من لا يُحب التدليل؟
من لا يتمناه؟
إننا أبناء الشقاء منذ خُلقنا، نسعى في الحياة، نواجه عثراتها، ونأمل الخير، تُصبح طموحاتنا الرفاهية والتدليل، وكل بطريقته، تفكر البنات الصغيرات في زواج مرفه يتم تدليلها فيه، وجميعًا نسعى لهذا الحُلم، إلا أن مجتمعنا الشرقي يولى التدليل للذكور أولوية كبرى.
متي وكيف يبدأ تدليل الذكور؟
المرأة ليست نصف المجتمع، لكنها المجتمع كله، وهذا حديث بعيد عن الانحياز للجندر، فالمرأة هي التي تُربي النصف الآخر، ونُصبح في دائرة لا تنتهي، مثل ثور يلف في ساقية مُغمض العينين، تغرس بعض النساء النقائص في نفوس أبنائها بنات وأولاد، وتكبر البنات تُعاني، لكنها تسير في طريق أمهاتها.
في هذا الجو الحر والصعب تحمله، في حجرة ابني جهاز تكييف، نصحتني صديقتي أن أنام في غرفته كنوع من الهروب من هذا الجو، فكانت اجابتي أنه لن يكون في راحة ويصعب علي أن يخرج هو إلى الصالة، هنا ثارت صديقتي وسألتني: هل تعرفين من أين يبدأ تدليل الذكور؟
حديث صديقتي نبهني إلى الخطأ الذي نقع فيه جميعًا، إننا نجعل أولادنا أولوية، ونتحمل من أجلهم كل شيء وأي شيء، وبرغم أن هذه سُنة الحياة، فلم ننجب أطفال لنعذبهم، ولكن علينا أن نقف لنسأل أنفسنا، هل نغرس بهم الأنانية دون أن نقصد؟ هل ندللهم بمبالغة؟ وأسئلة أخرى، هل لو كانت لي بنت كنت سأُعاملها بهذا التدليل؟
لأيام أتأمل حالة كثير من الأمهات، الآن وفى الماضي، إننا كنساء نميل لتدليل الذكور، ربما هو الميل الجنسي، بمعني أن الأنثى تميل إلى تدليل الذكر أكثر من تدليل الأنثى، والعكس صحيح، وهو ما نره في كثير من الأسر، الأب يدلل بناته والأم تدلل الذكور.
المشكلة دومًا تحدث من المبالغات سواء المقصودة أو التي تحدث دون قصد، فالوعي الجمعي في المجتمعات الشرقية تشكل على منح الذكر أولوية في كل شيء، ومكانة عليا معتمدة على نوعه، وهو الواضح في رصيد كبير من الأمثلة الشعبية، كما أن الأنثى التي تُنجب ذكرًا تنال مكانة أعلى من مثيلاتها اللواتي يُنجبن إناث، هذه الأمور المتجذرة في اللاوعي، جعلت كثيرات يملن إلى تدليل الذكر، بوصفه صاحب المنحة التي نالتها بالترقية الاجتماعية وسط قريناتها.
فتقوم كثيرات منا بشكل لاوعي بالمبالغة في ترفيه الذكور، وإذا تذكرنا هذا الإيثار الذي رأيناه في أمهاتنا وهن يمنحن الأبناء والزوج تفضيلات في الطعام والنوم والراحة، في حين تتحمل هي المجهود البدني، وتدفع ببناتها للسير في نفس المسار، ولما لا ونحن نُربي بناتنا كونهن أمهات صغيرات.
التفاصيل الصغيرة التي لا ننتبه لها في تربيتنا لأبنائنا الذكور تؤسس لذكر أناني لا يتحمل المسئولية، محاولات الأم أن تتحامل على نفسها وتقوم بكل المسئوليات تُعمق أنانية أبنائها، تقديم الذكور في المزايا عن أخواتهم من الفتيات، تؤكد أننا بصدد رجل لا يكترث بالمرأة وحقوقها.
إنها التفاصيل الصغيرة التي تُصبح مثل فسيفساء أو قطع البازل، لا ننتبه لها لكنها في مجملها تُشكل كارثة مؤخرة سنكتشفها لاحقًا، وستعاني منها نساء يرتبطن بأولادنا الذكور في علاقات عمل وصداقة وزواج، سوف تعاني كل منهن من نموذج الأم الذي ترسخ في ذهنية الولد طول فترة حياته طفلًا ومراهقًا وشابًا، إذ اعتاد نموذج المرأة المضحية من أجله طيلة الوقت، عرف تقديم راحته وسعادته وأولوياته على راحة وسعادة وأولويات الآخرين خاصة النساء في عائلته، سواء الأم أو الأخت.
عشرات الأمور التي تقوم بها الأم، كأن ترتب فراش الولد، وتحضر له الطعام، وتقوم بطي ملابسه، في حين أن البنت يمكن أن تفعل هذه الأمور، لأن موروثًا دفينا في اللاوعي بأن دور المرأة هو المسئوليات المنزلية.
هذه المعاملة التي نقوم بها نحن الأمهات أو أكثرنا نفعلها وفى داخلنا أننا نحب أبناءنا، هي معاملة تقود للتمييز لصالح الذكور.
الأمومة حالة من الإيثار، محبة غير مشروطة نحو الأبناء، لكننا لو فكرنا بأن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة، وأن التفاصيل الصغيرة والتفضيل الذي نقوم به تجاه أبنائنا يمثل طريقة خاطئة في التربية.
أن تُحبي أبناءك هو أمر غريزي، لكننا بحاجة لمراجعة أنفسنا في تربيتهم، التضحية بكل شيء من أجل الأبناء وخاصة الذكور يخلق منهم أفراد يتمتعون بالأنانية، نحن بذلك لا نغرس فيهم الإيثار، نحتاج أن نفكر في تصرفاتنا، نتوقف قبل التضحية بكل شيء، ونُشارك أبناءنا المسئولية، نقسم المسئوليات وفقًا للعمر والقدرة وليس النوع، التدليل المفرط يصنع أبناء لا يتحملون المسئولية.
الوسطية والاعتدال في كل شيء هو بداية الحل، نحن بحاجة إلى عدم المغالاة في التدليل أو الايثار، بحاجة إلى المعاملة والتربية الواعية، فما نزرعه تحصده أخريات، معاناة وحياة صعبة، وتكبر وأنانية، تذكري عزيزتي الأم اهتمامك المبالغ فيه بالأبناء ليس دومًا ايجابيًا.