يمتلئ التراث المحلي بكلاسيكيات رعب خالدة. لكنها لم تكن كفيلة بإغراء صناع الفن المصري، بتوظيفها بدلاً من الإصرار على تقديم أعمال، بمواصفات غربية بحتة عن عوالم الزومبي والموتى الأحياء، والمستذئبين.
طرح المنتج تامر مرسي أخيرا المقاطع الدعائية “برومو” مسلسل «الديب» للفنان ياسر جلال. المكون من ثمان حلقات. ويدور عن أسطورة غربية، تتعلق بتحول بعض البشر لمستذئبين مع اكتمال البدر.
جاء المسلسل بعد شهور قليلة من طرح المنتج ذاته مسلسل «كوفيد 25» بطولة يوسف الشريف. الذي احتل مرتبة متقدمة بين أسوأ الأعمال الدرامية في موسم ٢٠٢١. وتناول فكرة انتشار وباء يحول سكان العالم إلى أكلي لحوم بشر.
اتسم العمل بالسذاجة الشديدة في كيفية مواجهة مجموعة من الأطباء المغمورين الوباء. ووصلت إلى دهن البطل جسده. بمُركب لغسل الشعر وتنعيمه، للهروب من الزومبي المنتشرين في كل مكان ليتبين أن الكرياتين يمنعهم من تمييز البشر وشم رائحتهم.
صحيح أن الاقتباس موجود في جميع دول العالم لكنه وصل في مصر إلى مرحلة الاستنساخ الصرف. بدون تقديم تناول جديد للفكرة ذاتها، ووصل الأمر إلى استلهام شكل الشخصيات ذاتها، ومقاطع كاملة، في اعتداء فج على حقوق الملكية الفكرية.
وخلال العام الحالي تم طرح فيلمي “ديدو.. أرجوك لاتفعصني سهوا” لكريم فهمي الذي استلهمه من فيلم أمريكي يتحدث عن عالم يخترع جهازا لتصغير البشر، و”وقفة رجالة” المستوحى من فيلم أمريكي أيضًا بعنوان “لاس فيجاس الأخيرة”. وجاءت المعالجة المحلية شديدة الضعف حال مقارنتها بالنسخة الأصلية.
تجارب مستمرة
تعرض دور السينما المصرية بعد خمسة أيام فقط فيلم “موسى” لكريم محمود عبدالعزيز. الذي يدور عن شخص يجد نفسه وحيدُا فيخترع روبوتا يسميه (موسى). ليصبح صديقا له، ولكن الأمور تتطور وتخرج عن السيطرة، وهي تجميعة من الأفلام الأمريكية الشهيرة التي تدور عن الفكرة ذاتها تجنح نحو خلط الفانتازيا بالرعب.
لا يتعلم صناع الفن المصري الدرس جيدا، من التجارب السابقة. التي كان آخرها فيلم ”فيرس” الذي سجل في أحد ايام العرض صفر إيرادات في موسم رأس السنة ٢٠٢١. الذي يفترض جذبه قطاع عريض من الجمهور. حتى فيلم “ريما” أول فيلم غير كوميدي لمحمد ثروت ويدور عن فتاة ترى المستقبل وتتعرض لمخاطر بسبب موهبتها. فلم يسجل إبان عرضه أرقاما مقبولة في دور العرض.
من المفترض عرض فيلمين رعب قريبًا أولهما بعنوان “ليلة في الجحيم” للفنان محمد نجاتي. والثاني “ليلة الهالوين” الذي يدور عن عيد الهالوين في أمريكا، وتم تقديمه في عشرات الأعمال الأمريكية التي تحدثت عن جرائم قتل تحدث في يوم يرتدي فيه الجميع الوجوه المرعبة ويصعب التمييز بين البشر.
تاريخ طويل من أفلام الرعب
لمصر تاريخ طويل في تقديم الرعب لكنه، لم يكن جيدا على مدار التاريخ، بداية من “سفير جهنم” للفنان يوسف وهبي، وبعضه يثير أكثر من كونه يسبب الخوف، كفيلم أنياب لأحمد عدوية حينما جسد شخصية “دراكولا”.
تعاني غالبية أعمال الرعب المصرية طوال تاريخها من السعي وراء المفاهيم الغربي، التي تخالف طبيعة المشاهد المصري. فلكل مجتمع تراثه المحلي الذي يحرك فيه الرعب. وفي المنطقة العربية ينحصر الرعب بشكل أساسي في الغيبيات.
ففي فيلم “الدساس” حاول المؤلف والمخرج تقديم مجتمع آكلي لحوم البشر بحركاتهم الغرببة ورؤوسهم المائلة. وفي “كامب” حاول المؤلف تقديم نسخة مصرية من سلسلة “الصرخة” الشهيرة، والاثنان فشلا حتى في آن يتذكر غالبية الجمهور وجودهما.
تجارب رعب ناجحة
في المقابل، عرف الرعب المصري تجارب ناجحة، لكنها محدودة أهمها فيلم “الفيل الأزرق” لكريم عبدالعزيز الذي اعتمد على قصة محبوكة مستوحاة من السباقات المحلية، وهو نجاح شبيه لفيلم “الإنس والجن” لعادل امام ويسرا الذي يمثل أفضل التجارب في تاريخ السينما المصرية وفقا للنقاد.
حصد مسلسل “جمال الحريم” الذي عرض أخيرا معدلات مشاهدة قياسية في مصر. لارتباطه بأفكار المس، التي تجد رواجا عند ملايين المصريين، وينفقون المليارات علي أعمال الدجل والشعوذة بسببها سنويا، ما يؤكد أن أعمال الرعب لها قطاع عريض من المشاهدين.
تناولت السينما المصرية التراث الغربي للرعب في فترة الستينيات. في سياق من السخرية والتهكم. كسلسلة أعمال إسماعيل ياسين، “متحف الشمع” و”حرام عليك” و”بيت الأشباح”. التي سخرت من أيقونات الإخافة الغربية، كـ”فرانكشتاين” و”المستذئبين” و”المومياوات”.
وتحتاج صناعة “رعب مصري” إلى جهد في البحث عن الأفكار وجمع التراث المحلي والعربي بما يضمه من قصص وخرافات، فكتاب شمس المعارف وحده كفيل بتوليد عشرات الأعمال شديدة الإفزاع للجمهور الباحث عن الخوف والصراخ.