قبل أيام من بدء صوم السيدة العذراء مريم والاحتفالات السنوية بموالدها الشعبية في مسطرد وبني سويف ودرنكة بأسيوط، فوجئ ملايين الأقباط بالأنبا يؤانس أسقف أسيوط يعلن عن افتتاح تجديدات مغارة السيدة العذراء الأثرية بالدير والتي يعتقد أنها كانت المحطة الأخيرة في رحلة العائلة المقدسة إلى مصر قبل أن ترتحل شمالًا وتعود إلى القاهرة ومنها إلى فلسطين.

المغارة التي افتتحت أمس الاثنين بحضور عدد غير قليل من أساقفة الصعيد أثارت جدلا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما ظهرت مضاءة بكشافات حديثة في الأسقف ورخام في الأرضيات لا يتناسب مع كونها مغارة فرعونية أثرية سكنتها العائلة المقدسة في رحلة هروبها من بطش هيرودس وفقا لتقليد الكنيسة القبطية.

الشكل الجديد الذى ظهرت عليه مغارة السيدة العذراء دفع الأقباط لطرح تساؤلات عن تغيير هوية دير السيدة العذراء بدرنكة الأثري الذى يعد مزارا سياحيًا لملايين الأقباط بل والمسلمين في صعيد مصر حيث يتوافد عليه ما يقرب من 2 مليون زائر سنويًا، بينما خضع الدير لعدة تجديدات في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ أن تولى الأنبا يؤانس كرسي إيبراشية أسيوط إذ جاء بسياسات مغايرة لسلفه الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل الذى كان راهبًا مقاريًا عرف بالزهد والتقشف الأمر الذى صبغ الدير بتلك الحالة الروحانية.

النغييرات التي طرأت على دير درنكة

كيف غير الأنبا يؤانس تركة الأنبا ميخائيل في دير السيدة العذراء بدرنكة؟

كان الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل الذى توفي عام 2014 أحد أقدم مطارنة الكنيسة القبطية فقد عاصر أربعة باباوات بعد أن تمت رسامته أسقفا عام 1946 فشهد عصر البابا يوساب ثم البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث وتوفي في عصر البابا تواضروس الثاني وهو يحمل لقب عميد أساقفة الصعيد حيث كان المطران الراحل لا يبرح إيبراشيته أبدا ولا يصلي خارجها حتى إنه امتنع حتى وفاته عن رحلات العلاج خارج مصر وزيارات كنائس المهجر التي اعتاد عليها الأساقفة.

يعتبر الأنبا ميخائيل باعث النهضة في دير السيدة العذراء بجبل أسيوط ففي عصره ضمت الكنيسة أراضي واسعة في المساحات المتاخمة للدير لتسهيل استقبال الزوار وخدمتهم وهي نفس الأراضي والمساحات التي عمل الأنبا يؤانس على تجديدها.

الأنبا ميخائيل

في العام 2014 تولى الأنبا يؤانس مسئولية كرسي أسيوط أحد أكبر ايبراشيات الكنيسة القبطية على مستوى الجمهورية حيث تتمتع بتعداد كبير للأقباط وتأتي في المرتبة الثانية بعد محافظة المنيا وأولى الأسقف عناية خاصة بدير السيدة العذراء مريم قبلة ملايين الأقباط في موسم صيام العذراء.

طقوس الأنبا مخائيل

كان الأنبا ميخائيل يحرص على الحفاظ على الحالة الروحية للدير فقد كان عدد غير قليل من الأقباط خلال تلك السنوات قد اعتادوا أن يذهبوا للدير مشيًا كنذر للعذراء في عيدها وعند الوصول إلى منطقة الدير يواصلون الصعود إلى مغارة العذراء في الجبل وسط أجواء أغسطس الحارة لتزور الأسر والعائلات السيدة العذراء وابنها وتصلي قداسًا وتتشفع بهما ثم تنزل من الجبل إلى مساكن الدير أو إلى طريق العودة، وفي المقابل احتفظت مغارة العذراء بطابعها القديم طوال تلك السنوات، فالأسقف يعلوها التراب كجزء أصيل من بطن الجبل وفي منتصفها أيقونة قديمة للعذراء تكشف عن ستر ابنها المسيح فيضئ النور من وجهه، لتتصدر تلك الأيقونة القديمة دورة الشمامسة التي تطوف الدير وتعود.

أما الآن فقد أسس الأنبا يؤانس عدد من المنشآت التي تتمتع بطابع سياحي مثل المحلات والكافيتريات مع تركيب تكيفات لخدمة الزوار وهي التسهيلات التي تبدو للرائي مريحة ولكنها تفقد الدير طابعه الروحاني المتقشف.

دير درنكة.. من مزار متقشف إلى مقصد سياحي

 كانت مغارة العذراء قبل ذلك عبارة عن مغارة فرعونية فرغها الفراعنة من الحجارة و كانت مختبئًا لهم من الفيضان، ويعود تاريخها إلى 4500 سنة قبل الميلاد حين ظهرت حركة الرهبنة فى القرن الرابع الهجرى بمصر، تحول هذا المكان إلى دير، وظهر بجبل درنكة أكثر من دير فظل دير درنكة عامرًا بالرهبان واندثرت بقية الأديرة ولكنها مدونة بالتاريخ القبطى، بينما كان دير درنكة كان يسمى بدير الرهبان النساخ حيث كانت حركة نسخ الكتب مزدهرة وفقا لما يؤكده القمص لوقا الأسيوطي أمين الدير

من جانبه، يقول الأنبا يؤانس أسقف أسيوط إن مغارة العذراء تبلغ مساحتها حوالي 1000 متر ومع ذلك يتوافد عليها آلاف الزوار سنويًا مما يجعل التنفس فيها مستحيلا وسط حرارة أغسطس وهو ما يزعج كبار السن مؤكدًا أن الأنبا ميخائيل حاول تكييفها عدة مرات ولكن التكنولوجيا لم تسعفه في ذلك آنذاك مضيفًا: “أما الآن فقد تم وضع تكييف مركزي ووضع مواسير تحت الأرض وفتحات للتهوية في الحوائط مع تجديد الأيقونات”.