لم يعد حسم سعر الفائدة مجرد قرار اقتصادي للبنوك المركزية يستهدف محاصرة التضخم فقط. في ظل تزايد دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي والتوظيف وسعي الحكومات لتعزيز الاعتماد عليه في دعم النمو الاقتصادي.
تُساهم مستويات الفائدة المنخفضة في تشجيع المستثمرين على ضخ استثمارات جديدة أو التوسع في المشروعات القائمة. باعتبارها تقلل تكلفة الاقتراض، ما ينعكس على أوضاع البطالة، وتحقيق مقولة “دعمه يعمل.. ويمر.. ويُشغل”.
تتماشي خفض الفائدة مع زيادة مساحة دور القطاع الخاص في عمليات التنمية. بعدما تقلصت أدوار الحكومات في التشغيل وقيامها بدور المراقب على الأسواق فقط.
في مصر من المتوقع أن يساهم القطاع الخاص بنحو 68٪ من الإنتاج الـمحلى الإجمالي العام الحالي.
يعتبر مشاركة القطاع الخاص أحد العناصر الأساسية في مساعدة استقرار الأوضاع الاقتصاديّة وتحسين مؤشرات الأداء. وتنامى ثقة الـمُؤسسات الدوليّة في الاقتصاد الـمحلي. وفقا التقارير الصادرة عن غالبية المؤسسات الدولية.
تشبه الفائدة حلقة في دائرة اقتصادية. باعتبارها تشجع على الاقتراض والتوسع. فيزيد التشغيل فترتفع مستويات الدخول ويقل الفقر وتزيد معدلات شراء السلع والخدمات فيحدث رواج للمستثمرين فيضخوا استثمارات مجددًا تفتح مجالًا أمام التصدير.
تحتاج قرارات الفائدة لدراسة مستوفية لسلوك المودعين. فالخفض يقلل العائد من وضع الأموال بالبنوك ويؤدي لتآكل ودائع قطاع من المودعين يعتمدون على الفائدة كمصدر دخل شهري.
ترتبط الفائدة والتضخم بعلاقة حساسة فالتغير في الأولى يحمل تأثيرا شديدًا على الثانية، فرفع أسعار الفائدة يحافظ على خفض التضخم والعكس صحيح، كما ترتبط بالعلاقة ذاتها مع الاستثمار في البورصة الذي يتزايد مع انخفاض العائد من الاستثمار الآمن أو بمعنى آخر فإن قلة الفائدة تغري البعض للبحث عن وسائل أكثر مخاطرة كالمضاربة في سوق المال.
ضبط التضخم
في مصر، تسعى السياسة النقدية (البنك المركزي) والسياسة المالية (وزارة المالية). لضبط معدل التضخم وعينه في الوقت ذاته على استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية. فالعائد المرتفع علها ضمانة لاستمرار توفير سيولة للموازنة العامة للدولة لتغطية الفجوة التمويلية.
ولجأت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي. لتثبيت الفائدة على عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25%، و9.25%، و8.75% على الترتيب. والإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75%، وذلك لست مرات متتالية.
ورأت بنوك استثمار عالمية. أن البنك المركزي لا يحتاج لقرار الرفع في ظل معدلات التضخم الأخيرة. كما أن البنك يسعى للمحافظة على استمرار تدفقات المالية الواردة لتلبية المتطلبات الكبيرة للتمويل الخارجي بالنسبة لمصر التي تتعارض مع خفض أسعار الفائدة.
ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة المحلية بنحو 1% عن المستهدف بمشروع الموازنة العام للدولة ارتفاعًا بقيمة العجز الكلي نتيجة لارتفاع فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو 9 مليارات جنيه سنويًا في المتوسط.
وكان معدل التضخم الأساسي. سجل في يونيو الماضي على أساس سنوي عند 3.8%، مقارنة مع مستوى 3.4 في مايو 2021.، بينما أعلن البنك المركزي وصول الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية (113.2) نقطة لشهر يونيو الماضي، مسجلاً ارتفاعا قدره (0.3%) عن شهر مايو الماضي.
الاستثمار في أدوات الدين
وعاودت استثمارات الأجانب في أدوات الدين ارتفاعها إلى مستويات قياسية خلال العام الجاري بعد عمليات البيع التي شهدتها الأسواق الناشئة مع بداية تفشي الجائحة في مارس 2020 لتتراوح بين 28 و29 مليار دولار بنهاية مايو، ومن المتوقع أن تشهد مصر دخول تدفقات أجنبية بقيمة تتراوح بين 3-4 مليارات دولار في سوق السندات في النصف الثاني من العام الحالي.
وفي تونس، تم التركيز على الفائدة كوسيلة لتحسين أوضاع الاقتصادية، فالرئيس قيس سعيد دعا أخيرًا رؤساء البنوك والمؤسسات المالية، خلال لقائه بها، إلى خفض نسب الفائدة لدعم الجهد الوطني من أجل الإنقاذ وتخفيف الأعباء المالية على المواطنين.
وجاء التوجيه التونسي بعد مظاهرات عمت عدة مدن ضد البطالة والفقر. أعقبها قرار رئاسي بتجميد الحكومة. الأمر الذي يجعل السياسة النقدية وسيلة لحل مشكلات اقتصادية معقدة.
بلغ معدل التضخم السنوي في تونس 5.7% في يونيو مقابل 5% في مايو. مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 7.2% في يونيو. مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، مع تصاعد الديون وانكماش الاقتصاد بنسبة 8.8%، وتسجيل عجز مالي 11.4%.
وارتفعت نسب البطالة في تونس من 12% قبل عام 2010، إلى 18.33% في 2011، ثم سجلت 17.3% في 2012 و16% في 2013 ثم 16.7% بنهاية العام الماضي.
تمثل وزارات المالية المستفيد الأول من خفض الفائدة باعتبارها تقلل عبء فوائد الديون على الموازنة العامة للدولة، وسجل الدين العام في تونس معدلاً قياسيا عند 30 مليار دولار في 2020 مقابل 16 مليارا في 2010.
توجه عالمي
ورفعت البنوك المركزية في دول مثل البرازيل وروسيا والمجر والمكسيك أسعار الفائدة بالفعل هذا العام لمواجهة ضغوط التضخم وانخفاض قيمة العملة، ويسود مخاوف في البنوك العالمية سياسية مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) .
وساهم من تلك التوقعات، تعليقات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي كلاريدا التي تميل نحو تشديد السياسة النقدية. في وقت أبكر ما كان متوقعًا بعد الحديث عن أن استيفاء الشروط اللازمة لرفع أسعار الفائدة قد يحدث بحلول نهاية عام 2022.
ومن المتوقع أن تؤدي إمكانية حدوث موجة تشديد نقدي شبيهة بعامي 2013 و2014 من خلال السيطرة على كم النقود المتداولة لتحقيق تخفيضات أكبر في معدل التضخم، وزيادات قليلة في البطالة.
ووفقا لمعهد التمويل الدولي. فإن رفع أسعار الفائدة الأمريكية قلص من تدفقات الأموال للأسواق الناشئة. لتسجل 31.2 مليار دولار في أبريل الماضي وهو أدنى رقم شهري منذ أغسطس 2020. ويقل بنحو 20.3 مليار دولار عن الرقم المسجل في يناير 2021.
وأبقى البنك المركزي التركي أيضًا أسعار الفائدة دون تغيير للشهر الرابع. خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية بعد ارتفاع الأسعار وتراجع الليرة بأكثر من 15% مقابل الدولار منذ أن تولى محافظ البنك، شهاب أوغلو. منصبه في مارس الماضي. رغم تعهده بالحفاظ على معدل إيجابي عند تعيينه وفقاً للتضخم المحقق والمتوقع. والحفاظ على سياسة صارمة حتى بلوغ هدف التضخم المحقق للبنك عند 5%.
في أبريل الماضي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضه رفع نسبة الفائدة. مطالبًا في إعادة هذه النسبة إلى رقم واحد (من 1 إلى 9)، مقابل 19% حاليا، لكن تواجهه صعوبات كبيرة بسبب ارتفاع التضخم السنوي بالبلاد إلى أعلى مستوى في عامين عند 17.53% في يونيو.