إطلاق وتبادل الشتائم خلال النقاشات السياسية تعبيرا عن الصراعات الدائرة داخل ساحات السياسة. أصبح أمرا شائعا يتجلى واضحا عبر حسابات السوشيال ميديا والمؤتمرات وأحيانا خلال اللقاءات التليفزيونية. إلا أن مستوى الشتائم تطور كثيرا ووصل إلى حد استخدام الإيحاءات الجنسية في خروج واضح عن حدود اللياقة الدبلوماسية. وهناك من الوقائع ما يكفي لإثبات ذلك.
قبل قرابة 70 عاما، وجه ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الراحل. الشتائم إلى نائبة حزب العمال بيسي برادوك على خلفية اتهامه بـ«الثمل». ليأتي رد تشرشل عنيفا إلى أبعد الحدود إذ وجه الشتائم مباشرة إليها قائلا: «انت قبيحة، وستبقين كذلك طوال العمر، بل أني سأفوق من السكر، وستبقين قبيحة مهما حاولت».
تبقى تلك الواقعة خالدة في ذاكرة التاريخ لتكون مرجع وشهادة لتجاوز الساسة واستخدامهم الإيحاءات الجنسية والشتائم في لغتهم دون اعتبارات دبلوماسية أو سياسية.
طوكيو والإيحاءات الجنسية
استدعت العاصمة اليابانية طوكيو، نائب رئيس البعثة اليابانية في السفارة لدى كوريا الجنوبية. هيروهيزا سوما على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل التي أشعلت فتيل الأزمة بين كوريا الجنوبية واليابان من جديد.
تعود القصة إلى ما قبل شهر من الآن، حينما شبه هيروهيزا سوما خلال حواره مع مراسل كوريا الجنوبية. العلاقة بين كوريا وطوكيو بـ”العادة السرية” قائلًا: «إن جهود الرئيس مون لتحسين العلاقات مع طوكيو كانت بمثابة ممارسة العادة السرية».
أثارت تلك التصريحات أزمة دبلوماسية كبيرة. إذ أبدت كوريا الجنوبية غضبها من التصريحات التي وصفتها بـ”العقبة الكبيرة” أمام رحلة الرئيس، مون جيه إن، التي كانت محتملة إلى طوكيو. داعيا طوكيو إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن تصريحات هيروهيزا سوما.
أزمة الخطاب السياسي
الخطاب السياسي مر بمراحل مختلفة، بداية من الكراهية المفرطة مرورا بالعنصرية وصولا إلى الإيحاءات الجنسية.
في الوقت الذي يدفع المجتمع الدولي إلى رفض كامل لكافة الانتهاكات والإيحاءات الجنسية ووصفها بالجريمة، يفتح بعض المسؤولون في دول غربية وعربية الباب على مصراعيه أمام تزايد حدة التحرشات الجنسية.
التحرش واستخدام الإيحاءات الجنسية جرائم لا تسقط بالتقادم، فهي تظل عالقة في العقل المجتمعي. ويظل هدف أساسي للجمعيات العاملة في مجال مكافحة التحرش الجنسي ومشتقاته أن تنسحب المواقف الحالية والوعي العام على الماضي لتكون سلاح رادع لكل من تسول له نفسه أنه نجا بفعلته.
لا يمكن اقتصار الأمر على المجتمعات الغربية فقط، إذ أن الأمر وصل ليطول مسؤولين عرب تجاوزوا في تصريحاتهم تجاه المرأة وحملت إيحاءات جنسية صريحة.
وزير الإعلام.. تعالي وأنا أقولك فين
خرج صلاح عبد المقصود وزير الإعلام خلال حكم الرئيس محمد مرسي، في واقعة تجاوز خلالها كافة الأعراف المعمول بها. خلال حضوره حفل توزيع جوائز مصطفى وعلي أمين الصحفية. وعندما وجهت إليه إحدى الصحفيات تساؤلا يتناول مدى حرية الإعلام قائلة: «هي فين حرية الإعلام».
جاء رد وزير الإعلام متجاوزا إلى أبعد الحدود وحمل في مضمونه إيحاءات جنسية مباشرة قائلا: «ابقي تعالي وأنا أقولك فين، وأكمل حديثه: «ابقوا قولوا لها فين حرية الصحافة».
لم تكن تلك الواقعة هي الأولى لوزير الإعلام الذي اعتاد خلال فترة توليه الحقيبة الوزارية أن يستخدم إيحاءات جنسية في أحاديثه.
في سبتمبر 2014 ظهر وزير الإعلام ضيفا على برنامج الشارع العربي الذي تبثه قناة دبي الفضائية. برفقة مقدمة البرنامج زينة يازجي التي بادرته بقولها: «نحن سجلنا بعض من أراء الصحفيين في وزارة الإعلام، هل تسمح لنا بعرض تلك الآراء على حضرتك». وجاء رد الوزير يحمل إيحاءات جنسية حيث قال: «أهلا وسهلا بهذه الآراء بس يا ريت ما تكونش سخنة زيك».
بحسب الطب النفسي، فإن اللجوء إلى استخدام الإيحاءات الجنسية أو الشتائم ليس إلا وسيلة لتفريغ طاقة مكبوتة داخل الفرد. ولا يجد سبيلا لتفريغها سوى بصب غضبه أو استخدام العبارات الجارحة أو الإيحاءات الجنسية في حديثه.
الخارجية الروسية وغريزة أساسية
بطل هذا الواقعة امرأة شغلت منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية والتي لجأت إلى استخدام إيحاءات جنسية لتوجيه الإهانة إلى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش.
تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة صورة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش خلال تواجده بالبيت الأبيض. على خلفية التوقيع على اتفاقية للتطبيع الاقتصادي مع دولة كوسوفو، حيث ظهر جالسا وكأنه في جلسة تحقيق.
يبدو أن ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، رأت الأمر برمته فرصة لأن توجه إهانة مستترة إلى الرئيس الصربي. حيث عمدت إلى المقارنة بين الرئيس الصربي والممثلة الأمريكية شارون ستون في إحدى لقطاتها الجريئة في الفيلم الأمريكي “غريزة أساسية” الذي أنتج عام 1992.
ونشرت زاخاروفا عبر حسابها على الفيسبوك، صورة ألكسندر فوتشيتش وهو يجلس على كرسي أمام مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وصورة ثانية لشارون ستون وهي جالسة على كرسي واضعة قدما فوق الأخرى خلال تحقيق معها حول جريمة قتل.
وكتبت زخاروفا “إذا دُعيت إلى البيت الأبيض ووضعوا الكرسي الذي تجلس عليه وكأنك ستخضع للتحقيق. فعليك وقتها أن تجلس مثلما هو موضّح في الصورة الثانية (في إشارة إلى صورة شارون ستون)، لا يهم من تكون، فقط ثق بي”.
غير أن ما أقدمت عليه الناطقة باسم الخارجية الروسية أغضب الرئيس فوتشيتش. إذ قال على هامش زيارته للعاصمة البلجيكية بروكسل: “إن زخاروفا تتحدث عن نفسها قطعا. البدائية والابتذال اللذان ظهرت بهما يتحدثان عنها هي وعن الذين وضعوها في هذه المنصب”.
يبدو أن مسلسل لجوء بعض الساسة والمسؤولين إلى استخدام الإيحاءات الجنسية والشتائم في قاموسهم الخاص سيبقى لفترات طويلة. إلا أن يستطيع المجتمع الدولي أن يجرم الأمر، خاصة أنه لم يسبق أن تم محاكمة مسؤول أو رئيس على خلفية استخدامه الشتائم أو الإيحاءات الجنسية.