
منذ قرارات مجلس الأمن عام 2015، سكن نجل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح أبوظبي، باعتباره خاضعاً لـ”الإقامة الجبرية”، بموجب العقوبات الدولية، إلا أنه متمتع بدعم من الإمارات، التي سعت، في الفترة الماضية، لدعم إمكانية رفع اسمه من قائمة العقوبات الدولية؛ للسماح له بأداء دور مناهض للحوثيين.
وإلى جانب ذلك، منحت أبوظبي، وفقا لقياديين في حزب المؤتمر، نجل صالح “البطاقة الذهبية” للإقامة الدائمة، كواحد من بين 7 آلاف مستثمر أجنبي.
وفي فبراير الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بتمديد العقوبات الدولية المفروضة على اليمن عاما كاملا، وهي عقوبات تطال في بعض جوانبها أحمد علي عبد الله صالح.
ومع كل الآثام التي ارتكبتها العائلة، أصدر أعضاء حزب المؤتمر، إضافة إلى نحو 46 من أعضاء البرلمان اليمني بيانا دعوا فيه إلى رفع العقوبات عن أحمد صالح، بحجة أنها بُنيت على معلومات غير واقعية وفي ظرف زمني غير طبيعي، معتبرين أن رفع العقوبات هو ضمن مقتضيات المصلحة الوطنية
وتقضي العقوبات بتجميد أموال أحمد صالح التي يعتبرها المجتمع الدولي أموالا منهوبة، كما تقضي بمنعه من السفر للخارج. وحظر استيراده الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية. ومع ذلك فإن أنصاره يطالبون بالإفراج عن تلك الأموال.
وأحمد هو أكبر أبناء الرئيس البمخلوع صالح وأكثرهم نفوذا، حيث كان يعده والده لخلافته من خلال توليه قيادة قوات الحرس الجمهوري، التي تعد الفصيل الأكثر عددا والأحدث عدة في المؤسسة العسكرية اليمنية. إضافة لذلك فقد قاد القوات الخاصة التي تعتبر بمنزلة قوات النخبة في الجيش اليمني، وترقى سريعا في السلك العسكري حتى وصل إلى رتبة عميد ركن.
في الفترة الانتقالية التي قادها الرئيس عبد ربه منصور هادي أُقيل أحمد من منصبه العسكري، ليُعيّن سفيرا لليمن في الإمارات. قبل أن يقال مجددا، في أعقاب عملية عاصفة الحزم. وفرض عليه مجلس الأمن الدولي عقوبات بسبب عرقلة المسار الانتقالي في اليمن، منذ بداية الربيع العربي، تضمنت تجميد أصول الأموال والمنع من السفر.
وحاليا يعتبر أحمد هو الورقة التي تحاول كل الأطراف المتحاربة أن تضمن مصالحها من خلالها، في ظل حرب أكلت الأخضر واليابس. وأدخلت البلاد في بؤر الفقر والمرض منذ أعوام.