للمرة الأخيرة.. دعوة إلى طاولة التفاوض بين الدول الثلاث “مصر والسودان وإثوبيا”. أطلقت الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات و13 منظمة أفريقية. مبادرة تحت عنوان “حقوق مشتركة وتنمية متكاملة لنهر النيل“. بهدف الوصول إلى اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة يضمن حق دولة إثيوبيا في التنمية. بنفس القدر الذي تحفظ به الحقوق المائية لدولتي المصب “مصر والسودان”.
اعتمدت المبادرة على استراتيجية تسعى من خلالها لاستعادة العلاقات والروابط الوثيقة التي تجمع بين شعوب الدول الثلاث. وتجاوز حملات الاستعلاء والكراهية التي تسببت فيها الخلاف وعدم التوافق أثناء مفاوضات سد النهضة. وهو الأمر الذي يستلزم معه تغيير تلك السياسات مع استخدام كافة الوسائل المتاحة لتوطيد العلاقات وتحسينها.
قواعد بيئة الحل
وبحثا عن الحلول أكدت المبادرة ضرورة توفير عدة قواعد تتضمن الاتفاق. حيث تحتاج إثيوبيا إلى الاتفاق مع مصر والسودان على قواعد ملء خزان سد النهضة وقواعد التشغيل خلال فترات الجفاف. والحق المتبادل في التنمية، على أساس مبدأ الاستخدام العادل والموافقة على عدم عرقلة اتفاقيات تجارة الطاقة التي تحتاجها إثيوبيا مع السودان.
أما القاعدة الثالثة في بنود التوصل إلى الحل فهي “التعاون”. حيث سينضم سد النهضة إلى سد أسوان العالي كخزان كبير ثان على نهر النيل. لذلك تحتاج مصر وإثيوبيا إلى صياغة خطة لتنسيق تشغيل هذين السدين. بحيث يتم تقاسم مياه النيل بشكل منصف خلال فترات ملء الخزان والجفاف المطول. حيث لا يوجد في أي مكان في العالم سدان كبيران على نفس النهر يعملان دون تنسيق.
وأوضحت المبادرة في قاعدتها الرابعة “عدم الانخراط في صراعات جانبية” تتمثل في الضغط على الطرف الآخر. لأن ذلك يزيد من تعقيد القضية ويفتح الباب لصراعات أخرى قد تكون عواقبها خطيرة. و”التقليل قدر الممكن من المشاعر القومية” في الخلاف لأنه يقرب الحل العسكري والنظر إلى الخلاف باعتباره “قانونيا وسياسيا وتقنيا”. ثم يأتي دور “التكثيف الدبلوماسي”، من خلال دبلوماسية نشطة على جميع الأصعدة مع إيلاء الصين وأوروبا الأولوية الكبرى في هذا النشاط.
ومن أهم المنظمات المشاركة في المبادرة: مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الأنسان. وRossy Foundation، Ravine Foundation، We Care Children’s Foundation، ONG-KOCAR. ومؤسسة النعيم للتنمية الإنسانية.. وقد اقترحت بنودا سبعة جاء في مقدمتها التأكيد على أهمية دور الاتحاد الأفريقي ووجوب استمرار المفاوضات. تحت رعايته وبإشراف مباشر من رئيس الاتحاد الحالي فليكس تشيسكيدي رئيس دولة الكونغوا الديمقراطية. وذلك للإسراع في عملية التفاوض واستكمال ما بني عليهالفترات السابقة. خصوصا وأن موفد الاتحاد الأفريقي قد ألمح إلى أن المفاوضات أنهت 90% من النقاط القانونية في الاتفاق وتبقي 10% فقط. وإذن، ستمرار التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي هو أمر مهم.
ويأتي البند الثاني، بدعوة رئيس الاتحاد الأفريقي رؤساء وقادة الدول الثلاث “مصر والسودان واثيوبيا” للقاء عاجل. لبحث أوجه الخلاف وتصفية الأجواء والتأكيد على أهمية الوصول إلى اتفاق ملزم. ووضع إطار زمني محدد للانتهاء من العملية التفاوضية من 4 شهور إلى 6 أشهر كحد أقصى.
ولمساندة الاتحاد الأفريقي في عمله، اقترحت المبادرة أن يكون هناك مراقبين من الأمم المتحدة. سواء ممثلة عن جمعية العمومية أو أحد المنظمات الدولية المتخصصة في هذا الشأن. وأيضا ممثلا من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وممثلا من البنك الدولي. بالإضافة إلى ممثلي لمنظمات المجتمع المدني بالدول الثالث.
البدء مما انتهت إليه المفاوضات
واقترحت المبادرة أن يبدا التفاوض على 10% الباقية كنقط خلافية، واعتماد ما تم عليه الاتفاق من 90%. مما وصلت إليه وساطة الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي من أجل كسب الوقت. نظرا لاستمرار المفاوضات على مدار 10 سنوات من عام 2011. وعبرت عملية التفاوض العديد من المحطات المهمة التي كانت من الممكن أن تنتهي إلى اتفاق ملزم.
كما طالبت المبادرة بتبني أجندة إعلامية للدول الثلاث تعلى من شأن الصداقة والروابط التاريخية بين شعوب المنطقة. وإيقاف كافة حملات الكراهية والتشجيع على العنف والإدارة المشتركة للمشروعات التنموية للشعوب بالدول الثلاث. بما يدعم الحق في الحياة الكريمة والتنمية وحماية البيئة من التصحر لتعزيز روابط العلاقات بين الدول.
إقامة مشاريع تنموية مشتركة
وفي نفس السياق اقترحت الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات ومركز بارادايم الدولي للدراسات الاستراتيجية وفريقهم البحثي. عددا من الحلول لإنهاء الأزمة، ومناقشة النتائج المترتبة على آلية عمل سد النهضة والتعاون المثمر من أجل تحقيق التنمية. منها الشراكة التنموية، من خلال رعاية دولية وبالتعاون مع البنك الدولي ومنظمات التنمية الدولية لمشاريع تنموية مشتركة بين الأطراف الثلاثة.
وترتكز هذه المشاريع على مشاريع زراعية تقام بين الأراضي الإثيوبية والسودانية. تستقطب فوائض الأيدي العاملة الزراعية المصرية المتضررة. بسبب السد -في حال وقوع ضرر وتأثرهم به- على أن تعتمد على زراعة منتجات تحتاجها الدول الراعية والداعمة للحل. وتحّدد بشكل دقيق الكميات والنوعيات المطلوبة ضمن رزنامة سنويّة قابلة للتطوير. مع توفير حاجة هذه المشاريع من المياه دون أي عوائق.
ومن منطلق “الشراكة الكهربائية” اقترحت المنظمة إنشاء شركة مصرية إثيوبية تُعنى بمسألة إنتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها. وذلك انطلاقا من الهدف الرئيسي لإنشاء سد النهضة، موضحا أن حاجة إثيوبيا لتصدير الطاقة الكهربائية عبر مصر. من الصعب تجاوزها في المدى المنظور إلا من خلال شراكة بين الطرفين. بدلا من أن تصبح هذه المسألة مادة خلافية وباب للمضاربة السعرية ترفع منسوب التوتر بين الدول. والدخول في صراعات قد تصل إلى العسكرية.
تأثيرات وأضرار بالغة
وأشارت دراسة أطلقتها مركز بارادايم الدولي للدراسات الاستراتيجية. ناقش خلالها أزمة سد النهضة الجيوبولتيكية والسياسية والثقافية والاجتماعية. وتداعياتها البيئية والتنموية والاقتصادية على دولتي مصر والسودان. إلى مخاطر عدم الامثال لاتفاق قانوني ملزم للأطراف الثلاثة اثيوبيا ومصر والسودان.
كما ناقشت معضلة دور الصين في أزمة سد النهضة، ودوافعها التي تتمثل في الضغط على مصر. لعدم التخلي عن تكنولوجيا الجيل الخامس لصالح الشركات الأمريكية. موضحة أن الصين تنظر إلى السد كنموذج للعلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة بالمعنى التصالحي التعاوني أو الصراعي.
الدور الاسرائيلي الأخطر
ومن جانبه، قال مازن بكري نائب مدير مركز بارادايم، إنه تم الانطلاق في دراسة تأثيرات سد النهضة. مهتما بالدور الأمريكي والإسرائيلي، والذي يراه الأخطر لتبنيه رؤية الصراع حول النيل بعدا عقائديا بين أثيوبيا الحبشة ومصر العربية المسلمة. معتقدا بأن الحروب القادمة ستكون حربا على الماء.
وأشار بكري إلى أن هذه الأمور باتت واضحة حيث تسعى إسرائيل للتوسع في دعم أثيوبيا في طريق سد النهضة. مشيرا إلى الكثير من الحلول الممكنة وهذه هي المعضلة الأساسية وضرورة العمل على إرادة الحل. مشيرا إلى أن انخفاض منسوب المياه سيكون له تأثيره البالغ على الزراعة والصناعة والثروات السمكية والحيوانية”.
وأكد أن السد سيعمل على دمار الاقتصاد المصري. قائلا: “الأزمة أن استمرت ستؤدي إلى خنق الحياة في مصر”.
وقال سومر صالح، رئيس اللجنة البحثية بمركز بارادايم: “قدمت مصر والسودان العديد من المبادرات ولم يكن هناك رد فعل حتى الآن عندما لجأت الدولتان إلى مجلس الأمن. وعند البحث بشكل دقيق وجدنا الكثير من الأسباب التي تعمل على تمويه القضية وتعيق الوصول إلى حلول”. لافتا إلى عدم رغبة الدول للتوصل لحل والوصول إلى السيناريو الأسوأ وهو الحل العسكري.
خيارات مصر الثلاثة
وقالت دراسة نشرتها مجلة جامعة يال: “إذا ارتفع سطح البحر نصف متر فقط وهو ما سيحدث سريعا إذا انخفض منسوب النيل- فإنه سيؤدي إلى غرق 19% من مساحة الدلتا”.
ويعتقد الجيولوجيون أنه في الأعوام القادمة ستكون أجزاء كبيرة من الدلتا تحت الماء. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى فقدان ثلث كمية المياه العذبة في المثلث الأخضر. الذي يسكنه نحو ربع سكان مصر، فإن ما تفعله إثيوبيا الآن من شأنه أن يخفض منسوب النيل نحو 25 مليار متر مكعب من المياه. وهو يمثل لمصر تقريبا أقل قليلا من نصف حصتها والتي تقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب.
وأشارت دراسة مركز بارادايم، إلى ضعف الموقف الرسمي العربي. ممثلا بمنظمة “جامعة الدول العربية” فلم يرق بعد إلى مستوى الحدث وحجم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي.
وأوضحت الدراسة أن مصر أمامها ثلاثة خيارات في حال عدم التوصل لاتفاق. وهو الخيار الدبلوماسي من خلال الضغط الدولي على إثيوبيا والتصعيد السياسي. أو تنفيذ خطط التعامل مع نقص الماء ومواجهة الشح، أو العمل العسكري ضد إثيوبيا أو الاتجاه لعمل عسكري بالوكالة.