إدارة الكوارث والأزمات كانت تمثل أزمة حقيقية تضاف لرصيد الأزمات التي تواجهها مصر. نتيجة عدم توافر الإمكانيات وضعف البنية التحتية، فلا يمكن مقارنتها بدول أوروبا لما لديها من خبرة في إدارة الكوارث. حيث خاضت حربين عالميتين بالإضافة للكوارث المتتالية التي تشهدها. لكن بالتجربة بعد سلسلة من الإجراءات يمكننا القول إن مصر استفادت إلى حد كبير من أخطائها وطورت أدواتها. ويتجلى ذلك في الكارثة الأكبر التي شهدها القرن الأخير وهي وباء كورونا.
تطور أساليب المواجهة
واجهت مصر مؤخراً أزمة التعامل مع “جائحة كورونا” ورغم اختلاف وجهات النظر حول تقييم أداء الحكومة في مواجهة الأزمة. يرى أغلب المحللين أن مصر نجحت بدرجة كبيرة في المواجهة. وتجاوزت الكثير من التداعيات التي عانت منها دول أخرى بعضها يصنف من الدول الكبرى مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا.
وشهدت عبر تاريخها الحديث عدداً من الكوارث والأزمات ربما كان أشهرها زلزال العام 1992. والسيول المتكررة كل عام، بالإضافة إلى أزمة كورونا الأخيرة.
الزلازل
يتذكر الكثير منا زلزال الثاني عشر من أكتوبر عام 1992، الذي جاء بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر. حينما اهتزت القاهرة لمدة نصف دقيقة، تسببت في وفاة 561 شخص وإصابة 6512، وتشريد أكثر من 50 ألف. كما تسبب الزلزال في هدم 350 مبنى بالكامل، وتضرر ما يقارب 9000 مبني جزئياً بينهم 350 مدرسة و216 مسجد.
ولعدم وجود إدارة للكوارث والأزمات في مصر وقتها. قامت القوات المسلحة بالتعامل مع نتائج الزلزال عبر إقامة مخيمات للإيواء بمدينة السلام بالقاهرة ومنطقة الخانكة بالقليوبية. ومعسكرين آخرين بمدينة العياط ومركز شباب البراجيل بالجيزة.
وتوالت عمليات تقديم الملابس وإطعام المضارين من الزلزال والمقيمين في المخيمات والمعسكرات. واكتفت الحكومة بتقديم بعض الإعانات المادية للمتضررين.
ونتج عن وقوع زلزال 1992 قيام مركز “بحوث الإسكان والبناء” بتعديل كود البناء المصري. ليتضمن مستوى أعلى من الأمان لمواجهة مخاطر الزلازل في الأبنية مستقبلاً.
السيول
رغم أن مصر تقع ضمن الحزام العالمي للصحراء ويقل فيها سقوط الأمطار. لكن تسقط على فترات متباعدة على بعض مناطقها أمطارا غزيرة تتسبب في حدوث سيول جارفة وخطيرة. خاصة في فصلي الخريف والربيع، وتجرف السيول في طريقها كل ما يقابلها من تجمعات سكنية وأراضي زراعية والثروة الحيوانية وابشر أيضاً.
وتعتبر المنطقة الواقعة بين القاهرة وأسيوط من وادي النيل ومناطق سيناء والبحر الأحمر أكثر المناطق تعرضا لأخطار السيول في مصر. ويفاقم من آثار السيول في مصر تعديات البناء على مخرات السيول. وتعتبر سيول عام 1994 من أكبر الكوارث التي مرت بها مصر، حيث دمرت السيول 3219 مبني بالكامل. بالإضافة إلى تصدع 2677 مبني بمحافظتي المنيا وأسيوط.
واجهت الدولة المصرية كارثة السيول عبر تطوير وتطهير مخرات السيول من العوائق. وخلق ممرات جديدة لحماية المناطق المعرضة للسيول، لتوجيه المياه إلى مناطق تصريفها على النيل أو البحر الأحمر وخليج العقبة. وإنشاء سدود إعاقة لتهدئة سرعة السيل مع إنشاء بحيرات لتخزين المياه.
أزمة كورونا
تأثرت مصر بسبب جائحة كورونا مثل أغلب دول العالم، وتضررت قطاعات اقتصادية هامة كالسياحة التي شهدت انخفاض حاد في إيراداتها. وقناة السويس التي هبطت عوائدها بعد تراجع حجم التجارة العالمية خلال فترة الأزمة. وتراجعت تحويلات المصريين في الخارج خاصة من الدول النفطية.
وتوقعت منظمات دولية عديدة أن يكون التأثير على مصر كارثيا، لكن ما حدث كان مختلف بدرجة كبيرة. حيث نجح النظام الصحي مدعوما بالمبادرات الشعبية في استيعاب أغلب المصابين بالفيروس. وتكفلت القوات المسلحة بسرعة إنشاء مراكز للعزل، وتم تطوير الكثير من المراكز الصحية وتأهيلها لاستقبال مصابي كورونا.
ونجحت الحكومة في الحفاظ على استقرار الاحتياطي النقدي والذي هبط من 45.4 مليار دولار في يناير 2020. إلى 40 مليار دولار بنهاية العام، رغم خطط التحفيز الكبيرة التي أقرتها الدولة في مارس وأبريل. وتسببت وقتها في هبوط الاحتياطي النقدي إلى 36 مليار دولار بحلول مايو 2020.
وعلى عكس التوقعات ارتفعت تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 10.5% خلال العام 2020. حسب بيانات البنك المركزي المصري، وبلغت 29.6 مليار دولار.
كما استفادت مصر من قربها لأوروبا برفع معدلات التصدير لها، وإحلال المنتجات المصرية مكان تراجع التصدير من بعض البلدان بسبب تراجع حركة التجارة العالمية. واحتياج الدول للحفاظ على مخزوناتها من بعض السلع، مثل الخضروات والأسماك والدواجن المصرية التي شهد تصديرها انتعاشا خلال العام 2020.
إدارة الأزمات والكوارث في مصر
تأسست اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث في مصر بقرار رئيس الوزراء رقم 3185 لسنة 2016. لمواجهة الأزمات والكوارث وشملت اختصاصاتها أيضا متابعة الانتخابات وامتحانات الثانوية العامة وسوء حالة الطقس. وتضم في عضويتها ممثلين عن وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، بالإضافة لممثلين عن جهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية ويتولى رئاستها رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
وتختص اللجنة بإعداد السياسات المعنية بإدارة الأزمات والكوارث. وإعداد ومراجعة الخطط لدعم قدرة الوزارات والمحافظات للاستعداد والاستجابة في حالات الكوارث والأزمات.
تأسست اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث في مصر بقرار رئيس الوزراء رقم 3185 لسنة 2016. لمواجهة الأزمات والكوارث وشملت اختصاصاتها أيضا متابعة الانتخابات وامتحانات الثانوية العامة وسوء حالة الطقس
ومنذ تأسيسها قدمت اللجنة خططا قومية لمواجهة حالات الطوارئ النووية والإشعاعية. ومواجهة الزلازل والحدّ من أخطارها، وكذلك الكوارث البحرية، والنيلية، والخطة القومية لمواجهة الأمراض المعدية والأوبئة. والاستعداد والتصدي لجوائح الأمراض المعدية والمستجدة، ومواجهة الكوارث البيئية. وأخيرا الخطة القومية لمواجهة تأثيرات نوبات الطقس الجامحة والحدّ من أخطارها.
أوروبا وإدارة الأزمات
تعتبر أوروبا مهد برامج مواجهة الكوارث والأزمات، والمنطقة التي تطور فيها نظام الطوارئ عالميا. حيث جرت على أراضيها حربين عالميتين، ساهمتا بدرجة كبيرة في تطوير نظم الإنقاذ والدعم والإنذار المبكر في حالات الكوارث.
تأتي في صدارة البلدان التي تعرضت لأكبر الأزمات تاريخيا ألمانيا التي كانت قلب الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتأتي في نهاية السلسلة تركيا التي تعد من أكثر بلدان أوروبا والعالم تعرضا للكوارث في السنوات الأخيرة. ونعرض فيما يلي لنظم مواجهة الكوارث والأزمات في البلدين.
انتقادات لاذعة لألمانيا
عندما يتعلق الأمر بالكوارث الطبيعية الخطيرة، فإن ألمانيا تذكر باعتبارها الدولة التي تمتلك أفضل نظام انذار ومواجهة عالمياً. ورغم ذلك واجهت الحكومة الألمانية انتقادات كبيرة في مواجهة كارثة السيول الأخيرة التي اجتاحت البلاد وتسببت في وفاة أكثر من 170 شخص.
ورغم دفاع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن نظام إنذار الكوارث في البلاد. إلا أن وزير النقل أندرياس شولتز اعترف بعدم فعالية النظام. مقترحا إضافة الرسائل النصية القصيرة للنظام لتحذير المواطنين من وقوع كوارث طبيعية قد تكون مدمرة.
نظام إدارة الكوارث في ألمانيا
تعد السلطات المحلية في الولايات مسؤولة عن إدارة الكوارث في ألمانيا، ويمكن لها طلب مساعدة الحكومة الاتحادية في حالة عدم قدرتها على مواجهة الأزمة منفردة، ويوجد على الكثير من أسطح المنازل أجهزة إنذار تشكل جزءا من نظام الحماية المدنية للبلاد.
وخلال أزمة الفيضانات الأخيرة يوليو الماضي، بدا أن الكارثة تفوق قدرة السلطات المحلية. واستلزم الأمر تدخل الحكومة الاتحادية لتنسيق عمليات المواجهة والإنقاذ بين مختلف إدارات الطوارئ في ألمانيا. لتشمل فرق الإسعاف والاطفاء والشرطة لتقديم المساعدات اللازمة للمتضررين.
ويشمل جهاز مواجهة الأزمات الألماني أيضا “الوكالة الاتحادية للإغاثة الفنية” وتضم أكثر من 80 ألف عضو من العناصر شبه المحترفة. أغلبهم من المتطوعين للعمل على إعادة تشغيل الخدمات المتضررة جراء الكوارث مثل الكهرباء والمياه. وتولوا خلال أزمة الفيضانات الأخيرة عمليات الحيلولة دون انهيار السدود في البلاد.
ويتم سنويا اختبار نظام الإنذار للكوارث الطبيعية في يوم “الإنذار الوطني” عبر إجراء عمليات مشابهة تساهم في نشر الوعي بما يجب القيام به في حالات الكوارث وإعلان حالة الطوارئ.
تركيا كوارث متكررة
تقع تركيا في أنشط المناطق زلزاليا في العالم حتى أن 16 زلزالا قويا ضربت العالم خلال عام 2020 منها ثلاثة في تركيا، ومن بين ضحايا الزلازل الـ 212 عالميا خلال نفس العام وقع منهم 168 في تركيا وحدها.
كما واجهت تركيا خلال شهر يوليو الماضي سيول جارفة تسببت في تسببت في إعلان ثلاث ولايات تركية مناطق كوارث، وتسببت في مقتل 6 أشخاص.
وتعمل الحكومة التركية على تطبيق برنامج “التحول الحضاري، لإعادة بناء الأحياء القديمة في البلاد على معايير جديدة مقاومة للزلازل. حيث كشفت دراسة حديثة أن أكثر من 80% من المباني تم بناؤها قبل العام 2000. أي قبل تحديد أحزمة الزلازل الثلاثة التي تمر بتركيا بإجمالي أكثر من ستة ملايين مبني.
كما طورت تركيا فرق للإنقاذ والإغاثة خلال الكوارث المتكررة. تعد من بين الأقوى في العالم وكثيرا ما قدمت مساعدات خارجية لبعض البلدان التي تعرضت لكوارث طبيعية.
وتحتل تركيا المرتبة الثامنة في عدد المتضررين بالزلازل عالميا والمرتبة الثالثة في عدد الضحايا. ويعيش 60% من سكانها في مناطق معرضة لأخطار زلزالية. ومنذ بداية برنامج التحول الحضاري عام 2012 تم هدم أكثر من 610 ألف مبني وإعادة بناؤها في مناطق بعيدة عن أحزمة الزلازل. كما تم فحص هندسي لأكثر من خمسة ملايين مبنى آخر.