في الوقت الذي تعاني فيه معاهد التعليم الكنسي. مثل الكلية الإكليريكية بفروعها المتعددة من عدم الحصول على اعتماد أكاديمي سواء من مصر أو الخارج. فإن شبابًا من باحثي اللاهوت شقوا طريقًا موازيًا يقدمون فيه العلم الكنسي للراغبين فيه بعيدًا عن التعليم النظامي المعتاد.
بعض هذه المبادرات أو مدارس تعليم اللاهوت تخضع لإشراف الكنيسة القبطية. إلا إن بعضها الأخر يمثل مبادرات فردية أطلقها باحثي اللاهوت الشباب. في ظل سيادة التيار التقليدي في الكنيسة القبطية طوال 40 عامًا. وسيطرته على مراكز التعليم الكنسي التي تخرج القساوسة والباحثين وكأنها مصنعًا لإنتاج التعاليم الأرثوذكسية.
مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية.. محاولة لإعادة فكر الكنيسة الأولى
من بين تلك المؤسسات التعليمية التي ذاع صيتها في السنوات الأخيرة في أوساط الكنائس القبطية. مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية. ويشرف عليها الراهب سيرافيم الباراموسي.
نشأت مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية إثر تعاون مثمر ما بين دير السيدة العذراء، برموس، وكنيسة مارجرجس سبورتنج، عام 2009، من خلال نشر دوريّة مدرسة الإسكندريّة.
يشير الموقع الرسمي لمدرسة الإسكندرية. إن رؤيتها منذ البداية تقوم على تكوين لخروج الدراسات اللاهوتية للنور. كما حرصت على رعاية الشباب الجاد في البحث اللاهوتي من خلال ربطهم بالمتخصصين في المجالات موضع اهتمامهم. ومساعدتهم في نشر أعمالهم، بعد المراجعات اللاّزمة. وعونهم لاستكمال دراساتهم في جامعات معتمدة حتى يستطيعوا أن يخدموا الكنيسة بما حصلوا عليه من معارف لاحقًا.
بينما تقابل المدرسة بهجوم حاد من التيار التقليدي. ويتهم القائمين عليها بنشر تعاليم غير أرثوذكسية. ومثال على ذلك الأزمة التي حدثت عام 2019. عند نشر كتابا بعنوان “كيف صلى المسيح كيهودي”. حيث تم رفع تقرير إلى المجمع المقدس بمخالفات الكتاب. ما ترد عليه المدرسة قائلة: كانت هناك تحفظات على كتاب كيف صلى يسوع كيهودي نظرًا لبعض العبارات التي قد تعكس توجهًا إيمانيا غير مستقيم وحينما تم النقاش معنا حول هذا الأمر، لم نتمسَّك بالعمل على الإطلاق، بل على العكس بادرنا وأوقفنا طباعة العمل، حرصًا على السلام وتأكيدًا على احترامنا للرأي الآخر، وهذا الأمر له سنوات.
وأوضحت المدرسة: لكن على الجانب الآخر، هناك بعض الملاحظات التي تصلنا من أناس، ولا تعبِّر سوى عن رأيهم الشخصي في كتاب آخر، وعدّة مقالات في المجلّة، وهذا قد احترمناه أيضًا، وأضفنا هامشًا لأمر، رآه البعض ملتبسًا.
تلك الحركة التعليمية والبحثية التي ترعاها المدرسة قوبلت بهجوم دفعها للتأكيد. أن نشر مقال أو ترجمة كتاب مع مدرسة الإسكندريّة. لا يمنح المدرسة الوصاية على الشخص. فقد يكون له رأي ما في موضوع ما يخالف التوجّه العام لدى المدرسة. ولكن هذا الرأي لم يعرض في المقال أو الكتاب المنشور مع المدرسة.
مبادرة الكنوز القبطية.. شبكة لنشر الكتب الكنسية
دكتور عماد مكرم أحد مؤسسى مبادرة الكنوز القبطية، يقول، إن مشروع الكنوز القبطية بدأ منذ سنوات بهدف الحفاظ على الكتب الكنسية ونشر التعاليم اللاهوتية. وإن المبادرة تضم حاليا شبكة مواقع كاملة تعمل على تجميع قاعدة بيانات للتراث القبطي المسموع والمقروء والمرئي.
وأوضح مكرم، أن المبادرة تضم شبكة من خدام الكنيسة القبطية في مصر والمهجر بعضهم في استراليا وهولندا. بدأوا تلك المبادرة بعدما لاحظوا نقص الكتب القبطية والمسيحية على الإنترنت. ما أعاقهم عن القراءة والبحث في ظل تواجدهم في الخارج.
بدأت مبادرة الكنوز القبطية بموقع إلكتروني يضم عظات وتعاليم للبابا شنودة وأساقفة الكنيسة القبطية. ثم أطلق المشروع عدة مواقع للصوتيات ولقراءة الكتب والمرئيات بالعربية والإنجليزية والألمانية والقبطية. لخدمة شباب الباحثين في مصر والمهجر
مدرسة تيرانيس للتعليم اللاهوتي والوعظ
في الإسكندرية الملقبة بمدينة الرب. مدرسة أخرى للتعليم الكنسي تخضع لإشراف الكنيسة القبطية تسمى مدرسة “تيرانيس” للتعليم اللاهوتي. تحمل اسم أحد المدارس التي كان القديس بولس الرسول يستخدمها للتعليم الكنسي.
تأسست المدرسة عام 2017. بهدف نشر تعاليم الكنيسة القبطية. أسسها الأنبا بافلي النائب الباباوي بالإسكندرية ويشرف عليها القمص أثناسيوس فهمي جورج. وتخضع لإشراف عدد من الآباء الأساقفة الذين يشاركون بالمحاضرات أو بالوعظ فيها من بينهم الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة. والأنبا سرابيون مطران لوس انجلوس وتقوم مدرسة تيرانس للوعظ والتعليم اللاهوتي بشرح الألحان والطقوس والعقيدة وتعاليم الآباء الأوليين بالكنيسة القبطية،
هيستوريا.. معرفة محايدة بالتاريخ الكنسي
في محاولة لخلق مساحة حرة لدراسة التاريخ الكنسي بعيدًا عن انحيازات الكنيسة أسسنا تلك المبادرة. يقول ماركو الأمين الباحث المتخصص في التاريخ الكنسي. مؤكدًا أن مبادرته تهدف إلى تقديم التاريخ المسيحي بطريقة نقدية وتحليلية وعلمية. بعيدًا عن سطوة المعرفة الدينية عبر كتب ودراسات وإصدارات ومحاضرات متنوعة.
يقسم الأمين- في تصريحات خاصة- مبادرته تلك إلى خمسة مباحث أساسية أهمها الهاجيوجرافى. وهو المبحث المعنى بدراسة أدب وتراث سير القديسين و الشهداء الأقباط، ثم مبحث التاريخ الليتورجى وهو المعنى بدراسة تاريخ و تطور صلوات و أدوات و ملابس العبادة المسيحية بالإضافة إلى التاريخ المسيحي العام قسم التاريخ المسيحي العام ويعني دراسة كل ما يتعلق بالتاريخ المسيحي خارج مصر. وينقسم لعدة شعب مثل تاريخ الكتاب المقدس وتاريخ المسيحية المبكر والتراث المسيحي العربي. والسرياني.
أما مبحث التاريخ القطي فيهتم بدراسة تاريخ كنيسة الإسكندرية و الأمة القبطية من العام الأول الميلادي وحتى اليوم مع تخصيص جزء من المبادرة لدراسة التاريخ الايبراشي أي تطور الكنيسة القبطية مؤسسيا عبر التاريخ.
إيليثيا .. نحو عودة لفكر الآباء الأوائل
“إيليثيا” كلمة يونانية تعني الحقيقة اختارها مجموعة من الشباب لتصبح عنوانًا لمبادرة أخرى للتعليم الكنسي. تقوم على تقديم محاضرات وجلسات نقاشية لشرح اللاهوت الأرثوذكسي.
ويقول مارك فليبس أحد القائمين عليها. إن الهدف من ورائها هو خلق حالة حراك في الكنيسة القبطية التي دخلت جدلا لاهوتيا من بداية الخلاف بين القمص متى المسكين والبابا شنودة في الستينات. مرورًا بما ترتب على ذلك من استعداء الدكتور جورج بباوي الذى تم حرمانه كنسيًا دون الاستماع لأفكاره. رغم دوره البارز في تقديم المعرفة اللاهوتية وفكر الآباء الأوائل عبر موقعه كبتولوجي.
فيلبس يحلم بأن تكثر تلك المبادرات التعليمية لتحرك الماء الراكد في نهر الكنيسة القبطية من خلال الشباب. مؤكدا أن مبادرته تلك التي تأسست عام 2016 لا تهدف للخروج على تعاليم الكنيسة أو هدمها بل استعادة الفكر الآبائي الذى غاب عن الكنيسة طوال الأربعين سنة الفائتة.