التصنيع الزراعي واحد من أهم البدائل التي تلجأ لها الدول في التعامل مع الأزمات الخاصة بسوق الخضار والفاكهة المتعلقة بالمناخ. ويعد القيمة المضافة للمنتج التي تساعد إلى حد كبير في خلق حالة من التوازن في العرض والطلب سواء كان المعروض أقل من الاحتياج أو العكس بما قد يضر بعوائد المزارع.
وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها قبل يومين أن مصر شهدت أزمتين متزامنتين. هما كورونا كوباء عالمي استمر خلال العام الماضي والحالي. وارتفاع درجات الحرارة التي أثرت على جانب ليس بالقليل في الإنتاج الزراعي. كاشفاً أن هناك توجه نحو تطوير بعض المصانع وإنشاء الجديد منها بشركتي إدفينا وقها لتوفير الخضروات والفاكهة. بما يتناسب مع الاحتياج ومستوى الجودة خلال الفترة المقبلة.
وتمكنت مصر بحسب السيسي من ضبط الأسعار في السوق وخلق نوع من التوازن. ساعد إلى حد كبير على تجاوز الأزمتين مع مواصلة العمل على إتمام الأمر بما يليق بالمواطن المصري.
ونستعرض في التقرير التالي، الأدوات المتبعة في التعامل مع أزمة الحرارة والجائحة خلال الفترة الماضية. وأسلوب عمل التصنيع الزراعي مستقبلاً وفوائده على الفلاح والمواطن.
عودة المجمعات الاستهلاكية
أعادت الدولة المجمعات الاستهلاكية إلى الواجهة وتم استخدامها بفاعلية. من خلال طرح الشركة القابضة للصناعات الغذائية كميات كبيرة من الخضراوات والفاكهة بأسعار تقل عن السوق بنسبة 25%. للحفاظ على استقرار الأوضاع وتحقيق التوازن في السوق، والضغط على التجار لتخفيض الأسعار المبالغ فيها للتجزئة.
وتم تطوير المجمعات الاستهلاكية للقيام بدور رمانة الميزان بين مصالح المنتجين والاسعار للمستهلكين. ومراعاة البعد الاجتماعي في توفير احتياجات المواطنين، بحسب تصريح رئيس قسم الخضار والفاكهة بشركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية بفرع المهندسين “محمد كمال”.
كمال أكد أن الفرع يطرح أكثر من 10 أطنان من الخضار والفاكهة أسبوعياً.
إلغاء الدورة الزراعية والقضاء على الفواصل بين العروات
ساهم إلغاء الدورة الزراعية الإلزامية في ترك الحرية للمزارعين في اختيار محاصيلهم وفقا لربحيتها. ما ساهم في زيادة الإنتاجية وفقا لقوانين السوق والعرض والطلب.
ووفقا لتصريح نقيب الفلاحين “حسين أبو صدام”. فإن هناك تطور ملحوظ في نظم الزراعة فضلاً عن دخول أساليب متطورة مثل الصوبات والزراعة المغطاة. ما ساهم أيضا في توفير المحاصيل بشكل دائم والقضاء على الفواصل بين العروات والتي كانت تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار نتيجة نقص المعروض.
تطوير البذور واستخدام وفيرة الإنتاج
نجحت مراكز البحوث الزراعية المصرية في تطوير بذور لمحاصيل الخضر والفاكهة تتميز بوفرة الإنتاجية وقلة استخدام المياه.
وبحسب الدكتور أشرف كمال أستاذ الاقتصاد بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي، فإن دور المراكز البحثية يدعم جهود الدولة في تحقيق الأمن الغذائي وتوفيره والحفاظ على أسعاره في السوق.
دعم الفلاحين
يوضح تقرير لمجلس الوزراء المصري أن إجمالي الدعم المقدم للمزارعين خلال عام 2020 يتراوح بين 400 إلى 800 مليون جنيه. بالإضافة إلى قروض تمويل للمحاصيل وبينها الخضر والفاكهة بقيمة 8 مليار جنيه.
تطوير أسواق الجملة
كما نجحت الحكومة في اجتذاب تمويل دولي لتعزيز الأمن الغذائي بقيمة 100 مليون دولار. شمل 780 ألف دولار لمشروع تطوير تجارة الجملة. و3.21 مليون دولار لتطبيق برنامج الجودة الشاملة في الإنتاج الزراعي. و4.42 مليون دولار لدعم برنامج التنمية الريفية. ما ساهم في تقليل الفاقد من الخضر والفاكهة وزيادة المعروض منها.
موجة الحرارة وسوق الخضروات والفاكهة
أكد نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة، وعضو مجلس أمناء سوق العبور، حاتم نجيب. أن بعض أصناف الخضروات والفاكهة تأثرت بموجة الحر. إلا أن المحاصيل الاستراتيجية كالطماطم والبصل والبطاطس لم تتأثر إلى حد كبير نظراً لوجود فائض في الإنتاج خلال العام الماضي والحالي.
وأضاف نجيب في تصريحه لـ”مصر 360″. أن القلق الحقيقي يرتبط بشهر أكتوبر المقبل لأنه موعد خروج العروة التي تأثرت بالموجة الحارة الأخيرة، إلا أن المؤشرات الحالية لا تدل على احتمالية الوقوع في أزمة كبرى كما كان يحدث في السابق، معتبراً أن الفلاح في حاجة للخدمات المقدمة من وزارة الزراعة في مثل تلك الأوقات والتي يأتي في مقدمتها الإرشاد الزراعي والتوعية وتعريفه بالأسمدة المناسبة وطرق الري وهو أمر من المتوقع تنفيذه خلال الفترة المقبلة.
بينما اعتبر نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام أن هناك نجاح بالفعل في تخطى توابع كورونا وارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية بارتفاعات بسيطة تكاد تكون غير ملموسة في الأسعار، لافتا إلى أن السوق المحلي يشهد توازن غير مسبوق في ظل الظروف الراهنة والمتوقع تأثيرها السلبي بشكل مضاعف في مختلف القطاعات.
قها وإدفينا
قال نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة، وعضو مجلس أمناء سوق العبور، حاتم نجيب. إن خطوة تطوير العمل من خلال إدفينا وقها هام ومضيف للسوق المحلي فرفع كفاءتهم بعد تعمد تخسيرهم في الماضي لصالح الخصخصة يعد إعادة للحياة بعد الموت. ما سيوفر السلعة البديلة فمثلاً: “بديل الطماطم هو الصلصة، والبطاطس الطازجة يباع منها النصف مقلية، والملوخية المجففة والبازلاء والفاصوليا”، وغيرها من الخضروات المصنعة وكذلك الفاكهة.
ولفت نجيب إلى أن القيمة المضافة للمنتج هو تصنيعه وبالتالي يكون الأهم عند حدوث أزمة تحول دون الاكتفاء من الإنتاج الزراعي. وعادة ما يتراجع الكثير من المواطنين عن التخزين بسبب الوفرة. ما يساهم في تخفيض الأسعار بالسوق المحلي. بالإضافة إلى زيادة الطلب العالمي على المنتجات الزراعية المصنعة وخاصة في افريقيا وهو ما يفتح مزيد من الأسواق الخارجية ويدر على الدخل القومي بالعملة الأجنبية.
وتوقع عضو مجلس أمناء سوق العبور أن يتم إضافة المنتجات الزراعية المصنعة إلى بطاقات التموين ما قد يسهم في تلبية احتياجات المواطن دون تحمل أعباء مالية مباشرة ويقلل الضغط على الأسواق ويزيد من وفرة المنتجات الطازجة ويقلل أسعارها إلى حد كبير.
وأضاف أبو صدام، أن التوجه نحو توفير القيمة المضافة للإنتاج الزراعي من شركتي قها وإدفينا. يعود بإضافات مالية على الفلاح ويحرك السوق في حالة الركود. فضلاً عن كونه يساهم إلى حد كبير في القضاء على الفائض، ففي بعض الأحيان يعاقب الفلاح على زيادة إنتاجيته ويضطر للبيع بسعر يكاد يكون أقل من التكلفة وذلك لتصريف انتاجه السريع التلف، كما أنه يقضي على الاستغلال والاحتكار.
أما عن طريقة التنفيذ فالأمثل أن يتم تفعيل القرار الرئاسي الصادر في عام 2015 بالعودة للعمل بالزراعة التعاقدية التي بدأت وزارة الزراعة في تنفيذها بقطاع محدود يرتبط بأعلاف الدواجن المتمثل في “الذرة الصفراء وفول الصويا” والتوسع في استخدامها يحقق ضمانة للفلاح من جهة بأنه سيتمكن من تصريف كامل إنتاجه، والمصانع على الجانب الآخر بإيجاد احتياجها للتصنيع.
تأثير التغيرات المناخية
درجات الحرارة المرتفعة تسببت أيضًا في زيادة عدد الأمراض الفطرية التي تصيب محصول الطماطم. مثل الندوة البدرية والتبقع البكتيري والندوة المتأخرة والبياض الدقيقي والبرغوتية. التي تُعَد من أشد الأمراض الفطرية التي تدمر محصول الطماطم، هذا ما أكدته دراسة بعنوان “تغيُّر المناخ والأزمات الزراعية المصرية”، أجراها أيمن فريد أبو حديد، أستاذ الزراعة بجامعة عين شمس.
وكانت الدراسة عُرضت في المؤتمر الدولي التاسع للتنمية الدولية حول تنمية الأراضي الجافة، في عام 2009 مدينة الإسكندرية. وأكدت نتائجها أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة ومن ثم انتشار العديد من الأمراض النباتية الفطرية. وكذلك الإصابات الحشرية المختلفة، ومن أمثلة ذلك اللفحة المتأخرة لكلٍّ من الطماطم والبطاطس. وصدأ الساق والأوراق لمحصول القمح، الأمر الذي يضيف تحدّيًا جديدًا للمحافظة على الإنتاجية والمعاملات الزراعية المناسبة.
أوضحت النتائج أن إنتاجية محصول القمح ستقل بنسبة 9% إذا ارتفعت درجة الحرارة درجتين مئويتين. وسيزداد الاستهلاك المائي لهذا المحصول حوالي 6.2% بالمقارنة بالاستهلاك المائي له تحت الظروف الجوية الحالية. في حين سيصل معدل النقص إلى 18% إذا ارتفعت درجة الحرارة 4 درجات مئوية.
بينما ستقل إنتاجية الذرة الشامية بنسبة 19% بحلول منتصف هذا القرن إذا ارتفعت درجة الحرارة 3.5 درجات مئوية، وذلك بالمقارنة بالإنتاجية تحت الظروف الجوية الحالية، وسيزداد استهلاكها المائي -تبعًا لذلك- نحو 8%.
محصول الطماطم
وفيما يتعلق بمحصول الطماطم الذي يُعَد من المحاصيل الحساسة جدًّا لارتفاع درجة الحرارة، كشأن العديد من محاصيل الخضر، أكدت الدراسة أن إنتاجيته ستنخفض بنسبة 14% إذا ارتفعت درجة الحرارة درجتين مئويتين وسيزداد الاستهلاك المائي لهذا المحصول ما بين 4.2 و5.7%، بالمقارنة بالاستهلاك المائي له تحت الظروف الجوية الحالية، في حين أن هذا النقص سيصل إلى حوالي 51% إذا ارتفعت درجة الحرارة 3.5 درجات مئوية.
على عكس ما سبق، فإن إنتاجية القطن ستتأثر -وفق الدراسة- تأثرًا إيجابيًّا؛ إذ ستزداد إنتاجيته بنسبة 17% إذا ارتفعت درجة حرارة الجو درجتين مئويتين، إلا أن الاستهلاك المائي لهذا المحصول سيزداد ما بين 4.1 و5.2% بالمقارنة بالاستهلاك المائي له تحت الظروف الجوية الحالية، وسيصل معدل الزيادة في هذا المحصول حوالي 31% تحت ظروف ارتفاع درجة الحرارة 4 درجات مئوية، ومن ناحية أخرى سيزداد استهلاكه المائي نحو 10%، مقارنةً باستهلاكه المائي تحت الظروف الجوية الحالية.
ميزان الأمن الغذائي لمصر
حققت مصر تقدماً كبيرا في مؤشر الأمن الغذائي لعام 2020. محتلة المركز 55 عالميا وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “الإيكونومست” البريطانية. نقلا عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، ونجحت مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الخضراوات بقيمة 20.5 مليون طن عام 2020. بينما حققت نسبة 100% اكتفاء ذاتي في الفاكهة بإنتاج بلغ 10.7 مليون طن.
وكما يوضح بيان المركز الإعلامي لمجلس الوزراء. أن مصر لم تحافظ على أمنها الغذائي فقط بل استمرت في تصدير 5 ملايين طن من الحاصلات الزراعية مقتربة من معدل صادراتها قبل جائحة كورونا والبالغ 5.5 مليون طن، حيث تم تصدير منتجات زراعية مصرية لأكثر من 160 دولة في العالم منها 11 سوقاً جديدة منها اليابان.
وتصدرت مصر قائمة المصدرين العالميين للموالح والفراولة، كما تم تصدير المانجو المصري لسوق الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة.