دون أدنى مبرر اغتال جنود الاحتلال الطفل محمد العلامي. الذي وثق مقتله مقطع فيديو ظهر فيه الجناة وهم يطلقون النار بحماس بالغ على سيارة تمشي ببطء. كمشهد في أحد الألعاب القتالية الإلكترونية.

ليست الحادثة الأولى. ولكن يوثق المقطع لجرائم الاحتلال في حق الفلسطينيين العزل، ويدمر حجج الدفاع عن النفس، ذلك المبرر الذي يسوقه العالم. وتدعمه قوانينهم الداخلية.

تبدأ القصة بالوالد مؤيد العلامي الذي خرج مع أطفاله الثلاثة لشراء بعض حاجات عائلته ببلدة بيت أمّر القريبة من الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة. ليتفاجأ بجنود يمطرون مركبته بالرصاص.

حاول الأب الخروج من مرمى رصاص الجنود. بعدها اعتقد أن الأمر مر بخير وانهم نجوا من لعبة الموت، ولكن محمد الصغير البالغ 11 عاما كان مضرجا في الدماء.

وفي الفيديو المشؤوم الذي بثه “مركزُ المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان” بالأراضي المحتلة “بتسيلم” وهو مركز غير حكومي. تظهر السيارة تسير ببطء، قبل أن يركض جنود نحوها ويطلقون النار. من دون أن تشكل عليهم أدنى خطر. وبالإضافة إلى الطفل محمد، ووالده، كان داخل السيارة شقيقاه البالغان 9 و5 سنوات.

روى والده في مقطع مصور أيضا نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي- أنه كان قد اشترى خبزا وبعض حاجات العائلة. التي سالت دماء ابنه عليها داخل السيارة. وقال إن محمد أكبر أبنائه الثلاثة. ورزق به بعد 7 سنوات من زواجه.

استهداف الجنازة 

لم يتوقف اجرام الاحتلال عند ذلك. إذ أطلق على مشيعي محمد النار الحي. وأصيب الشاب شوكت خالد عوض 20 عاما بالرصاص الحي في رأسه. ووُصفت جروحه بأنها خطيرة، قبل أن يُعلن استشهاده هو الآخر، في أحد مشافي مدينة الخليل

أما والد محمد فما انفك أن يردد غير مصدق “محمد كل حياتي خطفوه من جوا قلبي”. أما والدته فلم تستطع مواجهة الأمر سوى بالبكاء والصراخ غير مصدقة ماجرى.

من جهتها قالت منظمة “بتسيلم” في بيان. إن إطلاق النار على السيارة. تم في قلب منطقة مأهولة بالسكان، تم من دون أي مبرر، ومن دون أن يشكل أي من ركابها خطرا على الجنود أو على أي شخص آخر.

وأضافت أن التفسير الذي قدمه الجيش -والذي بموجبه أطلق الجنود النار على السيارة بعد أن اشتبهوا في أن ركابها دفنوا جنينا لا يمكن أن يبرر أبدا إطلاق النار على السيارة.

وقد أعاد جيش الاحتلال التأكيد على روايته الأولى، قائلا إن الجنود اشتبهوا في أن السيارة كانت متورطة في دفن جنين عثر عليه الجنود بالمنطقة، وفق المصدر ذاته.

سياسة الإفلات من العقاب

بعد حديثه عن “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ردا على الصواريخ التي تم إطلاقها من غزة”، و”حقها في استخدام القوة”. سأل أحد الصحافيين المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في أحد مؤتمراته، إن كان هذا الحق ينطبق أيضاً على الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم؟، فتردد برايس في الإجابة قائلاً: “أنا بشكل عام قلت إننا نؤمن بمفهوم الدفاع عن النفس ونعتقد أنه ينطبق على جميع الدول. ولا أعتقد أن… أنا بالتأكيد لا أريد أن تُفسر كلماتي على أنها…” وفقا لموقع “الشرق بلومبرغ”.

فقاطعه الصحافي:”لكن الإسرائيليين قتلوا 13 شخصاً، بينهم ربما خمسة أو ستة أطفال. هل تدين ذلك؟ هل تدين قتل الأطفال؟”.

تفيد تقارير حقوقية عدة، بأن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص على فلسطينيين كثيرين لم يشكلوا لها أي تهديد، بشكل منهجي يعكس سياسة الاستهداف المباشر للفلسطينيين، والاستخدام المفرط للقوة.

التمييز والاستهتار بالحياة 

وطالما اتهم الاحتلال بالتمييز ضد الفلسطينيين والاستهتار بحياتهم. ولم يسلم من هذا الفلسطينيين داخل الخط. الذين يحملون أوراقها. وخلال العام الماضي على سبيل المثال اغتالت يد الاحتلال الغاشمة الشاب إياد الحلاق بالقرب من بيته الكائن في باب الأسباط في مدينة القدس، حيث كان متجها إلى مركز متخصص بذوي الاحتياجات الخاصة يداوم على التعلم فيه منذ سنوات طويلة، ليكون هذا الخروج من بيته الأخير له في حياته.

وإياد الذي يعاني من التوحد، استشهد على يد جنود الاحتلال بحجة الاشتباه في حمله مسدس، وهي الحجة التي عادة ما يبرر بها اعدام الفلسطينيين على الهوية، منذ سنوات، ويفلت بها الجناة من أي عقاب.

وعن الإفلات من العقاب فحدث ولا حرج. على سبيل المثال لا الحصر، استشهد المغني الصاعد زياد قيسية 17 عاما الذي حلم بأن يكون مطرباً مشهوراً. حين اقتحمت قوة أمنية ، المخيم لاعتقال أيمن حليقاوي، الشاب الذي يعاني من مرض نفسي وعمره 18 سنة، لكتابته منشوراً عبر الـ”فيسبوك”.

وحين فشلت القوة في مهمتها ولم يكن حليقاوي في البيت. أطلق أحد الجنود النار على الشاب زياد قيسية الذي كان يقف على سطح بيته مع شقيقه الصغير وابنة عمه الصغيرة لمشاهدة ما يحدث على الشارع.

لاحقا قال المتحدث بلسان جيش الاحتلال: تلقينا تقريراً عن فلسطيني قتيل، وتم فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية. وفي نهايته ستحول النتائج” وكالعادة لا نتائج.

الحاجز بين غزة والأراضي المحتلة 

وتشير منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إن الجنود المتمركزين على طول الحاجز الذي يفصل بين غزة والأراضي المحتلة.  لديهم أوامر باستهداف “المحرضين” وأولئك الذين يقتربون من الحدود، مع ذلك، لم تقدم حكومة الاحتلال أي دليل على أن إلقاء الحجارة وغيره من أعمال العنف من قبل بعض المتظاهرين هدد بشكل خطير الجنود وراء السياج الحدودي.

وأكدت المنظمة أن ما يحدث من جرائم نتيجة ثقافة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة. القائمة منذ أمد طويل داخل جيش الاحتلال، كما أن أحد لجانها رصدت اتساق سلوك مختلف وحدات الجيش الصهيوني تحديدا في مختلف مناطق قطاع غزة، مما أدى لاعتبار أن السلوك المرصود للقوات الإسرائيلية كان ضمن خطة ووافقت عليه القيادة العسكرية.

أما منظمة العفو الدولية فتقول “يستخدم جيش وشرطة الاحتلال القوة غير الضرورية والمفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون، بما في ذلك خلال عمليات التفتيش، وإلقاء القبض، وعند الحفاظ على الأمن خلال المظاهرات.

31 فلسطينيا 

وقتلت القوات العسكرية والأمنية ما لا يقل عن 31 فلسطينياً – من ضمنهم تسعة أطفال – في قطاع غزة والضفة الغربية بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وقُتل العديد منهم بصورة غير مشروعة بالذخيرة الحية أو غيرها من ضروب القوة المفرطة في حين لم يشكلوا أي تهديد وشيك على حياة أحد، وبدا أن بعض عمليات القتل غير المشروع كان متعمداً ما يمكن أن يُعدّ جرائم حرب.

وفي 15 فبراير الماضي، أطلقت قوات الاحتلال النار على مالك عيسى البالغ من العمر تسعة أعوام فأصابته في عينه بينما كان عائداً إلى المنزل من المدرسة في حي العيسوية بالقدس الشرقية.

ولم تُسجّل أي صدامات في حينه بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وكانت القوات الإسرائيلية تواصل تنفيذ عملية شرطية عنيفة وشديدة في العيسوية، كشكل من أشكال العقاب الجماعي.

كما فتحت قوات الاحتلال النار بصورة متكررة على الصيادين والمزارعين في غزة. وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان أُصيب 12 صياداً و5 مزارعين بجروح بحسب المنظمة الدولية.

ووثّقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين مقتل 10 أطفال برصاص الاحتلال في الضفة الغربية منذ بداية 2021، في حين قتل القصف الإسرائيلي على غزة في مايو الماضي نحو 70 طفلا، من بين أكثر من 300 فلسطيني فقدوا حياتهم خلال أيام.