لا تهدأ الخلافات داخل نقابة المحامين. إلا أن وتيرة هذه الخلافات زادت في الآونة الأخيرة في إطار صراع معلن بين رجائي عطية، النقيب الحالي وأنصاره من ناحية. وسامح عاشور النقيب السابق وأنصاره، من ناحية أخرى.
أتى رجائي عطية حاملًا شعار “معركة الإصلاح” في برنامجه الانتخابي. من خلال لجنة مكونة من أعضاء تابعين له لمراجعة كل المشروعات التي تمت في عهد النقيب السابق. ما تم اعتباره محاولة لتصفية حسابات دون مقترحات علمية.
تقدم عطية ببلاغ لنيابة الأموال العامة. يتهم فيه عاشور بالفساد، نتيجة إهماله قرية الغردقة وعدم سداد أقساط الأراضي المخصّصة للنقابة.
تاريخ من الصراع
الصراع بين رجائي وعطية لم يكن وليد اللحظة بل تاريخ ممتد. فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتنافس فيها كل من عاشور وعطية على مقعد نقيب المحامين. فسبق لها ان خاضا المنافسة 3 مرات من قبل على مدار نحو 20 عاما. حصد فيها عاشور المنصب مرتين خلال الفترة من 2005 حتى 2011.
وانتصر عليهما النقيب السابق حمدي خليفة في انتخابات 2009. ليفوز رجائي عطية في الانتخابات الأخير للمرة الأولى. وفي ثالث مواجهة بينه وبين عاشور لذلك يصف البعض ما بينهما بـ”التار البايت”. الذي تتحكم فيه الأهواء شخصية.
عام 2001 فاز المحامي الناصري سامح عاشور بمنصب نقيب المحامين للمرة الأولى، بفارق 1900 صوت على رجائي عطية. وفي عام 2005، تجددت المنافسة بينهما وحينها استغل عاشور دفاع رجائي عن المتهمين بقتل الرئيس الراحل أنور السادات. وحسم المعركة لصالحة للمرة الثانية على التوالي بنحو 44 ألف صوتا مقابل 22 ألفا لمنافسه. ولم تكتمل هذه الدورة لصدور حكم بحل المجلس في 2008.
وخلال عام 2009 خاض الثنائي الانتخابات على مقعد النقيب للمرة الثالثة لكن كان المنصب من نصيب حمدي خليفة الذي استفاد جيدًا من الصراع الدائر بينهما لصالحه وفاز. في 2011 أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة المحامين، فوز سامح عاشور بمنصب النقيب، وظل لفترتين متتاليتين في 2015. ثم حل عام 2020، ليفوز رجائي عطية أمام سامح عاشور.
وتحدث عطية، أثناء استضافته ببرنامج على مسئوليتي بقناة “صدى البلد: عن أنه تم التلاعب في نتيجة انتخابات 2005 بحسب ما قاله له الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات العامة حينها، خشية أن يكون هناك تقارب مع الإخوان.
انتقام بأثر رجعي
وبمجرد أن تولى عطية المنصب قرر أن ينتقم من خصمه اللّدود عاشور، فتقدم ببلاغ لنيابة الأموال العامة العليا، بشأن إهدار أموال النقابة في قرية المحامين بالغردقة. مؤكداً أن هناك جرائم إضرار عمد وإهمال جسيم بأموال النقابة. ما يستوجب مساءلة الفاعلين الأصليين ومن شارك في هذه الجرائم بالتحريض أو بالاتفاق أو بالمساعدة، وفقًا لنص المادة 18 من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات بعد تسلم النقابة العامة للقرية بالكامل في 2006.
الاتهام الذي رد عليه عاشور بأن المجلس الجديد يريد التهرّب من حل مشكلات المحامين، أو تنفيذ برنامجه الانتخابي، باتهامه بالفساد والإفساد، وأنها محض مهاترات كيدية. مضيفًا قالوا إن مدينة الغردقة فيها فساد، وأكدنا أننا لم نبرم أىّ تعاقدات، وإبرام التعاقد كان سابقًا على ولايتي، وانتهت العلاقة الإيجارية لهذا المكان في 2006، وفي 2008 تم حل مجلس نقابة المحامين بحكم قضائي، وأجريت الانتخابات في 2011، وتولينا الملف في 2012، عقب ثورة يناير، وكانت كل المعاملات مع أجهزة الدولة تغيرت. مع إنكار كل ما قيّل عنه، وعاد ليتهم عطية بأنه «فشل فى إدارة النقابة»، وأن هدفه الأوحد هو تشويه إنجازات النقيب السابق وتصفية الحسابات معه، دون تقديم بدائل عملية.
وأشار إلى أن عطية تعد الحد المسموح به من اللباقة والنزاهة، وتحمل فى طياتها اتهامات، في سابقة للعلاقات النقابية»، ما دفعه إلى التوقف عن تسلم الخطابات منه أو الرد عليها. كما اتهم رجائي بأنه أعاد للنقابة قيادات الإخوان من الموظفين الذين خرجوا من الخدمة منذ أعوام.
دعوات للتظاهر وسحب الثقة
في هذا السياق دعا عدد كبير من أنصار سامح عاشور، نقيب المحامين السابق. إلى تنظيم تظاهرات ضد النقيب الحالي، رجائي عطية، وذلك فى مقر النقابة العامة، بهدف ما اعتبروه «الحفاظ على مكتسبات المحامين خلال عهد سامح عاشور»، من جهته، نفى سامح عاشور، نقيب المحامين السابق، علمه بدعوات التجمع والاحتشاد فى مقر النقابة العامة، مؤكدًا أنه لا يقف وراء تلك الدعوات من قريب أو بعيد.
فى المقابل، ربط أنصار رجائي عطية بين الدعوة إلى التظاهرات، وبدء عمل لجنة الجهاز المركزي للمحاسبات المعنية بالفحص المالي لجميع التعاقدات والمشروعات والميزانيات الخاصة بالنقابة فى عهد سامح عاشور، خاصة أن اللجنة ستباشر عملها فى يوم التظاهرات نفسه.
شبهات فساد
تضمن تقرير لجنة الرصد بحسب ما أعلن عنه رجائي في بث مباشر أن النقابة لم تقم بموافاة الجهاز خلال السنوات السابقة بأية حسابات أو بيانات تخص مشروعات الإسكان التابعة لها رغم الإشارة للك بكافة تقارير الجهاز السابقة. ومخالفات أخرى من بينها مخالفات المشروعين الوحيدين اللذين خصصا عام 2010 وشرعت النقابة في تنفيذهما وهما مشروع إسكان برج العرب بالإسكندرية، ومشروع إسكان في مدينة السادس من أكتوبر. في إشارة إلى وجود «العديد من شبهات الفساد وإهدار أموال النقابة».
إلا أن التحركات والاشتباكات شبه تجمدت بعد أن تم تعيين سامح عاشور نقيب المحامين السابق، لعضوية مجلس الشيوخ
لجنة مراقبة
على الجانب الأخر خلق رجائي عطية مساحة كبيرة من الصراع بين المحامين. فلا تكاد تهدأ أصوات الخلافات داخل نقابة. حتى تعود مرة أخرى بسبب قرار يتخذه النقيب أو بسبب جدل بين أنصاره ومعارضيه في مقر النقابة أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخرها هو الإعلان عن تشكيل لجنة حصر لما ينشر على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، أو في أي مطبوعات ورقية، أو صوتية، من بذاءات وشتائم في حق أي شخص من منتسبين للمحاماة.
على أن تكون مهمة اللجنة حصر ما ينشر على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مطبوعات ورقية أو صوتية من بذاءات وشتائم وسباب وقذف في حق أحد أو آخر من المحامين والمحاميات أو آحاد الناس. الأمر الذي رآها المحامون أن اللجنة تمثل خطوة في إسقاط عضوية معارضيه. وبرروا ذلك بما كتبه قبل ساعات من إعلان قراره.
وكان عطية كتب على صفحته الرسمية على الفيس بوك: آن الأوان لإسقاط قيد من يلطخون المحاماة ويفتقدون شرط حسن السمعة للاحترام الواجب إلى المهنة. لم تقتصر خلافات عطية داخل أروقة النقابة بل امتدت لاتحاد المحامين العرب الذي يترأسه. انتهت بتحرير محاضر في أقسام الشرطة في ديسمبر الماضي.
لجنة الرصد ليست المعركة الوحيدة فسبقها مشروع رقمنه نقابة المحاميين، عبر الدمغة الإلكترونية، وهو مشروع ليس بجديد، دشنه النقيب السابق عاشور، بهدف حمايتها من التزوير، واتباع النهج الإلكتروني في تحصيلها. على أن تصدر باسم المحامي ورقم قيده وتاريخ إصدارها. وعدّها دليلاً على الاشتغال بالمهنة دون الحاجة لطلب توكيلات تفيد بالاشتغال.
الاتهامات بالتوريث
منذ تولي عطية النقابة، تردد اسم ابنته مي بين المحاميين، وهو ما يتعارض مع العرف النقابي الذي خلا من الروابط العائلية. حيث تم تعيين مي رجائي مديرة لمكتبه.
والتي ظهرت في فيديو على صفحتها الشخصية على “فيس بوك” تستغيث من خلاله بالرئيس عبد الفتاح السيسي والنائب العام والمسؤولين، في وقت تنتشر داخل أروقة النقابة استمارات سحب الثقة من النقيب الحالي.
كما شهدت النقابة معارك أخرى مثل عقود الكمامات الطبية وبوابات التعقيم التي كلفت كلف خزينة النقابة ما يزيد عن مليون جنيه. فضلًا على الإشارة المستمرة بتفرد رجائي بالقرارات داخل النقابة.
إشكالية أخرى تواجه عطية وهي تجميد لجنة الحريات وعدم تفعيلها، إلى جانب اتهامه بالتقصير في الحضور مع المحامين المتهمين على ذمة قضايا، رغم حضوره مؤخرا مع موكل بالكويت.ما تشهده نقابة المحامين. أعاده البعض إلى محاولة أنصار عاشور التصيد للنقيب الحالي. فيما رأى أخرون أن أداء النقيب لم يأت على مستوى المتوقع ما أشعل غضب المحامين.
التصيد لـ”رجائي”
وجهة النظر الأولى تبناها أحمد قناوي، المحامي وعضو بتيار الاستقلال النقابي والمرشح السابق على مقعد النقيب. مؤكدا أن هناك قدر كبير من الترصد للنقيب الحالي.
وأضاف لـ”مصر 360″، أن رجائي عطية يعطي الفرصة لمعارضية من خلال بعض قراراته التي كان أخرها جبهة الرصد وتتبع المحامين.
قناوي قال إن هناك جبهات موالية للنقيب السابق ومدعومة منه ضد النقيب الحالي الذي يرى أن من حقه أن يظل نقيبا للأبد. ولكنه لا يختلف عن رجائي في عدم العمل المؤسسي والاعتماد القرارات الفردية.
وأشار قناوي. إلى أن أداء النقيب الحالي في مكافحة الفساد جيد. ولا يمكن إنكار أن النقيب السابق سامح عاشور مسيطر عليه بشكل كبير جدًا، وان على رجائي أن يقود النقابة بصفته نقيب دون التركيز مع النقيب السابق.
إهمال الخدمات
في الجانب الأخر يحمل عيسى أبو عيسى، عضو مجلس نقابة المحامين، رجائي عطية مسؤولية موجه غضب في أوساط المحامين.
وأرجع ذلك إلى إهمال النقيب الخدمات ومشاكل المحامين وعدم التواجد في الأزمات الخاصة بهم أو التواصل مع المسئولين. ما تسبب في حالة انتقادات واسعة من قبل المحامين على مواقع التواصل الاجتماعي. ما دفع النقيب إلى إصدار القرار العجيب بإنشاء بوحدة رصد المحامين على السوشيال ميديا.
وأضاف لـ “مصر360″، أن القانون حدد الطرق لأي مؤسسة أو شخص للحد من الأخطاء وبالتالي لا يجوز اتباع إجراءات أخرى.
وتابع: لسنا في النقابة جهة تشريع ولا يمكن التحقيق مع المحامين “مفيش حاجة اسمها كدا”.
الحجر على الحريات
واتهم عيسى رجائي باتخاذ قرارات تحمل قدرا من الحجر على الحريات، وتعبر عن عدم الوفاق بين عطية والمحامين.
وتابع: النقيب نجح ومعه قائمة من 10 أفراد ببرنامج انتخابي يحدد اختصاصات كاملة لكل الأعضاء. بجانب بعض الوعود الانتخابية. إلا أن المحامين فوجئوا بالنقيب يعمل بشكل فردي ولا يجتمع مع المجلس خلال 18 شهرًا إلا مرتين. رغم أنه كان من المفترض أن يجتمع 36 مرة. في وقت يتم تمرير القرارات عبر توقعيات فردية وليست أغلبية.
مؤكدًا أنه من الأفضل أن يركز النقيب على برنامجه الانتخابي والتعاون مع المجلس الحالي. خاصة أن 80 % من محاضر اتهامات الفساد التي وجهها للنقيب السابق تم حفظها بالفعل.
ومن جانبه يرى ياسر سعد المحامي أن جزء مهم من مشكلة النقابات في مصر أنها تجمع بين مصالح متناقضة بين أصحاب الأعمال والعاملين في المهنة. قائلا: بالتأكيد المكسب والانتصار سيكون لأصحاب الأعمال في مواجهة العاملين”.
ويستكمل أن هذه الأزمة تجعل المصالح التي يدافع عنها أصحاب الأعمال بالنقابة مختلفة عن مشاكل العاملين بالمهنة.
ويضيف أن جزء من الأزمة أن النقيب ليس له أغلبية في مجلس النقابة. ما خلق حالة من الصراع الشديد والتفكير أكثر نحو الإقصاء دون التركيز على المشاكل الحقيقية التي تُصيب المحامين.