قرار جديد لوزارة الصحة أثار الجدل بفرض رسوم لاستخراج شهادة اللقاح ضد كورونا بمبلغ مالي 100 جنيه وذلك لغير أغراض السفر. ما اعتبره أطباء وحقوقيون خرقا لحقوق المواطنين والمساواة بينهم بعد الاتفاق على مجانية اللقاح للمواطنين سواء.
وجاء نص قرار وزارة الصحة والسكان رقم 399 لسنة 2021، أمس الأربعاء. “تحصل مصروفات إدارية مقابل استخراج شهادة معتمدة بتقنية QR-CODE للحاصلين على جرعات لقاح فيروس كورونا بالداخل. وليس لأغراض السفر، وفقا لما يلي: 100 جنيه للمصريين، و10 دولار لغير المصريين أو ما يعادلها بالجنية المصري”.
وأضاف القرار: “تودع حصيلة المبالغ الواردة بالمادة السابقة في الحساب المنشأ لهذا الغرض لدى البنك المركزي لصالح وزارة الصحة والسكان، ويتم توزيعها طبقا لموافقة مجلس الوزراء”.
وعلى الصفحة الرئيسية لوزارة الصحة والسكان على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أكدت الوزارة خلال منشور لها. أن المصاريف الإدارية لاستخراج الشهادات الحاصلين على اللقاح للراغبين في السفر إلى الخارج. برسوم قدرت بـ 250 جنيها، و10 دولارات قيمة استخراج الشهادات لغير المصريين. و100 جنيه هي مصاريف إدارية للمواطنين الراغبين في الحصول على شهادات محلية لتقديمها بمختلف الجهات التي تتطلبها داخل مصر.
التفاف على مجانية
قرار تحصيل وزارة الصحة لرسوم مقابل شهادة معتمدة للحصول على جرعتين من اللقاح رأه محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، بمثابة التفاف على فكرة مجانية اللقاح، نظرا لانضمام مصر إلى مبادرة كوفاكس والتي تمنح إعفاء للدول الفقيرة من دفع نفقات اللقاح. بخلاف دفعات الصين المتتالية من اللقاح والمجانية لاشتراك مصر في التجارب السريرية.
وقال فؤاد: “يتضح من هذا القرار أن وزارة الصحة حصلت على موافقة من الحكومة بفتح حساب في البنك المركزي بالتحصيل والتصرف في المبلغ بعد موافقة البرلمان”، مؤكدا أن إجبار المصريين غير المسافرين على دفع مبلغ 100 جنيه، أمر مرفوض ويعتبر عبئا على كثير من المواطنين الفقراء ويقلل فرص تلقيهم للقاح.
ويرى أن هذه الشهادة غير مهمة إلا في حالت بعينها وهذا القرار يكلف المواطن أعباء جديدة، قائلا:” لا يوجد ما يدعوا لفرض مصاريف أخرى، الشهادة القديمة تغني عن ذلك”.
دعوى مجانية اللقاح
كانت محكمة القضاء الإداري في 13 من فبراير السابق، نظرت دعوى ضد كل من رئيس الجمهورية. ورئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة بصفتهم، ردًا على ما أعلنته الأخيرة حول عدم مجانية التطعيم لكل الفئات.
كانت الدعوى التي أقامها المحامي خالد علي موكلًا عن إلهامي الميرغني نائب رئيس حزب التحالف الشعبي ورانيا الخولي. تطالب بمجانية اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. إذ قصرت مجانية اللقاح على الأطقم الطبية وغير القادرين المدرجين على معاش “تكافل وكرامة”.
وأكدت المحكمة أن “اللقاح في وقت الوباء حق لكل مواطن، وتوفيره مجانا واجب على الدولة للمواطن الغني والمواطن الفقير”. وقد نصت المادة 18 بضرورة أن تكفل الدولة لكل مواطن الحق في الصحة المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة.
قرار غير مفهوم رغم مجانية اللقاح
وتقول الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء الأسيق، إن فرض رسوم على الشهادة أمر غير مفهوم للحصول خاصة أنها تتاح للمواطن بغير أغراض السفر. خاصة وأنه عقب التطعيم يحصل الملقح على شهادة من المركز الذي يتم تلقي اللقاح فيه.
تتذكر مينا التصريحات السابقة لوزارة الصحة عن إعطاء اللقاح بمقابل 100 جنيه. ماعدا أعضاء الفريق الطبي وأصحاب الأمراض المزمنة. والذي تراجعت عنه الوزارة لما آثاره من اعتراضات، متسائلة: فهل ذلك التفافا على المجانية؟ وهل سيستمر أم سينتهي عند حد إعطاء الشهادة القديمة المجانية. أم سيصبح هناك أماكن عديدة تشترط الحصول على الشهادة الجديدة؟ بهدف تحصيل المال لتعويض فكرة مجانية اللقاح.
وترى مينا، من خلال متابعتها لحركة حصول الكادر الطبي على اللقاح أنه بدلا من اختراع شهادة تعطي بمقابل، أن تقوم وزارة الصحة بتوفير اللقاحات للمواطنين. وتسريع معدلات التلقيح التي وصفتها بـ “شديدة البطء” في مصر. مستندة إلى تحذيرات منظمة الصحة العالمية عن مخاطر متوقعة للموجة الرابعة في شرق المتوسط وأفريقيا بسبب نسب التلقيح الضعيفة.
جباية والتواء
ويرى الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء سابقًا. قرار وزارة الصحة ما هو إلا “جباية”، مشيرا إلى أنه كان من المفترض تحفيز المواطنين على الحصول على اللقاح، معتبرا عملية ربطه بمبلغ مالي للحصول على شهادة تقدم للجهات داخل مصر، مبالغ فيها غير منطقية.
“القرار يبدو أنه صيغة تحايل لتحصيل ثمن اللقاح رغم إقرار الدولة بمجانيته”، مؤكدا غياب أي منطق أو تبرير في تسليع شهادة تفيد بحصول المواطن على خدمة. على اعتبار أنه حق أصيل للمواطن والمريض والذي من حقه أن يحصل على تقرير بما تم معه من إجراءات طبية.
وتساءل حسين عن السند القانوني والأخلاقي لذلك القرار، مشيرا إلى أن الشهادة الورقية لا تكلف الوزارة شيئا.
طارق نجيدة: فرض رسوم على شهادة لقاح كورونا تحتاج إلى قانون يصدر من السلطة التشريعية وفقا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية. خاصة أن فرض الأعباء المالية من اختصاص سلطة التشريع التي لا يجوز للسلطة التنفيذية الجور عليها تحت أي مسمى
أسس التقدير المالي
من جانبه أوضح، المحامي طارق نجيدة، أن هناك قرارا واضحا تماما بمجانية التطعيم باللقاحات بجميع أنواعها. وهذا القرار تم تنفيذه فعلا على كل الأعداد التي تم تلقيحها. ولا يوجد أي نية مطلقا للرجوع عن مجانية التطعيم كما هو واضح من بيانات أجهزة الدولة.
وعن القرار الصادر من وزارة الصحة بعدم مجانية شهادة التطعيم، أشار نجيدة إلى أن هذه الرسوم تحتاج إلى قانون يصدر من السلطة التشريعية وفقا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية. خاصة أن فرض الأعباء المالية من اختصاص سلطة التشريع التي لا يجوز للسلطة التنفيذية الجور عليها تحت أي مسمى. موضحا أنه كما هو واضح من القرارات الوزارية عن وزارة الصحة فهي التي قدرت الرسوم للشهادة لأغراض السفر. وهي التي قدرتها لغير أغراض السفر، دون معرفة أسس التقدير. وتوقع أن الرسوم يتم تقديرها مقابل الخدمة المقدمة.
وفي تصريحات سابقة أوضح أحمد سيد النجار، الكاتب الصحفي المتخصص في الاقتصاد. عبر حسابه على موقع “فيسبوك” أن الدولة ضاعفت الضرائب من جيوب المواطنين. إذ كانت 260 مليار جنيه عام 2013/2014 وأصبحت 964 مليار في مشروع موازنة 2020/2021. بينما لا تريد بعد ذلك تقديم الرعاية الصحية لهم بالمجان.
وبحسب النجار: “ضاعفت الدولة الدين العام من 1816 مليار جنيه في يونيو 2014 إلى 4354,5 مليار جنيه في ديسمبر 2020. كما ضاعفت الدين الخارجي من 46,1 مليار دولار في يونيو 2014، إلى 123,5 مليار دولار في يونيو 2020. ما يعني أن هناك نفقات ضخمة للدولة تتجاوز إيراداتها”. متسائلًا: “هل هناك أولوية للإنفاق العام أكثر من الإنفاق على حماية الصحة العامة لمواطني الدولة؟”.