يخضع المواطن المصري لستة أنواع من الضرائب يتخللها عدد لا حصري من الرسوم. أغلبها لا تفرق بين غني وفقير.
وفيما تستغيث الحكومة من مبلغ 44 مليار جنيه هو نصيبها من دعم الخبز. فإن الرقم نفسه لا يعد سوى أقل من 4% من حصيلة الضرائب، التي يدفعها المواطن نفسه.
وفي حين تعتزم الحكومة رفع الدعم وتعريض ما يقرب من ثلث المواطنين للوقوع تحت خط الفقر. فإنها لا تدخر جهدا في رفع نسبة الضرائب والرسوم بمعدل شبه دوري. وعلى فترات متقاربة، وهي أموال مدفوعة ليس بالضرورة أن تكون مقابل خدمات، على وعد بأن تغطي هذه الضرائب الاحتياجات الأساسية الأخرى للمواطنين.
وبشكل خاص وعلى مدار الخمس سنوات الماضية أصدرت الحكومة المصرية العديد من القرارات والتعديلات التشريعية لزيادة أسعار الخدمات والسلع التي تؤديها الحكومة إلى المواطنين بشكل مبالغ فيه. ولكن دون انعكاسات إيجابية تُذكر حتى الآن على الأوضاع المعيشية سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، أو على مستوى تطوير القطاعات الخدمية.
حديث الضرائب المتزايد
ربما يجب هنا التذكير بما قاله ابن خلدون في هذا الشأن. وربطه ﺍﻷﺴﻌﺎﺭ بالضرائب ﻭﺍﻟﺭﺴﻭﻡ التي ﺘﻔﺭﻀﻬﺎ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ: “المكوس ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻔﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﻓﻲ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ تضاف إلى ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ، ما يؤدي ﺇﻟﻰ ﺍﺭﺘﻔﺎﻉ ﺃﺴﻌﺎﺭﻫﺎ. ﺜﻡ ﺇﻥ ﺍﻻﺭﺘﻔﺎﻉ ﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺼل ﻷﺴﻌﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﻴﺠﻌل ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻴﺘﺭﻜﻭﻥ ﺸﺭﺍﺀﻫﺎ ﻓﻴﻜﺜﺭ ﺍﻟﻌﺭﺽ ﻭﻴﻘل ﺍﻟﻁﻠﺏ، ﻓﻴﺤﺩﺙ ﺍﻟﻜﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ”.
وشهدت الفترة الماضية مناقشات عديدة بشأن الضرائب التي قامت الحكومة المصرية بالتوسع في فرضها. وربما كانت ضريبة العقار هي الأكثر إثارة للجدل خلال الفترة الماضية. وسبقتها ضريبة التوزيعات والأرباح التجارية والرأسمالية التي تراجعت الحكومة عن بدء تطبيقها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
وفقا للنظام الضريبي المصري يخضع الأشخاص الطبيعيون إلى أنواع من الضرائب المباشرة وغير المباشرة ويتم محاسبتهم وفقا لنظام الشرائح الضريبية بعد احتساب حدود الإعفاء. أما الشخصيات الاعتبارية فتخضع لنوع واحد من الضرائب وهو ضرائب الأرباح الرأسمالية بنسبة 22.5% من صافي أرباح الشركات والشخصيات الاعتبارية.
الضرائب غير المباشرة
أما الضرائب غير المباشرة فهي ضرائب عمياء. يخضع لها جميع المواطنين على حد سواء أيا كانت دخولهم. وهي تنقسم إلى نوعين الأول ضرائب القيمة المضافة على السلع والخدمات التي يشتريها المواطن وفق شرائح ضريبية بينما النوع الثاني الضرائب الجمركية للسلع المستوردة من الخارج.
وتتركز حصيلة الضرائب على بعض المنتجات مثل السجائر والتبغ. إذ يحقق حصيلة متوقعة 74.6 مليار جنيه، بخلاف ضريبة القيمة المضافة. إلى جانب 15.3 مليار جنيه ضريبة على الاتصالات المحلية والخارجية. وكذلك 25.3 مليار ضريبة دمغة، إضافة إلى رسوم تنمية الموارد التي تبلغ 23.8 مليار جنيه.
على سبيل المثال لا الحصر خلال العام الماضي. ومع بداية تفشي جائحة كورونا، أعلنت الدولة المصرية رصد 100 مليار جنيه لمواجهة تداعيات هذا الفيروس منذ بداية ظهوره.
ورغم هذا إلا أن الحكومة قررت خصم 1% من جميع العاملين لمدة عام لمواجهة الفيروس. كما قررت خصم 0.5% من أصحاب المعاشات للغرض ذاته.
أو كما هو الحال مع الضريبة على راديو السيارة التي بلغت 100 جنيه. دون وجود أي خدمة في المقابل، ومثلها استمارات الرقم القومي، وجوازات السفر، وجميعها أموال لا يقابلها خدمات.
الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني وصف الرسوم كساحة للجباية. وقسمها إلى نوعين “عامة” تسدد لصالح وزارة المالية. كالرسم على السيارات، والتنمية وغيره. وبحسب الميرغني: هناك الرسوم المحلية التي تفرض وتعدل بقرارات من المحافظين مثل رسوم المحاجر ورسوم عبور الطريق وغيرها. التي تذهب لتمويل صناديق التنمية المحلية، وهي صناديق مستقلة عن الموازنة طالما شابها تهم فساد.
الرسوم.. الباب الخلفي للجباية
وتستغل الحكومة ثغرة أن الرسوم لا تقر بقانون برلماني كما هو الحال مع الضريبة، فزادت في استغلال ذلك البند وتوسعت فيه، مخالفة بذلك نص الدستور الذي يقول ” لا يكون إنشاء الضرائب العامة، وتعديلها، أو إلغاؤها إلا بقانون… ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون”.
أكدت المحكمة الدستورية في أحد أحكامها أن المُشرع الدستوري فوض السلطة التنفيذية في تنظيم وفرض الرسوم لكنه ليس تفويضا مطلقاً وإنما مقيداً بالقيود التي حددها الدستور وأخصها أن تكون في حدود القانون، حتى لا تتحول هذه الرسوم لنوع من الجباية.
وتتمثل هذه القيود التي فرضها الدستور مع كون هذه الرسوم وسيلة من وسائل التوجيه الاقتصادي والاجتماعي، وتأكيداً لإتاحة الفرص المتكافئة للحصول على الخدمات العامة التي تؤديها الدولة وحتى لا تكون الرسوم مجرد وسيلة لجمع الأموال من المواطنين دون تقديم خدمات كما هو حاصل.
خلل في النظام الضرائبي
وفضلا عن الارتفاع المطرد والزيادات في الرسوم والخدمات، فإن النظام الضرائبي بشكل عام يفتقد إلى العدالة، فيقول الخبير الاقتصادي الميرغني: “بينما لا تتجاوز ضرائب الدخول والأرباح الرأسمالية 351.6 مليار جنيه. فإن الضرائب غير المباشرة ومنها الضرائب على السلع والخدمات تقدر بنحو 469.6 مليار جنيه. منها 221.3 ضريبة قيمة مضافة يتحملها الجميع بدون تفرقة، وأخرى على الخدمات تبلغ 67 مليار جنيه”.
كما أن المواطن محدود الدخل الذي يحتاج على الدعم بدوره هو الممول الرئيسي لموازنة الدولة، بينما كبار الرأسماليين وأصحاب المشروعات والمهن الحرة لا يسددون إلا النذر اليسير، إضافة إلى ذلك فإن أعلى شريحة في ضرائب الدخل لا تتعدى 22.5% بينما تصل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ما بين 45% و65% طبقًا للميرغني.
العمال والموظفين
يتابع الميرغني: المتأمل لضرائب الدخل على الأشخاص الطبيعية. يجد خللا عميقا حيث يسدد العمال والموظفين 80.2 مليار جنيه في موازنة 2020/2021. منهم 2.7 مليار دمغة رواتب. بينما الضرائب على دخول الأفراد من غير المعينين لا تتجاوز 47.6 مليار جنيه.
يذكر أن الضرائب المباشرة التي يدفعها المواطن تنقسم إلى 4 أنواع رئيسية. هي ضريبة الدخل وضريبة الأرباح على النشاط الصناعي والتجاري وضريبة كسب العمل وأخيرا ضريبة التصرفات العقارية.
وقد قسم النظام الضريبي المصري. الضرائب التي يدفعها المواطن إلى شرائح بعد خصم الإعفاءات من إجمالي الدخل. وهما حد الإعفاء الضريبي بقيمة 15 ألف جنيه. بالإضافة إلى حد الإعفاء الشخصي والبالغ 7 آلاف جنيه وبالتالي سيكون الدخل معفى من الضريبة حتى 24 ألف جنيه سنويا معفاة من الضرائب. بينما ما زاد على الـ 24 ألف جنيه أي بدخل قدره ألفين جنيه شهريا يخضع للضريبة. في حين أن الدخول بالتقاطع مع خط الفقر تصل إلى ما يقترب من 2500 جنيه شهريا للأسرة المكونة من 3.5 فرد.
وهناك ضريبة التصرف العقاري التي لا يقابلها أي خدمة سوى أن الدولة تقوم بصفة السمسار، إذ أن بيع مالك لشقته التمليك لمرة واحدة يخضع لضريبة التصرفات العقارية بنسبة 2.5% من قيمة التصرف حتى في حال كانت ملكية وحيدة ولا يشوبها أي نشاط تجاري على سبيل المثال.
الضرائب بالأرقام
وعلى مدار الخمسة عشر سنة الماضية تمكنت الحكومة المصرية من جمع نحو 6288.845 مليار جنيه، من الضرائب التي تُجمع بكل أنواعها سواء من الأفراد أو الشركات.
تطورت الحصيلة الضريبية في مصر بشكل كبير، و قفزت بنسبة 1108.26%. بعد ما ارتفعت من نحو 79.842 مليار جنيه خلال العام المالي 2005- 2006 إلى نحو 964.7 مليار جنيه (61.642 مليار دولار) خلال العام الماضي.
ووفق البيانات الرسمية، فإن المتوسط السنوي لحجم الضرائب التي جرى تجميعها خلال السنوات الماضية بلغت نحو 419.256 مليار جنيه، كما بلغت نسبة الزيادة المئوية السنوية متوسط 73.9% على مدار 15 عاما فقط.