ما تزال عملية استهداف إيران لناقلة النفط البحرية في بحر العرب قبالة سواحل سلطنة عمان، وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي. تبعث بتداعيات جمة، لا سيما وأن مجموعة دول السبع قد انضمت إلى بريطانيا والولايات المتحدة في اتهام طهران بالوقوف وراء الحادث الذي وقع. نهاية الشهر الماضي وقد أسفر الهجوم عن مقتل اثنين من طاقم السفينة المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي. أحدهما بريطاني والثاني روماني.
لا تعدو الاستفزازات البحرية بين إيران وإسرائيل، والتهديدات، المتكررة والتقليدية، في مياه الخليج. كونها أمرا مباغتا أو عرضيا. إنما تعود الأزمة لسنوات سابقة ففي مطلع العام 2015، نفذ الحرس الثوري الإيراني، مناورات “الرسول الأعظم 9” البحرية. في مضيق هرمز. بينما قام بتنفيذ الهجوم على نموذج من حاملة طائرات أمريكية قبالة جزيرة لارك.
ويعقًّب معهد واشنطن على ذلك، بأنه قد تم استعراض القوة المذهل في ممر مائي يلعب دورا استراتيجيا ومعنويا في السياسة العالمية وأسواق الطاقة. ولم يحاول الإيرانيون إخفاء رغبتهم في أن يتم الاعتراف ببلادهم كونها القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة والضامنة لأمن الطاقة في العالم. وفي الواقع، لا يشكل لقب “شرطي الخليج الفارسي” طموحا جديدا لإيران. فقد ارتبط هذا اللقب باسمها منذ سبعينيات القرن الماضي”.
إيران.. رسائل محلية وخارجية
واللافت أن الهجوم الذي تورطت فيه إيران، بحسب تقارير أمريكية رسمية، تزامن وتنصيب إبراهيم رئيسي. الأمر الذي عدّه مراقبون، رسالة محلية وخارجية، بأن الرئيس الإيراني الجديد يقف على النقيض من سياسات سلفه حسن روحاني. ويصنع ورقة ضغط تكتيكية جديدة للدخول في المفاوضات النووية المقبلة (السابعة) في فيينا، والمتوقع إجراؤها. منتصف الشهر الحالي، ويستهدف، على نحو مباشر، رفع العقوبات الأمريكية. وهي أحد أبرز الأهداف المدرجة في وعوده الانتخابية.
كشفت القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، نهاية الأسبوع الماضي، عن “أدلة” تثبت ضلوع إيران في استهداف ناقلة النفط البحرية. وذكرت في بيان رسمي أنه “بعد فحص الأدلة، تم التوصل إلى أن إيران تقف خلف الهجوم الذي استهدف الناقلة الإسرائيليّة “ميرسر ستريت” في بحر عمان. ما أدى إلى مقتل قبطانها الروماني وأحد رجال أمنها البريطاني الجنسية”.
وأوضح البيان الصادر عن القيادة العسكرية الأمريكية، أنه تم “فحص جناح إحدى الطائرات المسيرة الملغمة التي هاجمت الناقلة. وتثبت أنه جرى تصنيعه في إيران، والشيء نفسه يقال عن المتفجرات المستخدمة”.
ووفقا لبيان صادر عن وزراء خارجية مجموعة الدول السبع، فإن “كل الأدلة المتاحة تشير إلى أن إيران تقف وراء هجوم على ناقلة النفط الإسرائيلية ميرسر ستريت. ولا يوجد مبرر لهذا الهجوم”. وأضاف: “ندعو إيران لوقف كل الأنشطة التي لا تتسق مع قرارات مجلس الأمن. ذات الصلة وندعو كل الأطراف للقيام بدور بناء في تعزيز الاستقرار والسلام الإقليميين”.
تفعيل مفاوضات فيينا
يلفت المراقب الدولي الساق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، إلى أن أنتوني بلينكن قد سبق وصرح بأن “الكرة في ملعب طهران والمفاوضات. لا يمكن أن تستمر حتى النهاية”؛ وبهذا ما زالت أمريكا تفكر في تفعيل مفاوضات فيينا قبل الوصول إلى حافة هجرة الاتفاق النووي. والقيام بفرض عقوبات على صناعة الطائرات المسيرة الايرانية إذا استمرت إيران باستخدامها ضد أهداف حيوية واستراتيجية في المنطقة.
وعليه، يبدو من تصريحات بلينكن أن لدى الولايات المتحدة تفكير في بناء خطة بديلة، بحسب الزغول في حديثه لـ”مصر 360”. ويردف: “إذا لم تلتزم طهران باتفاق عام 2015، تحديداً ما يخص عملية تخصيب اليورانيوم وتغيير سلوكها الإقليمي في المنطقة. فإن هذه الخطة البديلة سوف تبدو كخيار أخير لإعطاء المجال لمسار فيينا ومتابعة المفاوضات”.
كمال الزغول: اتهام بلينكن إيران بالهجوم على السفينة زودياك، مؤخراً، يعد بمثابة دعم لموقف اسرائيل لدى الامم المتحدة وفي أوروبا. كون الأخيرة هي من تقود المفاوضات حول الاتفاق النووي. وهذا التصريح يصب في الضغط على إيران للقبول بشروط الاتفاق الجديد، وإلا فإن الضغوطات ستتوالى على طهران، كون العملية تعطل الملاحة البحرية الدولية
ويضيف: “كما أن اتهام بلينكن إيران بالهجوم على السفينة زودياك، مؤخرا، يعد بمثابة دعم لموقف اسرائيل لدى الامم المتحدة وفي أوروبا. كون الأخيرة هي من تقود المفاوضات حول الاتفاق النووي. وهذا التصريح يصب في الضغط على إيران للقبول بشروط الاتفاق الجديد، وإلا فإن الضغوطات ستتوالى على طهران، كون العملية تعطل الملاحة البحرية الدولية”.
ويشير المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة إلى أن عدم الدخول في جولة سابعة. من المفاوضات أدى لتدشين “حرب خطوط خلفية بين إيران وإسرائيل. ومن بين هذه الخطوط، خط سوريا حيث تقصف إسرائيل مواقع المليشيات الايرانية. وخط بحر العرب حيث تهاجم إيران السفن الاسرائيلية”.
صراع مصالح
ومن الملاحظ أن “خط قصف إسرائيل في سوريا لا يثير غضب العالم المهتم بالنفط، بينما خط قصف إيران للسفن في بحر العرب. يثير غضب العالم لأنه خط نفط ويؤثر على مصالح أوروبا وأمريكا واليابان والصين ودول أخرى”. يقول الزغول.
وإسرائيل بعد هجوم إيران على سفينة زودياك الإسرائيلية، ومقتل شخصين أحدهما بريطاني والآخر روماني. تريد أن تستغل الموقف دوليا بحسب المصدر ذاته من خلال الشكوى لدى الأمم المتحدة ضد إيران. لجهة تشكيل ضغط على الأخيرة. وإقناع العالم أن إسرائيل تريد فقط الدفاع عن نفسها، فيما إذا قامت بالرد على قصف السفينة. والذي بدوره قد يصعد الموقف ويأخذ المنطقة لمنحنى آخر من العنف.
وأثناء جلسة افتراضية لمجلس الأمن الدولي لمناقشة أمن الملاحة البحرية، الاثنين الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. اليوم الاثنين: “نحن على ثقة بأن إيران هي التي قامت بالهجوم على السفينة “ميرسر ستريت”. مؤكداً على أن الدول المسؤولة عن هجمات ضد الملاحة البحرية يجب أن تحاسب، وأن هجوم إيران على السفينة “ميرسر ستريت” غير مبرر.
وقال وزير الخارجية الأمريكي إن “التفجيرات في أواخر يوليو على ناقلة النفط “ميرسر ستريت” التي يشغلها رجل أعمال اسرائيلي. هي ضمن سلسلة هجمات وسلوك استفزازي آخر لإيران”. وأردف: “على كل دولنا محاسبة هؤلاء المسؤولين وعدم القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تأجيج شعورهم بالإفلات من العقاب. ويشجع الآخرين الذين يميلون إلى تجاهل النظام البحري”.
توتير الحدود مع لبنان
ومن جانبها، أوضحت ممثلة عن الأمم المتحدة، أن هناك “زيادة في عدد الهجمات التي تستهدف الملاحة البحرية”. مضيفةً: “على جميع الدول تسوية خلافاتها بشأن الأمن البحري”. بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه “يجب توحيد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والقرصنة في المناطق البحرية”.
عمدت إسرائيل إلى توتير الحدود مع لبنان، عبر التعصيد العسكري باتجاه مواقع لحزب الله اللبناني. كما قام الأخير، في المقابل، بإطلاق صواريخ مضادة. وواصل رئيس الوزارء الإسرائيلي، في الجلسة الأسبوعية لحكومته، مطلع الأسبوع، تهديداته. وعرج في حديثه على الأوضاع بلبنان، وقال إن “هناك صحوة هامة للغاية لدى العديد من مواطني الدولة اللبنانية ضد حزب الله والتدخل الإيراني في الدولة. ووسط الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة الموجودة هناك. تربك إيران وحزب الله مواطني لبنان على الجبهة مع إسرائيل أيضاً”.
وتابع: “يجب على الدولة اللبنانية والجيش اللبناني تحمل المسؤولية عما يجري في ساحتهما الخلفية. وفي هذه الحالة أيضاً، لا يعنينا إذا كانت منظمة فلسطينية هي التي تطلق النار أو العناصر المارقة أو المستقلة، فدولة إسرائيل لن تقبل بإطلاق النار باتجاه أراضيها”.
وفي أعقاب التصعيد العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان، التقى قائد الحرس الثوري الإسلامي حسين سلامي بنائب الأمين العام لـ”حزب الله”. نعيم قاسم، وقال: “الأرضية مهيأة الآن لانهيار الكيان الصهيوني، ويكفي أن يصدر منه خطأ ما، لتنطلق الحرب القادمة والتي ستكون حرب موته”.
تهديدات إسرائيلية
وردّ قائد الحرس الثوري الإسلامي على تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث اعتبر أن إسرائيل “تدرك جيدا نطاق وعمق قوة حزب الله”. مضيفا أن “عدو المقاومة يقترب من أفول قوته وزوالها ويحاول إخفاء هلعه من خلال الحرب النفسية والفضاء الافتراضي”.
كما ألمح إلى أن الإسرائيليين يدركون أنهم “سوف يضطرون إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة ومواجهة أزمة معنوية كبرى في حال تم تشغيل محرك حزب الله. وقال إن “الهجوم الذي شنه حزب الله من جنوب لبنان أظهر لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد أن المعادلات يتم تحديدها في مكان آخر وأنه لم يتغير شيء”.
وشدد القائد العام للحرس الثوري على استمرار دعم إيران للمقاومة في لبنان، موضحا بأن حزب الله ليس قوة عسكرية فحسب. إنما بمثابة “سند أساسي رصين للشعب اللبناني ولديه مكانة معنوية رفيعة لدى كل الشعوب، ومن المهم للغاية الحفاظ على هذه المكانة”.
من جهته، قال نائب الأمين العام لحزب الله إنه “رغم بعض المشكلات ومحاولات الأعداء لفرض الحظر والضغط على لبنان وزعزعة أمن الشعب. إلا أننا تمكنا من الحفاظ على مكانتنا وبيئتنا”.