قضت المحكمة العليا بولاية كادونا في نيجيريا بإطلاق سراح “إبراهيم الزكزاكي” رئيس الحركة الإسلامية الشيعية بعد اعتقاله لمدة 6 سنوات. على خلفية اتهامه بقتل قائد بالجيش وتهديد الأمن العام في أحداث عام 2015. ويمثل الشيخ الزكزاكي المرجعية الإسلامية في نيجيريا لجميع المسلمين الشيعة. ما يفسر حجم العنف الذي خلفه قرار احتجازه، والذي بدوره اضطر الحكومة إلى الإفراج عنه. خاصة بعد تدخل دول ومنظمات دولية أهمها إيران من أجل إطلاق سراحه.
وبوجه خاص تمثل الحركة الإسلامية في نيجيريا امتداد للفكر الخميني. بالإضافة إلى ذلك، تتقاطع كل من إيران ونيجيريا في عدد من المصالح المشتركة.
بداية المد الشيعي
بدأ المد الشيعي في نيجيريا منذ ثمانينيات القرن المنصرم، في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران. وفي تلك الفترة، تولى “إبراهيم الزكزاكي” مهمة نشر الفكر الشيعي واستقطاب الطلاب السنة لتبني أفكاره. مستغلا الظروف السياسية والاجتماعية وشعور الأفراد بالتهميش والمظالم المحلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والتوترات العرقية. وساعده على تحقيق أغراضه وجود كتلة إسلامية كبيرة تتجاوز 50% من السكان.
أسس الزكزاكي “الحركة الإسلامية في نيجيريا” IMN، ككيان تنظيمي متسق لتحقيق أغراضه، ومثلت هذه الحركة امتدادا للثورة الإسلامية الإيرانية. حيث تبنت عددا من المبادئ منها: رفض الدستور النيجيري، والإيمان بضرورة تأسيس دولة تحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية. والقضاء على العلمانية، والتعليم الغربي، ونشر تعاليم الدين الإسلامي بغية استقطاب أكبر عدد من الأفراد للانضمام إلى الحركة الإسلامية. ومن ثم التوغل في كافة الولايات بهدف تكوين شبكة مترابطة من المسلمين الشيعة. حيث أسس 35 فرعا كأذرع للحركة بهدف تشكيل قاعدة بشرية عريضة تسهم في تحقيق مبادئ الحركة الشيعية.
لم تكتف الحركة بالنشاط الدعوي، ولكن اتجهت إلى النشاط الحركي في الشارع النيجيري. والقيام بمظاهرات وحركات احتجاجية لدعم إدراج الشريعة في الدستور النيجيري. وكانت أول مسيرة في 1980 لدعم إيران بعد عملية أمريكية- كندية مشتركة لإنقاذ الدبلوماسيين الأمريكيين المحاصرين في طهران عام 1979.
دوافع الحكومة النيجيرية
مثلت أنشطة الحركة الإسلامية تهديدا للحكومة النيجيرية، ويرجع ذلك لعدد من العوامل أهمها:
قاعدة بشرية عريضة:
حيث نجحت الحركة الإسلامية في زيادة عدد المسلمين الشيعة. وبالتالي عدد الأعضاء المنتمين للحركة، ويتراوح عدد المسلمين الشيعة ما بين 5-10 مليون. وهو ما يثير قلق السلطة، خاصة أنهم يتبنون أفكار معادية للحكومة. فلا تعترف الحركة بسلطة الحكومة النيجيرية وترى أن المسؤولين الحكوميين سواء مسيحيين أو مسلمين، فاسدون وغير شرعيين. ويستقطبون الأفراد من أجل زعزعة استقرار النظام العلماني، وتطبيق مبادئهم كمنهج لإدارة الحكم.
كما أن الحركة تتمتع بثقل سياسي واجتماعي في الشارع النيجيري، حيث تستطيع تحريك مؤيديها ضد السلطات الرسمية كما حدث خلال السنوات الأخيرة.
التشابه مع جماعة بوكو حرام:
تعاني نيجيريا خطر المد الإرهابي منذ ما يزيد على عقد من الزمان. حيث قادت حركة بوكو حرام الهجمات الإرهابية بهدف إقامة دولة إسلامية وإسقاط الحكومة. وفي الفترة الأخيرة، تعددت صور الإرهاب في نيجيريا. ما بين اختطاف الطلاب من المدارس والجامعات، وسرقة الماشية، والتعاون مع جماعات الجريمة المنظمة، وهو ما يفوق قدرة الدولة على الحد من نفوذ هذا التنظيم.
وهناك بعض الاتجاهات التي تتشابه فيها الحركة الإسلامية وجماعة بوكو حرام، من حيث الاحتكام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، والقضاء على نظام التعليم الغربي في المدارس. وبالنسبة للاتجاه الحركي، تقود الحركة الإسلامية عدة مظاهرات وحركات احتجاجية. مما يثير توترات وزعزعة الاستقرار في البلاد، كما نسبت الحكومة إليها إدارة أنشطة إرهابية. بما في ذلك مهاجمة الجنود وقتل رجال الشرطة وتدمير الممتلكات العامة والتحدي المستمر لسلطة الدولة.
التعاون مع إيران:
تعتبر الحركة الإسلامية ذراع تابع لإيران في أفريقيا. إلا أن الحركة مارست أنشطة غير مشروعة. وفي عام 2010 كشفت الحكومة النيجيرية عن تدخل الحركة الإسلامية لتهريب شحنة أسلحة من لاجوس متجهة إلى حماس. وفي فبراير 2013 كشفت السلطات في نيجيريا عن خلية ممولة من إيران تربطها علاقات بالحركة الإسلامية. وهو ما يمثل انتقاص من سيادة الدولة، وتهديد للأمن القومي. في الوقت الذي شهدت العلاقات بين إيران والحكومة في نيجيريا توترات شديدة على خلفية اعتقال الشيخ الزكزاكي.
استراتيجية الدولة لمواجهة المد الشيعي
وبناء على ما تقدم، سارعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها مواجهة نفوذ الحركة الإسلامية، والتضييق على أنشطتها. مما أسفر عن تعرض البلاد لاشتباكات متوالية بين قوات الأمن وأتباع الحركة الإسلامية النيجيرية. على سبيل المثال: قام حاكم ولاية سوكوتو بهدم المركز الإسلامي في 2007، فيما وقعت اشتباكات في يوم القدس عام 2009. بولاية زاريا أسفرت عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 60 آخرين، وفي عام 2014. أسفرت المواجهة بين الشرطة وأتباع الحركة عن 135 ضحية من بينهم 3 أطفال للشيخ إبراهيم الزكزكي.
وصعدت الحكومة من موقفها بالقبض على رئيس الحركة “إبراهيم الزكزاكي” وزوجته زينات. بتهمة التواطؤ مع إيران بهدف التخطيط لثورة وتحويل البلاد إلى دولة إسلامية شيعية. ثم قامت بحملة قمعية ضد أعضاء الحركة، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 شيعي بحسب ما أفادته منظمة العفو الدولية. وهو ما ساعد في زيادة حدة التوترات بين الحركة الإسلامية النيجيرية والحكومة. وعلى إثر ذلك، نظمت الحركة سلسلة من الاحتجاجات للمطالبة بالإفراج عن إبراهيم الزكزاكي. كما حدث في احتجاجات أكتوبر 2018، التي راح ضحيتها 45 متظاهرا على الأقل، وكذلك في 2019. الأمر الذي شكل ضغط على الحكومة النيجيرية، خاصة بعد مطالبة الحكومة الإيرانية بإطلاق سراحه.
ومن ثم، أدركت الحكومة حجم الخطر الذي تشكله الحركة الإسلامية، فأستصدرت حكما قضائيا في يوليو 2019. ينص على حظر أنشطة الحركة واعتبارها جماعة إرهابية تمارس أعمالا محظورة وبالتالي ضرورة وقف التعامل معها.
الإفراج عن الشيخ الزكزاكي
على الرغم من افتقاد الأحكام القضائية ضد الشيخ الزكزاكي لأدلة الإدانةإلا أن السلطات أبقته بالمعتقل 6 سنوات حتى قررت الإفراج عنه، مما يؤشر لدلالات واضحة أهمها:
أن السلطات النيجيرية أدركت ما يمثله الزكزاكي من قيمة كبيرة بالنسبة لأتباعه. ومن ثم قررت الحكومة إطلاق سراحه تهدئة للتوترات التي نشبت منذ قرار اعتقاله. وضبط الشارع على خلفية الاحتجاجات التي قام بها أعضاء جماعته واشتباكهم مع قوات الأمن. إذ وصلت إلى حد اقتحام أعضاء الحركة الإسلامية الجمعية الوطنية في أبوجا في يوليو 2019.
يأتي هذه القرار خشية من تكرار سيناريو بوكو حرام، حينما توفي قائدها الأسبق “محمد يوسف” في الحجز. حيث صعد حجم العداء بين أفراد الجماعة والحكومة، وارتفعت حدة الإرهاب إلى درجة غير مسبوقة. كما أن الشيخ الزكزاكي يعاني من مشكلات صحية مما قد يعرض الحكومة إلى المسائلة إذا توفي أثناء فترة اعتقاله. وتتحول الحركة الإسلامية إلى جماعة إرهابية مماثلة لجماعة بوكو حرام.
استطاعت الجماعة جذب انتباه الإعلام الغربي والمنظمات الدولية تجاه ما تتعرض له من اضطهاد من قبل الحكومة، في إشارة واضحة تقاعس السلطات عن تطبيق العدالة. حيث استمر اعتقال الشيخ زكزاكي وزوجته، رغم قرار المحكمة العليا في ديسمبر 2016 بأن احتجازه غير قانوني. وفي غضون ذلك، حثت منظمة العفو الدولية السلطات النيجيرية على الامتثال الفوري لقرار المحكمة بالإفراج عنه.
التدخل الإيراني في المنطقة
سعت إيران إلى زيادة نفوذها في مختلف دول العالم، وفي أواخر القرن الماضي. وتوجهت إلى الساحة الأفريقية لإرساء أيدولوجيتها مستغلة ما تعاني منه الدول والشعوب الأفريقية من تراجع وتهميش إقليمي ودولي. فوجدت في بعض الدول الإفريقية كالسودان ونيجيريا أرضا خصبة ومناسبة لنشر المذهب الشيعي. من خلال بعض الأدوات منها التمثيل الدبلوماسي في دول القارة (السفارات والقنصليات)، وتمويل المدارس والمؤسسات الثقافية، وغيرها.
أصبحت أفريقيا مؤخرا ميدان للتكالب الدولي، حيث تسعى القوى العظمى إلى إبراز نفوذها في الدول الأفريقية. وعلى وجه الخصوص، تعتبر أفريقيا فرصة متعددة المصالح بالنسبة لإيران. حيث تتمكن من خلالها التنافس مع الولايات المتحدة للخروج من العزلة التي فرضتها عليها
أصبحت أفريقيا مؤخرا ميدان للتكالب الدولي، حيث تسعى القوى العظمى إلى إبراز نفوذها في الدول الأفريقية. وعلى وجه الخصوص، تعتبر أفريقيا فرصة متعددة المصالح بالنسبة لإيران. حيث تتمكن من خلالها التنافس مع الولايات المتحدة للخروج من العزلة التي فرضتها عليها. أعقاب انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني. كما تحاول إيران تجنيد الأفراد التابعين لها للمشاركة في معاركها كما في لبنان والعراق وسوريا. ويعكس ذلك ما جاء بتقرير نشرته صحيفة “تلجراف البريطانية” في يونيو 2019. من إأن الإيرانيين ينشئون خلايا إرهابية في أفريقيا وتحديدا في السودان وتشاد وغانا والنيجر وجامبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. بتوجيه من القائد السابق لفيلق القدس “قاسم سليماني” للاستعانة بهم في الحرب الإقليمية التي تشارك فيها إيران.
وفي ظل التنافس السني الشيعي الذي تعتبر إيران لاعبا بارزا فيه. استهدفت إيران الدول الأفريقية ذات الأغلبية السنية لاسيما نيجيريا لبث أفكارها الشيعية. باستخدام الدبلوماسية الدينية وتقوية جبهتها في ظل التنافس الإقليمي بين الرياض وطهران.
مصالح مشتركة
وترتبط إيران بعلاقات طويلة الأمد مع نيجيريا تعود إلى عهد الرئيس الأسبق “هاشمي رفسنجاني”. إذ تعتبر نيجيريا فرصة ثمينة بالنسبة للاستراتيجية الإيرانية. فهي أكبر دولة أفريقية تضم عددا من المسلمين الشيعة، كما تعتبر من القوى الاقتصادية الكبرى في القارة، فهي أكبر دولة مصدرة للنفط. وتتمتع إيران بوجود دبلوماسي كبير في نيجيريا، كما تجمعهما سياسات اقتصادية موحدة. حيث أنهما أعضاء في منظمة أوبك، وأيضا فكل منهما عضو في منظمات دولية مشتركة مثل منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز.
وفي ظل وجود أكبر كتلة شيعية في أفريقيا، يتطلب من نيجيريا إدارة هذا الملف بدبلوماسية شديدة. من أجل تهدئة التوترات الداخلية منعا لتدخل إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لدعم الشيعة. كما أن هناك تفاهمات اقتصادية بين الدولتين، ففي نوفمبر 2019. اتفق كل من الرئيس النيجيري “محمد بخاري” ونائب الرئيس الإيراني للشؤون الاقتصادية “محمد ناهافانديان” على تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة. تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والزراعة والطاقة ونقل التكنولوجيا مما يعود بالنفع على الطرفين.
ومن المتوقع أن تتبع الحركة الإسلامية منهجية جديدة فور خروج قائدها خاصة بعد إجراءات تضييق الخناق التي لاحقتها بعد فرض الحظر. فقد تلجأ إلى طلب العون من إيران لدعم موقفها أمام الحكومة النيجيرية واستعادة نفوذها. مما يتطلب من الحكومة في نيجيريا تخفيف القيود على الشيعة في ممارسة شعائرهم الدينية والثقافية. تطبيقا لمبادئ الدستور الذي يكفل حرية العقيدة، وتجنبا لتعرضها للحرج الدولي، وتهدئة للتوترات الداخلية.
الصراع المذهبي
تعتبر السعودية من أوائل الدول التي بادرت بتوطيد علاقتها مع نيجيريا. حيث ترجع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى ستينيات القرن الماضي. كما يرتبط البلدان بعلاقات اقتصادية وتجارية في عدد من المجالات، وكلاهما عضو في منظمة الأوبك.
وتمثل أفريقيا ساحة أخرى للمواجهة بين السعودية وإيران في إطار التنافس على زعامة العالم الإسلامي. ومن هنا غلب على تحركات السعودية في غرب أفريقيا لاسيما نيجيريا الطابع المذهبي. خاصة في ظل وجود كتلة من المسلمين السنة.
ولأجل تحقيق مساعيها، اتبعت الرياض آلية إنشاء مراكز إسلامية وجمعيات خيرية والاهتمام بالجانب الثقافي. كما دعمت جماعة إيزالا السنية في مواجهة حركة الزكزاكي. وبالنسبة للدبلوماسية الاقتصادية، اتجهت لتقديم المنح والدعم المالي. حيث أعلن ولي العهد عن تقديم مليار دولار في صورة قروض واستثمارات لدعم جهود الدول الأفريقية خاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا.