في أولى الرحلات الرسمية بين الاحتلال الإسرائيلي والمغرب. اتجه وفد برئاسة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى المغرب في أول زيارة له منذ الاتفاق على التطبيع بين البلدين خلال العام الماضي.
وقالت وزارة خارجية الاحتلال عبر صفحتها الرسمية على موقع تويتر: “صباح الخير والبركة قلعت قبل قليل طائرة العال الإسرائيلية في رحلة رقم 555 وعلى متنها الوفد الإسرائيلي برئاسة وزير الخارجية يائير لابيد ومدير عام الخارجية”.
ووصفت المناسبة بـ “اليوم التاريخي”. مشيرة إلى أنها تمثل خطوة أخرى نحو تعزيز السلام بين المغرب وإسرائيل.
ونشرت الخارجية الإسرائيلية تغريدة أخرى تضمنت صورة لكمامة ارتداها الوفد المسافر على متن الرحلة. وكتبت فيها: “لما تنطلق الرحلة التاريخية المباشرة بين إسرائيل والمغرب التي يقطعها وزير الخارجية يائير لبيد والعالم في خضم وباء كورنا. حتى الكمامة الواقية ازدانت بالعلمين الإسرائيلي والمغربي”، حسب قولها.
اتفاق السلام
وكان المغرب وقع اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في ديسمبر 2020. لينضم إلى ركب الدول التي طبعت علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الاحتلال خلال العام نفسه. وهي الإمارات والبحرين والسودان.
ويشمل الاتفاق إعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط كانت قد أُغلقت عام 2000 إبان الانتفاضة الفلسطينية. ومن ثم تبادل فتح سفارات في كلا البلدين، فضلا عن رحلات جوية مباشرة من وإلى الأراضي المحتلة.
وفيما يعتبر الفلسطينيون هذه الخطوات نقضًا لعهود قطعتها دول عربية بعدم إقامة علاقات مع الاحتلال حتى قيام دولة فلسطينية. لكن العاهل المغربي. قال إن هذه الإجراءات لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على موقف المغرب الثابت من القضية الفلسطينية العادلة بحسب قوله.
التطبيع مقابل الصحراء
بدا وقتها أن الاتفاقية التي قامت في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. كانت مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
حيث سارع ترامب الذي خيل له آنذاك أن التطبيع سيكون خطوة نحو نجاحه في الانتخابات الرئاسية. بإعلان دعمه لمقترح المغرب المتعلق بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية كأساس وحيد عادل ودائم لحل النزاع.
كما وصف المقترح المغربي بأنه “جاد وواقعي”. وأن خيار الاستقلال ليس حلا واقعيا، في حين رفضت جبهة البوليساريو الإعلان. معتبرة أن الوضع القانوني يحدده القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وحينها ألمحت البوليساريو أن الاعتراف الأمريكي جاء في مقابل التطبيع مع الاحتلال. فغرد المتحدث باسمها سيدي عمر على تويتر: “تشير الخطوة إلى أن النظام المغربي مستعدّ لبيع نفسه في سبيل الحفاظ على الاحتلال غير القانوني لأجزاء من الصحراء الغربية”.
وهي الخطوة التي اعتبرها المحللون ليست ذات أهمية على أرض الواقع. إذ أن النزاع يبدو أكبر من نزوات الرئيس الأمريكي. بحسب مراسلة بي بي سي آنذاك. كما لا تزال الأمم المتحدة مكلفة بالإشراف على استفتاء لاستقلال الصحراء الغربية بالرغم من صعوبة تحقق ذلك منذ عام 1991، عندما دشنت الأمم المتحدة بعثتها هناك.
قدوم بايدن
ومع قدوم إدارة بايدن الديمقراطية تجددت الآمال بتغيير المواقف. إلا إن الولايات المتحدة وخلال الشهر الماضي، عادت واكدت على أنه ليس هناك “أي تغيير” في موقفها بخصوص الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، خلال مؤتمر صحفي أن “هذا سيظل موقف إدارة الرئيس جو بايدن.
ويبدو أن المغرب كان يربط بين الخطوتين. إذ انتظر موقف الرئيس الأمريكي الجديد، من المسألة. لإتمام عملية فتح قنصلية الولايات المتحدة في مدينة الداخلة، ليُنفذ اتفاقيات التطبيع، أهمها فتح خط طيران مباشر بين تل أبيب والدار البيضاء.
وتسعى جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر إلى استقلال الصحراء، وهي منطقة صحراوية شاسعة يسيطر عليها المغرب منذ انسحاب إسبانيا في عام 1975.
المغرب والاحتلال.. علاقات تاريخية
والعلاقات بين المغرب والاحتلال ذو طبيعة خاصة. وترجع لعقود ما قبل التطبيع، ومنذ الحقبة الناصرية، التي قاد فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حركة تحررية. ما دعا ممالك المنطقة إلى عقد العديد من التحالفات، في مواجهته.
وبالنسبة للمغرب كان الوضع أسهل في ظل وجود جالية يهودية كبيرة تتمتع بكامل حقوق المواطنة. بفضل الملك محمد الخامس الذي منع حكومة “فيشي” الفرنسية من اضطهاد اليهود المغاربة، وقال إن المغاربة لدي سواسية أيا كانت انتماءاتهم العقائدية.
ومع قدوم الملك الحسن الثاني دخلت العلاقات في مرحلة جديدة، أكثر متانة وتعاونا في ظل محيط من الثورات وحركات التحرر. وفي الوقت نفسه كانت المعارضة المغربية قوية للغاية في تلك الفترة ووصلت حتى الجيش، لذلك بحث النظام المغربي عن دعم الاحتلال في مواجهتها.
وهو نفسه الذي قال في مذكراته: “لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل ولقبلت عضويتها بالجامعة العربية لأنها على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها”. في حين أن ذلك لم يمنعه من اقرار ضريبة خاصة على السجائر وتذاكر السينما لتذهب مداخيلها إلى الفلسطينيين. على امتداد عقود من الزمن، كما أرسل جنودا إلى سيناء والجولان للمشاركة في حرب أكتوبر 1973.
والحسن الثاني أيضا هو من سرب لقاء القمة العربية، بحسب الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية للاحتلال، شلومو غازيت، الذي أكد أن المغرب مكّنها من تسجيلات قمة عربية استضافها عام 1965، مّا هيّأ لها سبل الانتصار في حرب 1967.
وتخليد لاسم الحسن الثاني في الذكرى الـ 91 لميلاده. أُقيم نصب لتخليد ذكراه في مدينة «بتاح تيكفا». كما أطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة في وسط دولة الاحتلال. وأقيمت حديقة لتخليد ذكراه في مدينة «أشدود»، وعند وفاته، أصدر الكيان الإسرائيلي طابعاً بريدياً يحمل صورته، كُتب عليه بالعربية: “صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني ملك المغرب”.
وبعد الحسن الثاني تابع نجله محمد السادس تلك العلاقات. وإن مر الأمر ببعض الأزمات العابرة كأحداث الانتفاضة الثانية عام 2000، وتبادل اغلاق مكاتب الاتصال. ولكن ذلك لم يمنع التقارب الاقتصادي السياسي بين الطرفين.
تعاون زراعي ومناورات مشتركة
وظلت الشركات الإسرائيلية على سبيل المثال تبيع التجهيزات الزراعية للمغرب، بواسطة شركات أوروبية أخرى وأغلبها مستقرة بقبرص علما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساهما في تمويل جزء كبير من بيع منتجات الاحتلال بواسطة قروض منحت للمغرب.
وخلال العام الجاري أكد صحفي تابع للاحتلال. أن وحدة عسكرية مغربية شاركت في مناورة لمواجهة “الإرهاب” في “إسرائيل”. تلك المناورة التي شارك فيها فرق الموت الصهيونية التي تنفذ عمليات الاغتيال ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية.
ومنذ أسابيع تورط المغرب في فضيحة برنامج التجسس الذي تنتجه دولة الاحتلال. الذي يستخدم للتجسس على صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وسياسيين، إلا أن الحكومة المغربية نفت بشدة التقارير الواردة في هذا الشأن.